"الكويتية" طائر عمره أربعون عاما محمد المنسي قنديل تصوير: سليمان حيدر

"الكويتية" طائر عمره أربعون عاما

أربعون عاما من عمر مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية تعتبر زمنا قصيرا من حساب السنوات، ولكنها بالغة الطول من عمر الإنجاز. فهذا الطائر العملاق الذي ينطلق في سماء العالم يحمل على أجنحته أحلام الرواد الأوائل الذين أرادوا للكويت أن يكون لها مؤسساتها الوطنية للطيران، مزود بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا المعاصرة. لقد ولد هذا الطائر العملاق ليكون رمزا على هذا الحلم، وعلى المستقبل الذي يطمح للدخول إليه.

إنها فكرة جسورة.. أو بالأحرى هي الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، هكـذا يمكن أن توصف فكرة إنشاء "شركـة الخطوط الجوية الكويتية الـوطنية المحـدودة"، لقد كـانت وليدة الإحسـاس بالتطور وبداية لدخول الكـويت في مشارف العصر الحديث. فقد ومضت هذه الفكـرة كـالشعاع من خـلال نقـاش دار بين اثنين من رجـال الأعمال الكـويتيين هما السيدان أحمد سعـود الخالد ونصف اليوسف النصف رحمهما الله.. وسرعان مـا انتقلت هذه الفكرة- الحلم إلى اجتماع ضم العديد من رجال الأعمال الـذين نـاقشـوا تفاصيلهـا واقتنعوا بجـدواهـا وقـاموا بعرضها على الحكومة طالبين تأسيس شركـة طيران وطنية  برأسمال قدره مليونا روبية موزعة على أسهـم قيمة كل سهم منهـا 100 روبية، ودرست السلطات هذا الطلب بعناية وحازت الفكرة قبـولا حسنا على كل المستويات.

وفي 16 مارس عام 1954 احتفلت الشركـة الـوليـدة بتدشين باكورة أسطولها المكون من طائرتي داكـوتا "دي- س- 3" ودخلت في مباحثـات مع شركة الخطوط الجوية البريطـانيـة لما وراء البحـار لتحصـل منهـا على المسـاعدات الفنية ولتقوم بأعمال الملاحـة والتشغيل نيابة عنها.

وفي 17 مايو 1954 احتفلت الشركة الوطنية بافتتاح أول خطوطها المنتظمة بين الكويت والبصرة واتخذت من إحدى البنايات الصغيرة في حي المباركية مكتبا لها، وكذلك أنشأت ورشة للصيانة في مطار النزهة. ولكن هذه الشركة الصغيرة لم تكن تستطيع الصمود دون دعم مالي، وهكذا تدخلت حكومة الكويت وأقرضتها 200 ألف جنيه استرليني مقابل نصف الأسهم، وتعدل الاسم إلى "مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية" وقد أتاح هذا الدعم الحكومي توسيع الأسطول من شبكات الخطوط.

ولكن سـوق السفـر لم يكن معتدلا دائما، ونشأت العديد من الشركات الأهلية المنافسة التي أثرت بالسلب على هذا الأمر، وكرد فعل لذلك فقـد عقد المساهمون في الخطـوط الجوية الكـويتيـة اجتماعا فـوق العادة وقرروا بأغلبية ساحقة بيع جميع الأسهم الشخصية للدولة، وبدأت بذلك مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النقل الجوي التجاري في الكويت بأيلولة الشركة بأكملها إلى الدولة في مايو 1962.

منذ ذلك التاريخ ظهرت ملامح ذلك الكيان الاقتصادي الجديد، ونعني به مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، متعدد التطلعات، ضخم المسئوليات تتولاه قيادات تجمع بين الطموح المتوثب والخبرة الخلاقة، والحكمة في الفكر والسلوك.

إن أربعين عاما من عمر "الكويتية" يعد قليلا إزاء حجم الإنجاز الذي نشاهده اليوم، فهي من أوائل المؤسسات التي تملك أسطولا عصريا من الطائرات، وتمتد شبكة خطوطها إلى 45 خطا في قارات أربع يقوم على خدمتها 5700 موظف تدعمهم أجهزة وأنظمة الكمبيوتر والمعدات الحديثة سواء بالنسبة للحجز الآلي أو خدمات الركاب بالإضافة إلى حظيرة صيانة الطائرات وورشة محركات ومركز تدريب ومطبخ جوي ووحدات التدريب التشبيهي "السميليتور" هذا إلى جانب تأهيل الشباب الكويتي في مجالات الطيران المختلفة.

تحديث الكويتية

من الطائرات طراز "الديكوتا" إلى "الفايكونت" إلى عصر الطائرات النفاثة من طائرات "الترايدنت" إلى "البوينج" بطرزها المختلفة، ثم إلى طائرات "الإيرباص" التي تفتخر "الكويتية" بأنها تمتلك كل طرزها.

يقول السيد أحمد المشاري رئيس مجلس إدارة "الكويتية": إننا نستعد لاقتحام المستقبل منذ الآن، فنحن نسعى دائما إلى تحديث أسطول المؤسسة وشراء طائرات من الأجيال الحديثة سنويا لزيادة القدرة على المنافسة، إن كلفة صفقة الأسطول تصل إلى حوالي 1.4 مليار دولار لشراء 18 طائرة، 15 منها من نوع الإيرباص تتكلف حوالي 984 مليون دولار، وتعتبر الخطوط الجوية الكويتية أول شركة طيران عربية تشتري المجموعة الكاملة لطرازات الإيرباص الحديثة ذات التكنولوجيا المتقدمة، وأهمية هذا الأمر هو تقليل التكلفة الاقتصادية سواء في الصيانة أو قطع الغيار والتدريب وغيرها من الامتيازات الأخرى، كما أن صفقة طائرات البوينج 747 - 400 ذات التقنية المتطورة سوف تبلغ قيمتها 417 مليون دولار.. وسوف  تقوم المؤسسة بتمويل قيمة صفقة طائرات الأسطول ذاتيا من خلال الموارد المالية للمؤسسة بالإضافة إلى قروض من البنوك العالمية، وقد تلقينا بالفعل عروضا من 13 بنكا عالميا لتمويل هذه الصفقة، وهي دليل الثقة العالية التي تكنها هذه المؤسسات المالية "للكويتية" ومستوى أدائها.

والأمر لا يقتصر على تحديث أسطول "الكويتية" فقط، ولكن المؤسسة وعن طريق قسم التطوير بها قد طالبت بالكثير من التعديلات الداخلية بحيث توفر المزيد من الراحة للركاب. ويقول السيد عبدالله عبدالباقي رئيس قسم التطوير بالمؤسسة "إن مهمة هذا القسم هي دراسة كل وسائل التطوير والتعديل التي يمكن إدخالها على الطائرات بحيث تلائم الأجواء والظروف الكويتية وعلى سبيل المثال فقد طالبنا من مصنع الإيرباص تجهيزها بمقاعد مثالية من حيث الحجم والرفاهية وتخفيض عدد المقاعد في جميع الطرازات لمنح الركاب مزيدا من الاتساع وحرية الجلوس والحركة، كما تتضمن التعديلات إضافة جهاز عرض بشاشة فيديو لكل مقعد من مقاعد الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال للطرازات "300 أ - 310 أ" والتي بدأ تسليمها ابتداء من شهر نوفمبر الماضي عام 1992، وهذه الإضافة قام بها مصنع الإيرباص خصيصا للخطوط الجوية الكويتية، وهي تعتبر أول طائرة تخرج من المصنع مزودة بشاشات الفيديو والتي سوف تتيح للراكب حرية الاختيار بين 6 قنوات إرسال للفيديو.

حكاية طائرة مسروقة

في عام 1992 كنا على مشارف مدينة "مشهد" الإيرانية حيث كانت العربي تقوم بأحد استطلاعاتها، وأشار المرافق الإيراني إلى إحدى الطائرات الضخمة الرابضة في مطار جانبي، وهو يقول:

- هذه إحدى الطائرات التي هربها العراق إلى إيران أثناء حرب تحرير الكويت، كانت الطائرة تحمل اللون الأخضر الذي يميز خطوط الطيران العراقية، ولكن زميلي المصور صاح في حماس وقد تعرف عليها:

- إنها ليست طائرة عراقية.. إنها إحدى الطائرات الكويتية التي سرقها العراق أثناء الغزو.

كان قلب زميلي المصور دليله كما يقولون، فقد قدر لنا أن نشاهد هذه الطائرة الضخمة من طراز "إيرباص" مرة أخرى. شاهدناها هذه المرة في حظيرة مطار الكويت، بعد أن عادت إلى أرضها وتخلت عن اللون الذي صبغ هيكلها العملاق وعاد إليها لونها الأبيض والحروف الزرقاء. كانت لا تزال خاضعة لعمليات الفحص والصيانة الشاملة قبل أن تعود إلى بقية أسطول "الكويتية". ويحكي المهندس عثمان خليل العثمان قصة هذه الطائرة قائلا: "إنها واحدة من 15 طائرة قامت القوات العراقية بسرقتها في الأيام الأولى للغزو، وسارعت بنقلها إلى بغداد، ثم قامت بتهريبها عند اشتعال القتال، بعضها إلى إيران والبعض الآخر إلى الأردن، وقد تمت استعادة طائرة أخرى كانت موجودة في عمان من طراز بوينج 727 ثم قمنا بإجراءات مكثفة لمتابعة خط سير بقية الطائرات المسروقة، وسعينا بالأدلة والوثائق لإثبات أن الطائرات الست من طراز الإيرباص الموجودة في إيران هي ملك للخطوط الجوية الكويتية حتى تمكنا من استعادتها..".

إن الطائرة المسروقة لم تأت مباشرة إلى الكويت ولكنها ذهبت أولا إلى باريس حيث تم فحص كل جزء من أجزائها بدقة بالغة لمعرفة ما إذا كان هناك أي عطل قد أصاب أي جهاز من أجهزة الملاحة بها ثم عادت إلى الكويت كي تجرى عليها الفحوصات الأخيرة.

ولم تقتصر محنة الغزو على سرقة الطائرات فقط، ولكنها امتدت إلى قطع الغيار ومحركات الطائرات والمعدات وأجهزة الحاسب الآلي والمطبخ الجوي و تم نقل كل هذه الأشياء إلى بغداد، أما ما لم يتمكن من حمله ونقله فقد قام بتدميره.. باختصار لقد حاول أن يحطم ما استطاعت "الكويتية" أن تقوم بإنجازه على مدى 36 عاما من عمرها.

وربما كانت "الكويتية" من أكثر المرافق الاقتصادية التي تعرضت للسلب والنهب والتدمير أثناء الغزو، وهي أيضا في طليعة المرافق التي رفضت سياسة فرض الأمر الواقع، ومحاولة محو اسم الكويت من على الخارطة، فخلال الأيام الثلاثة الأولى للغزو اجتمع أعضاء مجلس الإدارة العليا وشكلوا إدارة في المنفى اتخذت من القاهرة مقرا مؤقتا لها، وكان لاختيار الموقع ميزة خاصة، فقد كانت هناك علاقات وثيقة تربط "الكويتية" مع مصر للطيران، بالإضافة إلى قرب موقع مصر الجغرافي، وكذلك فإن حجم العمالة الكويتية الموجود في القاهرة كان كبيرا إضافة إلى وجود مركز خاص للتدريب وطاقم للصيانة وست مكاتب رئيسية، وقد كانت القاهرة تعتبر بذلك ثاني محطة للتشغيل بعد الكويت.

ويحكي رئيس مجلس الإدارة أحمد المشاري ذكرياته عن هذه الفترة قائلا: "لقد كان لدينا إيمان مطلق بأن اسم "الكويتية" يجب ألا يختفي من سماء العالم، لذا فقد قمنا بحصر ما تبقى من طائرات سلمت خارج البلاد، وأجرينا اتصالات بجميع مكاتب "الكويتية" في الخارج وعملنا على ألا تتأثر عضويتنا في أي منظمة أو هيئة عالمية في مجال الطيران المدني، وقد تمكنا من خلال هذه الاتصالات من أن نجعل المنظمة الدولية للطيران المدني "الإيكاو" والتي تضم في عضويتها 204 شركات تقوم بالتنديد بالعدوان وأن تطلب من جميع أعضائها التحفظ على أي طائرة من الطائرات الخمس عشرة المسروقة من قبل النظام العراقي عند هبوطها في أي مطار من مطارات العالم وتسليمها إلى "الكويتية"، وقد حصلت "الكويتية" أيضا على حق مرور في جميع أنحاء العالم أكثر بكثير من التي كانت لديها قبلا".

وكان الانتصار الحقيقي للكويتية والذي سبق الانتصار العسكري بعدة شهور هو معاودة نشاطها وقدرتها التشغيلية، ففي يوم 18/ 10/ 90 استطاعت أن تقوم برحلات منتظمة من القاهرة إلى كل من البحرين وجدة ودبي ولندن ونيويورك وبومباي، وقد حافظت "الكويتية" على أطقم القيادة والضيافة والصيانة، وواصلت دفع مرتباتهم قياما منها بواجبها الإنساني تجاه العاملين بها من جهة، وحفاظا عليهم من التسرب إلى مؤسسات منافسة من جهة أخرى.

ومن هذا المقر المؤقت للمؤسسة انطلقت طائرات "الكويتية" تحمل رسالة الوطن السليب دلالة على وجوده وعلى سيادته وعلى تفاؤله بقرب يوم التحرير.

التحرير وإعادة البناء

حملت "الكويتية" على أجنحتها بشائر النصر، وهبطت أولى طائراتها في مطار الكويت الدولي بعد أسبوع واحد فقط من التحرير، وبالتحديد يوم 3 مارس عام 1991. وبدأت الإدارة بها في عمل دءوب لحصر الخسائر ومعرفة الاحتياجات الضرورية لإعادة التشغيل من المقر الرئيسي الذي أصبح حرا وإن لم يصبح جاهزا بعد.

كانت عودتها عنوانا على عودة العافية إلى جسد الكويت، وواجهت الإدارة تحديات الدمار واختيار البدائل المتاحة، قامت أولا بنقل أطقم القيادة والضيافة والصيانة من المقر المؤقت في القاهرة على أن تنقل موظفي الخدمات المساندة في مرحلة لاحقة، ثم اختارت موقعا لصيانة الطائرات في أبوظبي، وأجرت ارتباطات سريعة مع شركات الطيران العالمية حتى تجدد أنظمتها الآلية الخاصة بالحجز والمبيعات بصفة مؤقتة لحين استعادة أجهزتها الخاصة. لقد بدأت "الكويتية" رحلتها الصعبة من أجل إعادة البناء، فقد خرجت من الغزو بعد أن فقدت ثلثي أسطولها، وكان مطار الكويت الذي أصاب الدمار جانبا منه يشتغل جزئيا، كما أن نقص أنظمة الاتصال قد قلل كثيرا من مستوى الخدمات التي تعودت "الكويتية" على تقديمها، وكان الحل غير التقليدي الذي لجأت إليه المؤسسة هو استغلال الموارد البشرية المتاحة لها، وفي هذا الإطار تم إسناد عشرات الوظائف التي كان يشغلها أجانب من قبل إلى شباب كويتي، وكان التدريب والتأهيل الجاد هو طريقهم إلى خلق العديد من الكوادر الوطنية.

وعلى المستوى المالي فقد عانت "الكويتية" كثيرا خلال فترة الاحتلال، ولكنها قدمت نموذجا فريدا في الاعتماد على الذات في مواجهة هذه الظروف، ففي البداية كانت بحاجة إلى مبالغ تمكنها من تزويد الطائرات بالوقود ودفع التزاماتها تجاه منظمات الطيران العالمية ورواتب الموظفين، لذلك فقد اعتمدت على الأموال التي اقترضتها من مكتب الاستثمار الكويتي وذلك خلال الأسابيع الستة الأولى من الغزو بسبب الحظر الذي كان مفروضا على حساب المؤسسة.

إلا أن "الكويتية" قد قامت بالتشغيل وفك هذا الحظر، ومن خلال إيراداتها وإمكاناتها المادية استطاعت أن ترد كل ما عليها من مبالغ إلى مكتب الاستثمار بل واستطاعت أن توفر بإمكاناتها الذاتية كل ما تحتاج إليه دون أن تثقل أعباء الدولة خلال فترة الاحتلال.

وبعد التحرير واصلت "الكويتية" نفس هذه السياسة المالية، سياسة التمويل الذاتي. ولكي نعرف قيمة هذا الجهد الذي قامت به "الكويتية" يكفي أن نرى مبلغ الخسائر الذي لحق بها خلال الغزو، فقد بلغ 381.295.959 دينارا كويتيا، وهي القيمة الفعلية للطائرات التي سرقت وقطع الغيار التي نهبت والمعدات والآليات التي دمرت، وفترات التشغيل التي تعطلت.

وكانت القيمة التأمينية التي قامت بها "الكويتية" لتغطية أصولها تبلغ 692 مليون دولار أمريكي على الطائرات، ومبلغ 250 مليون دولار على قطع الغيار، وقد حصلت المؤسسة على تعويض أولي عن الطائرات طبقا لسياسة التأمين المعروفة بمخاطر المطار الواحد.

ولم تترك "الكويتية" ممتلكاتها التي سلبتها منها قوات العدوان العراقي، فقد أجرت مفاوضات عن طريق الأمم المتحدة استطاعت بها أن تستعيد العديد من هذه المسروقات، فقد قام وفد من دائرة الهندسة بالمؤسسة بالتعاون مع مندوبي الأمم المتحدة بالتعرف على قطع الغيار المسروقة، واستئجار طائرة لنقلها في حاويات بلغ عددها مائة حاوية.

كما تم استرداد 9 محركات كانت لدى العراق، وكان اتفاق المؤسسة مع شركات التأمين ألا تسترد هذه المحركات إلا عن طريق طرف ثالث يكون جهة فنية متخصصة تحكم على صلاحيتها، وقد تم ذلك بالفعل. فقد أرسلت المحركات أولا إلى الهند والنمسا وبلجيكا، وقامت الشركات في هذه الدول بفحص المحركات حسب الإجراءات الدولية المتبعة، وتمت صيانة بعضها وإصلاح التلفيات ثم تسلمتها المؤسسة بعد ذلك.

ولم تتخل "الكويتية" حتى عن حطام طائراتها التي دمرت في العراق أثناء عاصفة الصحراء، فقد حصلت على حق بيع أنقاضها، وكذلك حصلت على القيمة التأمينية لهذه الطائرات السبع المدمرة والتي بلغت 298 مليون دولار.

وهكذا استطاعت "الكويتية" أن تتمم مراحل إعادة البناء دون أن تفرط في أي حق من حقوقها، وأن تضع خططا قصيرة المدى وأخرى طويلة كي تواصل هذه العملية.

مطار الكويت.. من البحر إلى أحدث المستويات

طائرات تهبط وأخرى تستعد للانطلاق وأفواج من المسافرين من كل الأجناس وأبراج مراقبة تحتوي على أحدث ما أنتجته التكنولوجيا المعاصرة وأجهزة الرادار ومعدات للخدمات، حركة لا تهدأ في الليل أو النهار.

هذا هو مطار الكويت الذي حول تلك البقعة في أطراف الوطن العربي إلى نقطة مركزية تصل الشرق الآسيوي بالغرب وبقية أجزاء العالم، إنه جسر عبور تتزايد أهميته يوما بعد يوم، ويظهر هذا واضحا في عدد رحلات الطيران وعدد الركاب الذين يتخذون من المطار محطة عبور مهمة.

لقد بدأت حكاية المطار في الكويت بداية متواضعة قد لا توحي أبدا بهذا الشكل المتطور والبالغ الحداثة الذي نشاهده في المطار الحالي. لقد كان أول مطار شهدته الكويت هو مطارا بحريا، ففي أبريل من عام 1928 هبطت أول طائرة مائية بريطانية خاصة يقودها طياران إنجليزيان، وقد حصلا على إذن من الحكومة كي يحملا الركاب ويحلقا بهم في سماء الكويت مقابل أجر محدد. ولعلها كانت المرة الأولى التي يرى فيها أهل الكويت بلادهم من أعلى، وبعد عشرين عاما من هذا التاريخ- في أبريل 1948- استخدمت شركة "الخطوط الجوية الإمبراطورية" نفس هذا المطار لطائراتها البحرية، وزودته بمنصة عائمة تسحب الطائرة إليها بواسطة "لنش" لينزل الركاب من الطائرة أو يصعدوا إليها.

ولكن مع تطور حركة الطيران كانت هناك حاجة ملحة لوجود مطار أرضي، تم البحث عن منطقة مستوية في جنوب مدينة الكويت هي "الدسمة"، ولم يكن هذا المطار البدائي إلا فضاء مسطحا، لا مدرج ولا برج مراقبة، ولا مكاتب للجوازات أو الصحة، لقد كان أشبه بمحطة تموين للوقود، في منتصف المسافة بين لندن وبومباي، وقد استمر الهبوط والإقلاع في مطار الدسمة حتى بدأت حركة الطيران في الازدياد مع تدفق النفط وبداية النهضة العمرانية.

كان مطار النزهة هو بداية معرفة الكويت بالمطارات في شكلها الحديث، فقد بدأ بداية متواضعة في عام 1948 وكان لا يعمل إلا نهارا، أما إذا استلزم الأمر هبوط إحدى الطائرات ليلا فقد كان الموظف المختص يحدد ممر الهبوط بواسطة مصابيح " الجازولين"، وتطور المطار، وفي عام 1950 كانت تهبط فيه على الأقل عشر طائرات يوميا وارتفع عدد موظفي إدارة الطيران المدني من 12 إلى 80 موظفا عام 1960، وأنشئ أول برج للمراقبة عام 1953، وكان برجا خشبيا صغيرا لا يرتفع عن الأرض إلا بمقدار متر واحد كما عرفت الأدوات الملاحية الحديثة طريقها إليه، وأضيئت مدرجاته بالمصابيح الإرشادية حتى يمكنه العمل ليلا ونهارا، ورغم هذه التحسينات فقد كان التطور العمراني والاقتصادي للكويت أقوى من الإمكانات المتواضعة لهذا المطار، لذلك فقد تم الانتقال إلى مطار آخر في منطقة "المقوع".

لقد افتتح هذا المطار الدولي القديم في فبراير من عام 1962، وكان مبنى الركاب به يتسع لنصف مليون راكب، وزيدت أطوال المدرجات به حتى بلغت 3200 متر في عام 1968 وبذلك تمكن من مواكبة التطور في حركة الطيران واستقبال الطائرات العملاقة، وقد ضم قاعة للمغادرين بما فيها من شركات الطيران، ومبنى الإدارة العامة للطيران، وبرجا للمراقبة والرادار، وكذلك المقر الرئيسي لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وورش صيانة الطائرات.

ويمثل مطار الكويت الدولي الجديد آخر صيحة في حكاية مطارات الكويت ومواكبتها لروح العصر، لقد صمم مبنى المطار على شكل طائرة، وهو مكون من ثلاثة طوابق وسرداب كبير، تتسع مواقف الانتظار به لاثنتي عشرة طائرة بوينج 707، ويحتوي على برج لمراقبة الطائرات والسيارات التي تعمل داخل المطار والأجهزة والمعدات الحديثة، إنه مطار عصري بكل معاني الكلمة، يقدم العديد من الخدمات في سهولة ومرونة، ويعتمد الفلسفة الحديثة في النقل والشحن على سرعة الحركة وانسيابها من وإلى المطار.

لقد أصيب هذا المطار العصري بضربات عنيفة أثناء الغزو العراقي للكويت فقد وقع تدمير كامل لمبنى الركاب رقم 1، وتدمير جزئي لمبنى الركاب رقم 2، كما تم تدمير كل محطات الرادار ومحطة الإرسال والاستقبال وتدمير محطة أنظمة الهبوط الآلي على المدرجات ومركز الاتصالات اللاسلكية والتجهيزات وبرج المراقبة.

وقد تم وضع خطة إعمار المطار، وبوشر العمل فيها أواخر شهر أبريل 1991، وعاد مطار الكويت إلى أفضل مما كان عليه قبل الغزو من كافة الأوجه التشغيلية، لقد أصبح المطار بعد عمل دءوب يواكب أرقى المستويات في مطارات العالم، خاصة بعد الثقة التي أبدتها شركات الطيران العالمية في الطيران المدني الكويتي وإعادة تشغيلها لمطار الكويت حتى بلغ عددها 30 شركة من مختلف الجنسيات.

الكويتية من الداخل

إن جولة وسط الأقسام المختلفة التي تكون الهيكل الأساسي لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية توضح لنا ذلك الجهد الجبار الذي يقوم به العاملون في كل قسم من أقسامها، فمنها القسم الهندسي الذي يتمثل في حظيرة صيانة الطائرات العملاقة وبقية الأقسام الملحقة به، إلى ورشة صيانة الطائرات، إلى مراكز تدريب أطقم الطائرات والسلامة التي تحتوي على أحدث الأجهزة التشبيهية و"السميليتور" وآليات الحجز "ريسيكو" إلى الجهاز الإداري الذي يمثل صفوة الكوادر الوطنية الكويتية في هذا المجال.

يقول المهندس عثمان خليل العثمان مشرف حظيرة الطيران: لقد أنشأت "الكويتية" حظيرة صيانة الطائرات العملاقة في أواخر مارس عام 1983 بما في ذلك الورش الملحقة والمنطقة الواسعة التي تتسع لإيواء طائرتين من طراز جامبو في آن واحد بأكملهما، وهي لا تقدم خدماتها الفنية للطائرات الكويتية فقط، ولكنها تقدمها أيضا للشركات العربية والعالمية، يتم ذلك كله بأيد مدربة محلية تحت إشراف خبرة فنية أجادت المؤسسة تأهيلها وتدريبها للاضطلاع بالمهمة.

ويقول المهندس شهاب صالح شهاب من ورشة الراديو والرادار: "إننا نقوم بصيانة كل أجهزة الاتصالات والرادار، ونهتم بكل ما من شأنه أن يصل بين الطائرة وأجهزة المراقبة الأرضية، ونحن لا نعتمد إلا على قطع الغيار الأصلية المعتمدة من أهم الشركات..".

ويحدثنا السيد خالد حمود الحمود رئيس قسم الأجهزة التشبيهية عن جهاز "السميليتور" التي تمتلك "الكويتية" اثنين من أحدث مستوياته، وتقدم خدماتها التدريبية إلى العديد من أطقم شركات الطيران العربية، يقول: "إن القسم يهتم بتدريب الطيارين والمهندسين الجويين على كافة ظروف الطيران، وجهاز "السميليتور" يمثل نموذجا طبق الأصل من كابينة الطيار  وتجرى فيه كل الاحتمالات التي يمكن أن تحدث أثناء الطيران حتى يمكن تفاديها".

ومن قسم المحركات العملاقة يحدثنا السيد خالد حسن الخليل نائب رئيس قسم المحركات يقول "إن هذه الورشة تعتبر علامة بارزة في عملية تطوير القدرات الفنية للمؤسسة وهي تضم باحة رئيسية لأعمال الصيانة ومرآبا للتنظيف وآخر لغسيل المحركات وورشة مساندة ومخازن لقطع الغيار، وغير ذلك من المرافق الأخرى، وقد زودت الورشة بأحدث الأجهزة والمعدات بينها وحدة اختبار للمحركات بلغت تكلفتها 13.5 مليون دولار وتتيح هذه الوحدة التي تعمل بواسطة نظام كمبيوتر متطور للورشة إجراء صيانة المحرك واختباره، وهي بذلك قادرة على مواجهة كل ما يطرح بالأسواق من محركات ".

ملامح المستقبل

إنها مؤسسة لا تكف عن التطلع إلى المستقبل، وهي تفعل ذلك من خلال التخطيط المستمر، وهي عندما تضع شعار "تقدم من أجل الكويت" تقوم بترجمته إلى أهداف وخطط واستراتيجيات محددة ولا تضعه كشعار فقط، بل وتدرك المؤسسة أن ثروتها الحقيقية هي القوى البشرية، لذا فهي تولي أهمية قصوى لتدريب الكوادر الوطنية. ويقول السيد أحمد المشاري موضحا سياسة المؤسسة في التدريب: "إن حجم ما تنفقه المؤسسة على برامج التدريب يبلغ 3.5 مليون دينار كويتي تقريبا لأغراض التدريب والتأهيل الوظيفي، وتقوم دائرة التدريب ومركز تدريب الأطقم الطائرة والسلامة في دائرة العمليات بدور بالغ الأهمية في تنفيذ السياسة التدريبية المتبعة التي وضعت المؤسسة إطارا لها على شكل خطط خمسية للتأهيل الوظيفي،  نفذت منها حتى الآن خطتان، وتظهر نتائج التدريب وخطط التأهيل بوضوح من خلال التزايد المستمر في نسبة الموظفين الكويتيين العاملين في المؤسسة، ففي عام 1980 كانت نسبة الموظفين الكويتيين إلى مجموع العاملين 21.4% ثم ارتفعت إلى 25.1% عام 1985، ومع نهاية خطة التأهيل الثانية ارتفعت هاتان النسبتان السابقتان إلى 92%، إلى 100% من الوظائف القيادية، و 80% من الوظائف الإشرافية، وإلى حوالي 50% من الوظائف التنفيذية".

ولا تكف "الكويتية" عن فتح المزيد من الأسواق الجديدة، ففي إطار خطتها للخروج عن المسارات التقليدية لخطوط الطيران والدخول بقوة في مجال المنافسة، أنشأت أكثر من خط جديد وذهبت إلى مناطق لم تذهب إليها قبل الغزو، ويقول السيد المشاري عن هذه الخطوط: "إننا نحاول أن ندعم علاقات الكويت العربية والعالمية من خلال مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، فقد افتتحنا الخط الثالث إلى جمهورية مصر العربية- إلى مدينة الإسكندرية- من أجل تعميق علاقات الأخوة بين مصر والكويت، وكذا بدأنا أولى الرحلات إلى مدينة حلب السورية، وهو الخط الثاني لنا إلى سوريا الشقيقة، وكذلك افتتحنا خطا جديدا إلى مدينة "لاهور" في باكستان، ثم بدأت بعد ذلك أولى رحلاتنا إلى ميونخ في ألمانيا، وقد شهد شهر نوفمبر الماضي مناسبة خاصة للخطوط الجوية الكويتية حيث بدأت في تسيير رحلات جديدة إلى محطتين جديدتين في الشرق الأقصى هما سنغافورة وجاكارتا ضمن شبكة خطوطها الدولية.

ولكن كيف تستطيع "الكويتية" أن تواجه سوق الطيران الدولي الذي يمتلئ بعناصر المنافسة والشركات العملاقة والتكتلات الاقتصادية.. كيف يمكن "للكويتية" أن ترتقي إلى قدرة المنافسة العالمية؟ يقول السيد المشاري: "بالتخطيط لكل احتمالات المستقبل وتقلبات السوق، إننا نمتلك أسطولا من الطائرات الحديثة، كما أن لدينا خطة تسويقية محكمة تساعد المؤسسة على الانتشار وفق ضوابط لا تعرضها للمخاطر وتساعدها على الاتساع، كذلك فنحن ندخل في مجالات للتعاون المشترك مع الغير حسب نوعية النشاط، وتنويع هذه المجالات حسب متطلبات السوق المحلي والعربي سواء باحتياجات المستقبل القريب أو البعيد، وكذلك فنحن نحرص أشد الحرص على تقديم خدمات مميزة نسعى دائما لتحسينها سواء باحتياجات المستقبل القريب أو البعيد، وكذلك فنحن نحرص أشد الحرص على تقديم خدمات مميزة نسعى دائما لتحسينها سواء في مجال الركاب أو الشحن".

هذه ملامح إحدى مؤسسات المستقبل في الكويت، عمرها أربعون عاما فقط، ولكنه عمر طويل من الإنجازات، لقد سارت هذه الرحلة الطويلة عبر جهود الرواد الأوائل الذين تولوا إدارتها والذين دفعوها للأمام، تحملت خسائر الغزو وجهود إعادة البناء وما زالت طيرا فتيا يحلق في السماوات البعيدة.

 

محمد المنسي قنديل 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




الكويتية طائر عمره أربعون عاما





مضيفة جوية





رواد الطيران الكويتي تجمعهم لقطة تذكارية





طائرة الداكوتا باكورة الطيران الكويتي





المرحوم خالد الزيد.. رئيس مجلس الإدارة الأول





اجتماع يضم الرواد الأوائل الذين  أرادو أن يكون هناك تكوين لمؤسسة وطنية لطيران





أحمد محمد المشاري رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب الحالي





بعثة الطيارين الكويتين وهم يتلقون دورات تدريبية خارج البلاد





الطيار الكويتي جاسم المرزوق بعد عودته من إحدى رحلاته





أم كلثوم أثناء زيارتها الكويت عام 1968 وقد سافرت على متن الخطوط الكويتية





المطرب عبدالحليم حافظ في رحلة طيران بواسطة الكويتية





صيانة الطائرات في إحدى حظائر الصيانة العملاقة





جهاز السميليتور من الداخل حيث يتم تدريب الطيارين والمهندسين على ظروف الطيران





جهاز السميليتور من الخارج





حفل استقبال أول طائرة كويتية تهبط على أرض المطار





المغادرون من مطار الكويت الدولي لا يجدون مشقة في نقل أمتعتهم





تجربة عملية لإنقاذ الركاب في مواجهة الكوارث





طيارو الكويتية مستو عال من الكفاءة





جانب من الخراب الذي أصاب مكاتب الكويتية أثناء الغزو





احد المحركات العملاقة، وقد استردته الكويتية من النظام العراقي