طبيب الأسرة

البيئة المنزلية
وتطورات القدرات العقلية عند الطفل

الأهل هم المعلم الأول والأهم للطفل وهم الذين يجعلونه محبا للعلم أو عازفا عنه، وهم الذين يستطيعون مساعدته في تحقيق أفضل المستويات التعليمية.

يقول علماء النفس والتربية إن الأهل هم المعلم الأول والأهم لأمرين:

أولهما: أن الطفل يتلقى على أيديهم برنامجا حافلا ومهما قبل دخوله المدرسة فهو يتعلم منهم مبادئ السلوك الإنسان بمختلف جوانبه مما له أكبر الأثر في تكوين شخصيته، ويتعلم منهم اللغة - وأكثر من لغة أحيانا- بما فيها من خبرات ومعارف، ويتعلم منهم كيف يكون التعلم والاختبار وحل المشكلات وأشياء أخرى كثيرة.

ثانيهما: أن لشخصية المعلم- وهو هنا الأصل- ومواقفه من تلميذه- وهو هنا الطفل- وطريقته في التعليم أبلغ الأثر في موقف التلميذ من العلم والتعلم فإما أن يصبح محبا للتعلم أو غير آبه به أو كارها له. وهذا كله له أكبر الأثر في إقبال الطفل على التعليم في المدرسة فيما بعد وعلى مستوى تحصيله.

وفيما يلي سنذكر للقراء الكرام باختصار بعض المبادئ والملاحظات والعوامل التي يرى علماء النفس ضرورة مراعاتها في تنشئة الأطفال حتى ينموا ويتطوروا بشكل جيد..

الرغبات العاطفية

أي تلبية رغبات الطفل الصغير في الحب والعطف والحنان ذلك لكي يشعر بالأمن والاطمئنان والسعادة وتستمر حاجة الطفل إلى الحب ما دام في طور النمو والنضج وليس في صغره فحسب أي حتى البلوغ، ومن المهم جدا أن يكون الطفل واثقا من أن أهله يحبونه بشكل دائم ومستمر ومؤكد، وأنه لا يجد في تصرفاتهم ومواقفهم وأقوالهم ما يجعله يشك في ذلك.

إن هذا الأمر ضروري لتفتح قدرات الطفل العقلية الكامنة ونموها نموا طبيعيا، إن كثيرا من الأهل - إن لم يكن معظمهم - لا يدركون أهمية هذا الموضوع فكم من أم قالت إنها تصيح في أبنها أو تضربه لكي يسكت وهو لم يبلغ السنة من العمر بعد، وكم من طفل لا يجد من أهله إلا التوبيخ كلما أساء التصرف حسب وجهة نظرهم هم لا وجهة نظره هو، وذلك عوضا عن التحمل والود والتفهم لعقله الذي لا يزال في أدوار نموه الأولى.

ويجب أن يكون هناك نظام وانضباط في حياة الطفل اليومية ومن الصغر، ولكن في إطار من الحب والهدوء واللطف ودون اللجوء للصياح والغضب والتوبيخ ولو كبر الطفل.

وكلما وضعت قاعدة جديدة معقولة يجب أن تطبق دائما لا ساعة وساعة، وألا يكون هناك اختلاف أو تجاذب ما بين الأم والأب حول قضية قد اتفق عليها.

إن النظام يعلم الالتزام والصبر، والفوضى تعلم عكس ذلك.

العمل على تنمية القدرات العقلية الكامنة بالمنبهات المناسبة ومن الأيام الأولى فالإرضاع الوالدي من أم حنون وما فيه من تلامس ونظرات حب يعتبر من أحسن المنبهات الباكرة، ثم مداعبته ومضاحكته ومحادثته بدءا من الشهر الثاني، ثم وضعه على كرسي دراج بعد أن يتم شهره الرابع ليشاهد أمه وهي تقوم بعملها في المطبخ أو أخذه إلى نزهة قصيرة أو ما شابه ذلك، كل هذا فيه من المنبهات الطبيعية ما يفتح وينمي القدرات الكامنة.

هذا على عكس الإرضاع الاصطناعي بيد مربية غير متخصصة وترك الطفل في سريره بين الرضعات لا يرى إلا جدران الغرفة ولو بكى واستغاث.

أوقات التعلم

إن أحسن وقت لتعليم الطفل أي مهارة من المهارات هو عند إبدائه الرغبة في تعلمها فعندما يبدي رغبته مثلا في الشرب من الكأس في شهره السابع أو الثامن أو أن يمسك بقطعة الفاكهة أو الحلوى أو الخبز ليطعم نفسه وهو في شهره الحادي عشر؟ أو أن يمسك بالملعقة ليأكل بها بنفسه قبل أن يتم السنة والنصف من عمره، أو أن يخلع أو يساعد في خلع ثيابه بدءا من السنة والنصف، أو أن يلبس ثيابه في سن الثالثة، عندما يبدي رغبته في شيء من ذلك فعلينا أن نساعده وأن نشجعه وأن نسهل عليه مهمته وألا نستعجله وأن نصبر عليه بضع مرات حتى يحسن الأداء، ولا يجوز منع الطفل من التعلم بحجة عدم العجلة أو لأنه لا يحسن أو لا يعرف أو لا يستطيع.

ويجب فسح المجال للطفل كي يمارس ما يتعلمه، وأن نساعده على الاستقلال فمن طبع الطفل أن يحب ممارسة ما يحسن من عمل ليتقنه، ثم ينتقل في تعلم شيء جديد آخر، وهذا بالطبع يؤهله للاستقلال والاعتماد على النفس والثقة بها.

ولكننا نرى مع الأسف أطفالا في الرابعة يطعمون من قبل الأم أو المربية ونرى أطفالا في السابعة ينتظرون من يلبسهم وكأن بهم شيئا من التخلف.

ويحتاج الطفل في بيئة أسرية تغرس فيه القيم والمثل والأخلاق الكريمة والتفكير في الآخرين والاهتمام بهم، وهذا أمر لا يتم بالنصائح بل بالقدوة الحسنة.

ويجب أن يكون الطفل سعيدا غير قلق ولا خائف ولا مضطرب حتى تتوجه قواه وقدراته إلى التعلم، لذا يجب أن يكون التعليم محببا بطرق محببة تتناسب وطبيعة الطفل ومستواه، من قبل إنسان لطيف ودود محبوب.

والطفل يسر بالتشجيع والمديح، وبهما يبذل قصارى جهده بعكس التوبيخ والمعاقبة فبهما يضطرب ويتعثر، ولكن لا تجوز المبالغة في المديح لأن الطفل عندئذ يخاف الفشل فيقلق.

طموح الطفل

ولكن باعتدال أيضا، فالطموح القابل للتحقيق ضمن حدود ذكاء الطفل وإمكاناته يجعله يتطلع إلى طموح جديد، وأما الطموح الكبير الذي لا يتحقق فإنه يشعر بالفشل والخيبة، فالنجاح يحيي النجاح، والخيبة تحور الخيبة.

وفي تربية الطفل وتعليمه يحرم انتفاضه، فلا يجوز أبدا استعمال لغة الاستهزاء والتجريح والتحقير وتفضيل الآخرين عليه وما شابه فهذه الأساليب تجعل الطفل يكره العلم والتعلم ولو بشكل خفي.

ويجب اختيار اللعب المناسبة لقدرات الطفل والمساعدة على تطويرها.

ويحسن مشاركة الطفل في لعبه لبعض الوقت وليس دائما، حتى نفسح له المجال كي يخطط لنفسه لعبه وتسليته، وليطلب المساعدة عند اللزوم.

اللعبة المثالية هي التي فيها شيء من الصعوبة أو المشكلات التي يستطيع الطفل التعامل معها والتغلب عليها فيفرح باللعب بها، اللعبة السهلة لا تثير اهتمام الطفل، والصعبة تشعره بالعجز، ودرجة الصعوبة يجب أن تزداد بالطبع كلما كبر الطفل.

وعلى الأهل تعليم طفلهم كيف يتعلم من أبكر وقت ممكن؟ وهذا لا يعني تحفيظ الطفل شيئا من المحفوظات أو الحساب في وقت مبكر كما يعتقد ويفعل البعض، بل يعني تعليم الطفل كيفية البحث والاستنباط وأن يجد السرور في التعليم، وتطوير قابليته للإصغاء للآخرين ونظرته للكبار على أنهم مصدر المعلومات ومشاركته للآخرين في أعمال هادفة وما شابه.

ويقول البعض إن عدم تنشيط رغبة الطفل في التعليم في الصغر قد يؤدي في فقد قابليته للتعلم بشكل دائم وفى تراجع ذكائه.

وعلى الأهل أن يقرأوا لأولادهم لا من السنة الرابعة، بل من قبيل السنة، فقد وجد أن الطفل من هذه السن المبكرة يجد كثيرا من المتعة إذا ما أجلسته أمه في حجرها وقرأت له في كتب الأطفال الخاصة مشيرة بإصبعها إلى الأشياء الموجودة في الكتاب، إنه سريعا ما يتعلم الاستمتاع بالتغني بأغاني الأطفال، ومشاركة أمه في القراءة.

وعلى الأهل الإجابة عن أسئلة الطفل واستيضاحاته، فالطفل- يكثر من السؤال والاستيضاح كما هو معروف، وفي ذلك فرصة للأهل للتعليم بطريقة سليمة، فيبصر الطفل حسب سنه ومستواه، والأهل الأذكياء هم الذين يشجعون أطفالهم على السؤال والاستيضاح، والذين يساعدون أطفالهم على إيجاد الجواب والإيضاح بأنفسهم أحيانا.

والحوار والمناقشات فرص أيضا لتعليم الطفل طرق الحوار وأدبه وكيفية ربط الأشياء مع بعضها والنظر فيما بينها من تشابه أو اختلاف أو علاقة وما شابه، وعلى الأهل أن يشجعوا الطفل على المناقشة وأن يحببوها له، لا أن يقولوا - كعادة الأكثرية- لا تناقش، فالأمر كما قلت لك، أو انتهى الموضوع ولا أريد أن أسمع منك ولا كلمة وما شابه بشيء قليل أو كثير من الغلظة والفظاظة، مما يجعل الطفل يتردد كثيرا ويفكر طويلا قبل أن يوجه سؤالا أو يطلب استيضاحا أو مناقشة.

ويحسن عدم منع الطفل من حضور مجالس الكبار، فالقاعدة التي يتبعها أكثر الأهل في منع الطفل من حضور مجالس الكبار والضيوف غير صحيحة، إذ إن في حضورهم مناسبة للاستماع إلى مناقشات الكبار ومنطقهم.

ولا بد من الاعتناء بصحة الطفل، من إجراء فحوص دورية- بما فيها من فحص للحواس- وتغذية متوازنة لا إفراط فيها يؤدي إلى السمنة، ويجب الاهتمام بالصحة التغذية بصورة خاصة عند، الوليد وفي الأشهر الأولى وبصورة أخص عند الخدج وصغار الحجم.