مثلث مشاكل العرب والمسلمين بأي الأضلاع يبدأ الحل؟ محمد الرميحي

مثلث مشاكل العرب والمسلمين بأي الأضلاع يبدأ الحل؟

حديث الشهر

في الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو (آيار) الماضي كنت في الولايات المتحدة بدعوة من مؤسستين. الأولى كانت القيادة المركزية للقوات الأمريكية التي نظمت ندوة سنوية هي الثالثة في سلسلة ندوات فكرية لمناقشة الأوضاع الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا - وهي المنطقة الجغرافية التي تهتم بها القيادة المركزية، وهي ساحة عملياتها - وعقدت الندوة في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، والثانية من مؤسسة الديمقراطية والتغيير السياسي في الشرق الأوسط، وهي مؤسسة أهلية تعني بهذا الأمر في واشنطن وقدمت أوراق دراسية عديدة في هاتين الندوتين، من متخصصين، كما أتيح لي فيما بين انعقاد الندوتين الأولى والثانية الوقت كي أقابل العديد من المهتمين بالشأن السياسي من الأمريكان، رسميين وأكاديميين، وكانت حصيلة تلك المساهمات من الندوات واللقاءات بعض الانطباعات التي أريد أن أشارك القارئ فيها.

حروبنا وسلامهم

بادئ ذي بدء فإن الهم الأمريكي في السياسة الخارجية هم كبير ومتعدد ويناقش على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وجزء من هذا الهم ما يحدث أو ما سوف يحدث في الشرق الأوسط وبلاد العرب والمسلمين. ما يجري فيها وما يجري حولها، انطلاقا من اهتمام الولايات المتحدة بالوضع الدولي ككل.

وحتى لا يفهم أحد خطأ أن منطقتنا العربية الإسلامية هي بؤرة اهتمام الولايات المتحدة، فإنني أسارع بالقول، بأن ذلك ليس صحيحا على إطلاقه، فالولايات المتحدة خرجت بعد نهاية الحرب الباردة - أو ما اصطلح على تسميتها كذلك - وهي تحمل مسئولية دولية كبرى - وحقا أو باطلا، رغبة منها أو بالمصادفة المطلقة - وأصبحت بذلك القوة العالمية الكبرى والوحيدة، ووقع عليها تبعات حفظ الأمن العالمي وهي ليست قادرة عليها قدرة مطلقة وإن كانت راغبة فيها. من هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة تهتم بمناطق (التوتر) على أساس الحفاظ على الأمن الدولي، فما بالك إذا كانت هذه المناطق (المتوترة) ومن بينها منطقتنا العربية والإسلامية، تمثل بؤرة مصالح مباشرة للولايات المتحدة سواء كانت هذه المصالح استراتيجية أو اقتصادية أو الاثنتين معا؟

هناك أكثر من مستوى يستطيع المتابع أن يرى اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي من خلاله، الأولى هو مستوى الصحافة اليومية، وهي بالمناسبة - خاصة الصحافة القومية - لها تأثيرها البالغ في رسم الأحداث وتزويد المؤسسات السياسية بالحقائق، وفي بعض الأوقات تكون الحقائق منقوصة. هذا المستوى من الاهتمام كان مركزاً - أثناء فترة زيارتي - حول السلام الفلسطيني/ الإسرائيلي، وهموم الحرب الأهلية في اليمن، ثم الاهتمام بالقوى السياسية الإسلامية. وفي المجال الأكاديمي والسياسي، وهو المستوى الثاني، تجد الصدى واضحا لما تنقله الصحف لكنه أكثر تجذيرا وعمقا، ويضاف إلى القضايا السابقة على هذا المستوى قضايا مثل الاقتصاد في الدول العربية ومستقبل العلاقات الأمريكية العربية.

ولا بد من ملاحظة أن هناك كثرة كاثرة في القطاعين، الأكاديمي، والسياسي، لا تعرف ولا تريد أن تعرف عن الشرق الأوسط والعرب والإسلام، إلا ما يقوله لهم في التو واللحظة مساعدوهم (إن كانوا سياسيين) أو ما تنشره الصحف ونشرات أخبار التلفزيون (إن كانوا غير ذلك)، إلا أن القلة المتخصصة في شئون الشرق الأوسط على اطلاع ودراية كافية بتلك الشئون وتتاح الفرص لهم لمناقشة الأوضاع بحرية كاملة.

أمريكا تناقش اليوم بسياسييها وصحفها موضوعا استراتيجيا يهمها في الأساس ويهمنا أيضا، وهو السلام العالمي ودور الولايات المتحدة فيه، ثم تكلفته الاقتصادية والسياسية. وعندما نتحدث عن السلام العالمي فإن نقيضه هو عدم السلام أو الحرب أو حتى إبقاء الأوضاع مضطربة غير مستقرة. لذلك فإن الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية تأخذ موقع الصدارة في هذا الاهتمام، وهي منطقة (مضطربة) بكل المقاييس ومناطق منها معرضة للاضطراب في أي وقت. هناك حوالي عشر حروب ساخنة أو قابلة للتسخين في منطقتنا، ونذكر بعضا منها مثل الصومال، واليمن، وفلسطين، والعراق، والسودان، وإذا أضفنا لها ما تشنه بعض القوى السياسية التي تقول بانتمائها إلى الإسلام من حروب أهلية خطيرة في بلدان أخرى، نجد أننا متواضعين في تحديد رقم العشرة.

يناقش الأمريكيون دورهم العالمي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة تبعا لمصالحهم، أو لصالح أيديولوجياتهم في تفوق السوق الرأسمالي، والليبرالية الاقتصادية، والديمقراطية. ولكن هذا (الانتصار) إن أريد له البقاء والاستمرار يحتاج إلى (قوة) يعتمد عليها، وهي بدورها تحتاج إلى مصادر مالية واقتصادية وجب أن توفرها هذه الدولة القائد.

مآزق السياسة في ساحة الاقتصاد

لنقاش الدائر في واشنطن أن أمريكا بوضعها الاقتصادي لا تستطيع أن تأخذ على عاتقها لوحدها حماية السلام العالمي. فلا بد والأمر كذلك ممن المشاركة في الحمل من جانب أولئك المستفيدين من استتباب السلام. ولكن القضية ليست بهذه البساطة، فهناك من يرى أن قيادة دولة واحدة للعالم تعتمد النظام الرأسمالي سوف يقود إلى تناقض بينها وبين الآخرين خاصة في نفس معسكرها الرأسمالي.

فالنظام الرأسمالي ينتعش أكثر عندما تكون مصادر العمل والتقنية ورأس المال متحركة ومنتقلة بمرونة ودون حواجز بين أسواق العالم، في الوقت الذي يدفع فيه التنافس كل دولة إلى احتكار المصالح الاقتصادية، ومحاولة إقفال سوقها على حساب منافسيها، وهذا يحد من فتح الأسواق وبالتالي لن يكون الاقتصاد عالميا. هذا ما تحاول الولايات المتحدة أن تحله مع شركائها مثل اليابان والسوق الأوربية المشتركة، وحتى مع الصين التي تقف عقبات أيديولوجية بينهما، لكنها ليست عقبات كأداء بدليل ما أعلنه الرئيس الأمريكي أخيرا عن تجديد سنة لوضع الصين كدولة أولى بحق الرعاية التجارية، حيث إن المصالح التجارية الأمريكية تأتي في المقدمة.

سيطرة دولة رأسمالية على العالم شهدت عصرها الذهبي في فترتين، الأولى هي الفترة التي أعقبت الحروب النابليونية في أوربا، عندما تفردت فرنسا لفترة بالسوق الرأسمالي المعروف وقتها، ثم فيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كانت دول أوربا المنتصرة والمتحالفة هي القائدة. مفتاح هاتين واحد وهو قدرة ورغبة دولة واحدة، أو تحالف، كي تكون قوة مسيطرة، تأخذ على عاتقها عملية استتباب الأمن والسلام الدوليين، وتحقق الأمن للدول الصغيرة حتى لا تلجأ الأخيرة إلى تحالفات إقليمية أو دولية سياسية أو تجارية لحماية مصالحها.

والتاريخ في حوادثه السابقة يؤكد لنا أن فترة سيطرة دولة واحدة على العالم هي فترة قصيرة نسبيا لأنها سرعان ما تعجز اقتصاديا وعسكريا عن القيام بما نذرت نفسها للقيام به، وهو الحفاظ على الأمن العالمي. ويتابع الذين يناقشون النظرية أن الاقتصاد الأمريكي غير مؤهل لفترة طويلة لأن يأخذ على عاتقه ضمان السلام العالمي، فالولايات المتحدة يمكن أن تقود ولكن بالتعاون مع آخرين عليهم ألا يشاركوها العبء المالي والاقتصادي فقط، ولكن أن يعملوا من داخل مجتمعاتهم ودولهم على تهيئة الأجواء المناسبة للسلام الاجتماعي الداخلي والإقليمي.

ومن هنا ترتبط نظرية الدولة القائدة بالأمن الإقليمي، فكلما كان هذا الأمن الإقليمي سائدا قلت تدخلات الدولة الكبرى المباشرة. وكلما عملت القوى الإقليمية على الوصول إلى أمن فيما بينها خففت الحمل الدولي العسكري والاقتصادي. وهذا الأمن الإقليمي كما يراه المختصون في واشنطن له قاعدتان هما التنمية الداخلية والمشاركة السياسية.

العرب والمسلمون

النظرية السابقة والتي مفادها أن يسود السلام العالم وأن تخف حدة التوتر بل وتنعدم إن أمكن، تناقض ما يحدث في الشرق الأوسط. فهناك خلافات إقليمية واقتصادية وسياسية تغذي التوتر، وتجعل هذه المنطقة بؤرة استنزاف لموارد اقتصادية كان يمكن أن يستفيد منها أبناء المنطقة، وكذلك العالم، ويرى المراقبون أن مشكلات الشرق الأوسط هي مثلثة الأضلاع يغذي كل ضلع منها الضلع الآخر. وهذه الأضلاع اقتصادية وسياسية وأيديولوجية، ودون فهمها الفهم الصحيح، والعثور على حلول منطقية لها، يشارك الجميع فيها، فإن الاضطراب سيظل معلقا ومستنزفا للطاقات، وخطيرا على سلام العالم واستقراره.

الوضع الاقتصادي يأخذ الأهمية القصوى من جانب المهتمين والمناقشين فهو أساس كل الصعوبات أو معظمها في منطقة الشرق الأوسط، ودون حلول جذرية للوضع الاقتصادي تظل الحلول الأخرى السياسية أو الأيديولوجية مؤقتة وغير فاعلة.

والوضع الاقتصادي بأرقامه المعروضة والتي يتبناها المختصون صورته مخيفة وسنورد بعضها فقط لمجرد الإشارة، فقد انخفض الناتج العربي بين 1980 - 1991 من 431 بليون دولار إلى 420 بليون دولار، فيما تزايد عدد السكان العرب من 165 مليونا إلى 220 مليونا! وبالتالي انخفض دخل الفرد العربي في نفس الفترة من 2612 دولارا إلى 1826 دولارا وهو انخفاض يساوي 30%، وبالتأكيد فإن هذه أرقام صماء حيث إن معظم العرب قد انخفض مستواهم المعيشي أكثر من ذلك بكثير، وكما تدل الأرقام المعلنة فإن الدين العربي الخارجي بين 1985 و 1990 قد ارتفع من 115 بليون دولار إلى 250 بليون دولار.

هذه بعض الأرقام، أما مشكلات الغذاء والماء والمساعدات المصروفة من الدولة لدعم أسعار السلع الأساسية، فهي تشكل الضغط الأكبر على الاقتصاديات العربية، والتي تعاني من مشكلات هيكلية هي بقايا الأنظمة والسياسات الاشتراكية من جهة، وغياب التنافس والسوق الحرة من جهة أخرى. فالوضع الاقتصادي العربي يواجه مشكلتين حادتين، الأولى هي أهمية وسرعة الإصلاح الاقتصادي الكلي والذي إن اتخذت خطوات في سبيل تحقيقه فسوف يسبب مشكلات سياسية ثمنها سيكون باهظا. وأما المشكلة الأخرى فإنه في غياب إصلاح اقتصادي وتنمية حقيقية فإن الحديث عن العدالة يبقى حديثا عاطفيا بعيدا عن الواقع، ومعناه تقسيم أصغر وأصغر لكعكة هي في الأساس صغيرة وتصغر كل يوم.

لقد قال لي أحد المختصين إن اتخاذ قرار بالإصلاح الاقتصادي في بلدان الشرق الأوسط هو أقسى حتى من اتخاذ قرار بالحرب.

إلا أن السؤال هو: هل الإصلاح الاقتصادي الذي تأخر كثيرا في البلاد العربية بالضرورة سوف يسبب في المدى المتوسط والطويل مشكلات سياسية. يشير البعض إلى أن ذلك ليس ضروريا، ويضربون مثلا بكارلوس منعم في الأرجنتين الذي قام بإصلاحات اقتصادية كانت في نهايتها شعبية إلى درجة سمحت له بتعديل الدستور لإعادة انتخابه. إلا أن السؤال في الدول العربية: إذا كان هذا التأخير في الأخذ بالإصلاحات الاقتصادية خوفا من نتائجها السياسية، فكيف يمكن أن يطرح في هذه الأجواء الحديث عن الإصلاحات السياسية! إنها دائرة مغلقة ومقلقة.

الإصلاح السياسي:

تسمع لفظة الديمقراطية والحث على تبنيها في كل ركن من أركان المنتديات واللقاءات الفكرية والسياسية في العاصمة الأمريكية، على أساس أن الأمن والسلام العالمي المطلوبين يتحققان بشكل أفضل في منطقة الشرق الأوسط عندما تتمتع شعوبها (بالديمقراطية) اعتمادا على افتراض قاعدة أن الشعوب الديمقراطية لا تشن الحروب، ولا يحكمها شخص واحد يسيرها حسب ما يريد ويشتهي. وهناك مدرسة سياسية في الولايات المتحدة تعتقد أن ثلاثية الديمقراطية والإصلاح الاقتصادي والتسامح الأيديولوجي هي ثلاثية لازمة لاستتباب السلام، ومن ثم فوجود هذه العناصر فيه شيء من الضمان ضد انفجار التوترات وبالتالي إجبار الولايات المتحدة على التدخل وإهدار الموارد النادرة لإطفاء الحرائق التي يمكن أن تسببها الدكتاتورية والفقر. هذه نظرية مقبولة على نطاق واسع وهي في حقيقتها منطقية إلا أن المشكلة هي أية ديمقراطية وما هي آلياتها، وأي إصلاح اقتصادي؟

الديمقراطية مفهوم مثقل بدلالات الثقافة الغربية، وهي كقوس قزح هناك آراء مختلفة فيها وقد تكون متضاربة، مثل أن الديمقراطية لا تنضج ولا تعطي ثمارها المرجوة - مهما اختلف شكلها - إلا في مجتمع يحقق تنمية اقتصادية حقيقية، أما الأولوية - تقول هذه المدرسة - إن أردنا استتباب السلام فيجب أن تعطى للتنمية. فكل الذي نشاهده من أزمات وتشنجات لها مظهر السياسة والأيديولوجية هي في حقيقتها إحباطات شديدة نتجت عن فشل التنمية الاقتصادية الموعودة. هذه المدرسة تقول إن التنمية مطلب سابق على الديمقراطية، وهي حجر الزاوية في السلام والأمن المنشودين.

وفي دراسة نشرها أحد المختصين الاقتصاديين الكنديين من جامعة برتش كولومبيا، هو (جون اف هول ول) بحث فيها العلاقة بين الديمقراطية والتنمية فقام بمقارنة نتائج اقتصاديات مائة دولة بين 1960 إلى 1985 ووجد أن هناك تراجعا نسبيا بين الدول الديمقراطية في الإنتاج الاقتصادي مقارنة بالدول غير الديمقراطية، وهذه النتائج التي توصل إليها أكدت وجهة النظر القائلة بأنه في المدى القصير فإن الحكومات غير الديمقراطية خاصة تلك التي تضمن لمواطنيها (الحقوق الاقتصادية) مثل حماية الملكية الشخصية وحرية حركة رأس المال، يمكن أن تحقق نتائج اقتصادية أفضل. ولكن في النهاية يصل المؤلف إلى نتيجة هي أن التنمية تقود إلى الديمقراطية، بل تستقر الأخيرة بشكل أفضل في وضع اقتصادي مريح. على كل حال فإن إجابة سؤال: أيهما يسبق وأيهما يلحق ما زالت إجابة أكاديمية، ولكن موضوع الديمقراطية لا يزال موضوعا ساخنا في مناقشات وندوات الأمريكيين.

وتظهر مؤسسات جديدة لدراسة الديمقراطية في الشرق الأوسط كالفطر كل يوم، في واشنطن، وفي مراكز البحث الأمريكية الكبرى، ويزداد النقاش حول الشكل الأمثل للديمقراطية المأمولة في بلدان العالم الثالث خاصة في الشرق الأوسط، إنه زمن "السوق الديمقراطية" وكل يشتري ما يرغب!

الإسلام

لعل البحث الثالث الذي يعرض يوميا في المناقشات وحلقات البحث هو موضوع الإسلام، ليس من كونه عقيدة، ولكن من حيث كونه محركا لوضع سياسي، كما هو في بعض البلدان العربية والإسلامية. وكذلك علاقة الإسلام بالديمقراطية ويخلط البعض هناك بين الأمور إما لنقص في المعلومات، أو لوجود معلومات مشوشة بين هذين المفهومين.

واحد من كل خسة أشخاص في العالم مسلم، والمسلمون يعيشون في 45 دولة في إفريقيا وآسيا وعدد كبير في أوربا والولايات المتحدة ودول كانت تشكل الاتحاد السوفييتي السابق.

ويخلط البعض بشكل قوي بين الإسلام كعقيدة وبين ممارسة بعض المسلمين للسياسة، وتصوراتهم لشكل المجتمعات والعالم المرغوب في تحقيقه. ولأن بعض هذه التصورات ليست ناضجة، يقود الأمر إلى تكوين صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين معا. ويتصور البعض أن هناك صراعا لا شك قادما بين الغرب وما يمثله من قيم وبين المسلمين. على أساس أن الغرب يبحث عن (عدو)، وهي مبالغات تجد صداها لدى أطراف مختلفة في كلا المعسكرين، موضوعات الإسلام والمسلمين مثل ما يحدث في إيران والجزائر ومصر وبلاد أخرى لا تخلو منها ندوة، ويحاول بعض القادة السياسيين الأمريكان بصعوبة أن يفك التشابك في الفهم لدى قطاعات مهتمة بين الإسلام كعقيدة لملايين المسلمين وبين بعض مظاهر التصرفات السياسية لحركات سياسية. هذه المحاولات لا تجد صداها لا في الجمهور العام ولا في الصحافة.

هذا التشابك له على كل حال بعض الجذور الفكرية، فعلى الرغم من أن هناك مؤسسات ومراكز بحث في الولايات المتحدة تقدم تصورا حديثا سياسيا للفكر الإسلامي ويساير التفكير الغربي في الديمقراطية والتعددية، إلا أن هناك كتابات وآراء حولي نقص الحقوق السياسية للمرأة وعدم قبول التعددية والتسامح مع الآخرين، يراها البعض من وجهة نظر غربية بعيدة عن مسار الديمقراطية الحديثة.

هناك الذين يرون أن الحقيقة متعددة وإنسانية، وهناك الذين يرون أن الحقيقة واحدة. ومشكلة تفسير النصوص القادمة من كتابات كثيرة بهذا الخصوص من الشرق الأوسط تجعل المعلقين الأمريكان يختارون النصوص التي تؤيد وجهة نظرهم، فإن كان الواحد منهم يريد أن يبني قضية في التسامح والتعددية وجد نصوصا في هذا الاتجاه، وإن أراد أن يبني قضية في عدم التسامح ورفض الآخر وجد نصوصا قادمة تؤكد ذلك. لذلك تجد هذا التفاوت الكبير في التفسير. ومما يزيد الطين بله أن البعض محاولا تفادي بعض المصطلحات الحديثة مثل فصل الدين عن الدولة أو التعددية يأخذ بمصطلحات أخرى مثل (تميز الدين عن الدولة) أو مفهوم (التنوعية) بدلا من التعددية، وهي مفاهيم قد تشبع نهم بعض المثقفين العرب، ولكنها لا تغني كثيرا عن آليات الديمقراطية المعروفة في الغرب، حيث إن التجربة الإنسانية في هذا المجال متقاربة كما شهدنا في أماكن أخرى من العالم وليست متناقضة.

هناك بعض الكتابات التي ترصد مساهمة الأحزاب الإسلامية السياسية في بعض تجارب الانتخابات والديمقراطية في البلدان العربية، ولكن هذا الرصد مقرون بتخوف أن ينتهي الأمر بأن يكون (صوت واحد لشخص واحد.. لمرة واحدة)! أي بتعبير آخر أن (تختطف الديمقراطية) وهو تخوف له صداه الواسع في الكثير من الكتابات والتعليقات التي قرأتها أو استمعت إليها، ولكن أيضا هناك من يقول إن الأحزاب السياسية الإسلامية سوف تستقر في نهاية المطاف كأحزاب سياسية معقولة تقدم عن حسن نية على تطبيق الديمقراطية والقبول بلعبتها السياسية.

المثلث الحرج للإصلاح الاقتصادي والديمقراطية بمعانيها المتعددة والمختلفة، والشكل الأيديولوجي الذي سوف تتخذه منطقة الشرق الأوسط، ذلك هو محور أحاديث المهتمين والمتخصصين في واشنطن. وعلى الرغم من أن هذا الشرق الأوسط الذي تتفاعل فيه وحوله متغيرات عديدة وكثيرة هو موضوع دراسة (من الخارج) إلا أن مستقبله في الأمن والتنمية والديمقراطية سوف يتحقق أساسا من اللاعبين الرئيسيين والأصليين في داخله، وهم أهله، فمستقبل إخفاق أو نجاح مشروعاتهم الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية يعتمد بدرجة كبيرة عليهم (كلاعبين رئيسيين في ساحته)، وعلى الاستراتيجيات التي يتخذونها لا على تصورات وجهود غيرهم.

إن المستقبل نحققه نحن!

أليس كذلك؟!.

 

محمد الرميحي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات