صفاقس .. بوابة تونس التجارية صادق يلي تصوير: فهد الكوح

صفاقس .. بوابة تونس التجارية

قديمة وفريدة هي صفاقس.. فالسور القديم الذي يحيط بها يضم في داخله مدينة حديثة مزدحمة الشوارع عالية البنيان. وبجانب غابات الزيتون الكثيفة وأشجار اللوز والفستق تنتصب هامات المصانع المتنوعة ومعاصر الزيتون وبالإضافة لذلك فهي ميناء بحري يربط ساحل المتوسط بالجنوب الإفريقي.

تعد صفاقس من اجمل المدن الإسلامية بالمغرب العربي، واليوم وقد اتسع عمران المدينة وامتدت احياؤها السكنية والتجارية والصناعية امتدادا كبيرا نجدها وفي قلب هذا النسيج العمراني قد حافظت على جوهر كيانها المعماري وعلى تقاليدها العريقة، ومنها انتشرت هذه التقاليد إلى الأحياء والقرى المحيطة بها.

يحيط بمدينة صفاقس القديمة سور مرتفع بني في زمن الأمير احمد بن الأغلب في القرن التاسع الميلادي بالطوب والطين ثم جدد بالحجارة على فترات متعددة كان آخرها في القرن الثامن عشر دون أن يفقد من تصميمه وهيكله الأول شيئا، يتكون السور من شرفات ورباطات وأبراج دفاعية، وقد سكن هذه القلاع طيلة تلك القرون التي خلت علماء مرابطون دفعوا عن مدينتهم ونشروا العلم والفقه في ربوعها. يقول الدكتور علي الزواري الذي ألف كتابا قيما عن مدينة صفاقس: لقد حظي سور مدينة صفاقس باهتمام كبير من قبل الصفاقسيين لما له من أهمية دفاعية، وكان يشرف عليه وكيل ينتخبه أهل صفاقس يتعهد السور بالترميم والإصلاح من الأملاك الموقوفة على السور، اما اليوم فيقع تحت اشراف بلدية صفاقس والمعهد القومي للآثار والفنون.

تأخذ المدينة القديمة صورة مستطيل وقد شيدت فوق ربوة عالية الطرفين منبسطة الجوانب يشقها في الوسط خط منخفض يمتد من الشمال الي الجنوب، ويمثله اليوم شارع الجامع الكبير الذي تتلاقى فيه المسالك المنحدرة من الجانب الشرقي والجزء الغربي من الربوة، وفي قلب المدينة القديمة يقوم الجامع الكبير وهو معاصر لسور صفاقس، وقد ادخلت على الجامع تحسينات عديدة على مر الزمن، يمتاز الجامع بأن له قبة جميلة امام المحراب الذي يمتاز بزخرفة وكتابات كوفية لآيات قرآنية وأبيات شعرية إلا أن صحن الجامع صغير المساحة تحيط به اروقة من جهاته الأربع، ويوجد في الأروقة عشرة ابواب خشبية واسعة مرتفعة، تفتح كلها على بيت الصلاة وقد قرأت تاريخ صنعها فوجدت أنها ترجع إلى القرن الثامن عشر الميلادي. وهذه الأبواب مزينة بنقوش هندسية ونباتية دقيقة مستوحاة من الفنون الشرقية، كما أنها مزينة بكتابات تخلد اسماء النجارين الذين قاموا بصنع هذه الأبواب، وقد قرأت اسماء مثل احمد الشعبوني ومحمود المسدي، وتشهد هذه، الأبواب بنقوشها بما وصل اليه نبوغ معلمي النجارة والنقش في ذلك العصر، أما مئذنة الجامع فهي على طراز مئذنة جامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان، وهي هرمية الشكل تتكون من ثلاثة اجزاء يزدان الجزءان الأول والثاني منها بشرفات مسننه.

وحول الجامع تتجمع الأسواق وهي اسواق مسقوفة وأخرى مكشوفة، وهذه الأسواق متعددة ومتنوعة فهناك سوق السمك أو ما يطلق عليه سوق الحوت وسوق الخضار والفاكهة وسوق الحدادين والصفارين وهذه الأسواق تربط بين باب الجبلي وباب الديوان وهما اقدم ابواب المدينة القديمة إطلاقا، اما الأحياء السكنية فتقع على جانبي الأسواق شرقا وغربا وهذه الأحياء السكنية لا تختلف في مسالكها عن احياء المدن الإسلامية المعروفة، فالمسالك ضيقة ومتعرجة لا يزيد اتساعها على المترين وربما تكون غير نافذة، ويسمى الواحد منها زانقة أو شارعا أو سكة أو زقاقا وإذا كان مسقوفا سمي سباطا، وعلى جوانب هذه الأزقة والمسالك ترتفع الدور، وهي لا تختلف في هندستها كثيرا عن المنازل الشرقية وتراثنا الشرقي، إذ يلعب الطقس دوره في تنظيم الغرف حول حوش المنزل وطريقة تهويته وتشميسه، ويمتاز البيت الصفاقسي القديم يصغر مساحته، وحسن ترتيبه وتناسق مختلف عناصره، بالإضافة إلى جمال مظهره، فعندما يدخل المرء في البيت يجد نفسه في رواق مرفوع على اعمدة وأقواس من الرخام يشرف على ساحة المنزل الذي تحيط به الغرف، والغرف مستطيلة الشكل اسقفها خشبية ذات نقوش هندسية وبنائية وفي احد جوانب الغرفة ينتصب سرير النوم المزدان بواجهة خشبية منقوشة، وفي كل بيت صفاقسي يوجد بيت العود ويستغل لحفظ الأثاث او المنتوجات الفلاحية المعدة للاستهلاك أو التصدير مثل اللوز والزبيب، وهناك غرفة تسمى القبو، وهي غرفة بمقاعد خشبية مستطيلة ومثلثات زجاجية مزخرفة، وهي حجرة الاستقبال، تتوسط غرفتين صغيرتين تسمى الواحدة منهما مقصورة ينام فيها الأطفال.

يقول الدكتور علي الزواري: يقوم المنزل الصفاقسي بنفس الدور الاجتماعي الذي تقوم به المنازل العربية الإسلامية فهو يضم الأسرة المكونة من الأب والأم وفروعهما، يشتركون جميعا في استعمال المطبخ والحمام وبيت المونة، واستعمال المنزل بهذه الطريقة يستهدف المحافظة على أواصر الأسرة تلبية لمتطلبات تاريخية واجتماعية ومهنية. إلا أن الوضع قد تغير الآن إذ لم يعد المنزل الصفاقسي يقوم بالدور الذي كان يقوم به سابقا نتيجة التطور الذي حصل للمجتمع والاستقلال الذاتي الذي تحصلت عليه كل عائلة في حياتها اليومية وأعمالها الاقتصادية، فقد كانت منازل صفاقس تقوم بدور اقتصادي مهم فقدته مع الزمن، فقد كانت هذه المنازل مراكز انتاج يفيد الأسرة كما أن هذا الإنتاج يأخذ جانبا من الدورة التجارية، فالنسوة كن يشتغلن بتنظيف الصوف وغزله ونسجه كما كن يصنعن الأغطية والمنسوجات وكانت المنازل تستعمل أيضا كمخزن للبضاعة المعدة للتصدير مثل زيت الزيتون واللوز والفستق. ومنذ ربع قرن اخذت الاحياء السكنية تتغير بدخول الصناعة والتجارة اليها، كما أخذت مدينة صفاقس في التوسع خارج السور فصارت بفضل أسواقها القديمة والجديدة تجذب أعدادا هائلة من التجار ليبتاعوا كل ما يحتاجون اليه، ويبيعوا كل ما يريدون بيعه، وإثر الاحتلال الفرنسي لتونس ازدادت أ همية صفاقس وتوسعت وظهرت مدينة حديثة خارج سورها بعد أن ردم مرساها وأقيمت المدينة الحديثة مكانه وقد وصفه الرحالة الفرنسي "دوماس" بقوله: أن صفاقس التونسية مدينة ممتازة برغم ان عمرها لا يتعدى الأربعين سنة فهي قوية ومزدهرة، شوارعها واسعة، ويجمل النخيل طرقاتها التي تصطف على جوانبها العمارات الحديثة وتستغل ارصفتها المقاهي الصاخبة، إهم بناء في هذه المدينة التي صممت وانجزت في ذوق رفيع هو مبنى البلدية، ومبنى العمادة والمتحف الذي يبدو بموقعه في قلب المدينة وبنوافذه الواسعة ومدرجه الضخم وقاعاته التي تضم زرابي الفسيفساء، ولنا ان نسأل هل نافست المدينة الحديثة بما لها من محلات تجارية أنيقة وملاه وادارات وعمارات متعددة الطوابق المدينة العتيقة؟ ويجيبنا السائح الفرنسي اندريه روان قائلا: ان هذا البناء الحديث وهذه العمارات الشاهقة ليست المدينة الحقيقية، إن المدينة الفعلية هي تلك المدينة الرابضة داخل السور بأزقتها الضيقة وأسواقها القديمة المعروشة.

مدينة صناعية

لقد عرفت صفاقس منذ القدم بأنها مدينة صناعية وأقدم صناعاتها هي الغزل والنسيج وقد تحدث الكثير من مؤرخي العرب مثل البكري في المسالك وياقوت الحموي في معجم البلدان عن صناعة النسيج وجودته في مدينة صفاقس، ومن أشهر هذه الأنسجة الملابس والأغطية الصوفية الكدرون والبرنس والحرام والبطانية والفراشية والعبانة والعزبجي، كما اعتنت صفاقس بصناعة الفوطة والجبة، وكانت مصر تستورد منها المنسوجات والأحذية، ومن مصر كانت صفاقس تستورد المواد الأولية التي تحتاج اليها صناعة النسيج، وهكذا أحرزت الصناعات التقليدية تقدما، ولا تزال صناعة النسيج والآلات الفلاحية والغرابيل وصناعة الأواني النحاسية رائجة. وفي احصاء تجاري جرى عام 1990 ثبت انه هناك نحو 704 نقاط انتاج وبيع وهو ما يعادل ربع الدكاكين التجارية والصناعية الموجودة في المدينة. والواقع ان الصناعات التقليدية الصفاقسية تمثل سببا من الأسباب التي يجب الرجوع اليها لفهم التقدم الصناعي الآلي الذي تشهده صفاقس اليوم. فهذه الصناعات الآلية الحديثة كصناعة النسيج وصناعة الأحذية والملابس الجاهزة وصناعة الزيت والصابون والمواد الغذائية المنتشرة خارج سور المدينة ما هي الا امتداد للحركة الصناعية التقليدية نظرا لما لأهل صفاقس من خبرة صناعية وتعلق بالإنتاج الصناعي، ولما يجنونه من أرباح ومكاسب، ويوجع ظهور الصناعات الحديثة إلى نحو قرن من الزمان، ففي فترة الاستعمار الفرنسي ظهرت عدة صناعات تحويليه، وقد عرفت الصناعات الحديثة انطلاقة جديدة مع فجر الاستقلال وذلك بفضل سياسة التخطيط التي تبنتها الدولة منذ عام 1960. تقول الدكتورة رياض الزغل عميدة كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بجامعة صفاقس: لقد تبنت الجمهورية التونسية سياسة تنويع إنتاجها للتخفيف من تبعيتها الاقتصادية، وقد اقتضت سياسة التخطيط تصنيع البلاد وتوزيع المصانع على مختلف الجهات، وتقديم المساعدات المالية لأصحاب المشاريع والبحث عن الأسواق العالمية والاستثمار الخارجي.. لقد وجدت صفاقس بالإضافة إلى الظروف القومية اسبابا اقليمية أو ما يطلق عليه في تونس اسم (الأسباب الجهوية) للتركيز على الصناعة وتوسيعها وتنويعها، وهذه الأسباب تتمثل في تسهيل الحركة الصناعية من طرف البلدية، وذلك بتمكين العديد من اصحاب المشاريع من الحصول على اراض صناعية في اطراف المدينة، بالإضافة إلى وفرة المواد الأولية والأيدي العاملة ثم الأطر الصناعية والفنية ورأس المال، وسهولة ترويج الإنتاج الصناعي في الأسواق التونسية والأسواق الخارجية. كما يرجع هذا النجاح في إقبال الصفاقسيين على الميدان الصناعي ثم إلى خبرتهم التاريخية في الصناعات التقليدية، والنتائج الطيبة التي اكتسبوها خلال تجاربهم الأولى مع الصناعات الحديثة. ومع ان ولاية صفاقس ارتبط اسمها بالصناعة والتجارة إلا أن الزراعة لها نصيب معروف، فالمساحة الصالحة للزراعة تقدر بنحو نصف مليون هكتار، أما المراعي والغابات فهي بمساحة 133 الف هكتار، ويعد الزيتون والذي يطلق عليه في تونس اسم الزياتين أهم المزروعات في صفاقس، إلا أن شجرة الزيتون ارتبطت بصفاقس ارتباطا كبيرا منذ القدم وتسمى الأرض المزروعة بالزيتون حيازة أو حوازة كما تسمى أيضا بهنشير، وقد تعلق الصفاقسي بشجرة الزيتون. واعتبرها اساس اقتصاده، يستغل زيتها لطعامه وتجارته ويستخرج منها الحطب والفحم لشتى أغراضه ويستعمل أوراقها وفضلات ثمارها بعد عصرها والتي يطلق عليها اسم الفيتورة علفا لحيواناته. ويمتاز زيت الزيتون الصفاقسي بجودته ونقاوته وقلة حموضته، فكلما توسعت غابات الزيتون كثر عدد معامل عصر الزيتون واقتربت من أماكن الإنتاج، وابتعدت عن سور المدينة القديم؟ ويبلغ عدد المعاصر الموجودة في صفاقس نحو 240 معصرة. وقد بقيت  صناعة الزيت تقليدية حتى أواخر القرن التاسع عشر الا انها ومنذ بداية القرن العشرين صارت تستعمل الآلات الحديثة وتطورت من حسن إلى أحسن، ومن هذه المعاصر الموجودة اليوم ما هو نصف آلي ومنها ما هو آلي تماما، ومن صناعة الزيت تفرعت صناعة الصابون، وهي اليوم من أبرز الصناعات التحويلية في صفاقس. وقد بلغ عدد أشجار الزيتون في آخر إحصاء أصدرته وزارة الفلاحة لعام 1993 نحو 6078716 شجرة تحتل مساحة 309296 هكتارا وأنتجت نحو 86 ألف طن زيت، والمعروف إن العناية بشجرة الزيتون تتطلب أيدي عاملة عند غرسها ثم الاعتناء بها طوال السنة، إضافة إلى ما تحتاج إليه من عمالة عند جني الثمار ونقلها وعصرها وتصفية الزيت وخزنه وبيعه، وتقدر الموارد المالية للزيتون بنحو 60 مليون دينار تونسي في سنوات الرواج، ولا شك أن هذا المورد المهم يقوم بتنشيط القطاعات المنتجة الأخرى وأهمها الصناعة؟ ولموارد الزيت انعكاس مباشر على الحركة التجارية في البلاد، ففي فصل الشتاء وعند جني الزيتون تنشط التجارة، وتبقى في أوجها إذا كان المحصول وافرا، وتكسد في السنوات التي تبخل فيها الزيتونة، فالزيتون يمثل بحق الثروة الحقيقية التي تعتمد عليها صفاقس، كما تمثل محاصيل الزيتون مقياس النشاط التجاري لهذه المدينة.

اللوز ينافس الزيتون

وتحتل الأشجار المثمرة الأخرى مكانة مميزة من الثروة القومية لولاية صفاقس، ويعد اللوز من أهم الأشجار المثمرة وزراعته تجذب اهتمام الفلاحين لإنتاجه السريع وتحمله العطش، ففي ولاية صفاقس نحو ستة ملايين شجرة لوز تنتج نحو 14500 طن موزعة على الحيازات والمزارع والضيعات، ففي ضيعة (الشعال) الحكومية إعداد وفيرة من زراعات اللوز،، تعطي شجرة اللوز عندما تزهر في الربيع منظرا جميلا فعندما تتفتح أزهاره تكتسي تلك الحيازات حلة بيضاء من الزهور ترتاح لها النفس. وتقوم صفاقس كذلك بإنتاج الخضار داخل البيوت المحمية وخاصة في منطقة سيدي عبيد التي تمتاز بوفرة مياهها الارتوازية العذبة وقد بلغت مساحة المزروعات عام 1986 نحو 1300 هكتار انتجت نحو 34 ألف طن من  الخضراوات.

وأمام هذه النهضة التجارية الصناعية الكبيرة التي تشهدها صفاقس كان لا بد أن يكون هناك ميناء حديث يساند هذه النهضة ويلبي متطلباتها، فميناء صفاقس الذي يرجع تاريخه إلى عام 1900 يقوم بدور اقتصادي أساسي يتخطى حدود ولاية صفاقس وهو دور له أهميته في تحريك موردي الفلاحة والصناعة والتجارة الداخلية.

يقول المسئول الأول عن الميناء التجاري في ولاية صفاقس المنجي صالح: لقد اقتضى نشاط الميناء وارتباطه بمختلف موانىء العالم، وتنوع البضائع التي يصدرها من فوسفات وملح وزيت زيتون وغيرها من البضائع التي ترد إليه من حبوب ومحروقات وكبريت اقتضى توسعات عديدة كان آخرها سنة 1986. وتتجلى أهمية ميناء صفاقس في عدد السفن التي ترسو على ارصفته والبضائع التي تمر به وعدد العمال الذين يقومون بالمناولة، ثم التجهيزات الحديثة التي يحتويها.

ويمثل قطاع الصيد البحري إحدى الركائز الاقتصادية في ولاية صفاقس، ويساهم هذا القطاع بصفة فاعلة نشطة في تنمية اقتصاد الإقليم، وذلك بتوفير جزء كبير من الثروة السمكية، وإيجاد فرص عمل لآلاف العمال، علاوة على المداخيل المهمة من العملات الصعبة، التي يوفرها لقطاع التصدير، من لقاء لنا مع الأستاذ عبدالقادر السيالة الذي يشغل منصب المندوب الجهوي للصيد البحري حدثنا عن شئون الثروة السمكية قائلا: لا مراء ان ولاية صفاقس تعد بحق عاصمة الصيد البحري في تونس حيث تحظى سواحلها ببنية أساسية متكاملة تغطي حاجيات اسطولها الكبير، فلدينا خمسة موانيء مخصصة للصيد البحري وهي ميناء صفاقس وميناء اللوزة واللواتر وميناء العطايا والقناطر والمحرس والصخيرة بالاضافة إلى موانىء صغيرة للصيد الساحلي.

يتكون أسطول الصيد البحري من نحو 1660 وحدة صيد ساحلي بمحرك و4050 وحدة صيد ساحلي دون محرك أي وحدات شراعية ويدوية، كما ان هناك 257 وحدة صيد أعماق وهي مراكب كبيرة بالإضافة إلى 28 وحدة لصيد سمك التونة ويبلغ مجموع هذه الوحدات 5995 وحدة.

ونظرا لما اكتسبته صفاقس من خبرة في بعض الصناعات التقليدية مثل صناعة الأحذية، فقد أدى ذلك إلى قيام مصنع كبير للأحذية يطلق عليه مصنع أحذية أمبير منيف في منطقة المحرس، ويتبع شركة تونسية، فرنسية، وينتج هذا المصنع نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة زوج من الأحذية الجلدية للرجال والنساء والأطفال، ويصدر كامل إنتاجه إلى أوربا بصفة عامة وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وفنلندا خاصة.

وقد لاحظنا أثناء تجوالنا أن المصنع ينتج فقط الجزء العلوي من الحذاء دون الكعب وقد سألنا الأستاذ نور الدين الطريقي المدير الفني للإنتاج عن هذه الظاهرة فأجاب: أن مصنعنا يقوم بصنع الجزء العلوي دون الأرضية لأننا نلبي طلبات مصانع أوربا التي تقوم بصنع قاعدة الحذاء، ثم تضع عليه اسم المصنع والماركة الدولة المنتجة دون أن تذكر اسم تونس.

أما المواد الخام المستخدمة فهي تتكون من الجلود والخيوط وتوابعها وتستورد من البلدان السابقة الذكر وفق عقود سابقة مبرمة، أما رأسمال الشركة فيبلغ نحو 27 مليون دينار تونسي مساهمة بين الشركة التونسية والشركة الفرنسية.

مصنع الحامض الفوسفوري والأسمدة

وتعد تونس من البلدان التي أنعم الله عليها بمادة الفوسفور حيث تحتوي أرضها على ذلك المعدن النفيس، ويستخرج من منطقتين، أولاهما منطقة قفصة الواقعة بجنوب البلاد، أما المنطقة الثانية فتوجد في الشمال الغربي في منطقة القلعة الخصباء، وكانت تونس في الماضي تصدر الفوسفات كمادة خام، إلا أنه وفي سنة 1952 تكونت الشركة الصناعية للحامض الفوسفوري والأسمدة ويطلق عليها اختصارا اسم (سياب) ويقع مصنعها في ولاية صفاقس، وقد حاز مصنع سياب على شهرة واسعة بفضل خبرته الفنية المتمثلة في طريقة سياب لصنع الحامض الفوسفوري وثالث الفوسفات الرفيع. يقول المهندس توفيق دمق:
تقوم شركة سياب بالاشراف والرقابة وتسيير أربعة مصانع أولها مصنع صفاقس لإنتاج نحو 350 ألف طن من السماد الرفيع وقد أنشئ هذا المصنع عام 1952
 ويعمل به نحو 500 عامل فني ويشمل عدة وحدات. الوحدة الأول تختص بإنتاج حامض الكبريتيك بطاقة إجمالية تبلغ 150 طنا في اليوم، ثم وحدة لإنتاج الحامض الفوسفوري بطاقة سنوية تساوي 120 ألف طن أما الوحدة الثالثة فهي تختص بإنتاج ثلاثي الفوسفات الرفيع بطاقة سنوية تناهز 350 ألف طن. أما المصنع الثاني الذي تشرف عليه (سياب) فيقع في منطقة الصخيرة التي تبعد عن مدينة صفاقس نحو 70 كم، وقد انشىء هذا المصنع عام 1988 ويقوم بإنتاج الحامض الفوسفوري العالي التركيز، ويشتمل المصنع على وحدتين لإنتاج الحامض الكبريتي المركز بدرجة 100% بطاقة تساوي 1750 طنا يوميا بالنسبة لكل وحدة، كما يشمل وحدتين لتحويل الفوسفات وإنتاج الحامض الفسفوري بطاقة يومية تبلغ حوالي 60 طنا لكل وحدة، ويعمل في هذا المصنع مجموعة من العمال يبلغ عددهم 500 عامل فني، ويشمل هذا المصنع مجموعة وحدات التركيز للحامض المنتج بطاقة تبلغ ألف طن يوميا، وتبلغ درجة التركيز منه نحو 72% ومن المعروف أن هذا المصنع يختص بإنتاج الحامض العالي التركيز والذي لا يوجد له مماثل في إفريقيا كلها.

يقول المهندس توفيق دمق: أن تونس اكتسبت خبرة كبيرة في ميدان تحويل الفوسفات وإنتاج الحامض الفوسفوري والأسمدة وقد تمكنت من ضبط طريقة جديدة لها العديد من المزايا بحيث يمكن استعمالها بالنسبة للكثير من الخامات العالمية بطريقة سهلة الاستغلال، وبمردود مفيد، وفي هذا المجال طلب من شركة سياب استعمال هذه الطريقة في مصانع تحويل الفوسفات في العديد من البلدان العربية والأجنبية مثل مصر وسوريا وكذلك رومانيا وبلغاريا وتركيا والصين. تقوم تونس بتصدير إنتاجها من الأسمدة بما يوازي 90% من الإنتاج إلى دول أوربا والدول الآسيوية وبخاصة الهند وباكستان، بالإضافة إلى بعض بلدان أمريكا اللاتينية، كما تقوم تونس باستيراد الكبريت من أمريكا وكندا وفرنسا والمملكة العربية السعودية. ومن أحدث الصناعات التي عرفتها ولاية صفاقس في السنوات الاخيرة، واحتلت جانبا صناعيا مهما في الولاية صناعة المطاط، وتتمثل في الشركة الصناعية لمنتوجات المطاط والتي تعرف اختصارا باسم (سيوك) وقد قمنا بزيارة لهذا  المصنع للاطلاع عن كثب على انتاجه وطريقة عمله. و(سيوك) يعد من أحدث مصانع المطاط المعروفة وقد جلبت معداته من ألمانيا وإيطاليا.

تقوم الشركة بإنتاج ثلاثة أنواع من المنتجات المطاطية أولها الأنابيب المطاطية بمختلف أنواعها مثل أنابيب للسقي وأنابيب دفع الماء، وامتصاص الماء ثم أنابيب ضغط الهواء والغاز والأكسجين والاستيلان. أما المنتج الثاني فهو أطواق الهواء أو ما يعرف بالإنجليزية باسم (التيوب) إذ يقوم المصنع بإنتاج أطواق هواء للدراجات العادية والدراجات النارية، وملاحظة نوردها هنا مؤداها ان الناس في صفاقس كثيرا ما يستخدمون، الدراجات النارية والدراجات الهوائية في تنقلاتهم اليومية، وهذا ما استرعى انتباهنا في هذه المدينة، كما ينتج المصنع أطواقا هوائية للسيارات والشاحنات والفلابس بجميع أنواعها. أما المنتج الثالث لمصنع (سيوك) فهو الإطارات أو ما يسمى بالكفرات الخاصة بالدراجات الهوائية العادية والدراجات النارية. وقد توسعت ولاية صفاقس توسعا كبيرا وسريعا منذ بداية هذا القرن، أما أهم ميزة عمرانية لها في الوقت الحاضر فهو انبساطها وتوزع سكانها واتساعها المفرط بالإضافة إلى سرعة توسعها العمراني، حيث تبلغ مساحتها نحو 70 ألف كيلو متر مربع أما طول سواحلها فيبلغ نحو 315 كم منها 130 كم بجزر قرقنة، ويبلغ عدد سكانها نحو 700 ألف نسمة يمثلون نحو 8.56% من مجموع سكان تونس. أما عدد المعتمديات التابعة للولاية فهي 15 معتمدا أو 125 عمادة أما عدد بلدياتها فهي خمس بلديات.

حدثنا المهندس محمود كريشان مدير الإدارة الجهوية للتجهيز والإسكان في ولاية صفاقس عن المهام التي تقوم بها ادارته قائلا: أن الإدارة الجهوية التي تعرف عندكم في المشرق العربي بالإدارة الإقليمية تقوم بصيانة الجسور والطرق وتهذيبها وتقصيرها، والمعروف أن شبكة الطرق في ولاية صفاقس شبكة واسعة طولها نحو 955 كيلو مترا طرق دولية معبدة أي ما  يمثل 8.5% من مجموع الطرق المعبدة في الجمهورية التونسية بالإضافة إلى 203 كيلو مترات طرق غير معبدة ونحو 3936 كيلو مترا مسالك فلاحية.

أما عدد الجسور في الولاية فهي 393 وحدة منها 12 جسرا بمساحة أكثر من 40 مترا و38 جسرا اقل من 40 مترا، وتصرف الإدارة الجهوية للتجهيز والإسكان نحو مليوني دينار للصيانة العادية لشبكات الطرق، كما تقوم الإدارة الجهوية بصرف نحو 10 ملايين دينار لصيانة الطرق وتحديثها عن طريق المقاولات، وأولوية الصرف تعطي للطرق الأكثر أهمية والتي تربط ولاية صفاقس بالولايات المجاورة والمعتمديات حسب كثافة المرور عليها.

تعليم وجامعة

وللتعليم في ولاية صفاقس سياسة ومخطط مدروس اعطي الكثير من العناية والرعاية حدثنا الأستاذ محسن المزغني المدير الجهوي للتعليم بصفاقس قائلا: لدينا الآن نحو 325 مدرسة ابتدائية يبلغ عدد طلبتها وطالباتها نحو 115 ألفا يقوم بتدريسهم نحو 4600 مدرس كما أن لدينا 51 مدرسة ثانوية يبلغ عدد طلبتها نحو 51 ألف طالب وطالبة يقوم بتدريسهم نحو 2500 مدرس.

هناك نظامان للتعليم يتعايشان في تونس في الوقت الحاضر نظام تربوي قديم يتكون من التعليم الابتدائي ومدته 6 سنوات ثم تعليم ثانوي ومدته 7 سنوات تختم بشهادة البكالوريا، أما النظام التربوي الجديد والذي بدئ بتنفيذه منذ عام 1991 فيتكون من مرحلتين أولا: التعليم الأساسي وينقسم إلى قسمين، القسم الأول التعليم الابتدائي ومدته ست سنوات ثم التعليم الاعدادي ومدته ثلاث سنوات أما القسم الثاني وهو التعليم الثانوي الجديد فيتألف من أربع سنوات تختم بشهادة البكالوريا وفي نهاية السنة الثانية من التعليم الثانوي يوجه التلاميذ إلى احدى الشعب الخمس التالية، شعبة الآداب وشعبة العلوم التجريبية وشعبة الرياضيات وشعبة الاقتصاد وشعبة التقنية وكل هذه الشعب السابقة تفضي إلى شهادة البكالوريا التي تخول الحاصل عليها الالتحاق بالتعليم العالي. وتضم ولاية صفاقس جامعة صفاقس التي تأسست عام 1986 وتضم نحو 16 مؤسسة تعليمية وبحثية بالجنوب التونسي وبينها خمس كليات جامعية هي الطب، الحقوق، العلوم الاقتصادية والتصرف، الآداب والعلوم الإنسانية، والعلوم. كما تضم جامعة صفاقس سبعة معاهد متنوعة منها معاهد تحضيرية للدراسات الهندسية، والمعهد الأعلى التكنولوجي للصناعات والمناجم، والمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية ومعهد الزيتونة ومعهد المناطق القاحلة، كما تضم الجامعة بالإضافة إلى ذلك مدرستين للمهندسين في كل من صفاقس وقابس.

حدثتنا الدكتورة سلمى الزواري بوعتور نائبة رئيس جامعة صفاقس التي التقيناها في ادارة الجامعة قائلة: أن جامعة صفاقس التي تعد احد صروح العلم في الجنوب التونسي تفخر بأنها استطاعت وفي فترة وجيزة من عمرها أن تواكب أحدث نظم التعليم الحديث العالي وان يكون لها ارتباطات علمية مع الخارج في نطاق المغرب العربي والعالم العربي واوربا وكذلك  الجامعات العالمية، كما تتعاون جامعة صفاقس مع الجامعات المغاربية والأكاديميات المغاربية في نطاق البحوث العلمية، وتشارك في بعض المنظمات المتوسطية مثل منظومة جامعات البحر المتوسط والمعروفة اختصارا بـ C. U. M كما تشارك الجامعات التي تدرس بالفرنسية كما ان لها ارتباطات وثيقة بمنظمة الجامعات العربية والجامعات الإسلامية.

وقد بلغ عدد طلبة وطالبات الكليات والمعاهد والمدارس التابعة لجامعة صفاقس لعام 1993 - 1994 نحو 14961 طالبا وطالبة يقوم بتدريسهم نحو 753 استاذا واستاذا مساعدا ويدير الجامعة مجلس مكون من رئيس الجامعة ونائبه وكاتب عام ثم عمداء ومديري المؤسسات الجامعية وعددهم 16 فردا بالاضافة إلى ممثلي هيئة التدريس وعددهم 20 مدرسا ومدير ديوان الخدمات الجامعية للجنوب، وممثلين عن الاطار الإداري والتقني وعددهم اثنان وممثلين عن الطلبة وعددهم اثنان.

هذه صفاقس ثاني أكبر مدن جمهورية تونس والبوابة التجارية للجنوب التونسي ترفع رأسها بكل شموخ ورفعة لتقول لكل من يزورها انني مدينة للعمل ولست مدينة للسهر.

 

صادق يلي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




صفاقس بوابة تونس التجارية





السور القديم يضم داخله مدينة حديثة مزدحمة الشوارع عالية البنيان





قامت بلدية تونس بترميم وتجديد  بوابات سور المدينة القديمة بنفس مواد البناء التي كانت تستخدم قديما





تمتار أزقة صفاقس القديمة بضيقها وتجارو منازلها السكنية ولقد حافظت بلدية صفاقس على هذا النوع من المباني باعتباره تراث قديم





أحد التجار الصفاقسيين يعرض بظاعته من الزرابي والأكلمة





في سوق الصفارين بالقسم القديم من المدينة لا تزال صناعة الأواني النحاسية وتبييضها تحتل جانبا في المطبخ التونسي





في سوق السمك أو الحوت كما يطلق عليه المغاربه أنواع عديده من الصيد البحري





في الميناء الجديد صيادوا السمك  يقومون بتجهيز شباكهم استعدادا لرحلة صيد





يقع المركز التجاري لمدينة صفاقس في وسط المدينة حيث المكاتب التجارية والإدارات الجهوية والبنوك





يمتاز محراب الجامع الكبير بصفاقس بزخارفة وكتاباته الكوفية





مدينة صفاقس تمتاز بزياتينها التي تبلغ سته ملايين شجرة





سيوك أو مصنع المطاط أحدث صناعة عرفتها مدينة صفاقس في السنوات الأخيرة وينتج ثلاثة أنواع من المنتجات المطاطية





إحدى العاملات في مصنع الأحذية تقوم بتجهيز القسم العلوي من حذاء سيصدر لأوربا





مصنع الفوسفات أحد الصروح الاقتصادية في مدينة صفاقس





مجموعة من الطالبات يؤدون امتحان آخر العام الدراسي في إحدى ثانويات مدينة صفاقس





مجموعة من طالبات معهد المجاهدة مجيدة أبوليلة وحديث عن امتحان آخر العام