السينما.. الحياة أيهما أكثر حقيقة من الآخر؟ محمد الرميحي

السينما.. الحياة أيهما أكثر حقيقة من الآخر؟

حديث الشهر

لو أن الحياة في هذا الكوكب الذي نعيش عليه لها مرآة بحجمه لكانت هي السينما، فهي تحاكي الحياة صورة وصوتا، شعورا وحركة، تترجم وبنفس الحيز من الوقت والشخوص والأماكن ترجمة أمينة كل ما نواجهه في الحياة من شر وخير ومن حزن وفرح. السينما هي حياة الناس في القرن العشرين وما بعده، وهي المحاكاة الحقيقية للحياة أكثر من أي فن اخر، أكثر رحابة من المسرح وأكثر تسلية من الكتاب.

ويمكن ان يكتب تاريخ السينما من أكثر من مدخل، كالمدخل التقني، والاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الصناعي، أو حتى التأليفي. وكل هذه المداخل شرعية في فهمنا للسينما وتطورها في هذا القرن الطويل والمضطرب. ومما يلفت النظر أن صناعة السينما مثلها مثل صناعة النفط هما صناعتان أمريكيتان، أي تم اختراع آلاتهما الأولية واكتسبتا أهميتهما الاقتصادية والثقافية في هذا البلد الجديد في نهاية القرن الماضي، وان سبق النفط السينما بسنوات قليلة، إلا أن الصناعتين تطورتا وبسرعة في السنوات الأولى من القرن العشرين لتصبحا صناعتين دوليتين.

السينما الأمريكية تسيطر

وتبدو السينما الأمريكية اليوم هي المسيطرة على معظم أسواق العالم، وهي التي تقدم التجارب الحديثة فيما يمكن تسميته بمجموع الفنون. ومن الطريف أن صناعة السينما فى بدايتها الأولية، منذ قرن تقريبا، بدأت عاملا ترفيهيا بسيطا وأوليا مخصصا للأفراد، ثم انتقلت بسرعة للجماعة عن طريق دور العرض لسينمائية، واستمرت كذلك حتى ظهر (الفيديو) فعادت للأفراد من جديد لكن بطريقة أخرى وتحت ظروف مختلفة.

واليوم تشكل صناعة السينما الأمريكية معظم السوق الدولية، والمنافسة التي ظهرت في فترة أو أخرى بدوافع قومية كما في فرنسا أو بدوافع أيديولوجية كما في الاتحاد السوفييتي السابق، لمنافسة هذه الصناعة الجبارة سرعان ما انتهت إلى الفشل.

تاريخ السينما - التي بدأت تخطو خطواتها الجادة في بداية هذا القرن - هو تاريخ التوسع الصناعي، والتنظيم التجاري، والتطور التقنى، وتطور دراسات السيطرة على عقول الجماهير أيضا، فالمشاهد خلال جلسة مريحة يستطيع أن يستعرض تاريخ أمة، أو تفاصيل معركة حربية أو تطور حياة بطل تاريخي أو سيرة عظيم أو مجرد قصة حب عاطفية يمكن أن تقع لأي فرد منا، ويقتنع بما يراه ويتفاعل بتفاصيله، إلى درجة أن البعض يوقن أن ما يشاهده على الشاشة هو الحقيقة لا غيرها.

أستطيع أن أجزم دون مشقة مثلا أن كل الأفلام التي أنتجت حول حوادث الحرب العالمية الثانية تمجد في بطولة الجندي أو الضابط الممثل للحلفاء، وتمعن في إظهار غباء وعصبية الجندي أو الضابط الممثل للمحور، فكما أن التاريخ يكتبه المنتصرون فإن السينما هي جزء من ذلك التاريخ تميل بقوة إلى جانب المنتصرين أيضا.

وتتحول صناعة السينما والإنتاج السينمائي مع تحول المجتمع وتطوره فمن الأفلام البسيطة الصامتة، إلى الأفلام الواقعية التي ترصد الحياة بإيجابياتها وسلبياتها، إلى أفلام الخيال العلمي والخيال الفلسفي. ولعل الفيلم الأمريكي الأخير الذي عرض ومازال يعرض في أسواق العالم اليوم ولقى صدى عظيما، وأقصد به فيلم "فورست جامب" الحائز على عدد وفير من جوائز الأوسكار منذ أشهر، هو فيلم يبحث عن الهوية الأمريكية عن طريق رواية يرويها شاب يجلس على محطة "الباص" يحاول عبثا أن يسرد حكايته لأي عابر سبيل، فهو يواجه صعوبات في المشي عندما كان طفلا مع شيء من التخلف العقلي، ويتحول هذا الشاب بشيء قريب من المعجزة إلى بطل فى فيتنام، ومصافح لكل الرؤساء الأمريكان برغم أنه محروم من الحب بعد أن هجرته رفيقة طفولته، ومن خلال الحكاية بأسلوب إنساني مؤثر يسرد الفيلم تاريخ الولايات المتحدة المعاصر بطريقة غير مباشرة، تاريخا يبدو بلا هدف ينتهي نهاية مأساوية بظهور مرض الإيدز الذي يأخذ حبيبة البطل بعد أن يتزوجها. فيلم كهذا يبحث عن هوية مجتمع، ولا يسرد قصة مباشرة هو مزيج من الخيال والواقع معا.

أغراض السينما لا تنتهي، فهي صالحة حتى للمناقشات الفلسفية والبحث عن المصير الإنساني، الذي هو ضالة الإنسانية، ولكنه ليس بحثا جامدا منفردا، بل هو بحث للإنسان في الإنسان، وإظهار ضعف الإنسان أمام جبروت نفسه. لقد تطورت صناعة السينما في السنوات الأخيرة بسبب تطور التقنية، وكانت للاثنين - كل منهما بالآخر - علاقة طردية، فالعديد من الاختراعات السينمائية التي وظفت بعد ذلك في هذه الصناعة، كان دافعها الحاجة التي وجد العاملون في الصناعة أنهم يحتاجون إليها، فاستخدم الصوت والعدسة المقربة في التصوير ثم الألوان، وبعدها العدسة الواسعة (سكوب).. إلخ من الاختراعات الإضافات، وهناك أسماء عديدة من المصورين والفنانين والكتاب الذين ساهموا في ذاك التطوير، واليوم تدخل المؤثرات السينمائية التى وظفها ويوظفها الكمبيوتر كأحد التحديات الهائلة لصناعة السينما العالمية، فقد أخذت هذه الصناعة تستخدم هذه التقنية العالية حتى كاد يختلط على المشاهد الحد الفاصل بين حقيقة ما يقوم به البطل من أفعال وما يمكن للتقنية الجديدة من إضافته على فعله، حتى أصبح نقاد السينما يتساءلون: هل هذه التقنيات الكمبيوترية الفذة قادرة على أن تخدم أهداف السينما أو أنها فقط ستظل في إطار الإبهار والثقافة الحسية؟.

وإذا عدنا إلى فيلم "فورست جامب" وشاهدنا البطل وهو يقوم بمصافحة الرئيس كنيدي أو الرئيس جونسون أو الرئيس نيكسون - وهم الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الولايات المتحدة في الفترة الافتراضية للفيلم - فسنشعر بأن المشهد أشبه بالحقيقة، وكل ما في الأمر أن هذا المشهد هو أحد تأثيرات دخول الكمبيوتر في مجال السينما.

لقد اصبحت الدعاية اليوم للأفلام عن طريق الصور الجميلة للبطلات هي طريق التوزيع الواسع، واكتشف موزعو السينما مبكرا أهمية اخبار البطلات وأسمائهن للجمهور منذ بداية السينما وقبل أن تصبح ناطقة، لقد كانت عملية إشهار بطلات الأفلام المتحركة القصيرة والصامتة عملية مدرة للربح، وكانت أول ممثلة نالت هذه الشهرة في عام 1910 - عندما كانت صناعة السينما في طفولتها - هي الممثلة فلورنس لورنس وكانت تلك خطوة غير مسبوقة وقد دخلت بعدها تلك الممثلة - ولهذا السبب - كتب تاريخ السينما. أصبحت ظاهرة الدعاية عن طريق الصور الجميلة ظاهرة عادية بل لقد تعمد رجال الدعاية السينمائية بعد ذلك - من أجل ترويج أشرطتهم السينمائية - أن يخترعوا القصص الغرامية وغيرها من الموضوعات المثيرة حول أبطال أفلامهم لجذب نظر الجمهور، وكان توظيف النساء في الإعلان - من أجل ذلك الهدف - ظاهرة سينمائية أمريكية في العشرينيات، وسرعان ما تبنتها صناعة السينما في العالم.

السينما والضغوط الاجتماعية

لم تكن صناعة السينما في بداية تطورها صناعة مقبولة من المجتمع فقد واجهت الضغوط الرقابية منذ أن بدأت. وأول فيلم تم منعه هو فيلم قصير صامت (دوليرتا في الرقصة العاطفية) في عام 1895، وقد منع بناء على أمر السلطات المحلية في مدينة (أتلانتك سيتي)، وبعد سنتين من منع ذلك فيلم مُنع فيلم آخر قصير بعنوان (تفتح البرتقال) هذه المرة بأمر من محكمة في ولاية نيويورك لأنه (يجرح شعور الجمهور). وبانتشار دور العرض فى الولايات المتحدة بدأت تظهر مجموعات من القوى الضاغطة من بينها الكنائس والقوى الاجتماعية الأخرى ورجال الشرطة والصحافة، التي تطالب بحماية الجمهور من إغواء السينما، مجموعات الضغط هذه حاولت أن تؤثر وتفرض نفوذها على الوسيط الاتصالي الجديد (السينما) وتنامت هذه الضغوط حتى تحولت إلى شكل مؤسسي بإنشاء مجلس الرقابة، ومع تكتل أصحاب الصناعة السينمائية واتساع نشاطها وظهورها كصناعة مؤثرة في الرأي العام من جهة أخرى، قام اتحاد يمثل مصالح المالكين لهذه الصناعة، وأراد هذا الاتحاد أن يفرض وجهة نظره المضادة لرفع الرقابة المباشرة، فتبنى اتحاد شركات الإنتاج ميثاق شرف لصناعة السينما مكونا من 13 نقطة كي يصبح مؤشرا لإنتاج الأفلام وعرضها فيما بين الشركات المنتجة؟ وقد حرم هذا الميثاق مجموعة من الممارسات كإظهار العري، أو العنف الزائد على الحد، وبعض المظاهر المنافية لما اعتقد أنه من الآداب العامة وقتها، إلا أن هذا الجهاز افتقد الاداة التنفيذية. وظل الصراع في موضوع الرقابة سجالا بين أهل الصناعة والمؤسسات الرسمية في الولايات المختلفة، وخاضت الصناعة حربا قانونية أمام المحاكم المحلية والمحكمة الدستورية العليا نجحت فى بعضها وفشلت في بعضها الآخر، حتى استقر الأمر على رفع الرقابة المباشرة عن الأفلام في الولايات المتحدة، على أن تصنف الأفلام بدرجات مختلفة ويمنع دخولها لسنوات معينة من العمر فيما يسمى بـ Rating.

أفلام كالصدمة

السينما لم تكن دائما فنا مستأنسا، فمنذ أن اكتشف سحر الصورة المتحركة وكل القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تحاول تطويع هذا السحر لمصلحتها، ولكن التعاويذ كثيرا ما تستعصي على الساحر. لقد أثبتت دائما أنها فن لا يستطيع أن يعيش إلا مع الحرية .. وإذا كانت تحاول دائما أن تفلت من أساليب القمع السياسية التي حاولت الأنظمة - وخاصة الشمولية منها - أن تفرضها عليها، فقد نجحت في بعضها وفشلت فى الأخرى. ولكن إذا كانت السينما لها الحق في مقاومة السلطة.. فهل يحق لها أن تصطدم بالناس الذين تعتمد على جموعهم؟ هل تستطيع أن تتحدى تقاليدهم وقيمهم؟ لقد شاهدت على شاشة التلفزيون منذ أسابيع قليلة الفيلم العربي "نهر الحب" المأخوذ عن رواية "انا كارنينا" للكاتب الروسي الشهير ليون تولستوي. كان الفيلم رومانسيا يجمع بين رقة فاتن حمامة ووسامة عمر الشريف ويحاول إثارة كل مشاعر الحب والعشق في النفوس. وبرغم ذلك فلم ينجح هذا الفيلم في وقتها ولا أظن أنه يلاقي النجاح الآن. والسبب في ذلك هو سبب أخلاقي، فالفيلم برغم كل ما قدمه من مبررات يهاجم مؤسسة الزواج الشرعية.. المؤسسة التي يعتبرها الكثيرون عماد المجتمع والحياة، ففيه تعشق البطلة - المتزوجة من رجل مسن هو زكي رستم - شابا صغيرا يافعا، ولم يقبل الجمهور العريض الفيلم لهذه الأسباب بالذات!! ولكن هذا المثال يعد بسيطا فقد تجاوزت السينما الخطوط الحمراء في مناسبات عديدة.. ولعل الموجة التي سادت السينما في الثمانينيات أبرز نموذج على ذلك التجاوز، حيث ارتفعت نسبة الجنس والعنف إلى حد كبير مما يهدد بإفساد أخلاق النشء من المتفرجين.. وهناك بلدان كثيرة - حتى المشهورة منها بانفتاحها وتقبلها لكل الأفكار - لم تستطع أن تتحمل السماح ببعض العروض السينمائية. في فرنسا مثلا التي بنت سمعتها على حرية الفكر لم تستطع أن تتحمل عرض فيلم "الراهبة" الذي قامت ببطولته جان مورو. والفيلم كله يدور داخل دير مغلق لراهبات، حيث تحاول رئيسة الدير دفع راهبة صغيرة بفعل الإغراء والتهديد إلى أحضان الراهب الأكبر! لقد كان هذا الفيلم صدمة كبيرة للمؤسسة الكاثوليكية الفرنسية كلها، وقد حاولت أن تقف ضده، ودافع مخرج الفيلم عن نفسه بأنه كان يحاول أن يكشف الفساد الموجود داخل الأديرة الفرنسية، وتحمل وزير الثقافة الفرنسي، في ذلك الوقت "شارل لانج" مسئولية عرض هذا الفيلم.

ولكن الفيلم الآخر الذي أثار ضجة أكبر واعتراضات أعظم وصلت إلى حد قيام المظاهرات وإشعال النار فى دور السينما في كل من أمريكا وكندا هو فيلم "الإغراء الأخير للمسيح" وهو آخر فيلم من سلسلة من الأفلام تحاول أن تروي قصة السيد المسيح كما وردت في العهد الجديد .. ولكن الجزء الأخير من الفيلم هو الذي أثار كل هذه الضجة، فالمسيح وهو على الصليب يتذكر كل الإغراءات التي تعرض لها، وكل الخطايا والنزوات التي كان يريد أن يقوم بها والتي وصلت إلى حد تخيله وهو يمارس الجنس مع مريم المجدلية. ولقد أثار هذا الفيلم المشاعر المتطرفة والمعتدلة على حد سواء فقد وجد الجميع انه تجاوز الحدود بقدر لا يمكن تحمله.

ولعل أصداء فيلم "المهاجر" - لدينا نحن العرب - لاتزال تتردد، يرغم أن المخرج يوسف شاهين قد كسب القضية القانونية وتم السماح بعرض الفيلم إلا أن السؤال يبقى مفتوحا يبحث عن إجابة .. ما حدود المسموح .. وما بداية الممنوع في تعامل هذا الفن مع العديد من الموضوعات الحساسة والدينية منها خاصة؟

سوق السينما العالمية

صناعة السينما ضخمة، وسوقها الأساسية داخل الولايات المتحدة ويقدرها البعض بحوالي 4 بلايين دولار، وخمسة بلايين دولار من السوق الدولية، أما ما تدره عليها صناعة الفيديو (والكابل) فإن بعض الأرقام تقدره بـ 35 بليون دولار.. وصناعة السينما اليوم هي صناعة أمريكية وهي صناعة النجوم أيضا، فيتنازع على جذب الجمهور إما المخرج أو الفنان أو الفنانة (البطل والبطلة) أو الاستديو نفسه، وكثير من النجوم يشترط أن تكون له الكلمة النهائية في صناعة الفيلم.

تتسع صناعة السينما اليوم لتشمل دولا عديدة فهي في الهند صناعة قومية يعيش عليها عشرات الآلاف من المواطنين، وتنتشر دور العرض السينمائية في الهند بعدد أكبر أجهزة التلفزيون الفردية، كما أن باكستان لديها صناعة سينمائية متقدمة، وكذلك اليابان والصين، وفي الغرب ايطاليا وفرنسا وإلى حد ما بريطانيا.

وتتخطى الصناعة السينمائية اليوم الحدود الإقليمية فيعتمد بعضها على أبطال من دول عديدة يشتهر منهم عديدون في الصناعة الدولية من اسكندنافيا واليابان وإيطاليا كما تنتقل مشاهد التصوير لتطوف العالم.

ماذا عن السينما العربية؟

على أهمية الرسالة التى تتحملها صناعة السينما فإن العرب يشكون من قضيتين: الأولى هي صورتهم فى السينما الدولية. ومن المفيد هنا ذكر ان صورة العربي في السينما الدولية - في معظمها - سلبية. وتبين التقارير التي طالعتها أنه انطباع قديم إلى درجة أن هناك واحدا من الأفلام القصيرة الأولى الصامتة التي تم إنتاجها عام 1915 عنوانه "موت عربي"! أما الجانب الآخر من الشكوى فهو صناعة السينما العربية نفسها التي شهدت صعودا وهبوطا وتداخلت فيها عوامل عديدة مازالت تفعل فعلها في تعطيل رسالة هذه الصناعة المهمة، ونتجادل حولها بين أخذ ورد. فعلى الصعيد الثقافي مازال بعضنا يحلل ويحرم صناعة السينما أو مشاهدة الأفلام وتدور في بعض من أقطارنا العربية نقاشات ساخنة حول هذا الأمر، إلا أن الأهم أننا فشلنا كعرب في توطين وتأصيل الصناعة السينمائية، واعتمدنا - كما فعلنا في أمور أخرى - على النقل من القصص العالمي، أو استخدام الفانتازيا الخيالية. ويكاد يجمع المراقبون لصناعة السينما العربية على أن أفضل أعمالنا هي الأعمال القديمة التي أصبحت كلاسيكية اليوم أفلام تمتد من "الوردة البيضاء" إلى "جعلوني مجرما" أو "الأرض"، "ليلي بنت الفقراء"، "لك يوم يا ظالم"، أما التدفق التالي للأعمال السينمائية فإن معظمها انحدر إما إلى الأدلجة الفجة، أو الجري وراء الربع السريع لإنتاج أفلام الفيديو.

قبل عشرين سنه عرض مخرج عربي من تونس هو "رضا الباهي" فيلم "شمس الظباء" في العاصمة الفرنسية باريس، واستمر عرض ذاك الفيلم مدة خمسة وعشرين أسبوعا، ولا يستطيع أي فيلم عربي الآن أن يستمر في العرض اليومي فى بلاده وبين جمهوره مثل ذاك الوقت أو يدانيه، حتى فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين الذي رافقته ضجة سياسية لم يتعد عرضه أربعه أسابيع فقط.

لقد جربت السينما العربية أنواعا فنية من بينها سينما الموقف الأيديولوجي الذي انتشر في عهود محددة في أوربا كالفترة الستالينية وما بعدها في الاتحاد السوفييتي القديم، وفترة النارية والفاشية فى كل من المانيا وإيطاليا، ولكن هذا النوع من السينما العربية ظهر ضعيفا ومحدود الأثر، ثم أصبحت سينما القصة الشعبية الرائجة، ولكنها أيضا لم تقدم ما يشد الجمهور العام فانصرف الناس عنها.

الاهتمام بصناعة السينما التى انتعشت بعد الحرب العالمية الثانية فى مدن مثل القاهرة وبيروت ومدن عربية أخرى بدرجة أقل، وفتحت نواد للسينما وصالات الفن التجريبي، سرعان ما انحسر - هذا الاهتمام - ثم تلاشى في السبعينيات حتى أصبحت السينما العربية اليوم تعاني أزمة حقيقية يعترف بها، أول من يعترف، العاملون في مجالها.

أزمة السينما العربية

يكاد يجمع المراقبون الجادون لسوق السينما على أن أزمة السينما العربية ليست أزمة عقول، فلدينا من العقول في الإخراج والتمثيل والتصوير ما نستطيع أن نفتخر به، إنما الأزمة هي أزمة تجارة وثقافة معا.

فالأزمة التجارية تتمثل في سيطرة بعض المنتجين على الناتج النهائي للفيلم عن طريق وضع مواصفات واشتراطات يظنون أن الجمهور يرغب فيها، كالعنف، والمخدرات المطاردة، والقصص البولسية، والجاسوسية، والرقص والكوميديا المبالغ فيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن انغلاق الحدود العربية أمام توزيع الفيلم بحرية يجعل سوقه أو أسواقه المحتملة من الضيق بحيث لا يغامر أحد بماله لإنتاج شريط سينمائي جيد ومكلف، خوفا من عدم تسويقه لسبب أو لآخر في السوق العربية، ومن الإحصاءات الأخيرة المتوافرة في أكبر عاصمتين للإنتاج السينمائي العربي، القاهرة وبيروت، نرى بوضوح محدودية صناعة السينما العربية، ففي سنة 1994 أنتج خمسة وعشرون فيلما مصريا فقط، أما في لبنان - وفي نفس الفترة - فقد تم إنتاج ستة أفلام جادة، وفيلم تجاري واحد.

وهناك عقبة ثقافية تقف أما انتشار الفيلم العربي (غير المصري) وهي اللهجة، فالمشاهد العربي يقبل على الأفلام المصرية لأن اللهجة المصرية لأسباب كثيرة قد أصبحت مألوفة للجمهور العربي، أما اللهجات العربية الأخرى كاللبنانية أو الشامية أو المغربية أو الخليجية برغم قبولها النسبي في الأغنية، إلا أنها مازالت بعيدة عن القبول الشعبي لجمهور السينما. ومن الملاحظ أن صناعة السينما بشكل عام أصبحت عربية - غير قطرية إن صح التعبير - فالمعروف اليوم أن معظم أفلامنا بها ممثلون مصريون، ولكن رأس المال في أغلبه لبناني، خليجي، مصري أو مشترك، كما أن شركات التوزيع لبنانية في الغالب.

ومثل بقية مؤسساتنا الأخرى فإن الدراسات الإحصائية ودراسات المتابعة والتقييم تنقص صناعة السينما العربية، كما تنقص نشاطاتنا التجارية والصناعية الأخرى، ولا يوجد معهد عال أو مؤسسة تتابع وتجمع المعلومات الدقيقة عن المردود الاجتماعي، والفني، والاقتصادي لمثل هذا النشاط المهم، فهي كمعظم نشاطنا الاقتصادي. الأمر فيها متروك للتجربة والخطأ والاجتهاد وحتى (الموضة)!

ومن الأزمات التي تطرحها صناعة السينما العربية أن الكبار في الإخراج والتمثيل قد شارفوا على التقاعد، أو هم تقاعدوا بالفعل، أما الشباب أو متوسطو العمر والتجربة فلم تتح لهم الفرص المناسبة - إلا فيما ندر - لإظهار قدراتهم. لذلك فإن السينما العربية تشيخ بسرعة، ومازال نجومها في الإخراج والتمثيل والتصوير هم نجوم ربع القرن الماضي، والداخلون الجدد إلى هذه الصناعة قد أغراهم النجاح السريع فلم يتوافر الوقت لهم أو لغيرهم لإنشاء مدارس فنية، والقليل منهم - لانشغالهم طوال الوقت - يشاهد أفلاما جيدة أجنبية، وعندما تشاهد اليوم فيلما عربيا يشد إليه الأنظار فهو في الغالب قصة مقتبسة وربما بتفاصيلها - مع تغيير الأسماء والمواقع - من فيلم أجنبي.

ولقد نافس التلفزيون في حياة الجمهور العربي السينما إلى درجة أحدثت تدهورا شديدا في دور العرض السينمائية على ما كانت عليه قبل ربع قرن أو يزيد، وأصبح المشاهدون في عواصمنا العربية عندما ينتقلون إلى صالة السينما، فإنهم يفعلون ذلك في الغالب لمشاهدة عرض سينمائي أجنبي.

ما ينقص صناعة السينما العربية هو التوسع والتمويل، أي محاولة مخاطبة جمهور أوسع عن طريق ابتكار موضوعات تهم هذا الجمهور وتخدمه عن طريق الفن السينمائي خدمة متميزة، مع الحصول على التمويل المناسب - وليس الشحيح حتى الآن - الذي يجبرها على طبخ الموضوعات دون ضبطها، هذا التمويل الوافر يمكن به أن تتحول إلى صناعة حقيقية، وليس صناعة موسمية انتقائية، كما هي الآن.

لا يوجد جمهور واحد للسينما ولكن عدة جماهير، فهناك المتعلمون المستنيرون، وهناك المحرومون من العلم، وهناك من يتذوق الفنون المصاحبة كالصورة والموسيقى، وهناك من يريد أن يمضي وقتا فقط لمشاهدة قصة محبوكة، تنقل له صورة عن عالم خارج نطاق بيئته، لذلك فإن الحديث عن جمهور واحد من الأخطاء العملية الشائعة التي يرتكبها بعض العاملين في صناعة السينما العربية، ويصاحب الخطأ خطأ اخر هو محاولة إرضاء الجمهور بأية صورة، فالقيادة هنا يجب أن تكون في يد من يفهم هذا الفن الرفيع، ولا ينتظر الخضوع لذوق المشاهد فقط.

ومن ظواهر أزمة السينما العربية فقر الأدبيات حولها، فاننا نستطيع أن نحصل على أكثر من كتاب أو حتى موسوعة عن تاريخ السينما في ايطاليا أو فرنسا، أو تاريخ السينما في الولايات المتحدة مع إشارات محددة للأفلام التي أحدثت تحولا في تاريخ السينما من حيث تطور الفن السينمائي أو الإخراج أو التمثيل أو التصوير، ولكن عندما نلتفت إلى السينما العربية لا نجد إلا نتفا ومذكرات شخصيه قليلة، أو كتابات سطحية لغرض شخصي غير علمي. ضعف التوثيق هذا وقلة مصادر الدراسة يجبران العاملين في هذه الصناعة على تكرار الأخطاء والدوران في حلقة مفرغة.

عدم الجدية هده يشاهدها في البرامج التلفزيونية القليلة المخصصة لنقد أو تقديم الأفلام الجديدة، ففي الغرب نجد أن من يقدم لك خلاصة عن الأفلام المعروضة أو الجديدة أناس لهم خبرتهم ومتابعتهم في هذا المجال، ويعرفون ما يتحدثون عنه، وتصر برامجنا التلفزيونية - إن قدمت مثل هذه البرامج عن الأفلام - أن تقدمها عن طريق وجه حسن فقط، لا يحسن التقديم ولا يعرف عما يتحدث!! وهي إحدى ظواهر اهتمامناً بالمظهر دون المخبر.

لحظات سينمائية

تتحول السينما أحيانا لتكون نوعا من الثقافة البصرية النادرة المثال، فهي تختلف عن مشاهدة لوحة فنية لأنها مليئة بالحياة، وتختلف عن التأمل المباشر للطبيعة لانها تختزل الأبعاد والمسافات، وهي تحيط كل هذا بهالة كبيرة من المؤثرات. وليس المهم في كل هذا الجانب الجمالي في الموضوع وإنما ارتباط هذا بالذات الإنسانية .. نحن نريد أن نرى كل شيء من خلال الذات الإنسانية، أفراحها وآلامها. من أجل هذا كانت سيطرة الفيلم الروائي "Fiction"الذي يعتمد على قصة موضوعة وأحداث وحوار. لقد أنتجت مئات الأفلام التسجيلية المؤثرة واستخدمت فيها أحدث التقنيات، وأفضل وسائل الإبهار، وظفر بعضها بجوائز عالمية وبرغم ذلك فالجمهور لا يقبل عليها، ولم نسمع أن دارا واحدة للسينما - وعددها بالملايين حول العالم - قد تخصصت فقط في عرض الأفلام التسجيلية، فالإنسان يسعى دائما إلى أنسنة كل شيء، وفي وسط هذا التركيز والكثافة في الوسائل البصرية التي نعيشها فإن صورة الإنسان تظفر دائما بالأولوية حتى في أسوأ أحوالها.

إن في السينما نوعا من الطقوس تشبه الطقوس التى كانت تقام في العبادات القديمة، فهي تحدد لك مكانتك الاجتماعية بثمن التذكرة التي ستدفعها، وتحدد لك زاوية الرؤية المريحة من خلال المقعد الذي تختاره، يطفئ الأنوار حتى تلغي تفاصيل العالم الواقعي من حولك ليشدك ما هو أمامك فقط.

وتبدأ هالات الأضواء وترتفع أصوات الموسيقى كأنها ابتهالات تأخذك إلى بوابات العالم الجديد. في هذه اللحظة تكون مستعدا لاستقبال أي شيء. إن الفردية تلغى هنا، وتصبح أنت رغما عنك جزءا من الأشباح المظلمة التي تجلس حولك.. ولأن الحياة تأتيك عبر الشاشة غاية في التكثيف، فهي تحول لحظات الحياة العادية والمألوفة إلى لحظات مؤثرة لا تنسى، ففي سينما الصمت أو سينما البراءة - كما يحلو للنقاد أن يطلقوا عليها - لا يمكن نسيان شارلي شابلن وهو جالس أمام الآلة التي تحاول إطعامه وهو عاجز عن فعل أي شيء، أو نظرة الجنون التى تبدو في عين مريضة الدكتور كاليجاري وهي تدخل عيادته في الفيلم الكلاسيكي "عيادة الدكتور كاليجاري"، أو مشهد الجثث الممزقة فوق درج أودسا في فيلم "المدرعة بوتمكين" للمخرج إيزنشتين، أو سكارليت اوها وهي واقفة على حافة الأفق تراقب غروب مدينة "اتلانتا، المهيب وهي تقسم أنها لن تجوع أبدا بعد اليوم في فيلم "ذهب مع الريح"، ولا لحظة الصراع بين الإنسان وجهاز الكمبيوتر الذي يتحكم في سفينة الفضاء التي يسبحان بها في الفضاء في فيلم "اوديسا 2002" كأنه كان يتنبأ بطغيان الآلة وتحكمها في حياة الإنسان.. إنها نفس القضية التي ناقشهـا بأسلوب كوميدي شارلي شابلن في فيلم "الأزمنة الحديثة" ولا لحظة موت آلى ماكجرو في نهاية فيلم "قصة حب" وهى تحدثه عن السيمفونية الخامسة لبتهوفن وعندما يقول لها حزينا: "اللعنة على السيمفونية الخامسة.. دعينا نتحدث عن شيء جدي" فتقول له: "هل تريد ان نتحدث عن الموت" ..، ولا اللطمة التى أخذها فريد شوقي على قفاه وهو يدخل سوق الخضار لأول مرة وتحول هذه اللطمة حياته ليصبح واحدا من المعلمين الكبار في فيلم "الفتوة" لصلاح أبو سيف، ولا عبدالحليم حافظ وهو ضائع في الشوارع بعد أن اكتشف أنه لقيط في "الخطايا"، ولا الطفل الصغير في "أحلام مدينة" محمد ملص وهو يعيش لحظات انفصال الوحدة بين مصر وسوريا، ولا تقاليد العرس في فيلم "عرس الجليل" لمشيل خليفة، ولا لحظات العذاب التى قضاها مايكل انجلو وهو مستلق على ظهره يرسم لوحة يوم الحساب على سقف كنيسة (السيستاين)، بينما يتساقط زيت البرافين في عينيه حتى يصاب بالعمى في فيلم "العذاب والمتعة" الذي قام به شارلتون هيستون.

وتأمل هاملت في المصير البشري وهو يمسك جمجمة ويحاور حفار القبور عن الملك الذي يأكل سمكة ثم يموت .. فتأكل جسده دودة صغيرة .. وتأكل السمكة بدورها الدودة الصغيرة .. إنها نفس دورة الحياة التي يتحدث عنها أشهر فيلم كارتوني هذا العام "الأسد الملك" عندما يسير بجانب ابنه الشبل الصغير ويقول له: "إننا نأكل الغزلان .. وعندما نموت ندفن في الأرض وتتحول أجسامنا إلى عشب نضر تأكلنا الغزلان"، وكذلك الوجه المعذب للفلاح المصري الذي لعبه محمود المليجي في فيلم "الأرض" وهو يضرب حتى يسيل دمه، ثم يربط من يديه ويجر على الأرض مشدودا إلى إحدى الخيول وهي تعدو كي يجرف بجسده زهرات القطن المتفتحة بعد أن عجز عن جمعها بيده، ولا مشهد النسوة العاريات المرتجفات من الخوف فى فيلم "قائمة شندلر" وهن يسقن إلى أحد معسكرات الاعتقال الألمانية ويدخلهن الجنود إلى قاعة واسعة يعتقدن أنها أحد أفران الغاز ولكن عندما تسقط فوقهن المياه الباردة للاستحمام فإنهن برغم البرد القارس والجوع يصحن في فرح طاغ .. إنها أعظم صرخة حياة يمكن أن تسمعها في أي مكان، توقعوا الموت فجاءتهم الحياة، ولو للحظة .. ولا مشهد الحب الآسر في فيلم "رجل وامرأة" حين تسأله أنوك إيميه حبيبها .. ماذا يفعل عندما يشب حريق في منزل .. هل يختار إنقاذ لوحة ثمينة لا تقدر بمال .. أم يختار إنقاذ كلب صغير؟ .. ويقول حبيبها "جان لوي ترتيان" إنه يفضل انقاذ الكلب الصغير .. أى أنه يختار مرة أخرى الحياة .. وهذا هو سحر السينما الجيدة أنها منحازة دائما لكل ما هو حي، ولا مشهد الفيلم الشهير "روما.. روما" لأعظم مخرجي السينما على الإطلاق فلليني هو يتتبع مكتشفي الآثار في الأقبية السفلية لمدينة روما عندما يجدون على الجدار رسوما قديمة رائعة .. ولكن ما إن يعرضوها لأول شعاع من الضوء، ولأول هبة من الهواء .. حتى تنهار جميعا وتتبدد مثل الحلم الذي لم يكن .. إنها مرثية لحضارات قديمة تموت أمام حضارتنا المعاصرة المليئة بكل نذر التلوث والفناء.

المستقبل

السينما أيضا تكون جريئة عندما تدق أجهزة الإنذار كي توقظ البشرية من غفلتها.. وهي تستخدم الخيال أحيانا لتحذرنا من مصيرنا المرعب .. من ينسى مشهد الطيور الوديعة وقد تحولت فجأة إلى كائنات مفترسة تهاجم الإنسان وتحاصره في فيلم ألفرد هيتشكوك الشهير "الطيور"، وكذلك في فيلم "كوكب القرود" حين يهبط رائد الفضاء الذي ضل طريقه في المجرات البعيدة فيكتشف أن الأرض قد أصبحت كوكبا لا يعيش عليه سوى القرود بعد أن دمرت الحرب النووية كل حضارة الإنسان، أو عندما يرقص العالم رقصة صاخبة فوق جزر محاطة بالمياه الملوثة والسمك يطفو ميتا في فيلما "الرقص على الهيدروجين"؟ لقد شاركت السينما في معظم الحروب التي خاضتها البشرية. ولكنها عاشت في ظل الحرب الباردة أطول الأعوام، وعبرت عن مشاعر الخوف والقلق وعدم اليقين وقدمت صورا ساخنة لمعارك ظلت باردة.

هذه اللحظات السينمائية النادرة - وغيرها كثير - هي لغة الفن الذي يأخذ فتات الحياة اليومية واللحظات العادية ليعيد تركيبها فتصبح مثل قطعة من الماس، يشع الضوء من كل جوانبها. إن المرء ليحتار أين هي الحياة الحقيقية؟ .. هل هي في الواقع حيث تتكرر اللحظات المعيشة بلا تواتر .. وتنتهي القصص بفعل التقادم وتتداخل دورات الميلاد والموت في عشرات التفاصيل العادية التي لا تستحق التوقف؟. أو هي تلك الحياة النابضة على الشاشة والأحداث التي تتتابع في تصاعد مستمر، النساء الجميلات والرجال الأشد وسامة، والفقراء الذين يملكون الحق في حلم "سندريللا" .. وذلك الحلم الذي لا يجرؤ على مواجهته في الواقع .. أي حياة نتمنى منهما؟ .. أين الخيال، وأين الواقع؟.

إن السينما كما قلت في المقدمة .. مرآة ضخمة .. قد تجمل الشيء أحيانا ولكنها في تكبيرها للشيء عشرات المرات قادرة على اكتشاف أدق العيوب وهذا هو المطلوب منها .. إثراء الحياة وكشف عيوبها ومساعدة الإنسان حتى يكون أكثر إنسانية بواسطة هذا الفن الجميل.

محمد الرميحي

 

محمد الرميحي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات