ظاهرة الإدمان وظواهر أخرى كيف نواجهها؟ أمينة شفيق

يقود الإدمان إلى تدمير المواطن والوطن.. تتطلب مكافحته التنسيق على كل مستوى. بدءا من التعاون الدولي إلى البيت، لأنه أصبح ظاهرة اقتصادية واجتماعية معقدة.

لم تعد التوترات المصاحبة للنزاعات الإقليمية أو تلك المتعلقة بقضايا الحرب والسلام هي التي تؤرق- وحدها- الإنسانية الآن.

فبعد أن حققت الإنسانية هذه الدرجة من التقدم التقني والحضاري، لا تزال تواجه توترات اقتصادية واجتماعية تشكل وصمات عار على جبين أي تقدم. قد يكون أنجز أو تم إنجازه.

يوجد أحد هذه التوترات في بؤر جغرافية في قارات بذاتها. على سبيل المثال في كولومبيا في أمريكا اللاتينية، وفي منطقة المثلث الذهبي على حدود بورما وتايلاند ولاوس وهي من بلدان جنوب شرق آسيا. تخرج من هذه البؤر المواد المخدرة التي تتحرك في خطوط متشعبة ناقلة الدمار الشامل للعقول والسواعد في كل مكان. تقفيى هذه المواد المخدرة على الإنسان كعضو في أسرة وكعضو في المجتمع. تقتل فيه إنسانيتة ثم إنتاجيته.

خلال السنوات الماضية، انتشرت ظاهرة الإدمان باستخدام مادتي الكوكايين والهيروين. وهي نوع من الإدمان يفوق في قدراته التدميرية. أي نوع آخر من الإدمان لأنه يدمر الجهاز العصبي للمدمن، كذلك قدراته العقلية وبالتالي يقضي عليه كإنسان تحتضنه أسرة ويضمه وطن.

في إطار انتشار هذه الظاهرة توالدت ظواهر وأنشطة أخري تسير في تواز معها وتعكس تأثيراتها المدمرة على الاقتصاد والعلاقات الدولية والاجتماعية.

حتى النساء والأطفال

لم تعد هذه الظاهرة- ظاهرة الإدمان- وتوابعها من ظواهر أخرى تمس شريحة سنية دون غيرها. كما أنها لم تعد تستوعب الذكور دون الإناث أو تنحصر في أبناء وطن بذاته دون أبناء الأوطان الأخرى، لذلك تشكل هذه الظاهرة وتوابعها أخطارا جمة ليس فقط على المستوى المحلي بل والإقليمي والعالمي، إنها تلتهم البشر والاقتصاد والحضارة ذاتها.

كيف تتشابك الظاهرة الأساسية مع ظواهرها وتوابعها؟ وما هي مظاهر التشابك؟

تمر المسافة من المنتج إلى المستهلك بالعديد من الخطوات التي تمس الرجال والنساء والأطفال معا. فزراعة المادة المخدرة تكون في البداية على حساب زراعات أخرى تمد الإنسانية بالغذاء والكساء. لذلك تتحول الأرض المنتجة والفلاحة البناءة إلى أوضاع جديدة مدمرة.. تأتي بالمال الوفير على المزارع، لكنها تعرضه للأخطار الجنائية.

في كولومبيا يتم استغلال النساء والأطفال في هذه الزراعات.

ثم تبدأ مرحلة إعداد، المادة المخدرة للتصدير والنقل.. في هذه المرحلة تستمر عملية استغلال النساء والأطفال. فعادة ما تتم هذه العملية الإعدادية في أوكار تحميها عصابات مسلحة، ونتيجة لاستغلال النساء والأطفال تتحول هاتان الشريحتان الإنسانيتان في الإدمان، وبذلك يتم القضاء على مجموعات تلو مجموعات من هاتين الشريحتين.

ثم تأتي الرحلة الطويلة إلى المستهلك. وهنا وبسبب طول الرحلة تتقدم النساء من كل جنسية للعمل على خطوطها. نجد نساء من إفريقيا وأوربا وآسيا. تتنوع الجنسيات بهدف إبعاد الناقل عن الشبهة وتتبع رجال الأمن.

وهكذا تنشط حول العملية الأساسية وهي الزراعة عمليات أخرى متشابكة تنظمها العصابات وتشترك فيها آلاف العناصر البشرية متنوعة الجنسيات.

والغريب أنه بجانب تلك الدائرة الواسعة لزراعة وتجارة واستهلاك الكوكايين والهيروين، نشطت خلال الفترة الأخيرة دائرة أخرى تمس الفتيات في تلك البلدان.

في تلك البؤر. كولومبيا وتايلاند ولاوس وبورما نشطت تجارة الفتيات دون سن السادسة عشرة. وجدت شبكات واسعة لتجارة الرقيق الأبيض دون هذه السن.

ويزج بمئات الفتيات الفقيرات في هذه السوق، ويتم عرضهن على رجال في مقتبل العمر من أوربا والقارة الأمريكية. وقد أطلق على هذه العملية عبارة "عبودية الجنس" ذلك لأن الآباء الفقراء يبيعون بناتهن مقابل عدة مئات من الدولارات إلى منظمي ومالكي بيوت الدعارة في هذه المناطق. وتتحول الفتاة الصغيرة إلى ملكية السيد المدير، يعطيها لمن يشاء ويفرض عليها أي عمل يراه مناسبا، ولا يمكن لأي فتاة بيعت أن تهرب أو. تحاول الفكاك إلا إذا دفعت ثمنا باهظا لا يمكنها توفيره. ولا يتم تحرير الفتيات إلا إذا هجمت قوات الشرطة على هذه البيوت ونقلت الفتيات قراهن مرة أخرى.

والمدهش في الأمر، أن الفتيات في لحظة عودتهن إلى قراهن يصممن على عم ترك الأسرة مرة أخرى، كما يصممن على العودة إلى العمل في المزارع الفقيرة بالقرية.

تحصين الجيل الجديد

بالرغم من أن العالم في أشد الاحتياج إلى التكاتف من أجل محاربة تلك العصابات المسلحة التي تنظم عمليات الزراعة والنقل والتوزيع إلا أن كل دولة على حدة مسئولة عن مكافحة هذه الظاهرة في داخل كل وطن، ذلك حماية ليس فقط لعناصر المجتمع ذاته، بل حماية لمستقبل الحضارة جمعاء. لذلك تقع مسئوليات محددة على الأسرة، لأنها الخلية التي تبث قيمها في نفس الأطفال منذ المولد. فالطفل الذي ينشأ في بيت لا يعرف الإدمان، عادة ما يتكون لديه اقتناع بخطورة هذه العادة المدمرة. فالآباء والأمهات هم القدوة الحقيقية لأطفالهم.

ولا شك أن حماية الأبناء والبنات من كل هذه الأخطار تحتاج إلى كل تكاتف وإدراك. فلا يكفي أن تقدم لهم الإرشادات، لكن لا بد من نسج علاقات الصداقة معهم، بحيث نعرف كل شيء عنهم، وكذلك نضمن أن نكون موضع أسرارهم الكبيرة والصغيرة.

وفي مجال مناقشة علاقة الآباء والأمهات بالأبناء والبنات لنا أن نتذكر المثل الياباني الذي يقول "أعط كل الإمكانات. لكن لا تفرط في تدليلهم"، يسري هذا المثل على كل علاقة بين الآباء الأبناء في كل بيت وفي كل وطن. فنمو الأبناء يحتاج إلى كل. الإمكانات المتاحة، ولكن دون الوصول إلى حد للتدليل المفرط والفساد، خاصة فيما يخص إمكانات الأسرة المادية.