المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

  • شهادة.. خيري شلبي من «السنيورة» إلى «صحراء المماليك»

«سعيد الكفراوي.. بلا تردد»، هكذا قال الروائي الكبير خيري شلبي عندما سأله الدكتور عبدالناصر حسن، رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب المصرية: من تفضل أن يقدمك في لقائك الذي تدلي فيه بشهادتك الروائية أمام رواد الدار؟

وقد كان خيري شلبي على حق، فقد نجح سعيد الكفراوي في تحفيز صاحب «الوتد» ليخرج عن طبيعته الملازمة للصمت، بمجرد أن قال: «أعتقد أن المائة كتاب، التي أبدعها خيري شلبي إنما هي رسم لوجهه هو!..

إنه عالم من القص يزخر بالكثير من المعطيات الحسية.. وخيرى شلبى مهووس بالتفاصيل الواقعية، ومشغول على الدوام بـ: الصعاليك والمطاردين، وأصحاب المزاج، والنسوة الحائرات بين ظلمة المقبرة وحياة الليل في الخارج، وأصحاب الغرز والحانوتية، وأهل القرى من العمد وأهله هو من الفقراء.. وناس اقترب منهم.. من المثقفين والمبدعين وأهل الفن والصحافة.. عالم من الهامش يمثل أفقا يجدد الفن ويعبر عن صاحبه الذي يذكرك بحكاية بورخيس العظيم عن رجل كلف نفسه بمهمة رسم العالم، وخلال سنوات عمره، أثث الفضاء بصورة الأقاليم، والممالك والجبال والخلجان والسفن والأسماك والمنازل والأدوات والكوكب والخيول والأشخاص، وقبل أن يقضي نحبه بقليل اكتشف الرجل أن متاهة الخطوط التي دأب زمنا طويلا على رسمها إنما كانت ترسم وجهه هو»!

ويؤكد سعيد الكفراوي أن حياة البشر هي المادة التي تكون خيال خيري شلبي، ويرى أن كل عمره إنما يقضيه بين لحظتي الميلاد والرحيل، وأنه كروائي متمكن من حشد التفاصيل والأحداث والرؤى والأحلام مجسدا عالما محليا يقترب كثيرا من الشعر.

ويرى الكفراوي أننا لكي ننفذ إلى عالم خيري شلبي لابد لنا من معرفة قيمه الاجتماعية، وعقائده التي تشكل سؤاله عن جوهر الحياة والموت، وكلما تعمقنا في هذا العالم ازدادت معرفتنا بهؤلاء الأوغاد والطيبين وسكان الوكالات والمقابر والحارات الضيقة، المهمومين بموال البيات والنوم، ممن يمثلون عشيرة خيري شلبي من البشر.

يقول الكفراوي: من يحب كاتبا فلابد أن يقرأ له ويتعرف على تفاصيل ذلك الصراع الذي يدور بين من يملكون ومن لا يملكون، بين هؤلاء الجاثمين في الهامش لا يطلبون إلا الستر من الله والبعد عن الفضيحة، وهؤلاء الذين وحدهم يمتلكون هذه السلطة والمال وأزعم أنني قرأت خيري من «السنيورة» إلى «صحراء المماليك».

ينتهي تقديم سعيد الكفراوي لخيري شلبي ليستهل الأخير شهادته بسؤال: «لماذا أنا حكاء؟».

وعلى الفور يجيب: «العمل الأدبي كأئن حي. هذه حقيقة قديمة قدم الإبداع الإنساني. وبما أنه كذلك فإن بقاءه على قيد الحياة مرهون بما توفر فيه من صدق وشفافية، يمنحانه قوة النفاذ إلى الأفئدة، ويبقيانه في حالة خصام دائم مع الواقع الفعلي، ذلك الخصام هو أحد أهم الأسباب التي تعطيه القدرة على البقاء طويلا، فالعمل الأدبي يموت إذا تصالح مع الواقع، وهناك أعمال كثيرة تولد ميتة لأنها محض محاكاة للواقع.

إن خلافه مع الواقع يبقيه دائما في محاورات لا تنتهي مع معضلات الواقع المعيش، سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية أو إنسانية. أما بقية الأسباب التى تحول العمل الأدبى إلى طاقة جدلية مع العناصر الفاعلة فى الواقع فإنها فى معظمها تنحصر فى أساليب السرد القصصى والروائى، ومدى وعي الكاتب بها، وكيفية التعامل معها، وتوظيفها دراميا وفكريا.

غير أننى- اسمحوا لى- لست ميالآ لمصطلح «السرد» عند الحديث عن تجربتى الروائية، ربما لعلاقة شديدة الحميمية بيني وبين مصطلح «الحكي»، فلقد حظيت منذ طفولتى المبكرة بلقب: الحكاي أو الحكاء، إذا ما شئنا التفاصح.

طفولتي المبكرة تفرض نفسها علي دائما كلما أردت البحث في مكوناتى الفنية؛ ولماذا صرت حكاء؟

إذا قلت ردا على ذلك إنني قرأت السير الشعبية كلها بلا استثناء في مرحلة الصبا، من أول ما تعلمت «فك الخط»إلى أن قرأت الآداب العالمية مترجمة إلى العربية في مرحلة التعليم المتوسط: سنوات النصف الأول من القرن العشرين، وقد أعدت قراءة السير كلها مرة أخرى في ستينيات نفس القرن مع بدايات تجاربي الأولى في كتابة القصة والشعر والرواية، ثم أعدت قراءة منتجات منها في ثمانينيات نفس القرن وأنا كاتب له قائمة مطبوعات؛ فضلاً عما قرأته من كتابات نظرية عن السير وعن معشوقتي الأولى والأخيرة: «ألف ليلة وليلة»، ومساهماتي المتواضعة في تلك الكتابات النظرية، واشتراكي في كثير من الندوات التي أقيمت في أماكن عديدة عن: الهلالية وعنترة وحمزة البهلوان والملك سيف بن ذي يزن والأميرة ذات الهمة.

إذا قلت إن هذا هو المصدر الذي سقاني فن الحكي حتى ثمالة الكأس لا يكون قولا مكتملا تماما،بل يبقى هناك شيء جوهري لم أنتبه إليه إلا أخيراً وأنا أجهز مادة علمية لكتاب أعمل فيه الآن بعنوان «فلسفة الحكي»، وهو دراسة تطبيقية مزدوجة على السير والملاحم الشعبية من ناحية، وعلى الخطاب اليومي للشخصية المصرية من ناحية أخرى، على أساس أن كليهما قد أثر في الآخر تأثيرا جوهريا وجدليا عريقا..

هذا الشيء الجوهري الذي انتبهت إليه حديثا هو أنني والله- كنت واعيا بفن الحكي قبل أن أخوض تجربة القراءة بنفسي، فكيف كان ذلك؟!

حقيقة الأمر أن طفولتنا في أربعينيات القرن العشرين- نحن أبناء الطبقة المتوسطة الزراعية- كانت في معظم منافذها المعرفية والثقافية بل والحسية بكل اشراقاتها كانت صوتية صرفة، حتى ماهو مقروء كالجورنان والقرآن والكتاب كان يبلغنا مسموعا وذلك لندرة القارئين في القرية باستثناء المدرسين وأئمة المساجد وهؤلاء وأولئك لا يقرأون إلا لأسرهم، أما العامة من رواد الدكاكين والمصاطب فدائما يوفقون في العثور على من يقرأ لهم الجورنان أو بضع صفحات من «الهلالية» أو من «ألف ليلة وليلة». وكنت هذا القارئ لهم في صباي.

كنت في الخامسة أو السادسة من عمري أتسمر في قعدتي في ركن بين الرجال في مندرتنا أستمع بشغف كبير جدا إلى قراءة لا تنتهي طوال النهار وشطرا طويلا من الليل، قراءة مقالات الجورنان في فترة الظهيرة، قراءة التفاسير القرآنية والأحاديث النبوية من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، قراءة إحدى «السير الشعبية» أو «ألف ليلة وليلة» في فترة المساء والسهرة في فترة المساء والسهرة. في هذه الأعمال الفنية شخصيات أبطال وأحداث ومواقف مثيرة جعلت هؤلاء المستمعين جميعا في حالة ذهول خرجوا فيها عن أطوارهم صاروا يعبرون عن دهشتهم ويعربون عن إعجابهم بطرق غريبة تكاد تكون جنونية، فثمة من يخلع طاقيته ويهبدها في الأرض، ومن يهم بشق ثوبه من الطوق، ومن يقف هاتفا يستعين بسيدنا محمد كواسطة لله كي يلهمه الصبر على احتمال ما حدث لأبي زيد أو عنترة أو عمر العيار أو الظاهر بيبرس، فضلا عن أفاعيل القارئ الذي ما يلبث حتى يندمج في حرارة يستمد منها القدرة على التمثيل ومحاكاة الفرسان في غطرستهم والملوك في انتفاخ أوداجهم والمساكين في خستهم والشمطاوات العجائز في شيطنتهن الهتماء..الخ.

أولئك جميعا يصيرون بالنسبة لى عملا فنيا قائما بذاته، فحتى إن كان خيالى في تلك السن خصبا بحكم البيئة، وعقلي قادرا على الربط والإدراك لطبيعة المقروء المسموع الذي فكك مظاهر المستمعين وأصابهم بكل هذا الهياج الجنوني.. حتى لو كنت قادرا على التركيز فإن الملهاة الواقعية التي تحدث أمامي كأنني المتفرج الوحيد عليها لا قبل لي بالتفريط فيها من أجل الاندماج في أحداث يقرأها قارئ».

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • احتفالية.. أمل دنقل يحتفي بعيد ميلاده السبعين

احتفل مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، الأحد 10 يناير 2010، بسبعينية ميلاد الشاعر الراحل أمل دنقل (1940 - 1983) بمشاركة عدد كبير من الشعراء والكتاب والفنانين من الأجيال كافة، يتقدمهم الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، والناقد الدكتور أحمد درويش، والكاتبة عبلة الرويني (أرملة الشاعر الراحل)، والمخرجة الفنانة عطيات الأبنودي، التي قدمت فيلما تسجيليا يحمل عنوان «حديث الغرفة رقم 8» إنتاج عام 1990، وبه مشاهد ولقطات مع والدة الشاعر عقب رحيله، والشاعر أثناء وجوده في مستشفى معهد السرطان بالقاهرة وذكرياته عن بداياته وتقبله للمرض ورؤيته للشعر والعالم من حوله.

وقال المايسترو شريف محيي الدين مدير مركز الفنون بالمكتبة: «ربما تكون هذه الاحتفالية هي المرة الأولى التي يُحتفل فيها بالعيد السبعيني لميلاد شاعر راحل؛ وليس الاحتفال بذكرى رحيله كما جرت العادة. لكننا حين فكرنا في الاحتفال بأمل رأينا أن أمل لايزال حيًّا بيننا، وهذا ما منحنا الحق في مخالفة العادة والاحتفال به بعد رحيله».

وأضاف: «كنت شاهدًا على ما حققته تجربة أمل عندما قمت بتلحين بعض قصائده التي لم يمنعها عمقها الفكري ولا رصانة لغتها من الانصياع للغة موسيقية ذات طبيعة فنية مغايرة؛ والآن تتوالى على خاطري الذكريات الحميمة لهذه التجربة فيطرب لها قلبي. فحين قررت خوض هذه التجربة عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين اندهش كثير من أصدقائي الفنانين، وتساءلوا: هل يمكن أن يخضع هذا الجبروت الشعري بعرامة لغته وعنفوان صوره وحواره العميق مع التاريخ؛ هل يمكن أن يخضع للتلحين ويترقرق غناء عذبًا؟!» وأثبت محيي الدين أنه يمكن ذلك.

وتحدث الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي عن تجربة أمل الشعرية، مشيراً إلى أنها بلورة لكل ما قرأ وتعلم في تراث الفن. وقال: «أجده اهتم بموضوعات اهتممت بها، لكنه أبدع فيها إبداعا خاصاً لا يمكن أن يكون ثمرة التقليد والتلمذة. فأقرأ قصائده عن القاهرة أو الإسكندرية فأحسده وكنت أتمنى لو أنني كتبت هذه القصائد».

واستعاد حجازي ذكرياته مع دنقل حيث تعرف عليه لأول مرة في الستينيات قبل أن يكتب القصيدة التي قدمته للقراء وهي «كلمات سبارتاكوس الأخيرة». وقال: «أمل دنقل كان مفتوناً بأصوات اللغة، فلا يمكن أن يفسر شعر أمل بعيداً عن الصوت اللغوي».

أما الناقد د.أحمد درويش فتحدث عن أمل دنقل وتجربته الشعرية، مؤكداً أن العظماء حين يرحلون لا يرحلون عنا بقدر ما يرحلون فينا، لأن ما غرسوه يبقى ظلاً لنا، ويصب في عقولنا، ونصبح جزءا من الأسئلة التي طرحوها.

وقال إن أمل استطاع من خلال موهبته الشعرية الجبارة وثقافته الواسعة وحاسته النقدية أن يفلت من دوائر التشابه، وكانت له خصائص شعرية مميزة وتلك نقطة تميزه في عصور الإنتاج المتشابه وما أكثر تلك الفترة. كما أنه الوحيد الذي أحدث توازنا بين الإطلاق والتقييد، كما خطت تجربة أمل دنقل خطوات مهمة بالنسبة لشاعرية التصوير جعلت قصيدته تقف في مرحلة وسط بين التأملية والسردية، فقد أتاحت متعة رأسية وأفقية في آن واحد.

وتحدث أنس دنقل (شقيق الشاعر الراحل) بكلمة عن أمل دنقل الإنسان، ونظرته للريف والمدينة، وعلاقته بالشعراء.

وأدلى الدكتور محمد رفيق خليل، بشهادته التي تحدث فيها عن الفترة السكندرية في حياة أمل دنقل، بينما قال الشاعر عبدالعزيز موافي: «إن هناك الكثيرين ممن يرون في أمل إنسانا غير مفهوم، لكنها طبيعة الشعراء، فقط كان أمل مزيجاً من الأشياء والصفات المتناقضة وكان يبدو شرساً لكنه يملك قلب عصفور وبسمة طفل. كان يمتلك حساً نقدياً عاليا ربما لم يظهر. وكان يرى أن الموهبة لا تصنع الشاعر لكن ما يصنعه هو ثقافة الشاعر، فهي التي تحدد رؤيته».

وجاءت شهادة زوجته عبلة الرويني، لتعبر خلالها عن سعادتها باحتفال مكتبة الإسكندرية بميلاد الشاعر، الذي حسبما ذكرت لم يحتفل بعيد ميلاده سوى مرة واحدة وأخيرة. فلم يعرف هذا الطقس الاجتماعي إلا من خلال جابر عصفور حينما أصر على أن يحتفل بعيد ميلاده، وأخذه في سيارته ليتجول في شوارع القاهرة في وقت اشتد عليه المرض، كان هذا الاحتفال أول وآخر احتفال.

واتسعت احتفالية أمل دنقل لسماع شهادات لشعراء من جيل الثمانينيات وما تلاه، من الذين لم يلتقوا أمل لقاء شخصيًّا بل التقوه إبداعيا، وشارك فيها: علاء خالد، وحميدة عبدالله حميدة، وعبدالرحيم يوسف وصالح أحمد، وحمدي زيدان.

وفي قاعة المؤتمرات الكبرى بمكتبة الإسكندرية كان الجمهور على موعد شعري وموسيقي، فقرأ الشعراء: بشير عياد، وأحمد فضل شبلول، وحسن معروف، ومحمد منصور، وسامي إسماعيل، وإيمان السباعي، وعمر حاذق، قصائد لأمل، مصحوب بعضها بإيقاع موسيقي وغناء بمشاركة محمد أبوالخير، وأشرف سويلم، وبيانو جريج مارتن.

وأنهت الفنانة نيفين علوبة بمصاحبة أوركسترا مكتبة الإسكندرية بقيادة المايسترو شريف محيي الدين الاحتفالية بغناء (سوبرانو) رائع لبعض قصائد أمل منها: المطر، أيدوم النهر؟ ضد من؟.

الإسكندرية: أحمد فضل شبلول

  • مؤتمر.. الثقافة العربية وأزمة القراءة

أثار المشاركون في مؤتمر «الثقافة العربية وأزمة القراءة» الذي عقد في دمشق جملة من الإشكاليات والتساؤلات، تمحورت حول تراجع نسبة القراء في العالم العربي، وكذلك تراجع نسبة الإصدارات، وتبين أن نسبة ما يصدر في العالم العربي سنوياً كتاب واحد لكل ثمانين فرداً، في مقابل خمسة كتب وأكثر لكل فرد في مختلف دول العالم. وقبل انعقاد المؤتمر أجرت الجهة المنظمة استبياناً حول نسبة القراءة في المجتمع العربي متخذة من المجتمع السوري أنموذجاً.

وكانت العينات المستهدفة في الاستبيان، الشريحة المتعلمة من فئات اجتماعية مختلفة. وشمل الاستبيان فئة الذين أتموا مرحلة التعليم الأساسي، وما فوق، ونسبتهم في الاستبيان 93.5% من بينهم:

40.3% طلبة 9.4% مدرسين 2.4% أساتذة جامعيين - و 6.5% ممن أتموا المرحلة الابتدائية فقط.

ومن غايات الاستبيان بيان علاقة شريحة الشباب بموضوع القراءة، فشمل الاستبيان: 76% دون سن الثلاثين.

وكانت نتائج الاستبيان هي: فئة غير القراء، ونسبتهم 32%، وأسباب عدم القراءة «لايحبون القراءة، لا وقت لديهم، لا يقرؤون بسبب قلة مداخيلهم، قليل يقرأ الصحف والمجلات».

فئة القارئين العامة، نسبتهم 67.9%، «بينهم من قرؤوا في العام الماضي بين كتاب واحد إلى خمسة كتب».

أول المتحدثين د. فيصل دراج، الذي تساءل عن ماهية المثقف العربي باعتباره ظاهرة حديثة، لم يعرفها التاريخ العربي، بالمعنى التقني، فكلمة المثقف حديثة ظهرت قبل أو بعد عشرينيات القرن الماضي، كما تستدعي كلمة مثقف، من حيث هي مفهوم حديث، جملة من المفاهيم المرتبطة بها، لا يتحقق واحد منها من دون وجود الآخر، ورأى أن المثقف العربي الحديث، ينتمي إلى زمن انتهى، الأمر الذي يحيلنا إلى مصطلح مختلف يلائم المرحلة الجديدة، التي تقوم على الثقافة السمعية - البصرية المسيطرة، وترسيخ ظاهرة الإسلام السياسي - الجماهيري، وتداعي الفضاء السياسي، الذي أنتج في عقود سابقة العروة الوثقى بين الثقافة والسياسة، التي انطوت على بدائل سياسية متنوعة. مشيراً إلى تعددية النعوت التي أضيفت وتضاف إلى كلمة المثقف وأبرزها: - المثقف العضوي - المثقف التقليدي - المثقف التقني - المثقف الريفي - المثقف التلفيقي: - المثقف الملتزم،، والمثقف النقدي، الذي هو وجه من «العاملين في حقل الإبداع والثقافة».

في حين عرف الكاتب نجيب نصير القراءة بأنها القراءة الفردية الاختيارية المتنوعة والشائقة والمتكررة، والتي تفترق عن المشافهة بوصفها جمعاً مجبراً يستمتع باستعادة ما يعلمه أو يتوقع مآله وغاياته، حيث يبدو الفارق جلياً من ناحية إطلاق الخيال الفردي الحر المبادراتي، وبين إطلاق الخيال المحدد والمقونن بتجربة الملقي المرجعية.

وتناول الباحث عاطف عطية أزمة القراءة العلمية في عصر العولمة، وواقع العلوم والمنجزات العلمية والعملية في الثقافة العربية على مستوى نقل العلوم النظرية والتطبيقات العملية والمنجزات التكنولوجية، ومن ثم توطينها والإنتاج فيها، وإذا كان ثمة مؤشر لاهتمام العرب بالعلم والبحث العلمي باعتباره دليلاً على موقع العرب في عالم اليوم، فإن هذا المؤشر يضع العرب في أسفل القائمة العالمية. وهو موقع يتراجع باستمرار، إما نتيجة تناقص نسبة البحث العلمي إلى الناتج المحلي، أو نتيجة تقدم الآخرين، أو تعمد إبقاء التعليم على حاله كإستراتيجية تقوم على المحافظة على الوضع القائم. وأحلى هذه النتائج مرّ، فكيف إذا كانت مجتمعة؟

وتساءل نصري الصايغ عن وجود الكتاب في حياتنا، فهل نحن اليوم في غربة عن كتبنا، أم كتبنا في غربة عنا؟ وهل ما قمنا به كان ابن الكتب أو ضد الكتب؟ ولأن الكتاب انزاح عن مكانته، فقد فَقَد تأثيره، واحتل مركزاً ضئيلاً في هامش ثورة الاتصالات الحديثة التي راحت تضخ العالم، بكل مبيداتها القاتلة لحيوية الشعوب، وكان أكثرها هشاشة الشعوب العربية التي وقعت تحت نير العنف الثقافي، والعنف الغرائزي.

وأثار جايمس وايلي (الولايات المتحدة) إشكالية العلاقة بين المعلومات والحداثة، مشيراً بداية، إلى تحديد الدقة في المعلومات والكلمات، فالقراءة والكتابة لهما علاقة مع الحداثة، فالقراءة تساير الحداثة، والحداثة توسع القدرة الفكرية البشرية، وتوزع الثروة والسلطة، وتوسع الأسلوب والتقليد، وتتحدى الأفكار لتوسع عالم الممكن، وتوسع الفرص لأكبر عدد من الأفراد لحياة أكثر صحية، وما ينطبق على الحداثة ينطبق على القراءة والكتابة.

وأكثر الإشكاليات إثارة هو ما طرحه الدكتور حسان عباس حول أهمية المدرسة والقراءة، ودورهما في ترسيخ المواطنة، فالقراءة هي المفتاح الذي لابد من تملكه، وهي الأداة لتطوير شخصية المواطنين وتفهم حقوقهم، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في عملية بناء المواطنة. مشيراً إلى دور المدرسة ومسئوليتها في توجه الأفراد نحو القراءة، وأهميتها لدى الأطفال والشباب، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على ترسيخ المواطنة، رافضاً المصطلح الذي شاع في السنوات الأخيرة «اقرأ أقل تكسب أكثر».

في حين تحدث الدكتور محمود السيد عن الرؤى التربوية للقراءة، مؤكداً أن معرفة القراءة شرط أساسي لتحقق المدرسة أدوارها المنوطة بها في اكتساب القدرة على التفكير الموضوعي، وموقع الفرد من العالم، واكتساب القدرة على الإبداع والوعي الإنساني. وضرورة تلازم العملية التعليمية والتربوية، كونها عملية تشاركية تقودها علاقات ناظمة تتغير بتغير الأزمان ومتطلباتها.

وخلص المشاركون إلى ضرورة إدراج تعلم مهارات القراءة في المناهج التعليمية، لتحفيز الطلبة على القراءة فتغدو عادة يتعلقون بها، وربما يدمنون عليها، كما يدمن اليوم كثير من شبابنا الإنترنت.

دمشق: عزيزة السبيني

  • معرض.. عودة الحياة لمملكة «قطنا» السورية في ألمانيا!

أعادت بعثة اكتشاف أثرية ألمانية الحياة من جديد إلى مملكة «قطنا» السورية القديمة، عبر معرض خاص في مدينة «شتوتجارت» الألمانية يعرض فيه مجموعة من الآثار المكتشفة في تلك المملكة القديمة، وتستمر ابوابه مفتوحة حتى منتصف هذا الشهر (مارس 2010). مجموعة كبيرة ومتميزة من آثار تلك المملكة القديمة كانت قد عثرت عليها البعثة الاثرية الألمانية التابعة لجامعة «توبنجن» الألمانية، ضمت فريق عمل مؤلفا من 90 شخصاً من الباحثين وعلماء الآثار من ألمانيا إضافة إلى شركاء من جامعة «أودينه» الإيطالية ومن المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية.

جولة في أرجاء المعرض المختلفة تعطي فكرة عن ثراء تلك المملكة القديمة، فهنا اكثر من 60 سكين معروضة من الذهب الخالص وأدوات لتناول الطعام مصنوعة من اللازورد وحلي وسبائك ذهبية لنساء البلاط الملكي كلها مسجلة على عدد من الالواح الطينية باللغة المسمارية التي عثر عليها برفقتها. هناك ايضا نسخة طبق الأصل للمدفن الملكي الذي اكتشفته البعثة في عام 2002 لحكام مملكة قطنا القدماء، كذلك يمكن مشاهدة محاكاة ثلاثية الأبعاد تمكن الزائر من التجوال افتراضياً في القصر الملكي القديم، اضافة إلى مشاهدة رسوم جدارية مرممة يزيد عمرها على 3500 سنة.

مملكة قطنا القديمة تعرف تاريخيا على أنها إحدى أهم المملكات القديمة، شهدت اوج ازدهارها قبل 3500 سنة، وقد لعبت دوراً كبيراً في الحكم آنذاك وفي التجارة، كما أنها كانت مركز التقاء لطرق التجارة الدولية، والتي ارتبطت بمصر القديمة وكانت طريقا مهما من البحر إلى بلاد ما بين النهرين حيث شكل موقعها المتميز جغرافيا منطقة عبور أساسية إلى قلب سورية تعبرها القوافل التجارية المتجهة من بلاد الرافدين شرقا إلى ساحل البحر المتوسط غربا ومن حلب شمالا إلى حازور في فلسطين جنوبا، وكانت أيضا معبرا للقوافل ومحطات الاستراحة والنزهة وتبادل السلع من خلال سوقها النشط وكان يورد إليها القصدير المرسل من مملكة ماري والذي كان مصدره الرئيسي شمال غرب ايران وظلت هكذا مزدهرة حتى غزاها الحيثيوين وحرقوا القصر الملكي فيها في 1340 قبل الميلاد.

البروفيسور «بيتر بفيلتسنر» من المعهد الألماني لحضارات الشرق القديم التابع لجامعة «توبنجن» يرى ان ازدهار المدينة الذي ينعكس في روعة مبانيها القديمة يؤكد على حقيقة انها كانت من اكبر الممالك المعروفة في الزمن القديم ويضيف فريق البحث له من الدعم ومن الصلاحيات ما يمكنه من استمرار التنقيب والبحث حتى عام 2018 من اجل اكتشاف المزيد من تاريخ وقوة هذه المملكة القديمة، هذا ويستمر عمل البعثة الألمانية في الوقت الحالي بشكل حثيث من اجل اكتمال اكتشاف قبر تحت القصر الملكي القديم. كان الأثريون من قبل قد اكتشفوا الطريق المؤدي من القصر إلى المقبرة وكذلك عثروا على الممر المؤدي من صالة العرش إلى المقبرة الملكية والتي ترجع إلى 3000 عام مضت، وفي عام 2002 اكتشف العلماء اكثر من 2000 قطعة ذهبية وأوانٍ فخارية من مصر القديمة واحجار كريمة والكثير من الأشياء الأخرى، ويقول البروفيسور «بيتر بفيلتسنر»: لقد اكتشفنا ما بين عام 2002 إلى 2009 مدفنين غنيين بالتجهيزات والقطع الأثرية ولم يتعرضا أبداً للنهب أو الأذى.

وزارة الخارجية الألمانية هي التي تقوم بتدعيم مشروع حماية وترميم القصر الملكي. وقد تم في المرحلة الأولى ترميم أساسات جدران القصر واصبح بامكان الزوار تكوين صورة فراغية مجسدة عن الشكل الذي كان عليه. كما أن بئر القصر الفريدة من نوعها التي تستحق لهذا السبب حماية خاصة، اتخذت الإجراءات اللازمة للمحافظة عليها مبدئياً بوضعها الحالي. وفي المرحلة التالية سيبنى سقف فوق بئر القصر يغطيها بشكل كامل.

ميونخ: صلاح سليمان

  • ترجمة أشعار مسعود أحمدي إلى اللغة العربية

في كرمان، إحدى محافظات وسط إيران، ولعائلة تعيش الإبداع، قوامها الشعراء والأدباء، ولد الشاعر والناقد مسعود أحمدي. أتم الفتى مسعود تعليمه الابتدائي والثانوي في طهران، قبل أن يدرسَ علوم الأدب والفلسفة على أيدي كبار أساتذة المدارس العريقة في العاصمة الإيرانية. وانطلق بعد ذلك ليبدأ رحلة التعليم في مدرسة سياووش الثانوية، اطلع خلالها على الشعر الإيراني المعاصر، والشعر العالمي الحديث. وقد امتهن مسعودي الكتابة، كما عمل في هيئة تحرير دوريات مختلفة، منها «نكَاه نو»، حتى يومنا هذا.

ينتمي شعر مسعود أحمدي للمدرسة العاطفية والاجتماعية، ببراءتها المخلصة وشفافيتها الخالصة. كما اتجه في قصائده الأخيرة لتجربة الشعر الرومانسي، فهو يفضل التعبير عما يجيش بصدره من أحاسيس وما يموج بعقله من أفكار تنقله - بجرأة شديدة - إلى خارج الأطر والتقاليد الشعرية. وتعتبر رومانسية مسعود أحمدي نهرًا يفيض بمشاعر مفعمة بالبساطة واليسر، فهو ينهلُ من الحياة اليومية ما يبني به شعره، ويستلهم من الطبقات الشعبية ما تنهض به قصائده.

وقد أبدع مسعود أحمدي صورًا جذابة للحياة الاجتماعية اليومية، واشتهر عمله «شارعٌ بلا نهاية» عند قراء الشعر ونقاده على حدٍ سواء. وتعد مجموعته «ركضٌ في العزلة» إحدى أجمل مختاراته التي نظمها على مدى ثلاثة عقودٍ.

كما يعد ديوانه «سبعينات» أحد أهم أعماله الذي ضم قصائده المبكرة، وهي الأشعار التي عكست اهتمامه بالقضايا السياسية، والأحداث الاجتماعية، والأفكار الوطنية التي آمن بها وعبرت عن توقه للحرية والتحرر، حرية الوطن، وتحرر الإنسان.

كما يمكن أن نضيف لشعره خصائص تميزه، تمثل رؤاه البهية عن المجتمع والسياسة والحب والتي تشي بالقناعة والرضى بالحاضر الذي يملكه والأمل في المستقبل الذي يتطلع إليه. إذ يجعل مسعود أحمدي من الإنسان جوهر العالم الوجودي، إذ أن حياته هي لب مفاهيم عالمي السماء والأرض.

ويتجلى حب مسعود أحمدي للطبيعة في اهتمامه بالزهور والأشجار، وهو انشغالٌ لافت للانتباه، إذ يتخذ منه ما يعبِّر عن أغراضه الشعرية بوضوح. لذلك يجد القارئ لشعره طبيعة إيران حاضرة، حتى أن الفاكهة والزهور ترمز لأحلام الشاعر الذي ينتظر تحقيقها من أجل عالم أفضل. لذلك يسعى لإدخال تلك الطبيعة الفاتنة إلى بيوتنا، وإلى نفوسنا أيضا، ليُجمِّل الحياة الآلية التي تصارع فتنة الطبيعة حولنا.

تنطوي قصيدته «شارع بلا نهاية» على موقف الشاعر الأيديولوجي من حلم الحرية، ومسعاه لتحرير الحياة الإنسانية. وتتكون هذه القصيدة من أربعة مسارات، ترمز في مقاطعها الأربعة إلى حياتنا اليومية، منذ بداية «الصباح» إلى آخر «الليل». ولذلك تعد محاولة لنقل صور مختلفة للشاعر بين أول النهار ومنتهاه المظلم، مؤثرا في وعي المتلقي. ولهذا تعد «شارع بلا نهاية» صورة للعالم الذي أخذت تهيمن على أركانه وزواياه مسارات الردة والتخلف، مما جعل من تلك القصيدة خالية من المرح، إن لم تكن مخيبة للآمال.

ها هي صورة الإنسان، في مصير مفتوح لا نهاية له، وهاهي صورة المجتمع، في ساحة تستشرف الحداثة إلا أنها مدنية جوفاء ورجعية. بل إن المطر الربيعي الذي يجب أن يبث النشاط ويبعث الحياة لا يستطيع أن يحيي المشاعر في البشر. وليس هناك من ضحايا سوى الأطفال الأبرياء أبناء الأجيال القادمة الذين يرزحون تحت عباءة التخلف، وسقف الجهل، وسط مجتمعاتٍ تقليدية تبحث في نفايات الماضي عن طريقها إلى المستقبل، مما يكشف للقارئ عن مدى التناقض الذي نغرق فيه.

في المقطع الثالث من قصيدة مسعود أحمدي؛ «شارع بلا نهاية»، تكسو الطريق مشاهد الخريف، ها هي الطبيعة تكشف عن ذاتها، أمام طفل أصم أبكم، يشاهد دون أن يدرك حقيقة ما يرى. فهو لا يستطيع أن يفرِّق بين تغريد الكناري، ونعيق الغراب خلف نافذته المغلقة. ثم تأتي النهاية حين يتمزق قميص المساء الحريري كاشفا عن جسد الليل. وإذا بالإنسان الذي قيده كسله يلجأ إلى المنكرات ليلهو بها عما يجري حوله، ولو لبضع ساعات. هكذا يمضي الربيع، ليحل الصيف، ثم يأتي الخريف فيعقبه الشتاء، بين صبح يبين، وظهر يلوح، ومساء يطل، وليل يهل، دون أن يفكِّر أحد بمغادرة هذا الشارع!

تعد فكرة «الموت» وحضورها مما يلفت الانتباه في شعر مسعود أحمدي. ففي قصيدته «فوق كتفي الموت» يستدعي رمزيا حالة مجتمع تحت وطأة الحرب. عدوان بلا جدوى، وصراع بلا داع. ما الذي يجند الإنسان ضد أخيه الإنسان؟ ما الذي يجعل من النصر رهنا بفناء الآخر؟ إنها صورة المجتمع الإيراني بعد سنوات من انقضاء الحرب مع العراق، في خطاب إلى امرأة خيالية اسمها سارة! يتذكر الشاعر سارة التي كانت تحب الحياة، لكنها تستيقظ على واقع من الفناء. الموت يخيم فوق كل شيء. بينما تنتظر المرأة زوجها، ويلهو الطفل بطائرته الورقية فوق سطح البيت.

انتظار للأمل، وللغد الأجمل؛ فرغم المرارة السقيمة، والإحباط المقيم، لا يفقد الشاعر الأمل، سيظل يتحدى الصعاب، بروح منفتحة ساعية للحرية والسلام. من أجل كل ذلك حرصت على ترجمة أشعار مسعود أحمدي إلى اللغة العربية، لاعتقادي بأنها ستكون خير سفير للشعر الإيراني المعاصر. وأختتم بتدوين إحدى قصائده:

شارع بلا نهاية
شارع بلا نهاية
أمطار ربيعية
موتي دون مظلة وآخرون يحملون مظلة
أطفال
عائدون من قراءة العهد القديم
سلفيون
يعودون إلى البيت بجرائد يومية
في الطرف الآخر خارج النافذة
وفوق غصن عارٍ
طائر يفتح منقاره
ينعق غراب
فيخرق قميص المساء
وفي المنزل خلف النافذة
طفل أبكم في عزلة
يبتسم
شارع بلا نهاية
أمطار ربيعية
وليل
يأتي من بعيد يترنح ويصيح.

طهران: نسرين شكيبي ممتاز





الروائي خيري شلبي





أمل دنقل





إحدى جلسات المؤتمر في دمشق





ملصق التظاهرة والمعرض





من المقتنيات الذهبية لمملكة قطنا





الشاعر الإيراني مسعود أحمدي