الظاهرة السوفييتية الكون والفساد عبدالرحمن شاكر

الظاهرة السوفييتية الكون والفساد

ظاهرة الاتحاد السوفييتي ... كونه وفساده، أو بالأحرى نشوؤه وانحلاله، هي وليدة ظروف مجتمع ضخم يضم أطراف المعمورة من شرق آسيا الى قلب أوربا وسط ظروف دولية محتدمة من حروب وأزمات اقتصادية وآراء ومذاهب جعلت تلك الإمبراطورية القديمة تترنح وسط عالم جديد.

كنا، أو كان العالم في بداية هذا القرن بإزاء امبراطورية عظمى تقع في هذا الجزء من العالم الذي وصفناه، وهي الإمبراطورية الروسية، التي قامت على التوسع فيما جاورها شرقا أو غربا أو جنوبا، وأصبحت تضم الى جانب مواطنيها من الروس، أجناسا متعددة من الشعوب التابعة يبلغ تعدادهم نصف سكان الإمبراطورية في مجموعها، ضمت بلادهم وألحقتهم بالدولة الروسية التي يتربع على عرشها القياصرة الروس، عن اتباع الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية، التي ورثت بيزنطة، بعد سقوطها في يد العثمانيين، واعتبرت "روسيا المقدسة" حامية جديدة للمسيحية الشرقية وأورثتها شعار بيزنطة "النسر ذو الرأسين".

على الرغم من القوة الظاهرة لهذه الإمبراطورية الضخمة، إلا انها لاققت الهزيمة في عام 1904، على يد اليابان، تلك الدولة الآسيوية التي شرعت تأخذ بأسباب الصناعة الحديثة، في صراع بين الدولتين على بعض الجزر في الشرق الأقصى قريبا من اليابان وعلى الأطراف الشرقية لروسيا، وكانت فضيحة دولية مدوية لهذه الأخيرة، التي كانت تعتبر إحدى القوى الكبرى في أوربا، وبالتالي في العالم كله.

لم تلبث أن اندلعت في العام التالي لتلك الهزيمة، ثورة 1905 الروسية، التي عبرت عن حالة السخط والغضب التي اجتاحت مختلف صفوف المجتمع الروسي، الذي فقد الكثير من أبنائه المستنيرين احترامهم للقيصرية وأسلوبها الاستبدادي في الحكم، واعتبروا أن الهزيمة المذكورة كانت نتيجة للفساد المستشري في صفوف الطبقة الحاكمة، والتخلف عن اللحاق بالدول الغربية المتقدمة، سواء في نظام الحكم الديمقراطي الذي كان يسود معظمها، أو الأخذ بأسباب النهضة الصناعية على نحو صحيح، أو نشر التعليم العام. واستطاعت النخية الثائرة من المثقفين أساسا أن تحرك جموعا كبيرة من عمال الصناعة الوليدة في المدن الكبرى، التي كانت تعاني البؤس والاستغلال وتعيش في ظل أوضاع اقتصادية متدنية، وعلى الرغم من نجاح الحكومة القيصرية في قمع تلك الثورة بالقوة إلا أن الحكومة اضطرت في محاولة إدخال بعض الإصلاحات، من نوع انشاء مجلس نيابي محدود السلطات، هو مجلس الدوما، ومحاولة تحسين بعض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي عرفت باسم "عهد ستولييني"، الوزير القيصري المخطط والمشرف على إجراء تلك الإصلاحات.

الثورة على القيصر

لم تمض عشرة أعوام على هزيمة الروس في حربها مع اليابان، حتى تورطت في الحرب العالمية الأولى في عام 1914، بعد مضي ثلاث سنوات على بدء تلك الحرب، كانت الجبهة الروسية مع الألمان في حالة تدعو للرثاء، فلم تلبث أن شبت الثورة على النظام القيصري المتسبب في تلك الحرب، والذي أساء إدارتها حتى كان عدد من يموت من الجنود الروس بسبب الجوع أكثر ممن يموتون برصاص الألمان! وسقطت القيصرية في فبراير من عام 1917. وقامت حكومة مؤقتة بزعامة كيرنسكي، وبدلا من توقف تلك الحرب، استمرت فيها، واستمرت الهزائم، وازداد إصغاء الجنود إلى المحرضين من البلاشفة، الذين كانوا يدعونهم الى التآخي مع الألمان، وأن يكف العمال الألمان والروس عن أن يقتل بعضهم بعضا من أجل الطبقات الحاكمة وأطماعها الإمبريالية! وأرسلت السلطات الألمانية فلاديمير اليتش لينين، زعيم البلاشفة الذي كان منفيا من بلاده إلى روسيا في قطار خاص، بعد أن وعد الألمان بصلح منفرد معهم تنسحب بموجبه روسيا من الحرب، فيخف الضغط على قواتها التي بدأت تلقي الهزيمة في الجبهات الأخرى. وحينما واصل دعوته تلك في بلاده واستمر في تحريض الجنود على التآخي أمرت الحكومة الروسية باعتقاله لتقديمه في المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، واضطر لينين الى الاختفاء ريثما يدبر ثورة أخرى على الحكومة الانتقالية وهي الثورة البلشفية في أكتوبر من عام 1917، وكان شعارها الأساسي أو "السلام" للجنود "والأرض" للفلاحين، "وكل السلطة للسوفييت"، أي لمجالس العمال والجنود.

وعلى الرغم من كون التاريخ الذي مضى لا يقبل الفروض، إلا أنه يبدو مغريا التساؤل حول ماذا كان يمكن أن يحدث لو انسحبت حكومة كيرنسكي من الحرب قبل الثورة عليها! هل كان من الممكن أن يقوم نظام ديمقراطي (كالذي تبحث عنه الآن!)، وبدلا من أن ينجح الحزب البلشفي في القيام بثورته الاشتراكية، كان من الممكن أن يتغلب عليه التيار الاشتراكي الديمقراطي، ويقنع بالنضال البرلماني على طريقة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في الغرب، تارة يكون في المعارضة، وتارة يصل إلى الحكم فيقوم بما يستطيع من اصلاحات اجتماعية لسائر الطبقات العاملة؟!

ولكن الذي حدث أن البلاشفة استولوا على الحكم وانتهى الأمر، وعقدت الحكومة البلشفية صلحا مهينا مع الألمان هو المعروف باسم صلح برست ليتوفسك، وبموجبه فقدت روسيا كثيرا من الأراضي التابعة لها على حدودها الغربية، واستقلت عنها كل من فنلندا وبولندا ودويلات البلطيق، ودافع لينين عن هذا الصلح الاضطراري أمام زملائه الذين استاءوا من شروطه المجحفة، داعيا إلى التركيز على البناء الداخلي حتى تستطيع روسيا أن تستعيد ما فقدته! ولكن الدول الغربية الرأسمالية لم تترك هذا البناء يتم في هدوء، وإنما شنت ضد روسيا الثورية ما عرف باسم حروب التدخل، وذلك لأنها كانت تعتبر النظام الثوري الجديد القائم في روسيا خطرا عليها، لانه لا يكف عن تحريض عمال تلك الدول على الثورة عليها، وبالفعل قامت ثورة في ألمانيا سقطت فيها القيصرية ولكن الاشتراكيين الديمقراطيين أحبطوا محاولة الجناح اليساري اقامة نظام شبيه بالنظام السوفييتي، وقامت حكومة سوفييتية في المجر بقيادة "بيلاكان"، ولكنها قمعت بالقوة من جانب الدول المجاورة. وحينما انتهت حروب التدخل، ظلت العداوة مستحكمة ما بين النظام الثوري في روسيا والدول الغربية الأخرى. حيث كان الحزب البلشفي الحاكم في روسيا قد شكل منظمة دولية باسم "الكونترك"، لتضم الأحزاب الشيوعية في العالم كله، وتقود تحركها من أجل اسقاط النظام الرأسمالي في جميع البلدان. واضطر لينين الى أن يسمح فترة بالحرية الاقتصادية تحت اسم "السياسة الاقتصادية الجديدة" بعد فترة "شيوعية الحرب" وذلك لتنشيط التجارة وإنعاش الاقتصاد الروسي الذي كان في الحضيض.

ذلك هو ما حاول جورباتشوف أن يتمثل به في العقد الماضي حينما وافق على ادخال آليات السوق لإنعاش الاقتصاد السوفييتي بعد فترة "الركود" التي عانى منها في عهد بريجنيف، على حد ما ذكر جورباتشوف في كتابه عن البيريسترويكا، أي اعادة البناء.

التأميم والتملك الجماعي

ولكن الثورة السوفييتية ما لبثت أن عادت إلى تأميم معظم وسائل الإنتاج، وأقصى ما كانت تسمح به هو التملك الجماعي من أهل القرية لأرضهم الزراعية، وذلك اذا لم ينضموا الى مزارع الدولة، أو يتملك الفلاح قطعة الأرض الصغيرة المحيطة بمنزله يزرعها هو وأفراد أسرته فقط، أو يتملك فرد مطعما أو ورشة صغيرة يعمل فيها هو وأفراد أسرته لا يستأجر أحدا من العمال، وإلا اعتبر ذلك استغلالا رأسماليا، كانت الثورة تعتبر أن كل تملك ولو صغيرا لبعض وسائل الإنتاج يخفي وراءه تطلعا إلى ملكية أكبر، وأن صاحبه هو ظهير محتمل للعدو الخارجي الذي يريد أن يفتك بالثورة ويقضي على مبادئها.

من أجل تطبيق تلك السياسة الصارمة في مواجهة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، تحول الحكم الثوري باسم ديكتاتورية البروليتاريا ( أي الطبقة العاملة ) في استبداد مطلق، وقهر بوليسي خانق، وخاصة في الفترة التي شرع فيها ستالين، بعد موت لينين، يفرض على الفلاحين نظام المزارع الجماعية، وامتد الإرهاب الى صفوف الحزب البلشفي ذاته، برغم تفرده بالسلطة، وتحريم قيام أحزاب أخرى الى جانبه، حيث كانت المعارضة على أشدها للقمع الوحشي الذي مارسه ستالين ضد الفلاحين المتمسكين بملكيتهم الفردية للأرض التي وزعتها عليهم الثورة في أول عهدها، مما صادرته من أراضي كبار الملاك والإقطاعيين، وامتدت هذه المعارضة إلى دوائر الحزب ذاتها، وبطش ستالين بكل من تصدى له حتى أقرب رفاقه، وقد قيل انه أعدم معظم أعضاء مؤتمر الحزب البلشفي الذي سبق أن اختاره أمينا عاما له. وقد يكون من المدهش الآن، أنه مع التحول الواسع النطاق إلى اقتصاد السوق في روسيا والاتجاه الى اعادة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، أن تكون أشد المعارضة في ذلك هي من جانب الفلاحين المتمسكين بالمزارع الجماعية، وأن تنضم اليهم في الدفاع عن هذا النظام، الكنيسة الروسية وكثير من آبائها الروحيين!! ونسي الفلاحون الروس المعاصرون ما عاناه آباؤهم وأجدادهم لرفض هذا النظام، ويبدو أن المتنبي كان صادقا في قوله:

لكل امرئ من دهره ما تعودا!

وقد نجحت الثورة السوفييتية - برغم ما عانته من متاعب - في نشر التعليم العام، وفي ترقية العلوم، وكان سبقها في غزو الفضاء شاهدا على ذلك، وكذلك في بناء قاعدة صناعية ضخمة، وخاصة في الصناعات العسكرية، حيث كانت تتوقع هجوما عليها من الدوائر الرأسمالية في الغرب، خاصة بعد وصول الحزب النازي للحكم في ألمانيا في بداية الثلاثينيات، وكان زعيمه هتلر لا يخفي أن من أهدافه القضاء على الشيوعية في عقر دارها، وقد لعبت المناورات السياسية بعد قيام الحرب العالمية الثانية في عام 1939 دورا بارزا في تقرير مصير النظام السوفييتي.

الجيش الأحمر يتقدم

منذ بدأ هتلر الحرب باجتياحه بولندا، تقدم الجيش الأحمر السوفييتي ليلاقيه في منتصفها، في الوقت الذي كانت فيه فرنسا وبريطانيا العظمى قد أعلنتا الحرب على ألمانيا بسبب احتلالها بولندا، فاضطر هتلر لكيلا يحارب في جبهتين أن يوقع معاهدة عدم اعتداء مع ستالين في عام 1940، وتوجه بجيوشه إلى الغرب مجتاحا كلا من بلجيكا والنرويج وهولندا ثم فرنسا بعد ذلك، مع محاولة فاشلة في عبور المانش لاحتلال الجزر البريطانية، فتوجه بجيوشه مرة أخرى ناحية الشرق محاولا غزو روسيا بعد عام أو أقل من توقيع معاهدة عدم الاعتداء معها! وتقدم في روسيا ما شاء له التقدم، ولكن تورط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب بعد الهجوم الياباني عليها في بيرل هاربر قلب الموازين الدولية فيها يلي أبعد الحدود.

كان من رأي تشرشل رئيس وزراء بريطانيا ابان الحرب، أن إقدام هتلر على غزو الاتحاد السوفيتي هو فرصة ذهبية للقضاء على الشيوعية، وأن على الحلفاء الغربيين أن يكفوا أيديهم عنه حتى يفرغ من تلك المهمة ان لم يساندوه فيها! ولكن روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أبى ذلك عليه، وأصر على ضرورة مساندة السوفييت في صراعهم ضد النازية الألمانية، باعتبارها هي العدو الأول للحلفاء، مع بقية دول المحور مثل ايطاليا واليابان، وبالفعل صدر قانون الإعارة والتأجير الأمريكي، الذي قدمت بموجبه مساعدات أمريكية هائلة من السلاح وغيره إلى الجيش السوفييتي الذي استبسل في الدفاع عن بلاده، حتى أوقع الهزيمة بالنازية في ستالينجراد في عام 1943، ليبدأ بعدها هجوم الحلفاء الغربيين في نورماندي عام 1944، وفي عام 1945 تنتهي الحرب باستسلام المحور، ويكون الجيش الأحمر السوفييتي قد اجتاح معظم دول شرق أوربا، حتى واجه الحلفاء في قلب الأراضي الألمانية.

المعسكر الاشتراكي

لم يسترد الاتحاد السوفييتي بهذا معظم الأراضي التي كان قد فقدها في صلح برست ليتوفسك فحسب، وإنما أصبح معسكرا دوليا، حيث أقام في شرق أوربا أنظمة موالية له تحكمها أحزاب شيوعية، بما في ذلك الشطر الشرقي الذي احتلته قواته من ألمانيا، واستطاع أن يقدم العون الكافي للحزب الشيوعي الصيني لكي يتم استيلاؤه على كل أراضي الصين، فيما عدا جزيرة فرموزا، ويعلن في عام 1949 قيام جمهورية الصين الشعبية، التي أصبحت هي الشريك الأكبر للاتحاد السوفييتي في زعامة ما عرف باسم المعسكر الاشتراكي.

واستعرت المنافسة الدولية ما بين المعسكرين، الاشتراكي الشرقي، والرأسمالي الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على مناطق النفوذ في العالم. وخاصة في صفوف الدول النامية، التي نشأت باستقلال معظم مستعمرات الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية. كما اشتد سباق التسلح فيما بينهما في اطار ما أصبح باسم الحرب الباردة!

ولكن شقاقا رهيبا وقع في صفوف المعسكر الاشتراكي بين قوتيه الكبريين الاتحاد السوفييتي والصين، دار حول أمرين مهمين:

الأول: مطالبة الصين بحقها في السلاح النووي أسوة بالاتحاد السوفييتي، ورفض السوفييت ذلك بدعوى أن الصين يكفيها الحماية النورية السوفييتية!

الثاني: مطالبه الصين باقطاعها جزءا من سيبيريا الواسعة لزراعتها وإعالة شعبها الذي يبلغ ربع تعداد الجنس البشري! والكف عن تقديم معونات اقتصادية لبعض الدول النامية بهدف اجتذابها للمعسكر الاشتراكي، وتقديمها كلها للصين لكي تلحق بالسوفييت في مستواهم الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي في أسرع وقت، وذلك ايضا ما رفضه السوفييت، ليواجهوا اتهاما صينيا بأن الاتحاد السوفييتي قد انحرف عن مبادئ الدولية الاشتراكية، ليمارس سياسة شوفينية تشبه السياسة الإمبريالية!

وقد عمل هذا الشقاق على اضعاف المعسكر الاشتراكي برمته في مواجهة عدوه المشترك في المعسكر الآخر، وأصبح الاتحاد السوفييتي يواجه الحرب الباردة على جبهتين، إحداهما مع المعسكر الرأسمالي، والأخرى مع "الرفاق" الصينيين! مما ألقى أعباء رهيبة على اقتصاده، وجعله عاجزا عن رفع مستوى معيشة شعبه على نحو مرض.

وأخيرا تورط الاتحاد السوفييتي في حرب ساخنة طويلة في منتصف السبعينيات، حينما قام بعض الضباط في دولة أفغانستان المجاورة لحدوده الجنوبية ممن تعلموا في الاتحاد السوفييتي ولقنوا مبادئه الشيوعية بانقلاب في تلك الدولة، وأوهموا القادة السوفييت أنه بقليل من المعاونة يمكنهم اقامة دولة شيوعية في أفغانستان، ربما ضمها الاتحاد السوفييتي، كواحدة من جمهورياته الآسيوية التي تسكنها أغلبية من المسلمين!

ولكن الجيوش السوفييتية التي تورطت في القتال في أفغانستان، لقيت مقاومة مستميتة من شعب مسلم، رفض أن يتخلى عن عقيدته ونظمه الموروثة، تؤازره معاونة من كل من العالم الإسلامي، والمعسكر الغربي المناوئ للسوفييت، وحينما شرعت السلطات السوفييتية، ترسل جنودا من الجمهوريات السوفييتية الإسلامية ليقنعوا المجاهدين الأفغان بقبول الشيوعية، كان كثير منهم يستسلمون للمجاهدين بل يقاتلون في صفوفهم، وشرع الصدع يمتد الى داخل الكيان السوفييتي برمته، حيث كان قد تم تقسيم الإمبراطورية الروسية بعد الثورة، إلى ست عشرة جمهورية المفروض فيها أنها مستقلة متساوية في الحقوق، تجمعها وحدة اختيارية فيما يعرف باسم "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية"، التي تسمى اختصارا باسم الاتحاد السوفييتي. وبدأ التساؤل عن مصير هذا الاتحاد، حيث إن سكان الجمهوريات الآسيوية الإسلامية يتوالدون بمعدل يصل إلى ثمانية أفراد للأسرة، بينما يقل عدد المواليد في الجمهوريات الأوربية السلافية التي تسودها العقيدة المسيحية إلى معدل طفل واحد لكل أسرة! ومعنى ذلك أنه لن تمضي عدة عقود، الا ويصبح المسلمون أغلبية في الاتحاد السوفيتي، ويكفي أن نسبتهم في الجيش قد أصبحت أربعين في المائة!

وفي عام 1985 جاء جورباتشوف الى الحكم، ليكون أول قراراته الانسحاب من أفغانستان التي انهكت الاتحاد السوفييتي اقتصاديا وعسكريا ومعنويا، ثم الانسحاب من دويلات البلطيق وشرق أوربا، وبحكم التدهور الاقتصادي الشنيع، ثم ادخال آليات السوق للاستفادة من التقدم التكنولوجي الذي تحقق في الغرب، والذي عجز الاقتصاد الاشتراكي عن اللحاق به فضلا عن محاولة سبقه! والتحول إلى الديمقراطية السياسية وإلغاء تفرد الحزب الشيوعي بالحكم.

ومع محاولة الانقلاب الشيوعي الفاشلة على جورباتشرف في أغسطس عام 1991، صعد يلتسين على ظهر دبابة كانت تحاصر البرلمان الروسي وخطب في الجماهير داعيا الى الدفاع عن الديمقراطية الوليدة في روسيا، وصعد معها باعتباره بطل هذه الديمقراطية، واجتمع مع كل من رئيس أوكرانيا وبيلوروسيا، ليعلن قيام الاتحاد السلافي بين روسيا وهاتين الجمهوريتين، ورفض المعاهدة الجديدة التي كأن جورباتشوف قد اقترحها للاتحاد السوفييتي، ثم وافق هذا الاتحاد السلافي على انضمام معظم الجمهوريات السوفييتية السابقة اليه في رابطة واهية تعرف باسم "كومنولث الدول المستقلة".

وذهب الاتحاد السوفييتي، ذهب رئيسه الأخير جورباتشوف، وبقي يلتسين يقود بلاده روسيا باسم التحول إلى الديمقراطية واقتصاد السوق ونبذ الشيوعية، ولكن التخبط لايزال يسود سياسته سواء من الناحية الاقتصادية، حيث تعاني الجماهير شظف العيش وتدهور الإنتاج وازدياد معدل البطالة والارتفاع الفاحش في الأسعار، أو الصراعات الإقليمية وأهمها الحرب التي لم تنته بعد في جمهورية الشيشان الصغيرة ذات الحكم الذاتي داخل الاتحاد الروسي، وتسكنها أغلبية من المسلمين، أو من الناحية الأمنية حيث تتفاقم الجريمة المنظمة...

ولا تزال أمام التاريخ في تلك المنطقة من العالم فصول لم يكتبها بعد!

 

عبدالرحمن شاكر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات