ألف باء الحوار: تحرير مضامين المصطلحات محمد عمارة

ألف باء الحوار: تحرير مضامين المصطلحات

هل هي مشكلة مفاهيم أم منهج؟ أم أنها تفسير لمعنى المضامين؟.
يثير الكاتب الكثير من التساؤلات حول دقة دعوة الدكتور نصر حامد
أبوزيد لتحديد المبادئ الثلاثة لتكون مقاصد للشريعة، ويفند بعض
الأطروحات ويفتح الباب للنقاش.

عن "المقاصد الكلية للشريعة: قراءة جديدة" نشرت العربي - عدد مايو الماضي - مقالا للدكتور نصر حامد أبو زيد، جديرا بأن يدور حوله حوار موضوعي وهادئ وجاد.

وفي المقال: "اقتراح مشروع قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة"، ذلك أن قراءات القدماء من علماء أصول الفقه قد حددت للشريعة الإسلامية مقاصد خمسة، هي: الحفاظ على النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال.. وما يقترحه الدكتور نصر - بعد قراءته الجديدة للنصوص الدينية- ليس إضافة مقاصد ومبادئ كلية جديدة إلى هذه المقاصد الخمسة - من مثل ما صنعه الشيخ الطاهر بن عاشور، عندما أضاف إليها "مقصد: الحرية" - وإنما هو يقترح إحلال مبادئ كلية ثلاثة - هي: العقل، والحرية، والعدل - باعتبارها "تمثل منظومة من المفاهيم المتماسكة المترابطة من جهة، وهي تستوعب المقاصد الخمسة التي استنبطها علماء أصول الفقه من جهة أخرى"..لأن هذه المقاصد الخمسة التي حددها الأصوليون- بنظر الدكتور نصر- ليست "مبادئ كلية"، بل هي جزئية، وبعبارته: "فإن الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال تبدو مبادئ جزئية بالنسبة للمبادئ الثلاثة الكلية المقترحة، ويمكن بالتالي أن تندرج فيها".تلك هي مقاصد المقال، بنص كلمات الدكتور نصر.

وإذا كانت أهمية القضية ومحورية موضوع المقال بين موضوعات الفكر الإسلامي، تستدعي إدارة حوار عقلاني مستنير حول قضاياه، فإنني أفضل - لمنهجة الحوار - صياغة أفكاري حوله في عدد من الملاحظات: الأولى: تتعلق بما يثيره هذا المقال - وكتابات كثيرة في حياتنا الفكرية المعاصرة - من حقيقة أننا نعاني من "فوضى في مضامين المصطلحات"، أحدثتها حقبة الاحتكاك بالحضارة الغربية.. في المصطلح - الوعاء - الواحد - وأثناء الحوار بين أهل "الموروث" وأهل "الوافد" - نجد أنفسنا أمام مفاهيم مختلفة، وأحيانا متناقضة، تساق وتقدم في المصطلح - الوعاء - الواحد، الأمر الذي يجعل كثيرا من حواراتنا "حوارات طرشان!".

وعلى سبيل المثال:

1 - يقترح الدكتور نصر مبدأ "العقلانية" ليكون واحدا من المبادئ الكلية الثلاثة لمقاصد الشريعة.. وليس هناك عاقل يعي إسلامه يختلف على ضرورة العقل والعقلانية. والقدماء - الذين ينتقدهم الدكتور نصر- قد جعلوا "الحفاظ على العقل " من الضرورات والمبادئ والمقاصد الكلية للشريعة، قبل أكثر من ألف عام.

لكن.. أي عقل؟.. وأي عقلانية؟.. تلك هي القضية التي تحتاج- كي نتبين مواقعنا وانتماءاتنا - إلى تحرير مضامين ومفاهيم المصطلحات.

هل هو العقل: العضو المادي، الذي تفرز حركته "الفكر"- كما رأى ويرى الماديون، وبعض الوضعيين؟ - هل هو "الجوهر المجرد"، كما قال كثير من الفلاسفة القدماء؟، أم هو الغريزة والملكة واللطيفة الربانية، المتعلقة بالقلب والجوهر واللب الإنساني؟.

فعلى تحديد المراد من "العقل" يتحدد المراد من "العقلانية".. إذ هناك عقلانية التنوير الغربي وشعارها: "لا سلطان على العقل إلا للعقل"، وهي بذلك تنفي وتنكر - بل وتستنكر - سلطان "الوعي" على عقلانية الإنسان، وترى في "العقل" و"التجربة" سبيلي المعرفة المؤتمنين على تحصيل المعارف التي تستحق الاحترام!.

بينما هناك "العقلانية المؤمنة"، التي تبلورت في علم التوحيد - الكلام - الإسلامي، لتقرير الدين، وليس لنقضه، وهي التي تقرأ "النقل" بـ "العقل"، وتحكم "العقل" بـ "النقل"، إيمانا منها بأن العقل هو ملكة إنسان محدودا لإدراك.

وهذه "العقلانية المؤمنة" - بعد إضافتها "الوحي" إلى "الكون" في مصادر المعرفة، تجعل سبل المعرفة أربع هدايات، هي: العقل، والنقل، والتجربة الحسية، والوجدان. فلا تقف بسبل المعرفة، فقط، عند العقل، والتجربة- كما صنعت عقلانية التنوير الغربي- الوضعية والمادية.

فعن أي عقل، وعن أية عقلانية يجري الحديث؟ عقلانية استبعاد "الشرع"، و: "لا سلطان على العقل إلا للعقل"؟ أم عقلانية المؤاخاة بين الشريعة والحكمة- بتعبير ابن رشد- تلك التي بلغ الغزالي القمة عندما ميزها وحددها، فقال: "إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول، وعرفوا أن من ظن وجوب الجمود على التقليد، واتباع الظواهر، ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر، وأن من تغلغل في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع، ما أتوا به إلا من خبث الضمائر، فميل أولئك إلى التفريط وميل هؤلاء إلى الإفراط، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط.

فعن أي عقل.. وعن أية عقلانية نتحدث؟.. إن المطلوب أولا هو تحرير مضمون المصطلح حتى نعلم أن هذه العقلانية هي من مقاصد الفلسفات التي قامت على أنقاض الشرائع؟.. أم هي من المقاصد والمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية؟!.

2 - ومثل ذلك حديث الدكتور نصر عن "الحرية" - باعتبارها المبدأ الكلي الثاني في مقاصد الشريعة - فليس هناك خلاف على "المبدأ" - بل كما سبقت الإشارة، فلقد أضاف الشيخ الطاهر بن عاشور إلى المقاصد الخمسة "مقصد الحرية" -.. لكن تظل الحاجة قائمة وماسة لتحرير مرادنا بمضمون ومفهوم "الحرية".

وإذا كانت الحرية هي نقيض "العبودية"، فلا بد من تحديد: حرية من؟.. وفي مواجهة العبودية لمن؟.. فالمؤمن يرى في ذل العبودية لله قمة الحرية، وهذه الحرية هي عكس ما يراه الماديون والوضعيون؟! والإنسانة المؤمنة لا ترى في حقوق الله في "العفة" قيودا تنتقص من حريتها، بينما غير المؤمنة ترى في "العفة" استعبادا، فترفع شعار الحرية الجنسية، قائلة - كما في بعض المجتمعات المعاصرة: "هذا جسدي.. أنا حرة فيه!".

وبينما يرى المؤمن في الشهوات والغرائز المحرمة قيودا على الحرية واستعبادا لعقله وروحه، يرى فيها غير المؤمن تحقيقا لألوان من الحريات الإنسانية، يقيم في سبيل الحصول عليها الأحزاب، ويفجر من أجلها الثورات؟!.

فالقضية ليست الاتفاق على تبني مصطلح "الحرية" ورفض مصطلح "العبودية"، وإنما هي- كما رأينا- قضية تحرير وتحديد مضامين المصطلحات، وذلك حتى لا نعيش في وهم "الأمة الواحدة" ذات "الثقافة الواحدة"، بينما نحن- في الحقيقة- "أمتان" و"ثقافتان"!.

والملاحظة الثانية: هي على قول الدكتور نصر: إن "العقل هو مركز المشروع الإسلامي"، والحق أن "العقل" - في المشروع الإسلامي- هو واحد من الهدايات الأربع، التي تمثل سبل المعرفة في الإسلام: العقل، والنقل، والتجربة، والوجدان، وهذا هو الذي يجعله عقلا مؤمنا، لأنه غير منفرد بتحصيل المعرفة، وإنما هو جزء من كل تتكون منه سبل المعرفة، في نظرية المعرفة الإسلامية.

أما مركز المشروع الإسلامي، فهو:

1 - التوحيد للذات الإلهية.. في الذات، والصفات، والخلق، والأفعال، والتدبير، والرعاية والعناية.

2 - والاستخلاف الإلهي للإنسان في استعمار الأرض.

فهذا هو التصور الإسلامي الجامع لفلسفة "المشروع الإسلامي" في العلاقة بين الله والعالم والإنسان، إله واحد، وعالم مخلوق لله، تحكمه وتسيره أسباب، هي الأخرى مخلوقة لمسبب الأسباب، وإنسان خليفة لله، قد سخرت له ظواهر العالم والطبيعة لتعينه على أداء أمانة الاستخلاف في عمران الأرض، وفق بنود عقد وعهد الاستخلاف، الأمر الذي يعطي كل مفاهيم المصطلحات- ومنها العقلانية، والحرية، والعدالة- خصوصيات إسلامية تميزها عن نظائرها في الفلسفات والأنساق الفكرية الأخرى.

هذا "مركز المشروع الإسلامي"، وجماع التصور الإسلامي، والعقل فيه واحد من الهدايات، وليس هو مركز المشروع!.

أقول هذا، وأنا من أكثر الذين خدموا فكر العقلانية الإسلامية - التراثي منه والمعاصر -.. حتى لقد صرت "متهما" من "النصوصيين - المقلدين" ومن "الظاهرية الجديدة" بآني "رائد التيار العقلاني" - وهو شرف لا أدعيه، و"اتهام" لا أنفيه -؟! لكن الحق أحق بأن يقال، وأجدر بالاتباع!.

والملاحظة الثالثة: هي على قول الدكتور نصر: "إن سنن التاريخ، هي السنن التي تمثل القوانين الكلية التي عبر عنها القرآن الكريم بـ "سنة الله" التي لن تجد لها تبديلا".

وأنا أتساءل: عندما يسمي القرآن الكريم السنن والقوانين بـ "سنن الله"، فلماذا نقول عنها: إنها "سنن التاريخ"؟!.

إنها، في القرآن، مضافة إلى "فاعلها"- سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا، سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا- فلماذا نضيفها إلى "التاريخ"؟، وهل فاعلها هو "التاريخ"، وليس "الله"؟!.

إن التاريخ هو "ظرفها ومحلها وسياقها"، وليس هو الفاعل لهذه السنن والقوانين.

وتلك مشكلة في "التعبير" - الذي قد لا يكون مقصودا - تثير قضية تسرب المفاهيم المادية والوضعية إلى "ثقافتنا المؤمنة"، وذلك من مثل مقولات: "المادة لا تفنى، ولا تستحدث"!.. و"المصريون القدماء أبدعوا التوحيد قبل الديانات"!- مع أن الإيمان يعلمنا أن الإنسانية قد بدأت بالنبوة والتوحيد.

إن الإنسان، في الرؤية الإسلامية، يصنع التاريخ، وفق سنن الله، ولو كانت السنن، التي لا تبديل لها، هي سنن التاريخ، لما كان بمقدور الإنسان صنع هذا التاريخ، لأنه سيكون عبدا لسنن التاريخ، التي لا يستطيع لها تبديلا ولا تحويلا.

والملاحظة الرابعة: هي على قول الدكتور نصر: "إنه لا خوف على عقائدنا وديننا من منهجيات العلوم الإنسانية المتطورة، وإنما الخوف من الجمود والتقليد اللذين يمثلان حصون الدفاع في المؤسسات التقليدية".

والرأي عندي - وأنا الذي قدمت عشرات الكتب في نقد الجمود والتقليد، والدعوة إلى الإحياء والتجديد - أن الخوف يجب أن يكون من شقي التقليد ولونيه ومصدريه:

أ - التقليد لتجارب سلفنا ومناهج قدمائنا، والجمود عليها، والوقوف عندها وحدها.

ب - والتقليد لتجارب الآخر الحضاري، ومناهج العلوم الإنسانية والتصورات الفلسفية، عند هذا الآخر، والجمود عليها، والوقوف عندها.

ونقطة البدء التي لا بد من الاتفاق عليها، أو جلاء الاختلاف فيها مع الحوار حولها هي:

1 - أننا أبناء حضارة متميزة- مع تحديد نطاق التميز، وسماته ومعالمه- أي نطاق ومعالم "الثوابت الحضارية الإسلامية"، الممثلة "للهوية"، التي تحفظ على الحضارة وحدتها وتواصل إسلاميتها عبر الزمان والمكان.

2 - وأن هذا التمييز الحضاري، هو معيار القبول والرفض من موروثنا الفكري، ومن المواريث الفكرية للحضارات الأخرى.

3 - وأن "التجديد" سنة وقانون أبدي- "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". أن "الاجتهاد" فريضة أبدية، وهما - التجديد والاجتهاد - السبيل لتطوير النسق الفكري الإسلامي المتميز، من داخله، وأن هذا اللون من التجديد- التطور من داخل النسق- مخالف ومختلف عن الجمود على موروثنا والتقليد لسلفنا، ومخالف ومختلف عن "الحداثة"، التي تنكر "الثوابت"، والتي تقيم "قطيعة معرفية" مع الأصول والمنابع والمبادئ والجذور.

أي أن ما نسميه "المعاصرة"، ليس هو "الحداثة الغربية"، والتي إذا استعرناها وأضفناها إلى "أصالتنا"، كنا قد جمعنا الحسنيين، وأمسكنا بطرفي المجد، وبلغنا غاية المراد من رب العباد، وإنما "المعاصرة" هي "تفاعل مع عصرنا نحن"، وإذا كانت لنا "أصالة متميزة" - وهي كذلك - فإن "معاصرتنا" - أي تفاعلنا مع عصرنا- لا بد أن تكون متميزة كذلك.

ويزيد من أهمية هذه الملاحظة، ما حدده الدكتور نصر لأمتنا من مهام، أوجزها في عبارة "اللحاق بركب التقدم والمدنية".. وهو قول يثير تساؤلنا:

- هل مهمتنا - حقا - هي "اللحاق بالركب "؟!..

- أم أنها هي النهوض "لقيادة ركب متميز حضاريا؟".

إن اللحاق بالركب هو أمنية المهزوم نفسيا - اللحاق بركب المنتصر - أما نحن، فإننا نجادل ونماري في أن "الآخر" - المنتصر ماديا - هو "المتقدم"، بالمعنى الحقيقي والمتكامل والمتوازن "للتقدم".

فللتقدم مفاهيم متعددة، وللحضارات فيه مذاهب شتى، ومذهب الإسلام في التقدم، متميز عن "المذهب الباطني"- الذي يسعى إلى "فناء الخلق في الحق"- وعن "المذهب المادي والوضعي"- الذي "يضع الخلق على عرش الحق"- ومن ثم فإن مهمة المشروع الإسلامي ليست "اللحاق بالركب"، وإنما النهوض لقيادة ركب حضاري متميز، يجسد نموذجا حضاريا متميزا- يكون فيه الخلق خلفاء للحق.

وإذا كانت مأساتنا هي الفقر في "الإبداع"، والإفراط في "التقليد"، فإن "الإبداع" سيظل غائبا من حياتنا ما لم نتفق على أننا أصحاب نموذج حضاري متميز، وإلا فما الحاجة للاختراع والإبداع إذا كانت "البضاعة- النموذج" جاهزة، ومعلبة، ومعروضة من قبل الآخرين؟!.

والملاحظة الخامسة: - والأخيرة - هي حول دعوى الدكتور نصر حامد أبوزيد أن المبادئ الثلاثة- التي يقترحها لتكون مقاصد للشريعة - وهي: العقلانية.. والحرية.. والعدالة - هي - برأيه - "المبادئ الكلية".. بينما المبادئ الخمسة - التي حددها القدماء مقاصد للشريعة - والتي بلغت ستة عند الطاهر بن عاشور، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال، والحرية - هي - برأي الدكتور نصر - "مبادئ جزئية" - وليست "كلية" - وأنها يمكن أن تندرج تحت مبادئ الدكتور نصر.

والسؤال هو: هل هذا صحيح؟ أم أن العكس هو الصحيح؟!.

إننا إذا تأملنا المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، كما استنبطها وحددها الأصوليون - وإذا أعطاها عقلنا المعاصر أبعادها الحقيقة- وهي أبعاد مفتوحة الأبواب والميادين أمام الاجتهاد الإسلامي - فسنجد أنفسنا أمام منظومة جامعة لأركان ومقومات وضرورات "الاجتماع الإنساني"، تلك التي بدونها لا يستقيم "العمران البشري" على صراط الفطرة الإنسانية السوية.

* فالحفاظ على "النفس"، هو التعبير عن "الإنسان": حامل أمانة إقامة العمران، ومكانته السامية في العمران الإنساني.

* والحفاظ على "العقل"، هو التعبير عن جوهر إنسانية الإنسان، الذي تميز به عن سواه من المخلوقات، عندما انفرد "بالتكليف الاختياري"، الذي تأسست عليه "المسئولية، والحساب، والجزاء".

* والحفاظ على "الحرية" - وهو المقصد الذي أضافه الشيخ طاهر بن عاشور - هو المعبر عن الأمانة التي حملها الإنسان في الاستخلاف، بعدما أبت المخلوقات الأخرى حملها، وفي نطاقها وحدودها تتمثل المذهبية الإسلامية التي حددتها نظرية الخلافة والاستخلاف.

* والحفاظ على "العرض والنسب " هو التعبير عن قوام وأساس بناء "الأسرة" أولى لبنات الاجتماع في كيان الشعب والأمة.

* والحفاظ على "المال" هو التعبير عن قوام الرخاء الإنساني، والعدالة الاجتماعية، وزينة الحياة الدنيا بعمران الواقع المادي لهذه الحياة.

* والحفاظ على "الدين" هو التعبير عن ضبط كل مقومات العمران الإنساني بالضوابط الإلهية، التي تحفظ لهذا العمران - مع التطور والارتقاء - الروح الإلهية والصبغة الدينية التي تضمن "التواصل.. والوحدة" في "الهوية"، رغم "متغيرات الزمان والمكان"، وذلك على النحو الذي يجعل هذا العمران الإنساني: عمران "الإنسان: الخليفة لله"، وليس عمران "الإنسان المتمرد على مولاه"!..

.. تلك هي مكانة مقاصد الشريعة من قضية "العمران البشري".. وهي مكانة: المبادئ الكلية الحاكمة، والمقومات.. والضرورات.

وإذا كان التأمل - ببادي الرأي - ومن الكافة، فضلا عن أهل الاختصاص - يقول إن المبادئ الثلاثة، التي يقترحها الدكتور، نصر، هي موجودة بالفعل في الكليات الست التي حددها الأصوليون، فمن الذي يستوعب من؟! وأين الجديد، الذي أثمرته القراءة الجديدة للنصوص الدينية.

إن "العقلانية" - التي يقترحها الدكتور نصر - هي منهاج في النظر، مكانها الطبيعي في المبدأ الكلي - مقصد: "الحفاظ على العقل" - وكذلك "العدالة" - كمنهاج في حل المشكلة الاجتماعية - مندرجة في المبدأ الكلي - نقصد: "الحفاظ على المال" - و"الحرية": مقصد قائم بذاته - أضافه الشيخ الطاهر بن عاشور -.. فليس هناك - كما رأينا - "جديد" تضيفه القراءة "الجديدة" للدكتور نصر في هذا المجال، اللهم إلا إذا كان الجديد هو الحذف والاستبعاد، وليس الإضافة والاستيعاب!.

وإذا كان من غير المتصور أن يدعو الدكتور نصر إلى الحذف والاستبعاد لمبدأ "الحفاظ على النفس" - أي الإنسان والحياة - فإن النتيجة الوحيدة لهذه القراءة "الجديدة" والمقترحات "الجديدة" ستكون استبعاد مبدأي "الحفاظ على العرض" و"الحفاظ على الدين" من مقاصد الشريعة الإسلامية؟!.. وهي نتيجة أستبعد أن يسعى إلى تقريرها وتحقيقها الدكتور نصر حامد أبو زيد، بل وأعيذه من أن تكون هذه هي المقاصد الكلية لقراءته الجديدة للنصوص الدينية؟!.

ثم.. من الذي يقول إن مبدأ "الحفاظ على الدين" هو "مبدأ جزئي"، وليس من "المبادئ الكلية"؟!.. فأين تكون "الكلية" إذا لم تكن في "الإطلاق.. والخلود.. والشمول" الذي يختص به الدين.. والدين الإسلامي على وجه الخصوص؟!.

إن أغلب حواراتنا هي "ضحايا" بائسة للفوضى الشائعة في مضامين المصطلحات. وعلينا - كي يفهم كل منا الآخر، ولتحديد مناطق الاتفاق، ومناطق الاختلاف، ولتنظيم حوار موضوعي وجاد وبناء- أن بدأ بتحرير وتحديد مضامين ومفاهيم المصطلحات. والله أعلم.

 

محمد عمارة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات