الهند: خمسون عاما من الحرية

الهند: خمسون عاما من الحرية

تصوير: فهد الكوح

في العيد الخمسين لذكرى استقلال الهند كنا هناك..

كانت وقفتنا تحت بوابة الهند.. أشهر معالم بومباي ورمزها المميز والمدخل البحري الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة الهندية.. إنها قوس النصر المشابه (للماربل آرسن) المرمري القائم في قلب لندن، أو قوس النصر بباريس والمشيدة على الطراز الهندي والفن الإسلامي، والتي أقامها الإنجليز عام 1927 تخليدا لذكرى زيارة الملك جورج الخامس والملكة ماري، وتأكيدا للسيطرة البريطانية على (جوهرة التاج)! في عام 1911.

في ذلك اليوم كانت موسيقى النشيد القومي (جايا مانا.. وهانايا.. ياكاجا ياهيه) تصدح في كل مكان، صورة من صور الابتهال إلى الله).

بكلماتها التي دبجها شاعر الهند العظيم (رابندرانات طاغور):

"تباركت يامحرك العقل البشري، يامن بيده مصائر الهند..
باسمك تعمر قلوب الناس في البنجاب والسند وفي جوجارات ومارتا..
وفي الوديان في فيدهياد الهيمالايا يتردد ذكرك.
وبالموسيقى المنبثة من نهري يامونا وجانجز يمتزج اسمك..
وبه تتغنى الأمواج في بحر الهند..
كما تسبح بحمدك وترتل ألاءك ونعمك..
أنت يامن تهيمن على مصائر الهند..
المجد.. المجد.. المجد لك.."

قبل ذلك اليوم الخامس عشر من أغسطس 1947، كان العلم الإنجليزي يرفرف على بوابة الهند. أما اليوم فيرفرف عاليا علم الهند المستقلة، الثلاثي الألوان.. اللون البرتقالي رمز للشجاعة، واللون الأبيض رمز للصدق والسلم، واللون الأخضر رمز للإيمان والفروسية.. وفي الوسط عجلة النسيج التي استبدلت بعجلة الإمبراطور أشوكا تمثل الثقافة القديمة للهند على ما قال البانديت نهرو، أو تمثل قانون الفضيلة والحركة وديناميكية التغير السلمي على قول الدكتور رادا كريشنان.. وفوق كل عمود رمزي تبدو شارة الدولة تتخذ رءوس الأسود الأربعة التي أقامها الإمبراطور أشوكا في القرن الثالث قبل الميلاد لتحديد بقعة الأرض التي بدأ فيها بوذا بتبشيره برسالة السلام والتحرير لأركان العالم الأربعة. وترتكز الرءوس على زهرة اللوتس متفتحة الأكمام رمزا لتفتح ينابيع الحياة وتحتها عبارة (النصر للحق وحده)!

حركة تحرير الهند

تحت قوس بوابة الهند رحت أسترجع ما قرأته للعلامة الإسلامي أبو الحسن الندوي حين قال: كان للمسلمين جهد كبير في حركة تحرير الهند وإجلاء الإنجليز، وكان ذلك طبيعيا إذ كانوا هم حكام البلاد حين احتلها الاستعمار وبدأ الأخطبوط الإنجليزي ينفث سمومه ويبتلع الهند قطعة وراء قطعة وإمارة وراء إمارة. وكان أول من تنبه لخطرهم هو السلطان المسلم تيبو عام 1799 وأدرك أن الإنجليز سيزدردون البلاد كلقمة سائغة إذا لم تقم في وجههم قوة منظمة. فحارب الإنجليز بكل مايملكه من قوة حربية. وحرص أمراء المقاطعات على الانضمام إليه حتى كاد كل مابناه الإنجليز وأملوه في الهند ينهار، لولا أنهم نجحوا في ضم بعض أمراء المقاطعات في جنوب الهند مثل نظام حيدر أباد إلى معسكرهم. ودارت الدائرة في النهاية على السلطان الذي سقط صريعا وهو يحارب حتى آخر رمق مفضلا الموت على الأسر وهو يقول (يوم في حياة الأسد خير من مائة سنة في حياة ابن آوى). وعندما سقط وقف قائد الغزو الإنجليزي على جثته وهو يقول: (اليوم.. الهند لنا).

وحين قامت الثورة الشعبية ضد الإنجليز عام 1858 كان المسلمون والهندوس يحاربون جنبا إلى جنب. وتوجه الثوار إلى القلعة الحمراء مقر آخر ملوك المغول (بهادور شاه) وجعلوه قائدا للثورة ورمزا للوطنية الموحدة والكفاح الشعبي. وانطلقت الثورة ضد الإنجليز وللمسلمين السهم الأكبر في القيادة والتوجيه. ولكن الثورة فشلت وصب الإنجليز جام غضبهم على أهل الهند وركزوا انتقامهم على المسلمين على أساس أنهم هم الذين قادوا الثورة ضدهم، وأقاموا سوق القتل والنهب وراحت الدماء تسفك والرقاب تضرب والرصاص يطلق من غير تمييز. وأودع الإنجليز السلطان بهادور السجن بتهمة التحريض على ماسموه بالتمرد، وداخل (الديوان الخاص) بالقلعة الحمراء سيق آخر حكام المغول المسلمين الذين حكموا الهند طوال ثلاثة قرون وربع القرن في ظل السيادة والاستقلال، وقامت المحاكمة تحت حراسة الجنود الإنجليز، وبعد استدعاء الشهود وإبراز الوثائق، صدر حكم المحكمة الإنجليزية بنفيه إلى (بورما).

وقد كان ماحدث فتحا للبلاد صريحا غاشما..استغلت إنجلترا فيه جرائم شركة الهند الشرقية البريطانية التي أفقرت الجزء الشمالي الشرقي من الهند إفقارا أوغر صدور الأهالي مما جعلهم يشقون عصا الطاعة في وادي الجانج ووسط الهند. وحقق انتصار الإنجليز إبعادهم لسلطات شركة الهند الشرقية وتولي الحكومة البريطانية بنفسها الحكم في الأراضي التي سيطرت عليها قواتها واعتبرتها مستعمرة للتاج، ودفعت عن ذلك تعويضا سخيا للشركة مضيفة ثمن الشراء إلى الدين العام في الهند!

ومنذ ذلك التاريخ أمن الحكم البريطاني المقاومة الشعبية وأخذت بريطانيا تكشف عن مطامعها الإمبراطورية في المنطقة كلها. وظلت بريطانيا صاحبة السيادة في الهند وحتى عام 1947 أي لمدة تسعين سنة بعد الثورة، وبدت الهند بوصفها مستعمرة إحدى الممتلكات البريطانية وتحولت شيئا فشيئا إلى إمبراطورية خاضعة لحكومة لندن تحت حكم نائب الملك الإنجليزي وأصبحت السيطرة على الأحوال الاقتصادية في إيدي الإنجليز.

غاندي.. واللاعنف

مع محاولات الإنجليز تقسيم البنغال، أوجدت المقاومة عدة أنواع من العنف والإرهاب والمقاطعة الاقتصادية، مما حول الحركة القومية لتكون خطرا حقيقيا على الإمبراطورية البريطانية التي هزها انتصار اليابان على روسيا وثورة الصين ضد الإنجليز. وفي أثناء الفترة من 1858 إلى سنة 1914 كانت الهند مجرد بلاد تملكها بريطانيا وتسيطر عليها مع انتقال السلطة بعد 1858 من الشركة إلى يد البرلمان البريطاني الذي يشرف على شئون حكومة الهند.

ومع قيام الحرب العالمية الأولى 1914 اضطرت الهند إلى مساندة الحلفاء وتقديم المعاونة الكبيرة أملا في الحصول على الحكم الذاتي بعد انتهائها. ولكن الإصلاحات التي أدخلت بعد نهاية الحرب لم تحقق هذه الآمال. وبدأ المؤتمر الهندي القومي بزعامة المهاتما غاندي حركة منظمة من (عدم العنف) وكانت الهند خلال الحرب قد فقدت الكثير من الضحايا لصالح بريطانيا التي وعدت بنوع من الحكم الذاتي للهند. ولكنها حنثت بعهدها مما أثار الخواطر. وأعلن غاندي الصوم العام وحركة العصيان المدني التي تقوم على كسر القوانين الجائرة. وبدأت حركة عدم التعاون مع الإنجليز.

كانت فكرة غاندي في عدم التعاون بسيطة واضحة. فقد رأى أن سلطة البريطانيين في الهند قائمة على تعاون جميع الطبقات معهم.. فإذا أمكن سحب هذا التعاون فلن تستطيع الحكومة البقاء.

وقد اعتقد غاندي أنه وجد هذا المبدأ في مسألة عدم العنف، وأعلن أنه لايتفق أن نناهض الحكومة ونعمل معها. فليست المقاطعة إذن كافية إذا اقتصرت على الواردات الإنجليزية وحدها، وإنما يجب مقاطعة المدارس الإنجليزية والمحاكم والأعمال والوظائف الإنجليزية.

وبدأ غاندي تنفيذ فكرته، فقاد حملة مقاطعة الملابس الأجنبية من أجل تحرير الاقتصاد الوطني. وبدأ ينفق كل يوم أربع ساعات أمام مغزل يدوي لينسج قماشا اسمه (الخضار) راجيا أن يسوق بنفسه للناس مثلا يحتذى فيستخدموا هذا القماش البسيط المغزول داخل البلاد وبأيدي أبنائها بدلا من شرائهم المغازل البريطانية التي جاءت خرابا على صناعة النسيج في الهند.

ونجحت المقاطعة. وبالفعل جاء الهنود والأغنياء والتجار بما كان لديهم في دورهم ومخازنهم من المنسوجات الواردة من الخارج فألقوا بها في النار. وفي بومباي وحدها أكلت ألسنة اللهب مائة وخمسين ألف ثوب من القماش. وكانت حركة عدم التعاون هي مقدمة مرحلة (اخرجوا من الهند).

وكان يوم 8 يوليو 1942 هو أشد أيام الحكم البريطاني للهند حرجا. فقد كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها حيث فقدت بورما وتقهقر الحلفاء إلى الهند وبات مصير الهند نفسه مهددا بالغزو الياباني. وأحس الإنجليز أن هناك نية لتطبيق مبدأ عدم التعاون مع القوات البريطانية.. فقبضوا على غاندي ونهرو وعشرات من الزعماء الآخرين ردا على الحركات الثورية في مختلف المناطق. وكان ذلك إيذانا بالعصيان المدني الشامل الذي واجهه الإنجليز بمنتهى العنف. وقرر غاندي الصوم حتى ترجع الحكومة عن هذا الظلم. وتوالت النشرات المقلقة مما أثار رعب الإنجليز في مايو 1944 مما اضطرها إلى إطلاق سراح الزعماء المعتقلين. وتوجت الحركة الغاندية بالانتصار في أغسطس 1947 حينما وافق الإنجليز مضطرين على الخروج من الهند. وانتهت السيادة البريطانية حينما أسقط ملك بريطانيا عن نفسه لقب (إمبراطورية الهند). وظفرت الهند باستقلالها بعد أن فصلت عنها الولايات ذات الأغلبية الإسلامية وكونت منها دولة باكستان.

تاج محل ومتحف أمير ويلز

أول ما لفت نظرنا من معالم بومباي ونحن وقوف تحت (بوابة الهند) مبنيان يمثلان الأصالة والمعاصرة. المبنى الأثري القديم هو فندق تاج محل القديم على الطراز الهندي القديم. وذلك المبنى أقامه أحد الأثرياء من رجال الأعمال اسمه (جي تاتا) عام 1903، أضيف إليه مبنى يمثل آخر صيحة من الهندسة المعمارية المدنية هو فندق تاج محل الحديث.. إنه عبارة عن مبنى شاهق الارتفاع يتجاوز عدد طوابقه خمسة وعشرين طابقا.. ويجعلك حين تطل إليهما تشعر أنهما يلخصان لك تاريخ بومباي.

الساحة المواجهة للفندقين بينهما بوابة الهند تؤكد لك حياة الشعب الهندي.. زحام يشكل لوحة سكانية من مختلف الأجناس والأشكال والألوان.. هنود من مختلف الولايات الهندية جاءوا إلى المدن للعمل والإقامة.. البعض سود البشرة والبعض أكثر بياضا.. مع قوس قزح من الألوان الزاهية التي يرتديها أبناء الكوجرات الصحراوية القاحلة يبحثون عن العمل في التجارة والصناعة.. وهم غالبا من أتباع (الجانتية) يتزاحم معهم آخرون من (الماها راسا) نسل المحاربين الأشداء الذين جعلوا الحياة في غاية الصعوبة سواء للمغول أو الإنجليز. كل ذلك إضافة إلى وجوه متباينة من الهندوس والمسلمين والسيخ.. ثم البارسيين أتباع ديانة زرادشت مع سياح من جميع الجنسيات.

تزخر الساحة والطرق الممتدة على جميع الجوانب بزرافات لاتعد من العمال والفلاحين والأفاقين والمتسولين من جميع الأعمار، صبية وفتيان يطلقهم تجار السوق السوداء وراء السياح ليستبدلوا منهم الدولارات والجنيهات الإسترلينية والماركات الألمانية والين الياباني بالروبية الهندية بأرخص الأسعار. ولامانع وأنت تدور بين هؤلاء جميعا أن تلتقي بسحرة ينفخون في مزاميرهم لتخرج الكوبرا الرامقة رءوسها من السلال مقابل حفنة من الروبيات.. بينما رجال مرفهون وسائقون ينزلون من السيارات حاملين أكياسا مليئة بالغلال لا ليعطوها لمئات الفقراء المتناثرين ولكن لينثروها أمام مجاميع الحمام التي تطير وتحط وسط الساحة في أمن وسلام.

من أبرز المعالم التي شاهدناها في المدينة أيضا متحف أمير ويلز. إنه يمتاز بمظهر خارجي ذي طابع هندي إسلامي في غاية الروعة والفتنة. أما في داخله فنشاهد ذخيرة حية من الآثار تعبر عن الفن المغولي والهندي مع لوحات مغولية نادرة. وتدور في عجب بين صناديق زجاجية تعرض قطعا بارزة من الأحجار الكريمة مثل الزبرجد والزمرد مع نماذج مثيرة من التاريخ الطبيعي. وقرب المتحف يقوم (برج راجاباي) مرتفعا حوالي خمسة وثمانين مترا وهو يطل على الملعب البيضاوي الواسع المفتوح. وعلى بعد خطوات قليلة منه تقع ينابيع فلورا أو (هوناتا ماجوك) وهي مركز بومباي النابض بالحياة.

المعمار القوطي

بومباي كما شهدناها زاخرة بتراث غني من المعمار القوطي الجديد الذي ورثته عن الحكم البريطاني. وتتمثل المباني في محطة السكك الحديدية التي تعتبر إحدى أبهى محطات السكك الحديدية في العالم حيث خرج منها أول قطار عام 1853.

أما برج الساعة المعلقة بأعلاها فيزيد طول قطر دائرتها على ثلاثة أمتار. كما يتمثل الفن القوطي في مبنى المحكمة العليا وتمثالها الذي يرمز إلى العدالة والرحمة! ويوجد في بومباي حوالي 50 ألف سيارة تاكسي وهي أعلى نسبة في العالم، كما أن 50 مليون شخص يستخدمون القطارات كل يوم للوصول إلى العاصمة التي لايوجد بها مترو أنفاق ويعيش فيها حوالي 12.5 مليون نسمة.

السوق التقليدي

عندما تريد أن تدرك كيف يختلط الحابل بالنابل.. فتعال معنا إلى سوق كراوفورد الذي شيد عام 1867. لاتلتفت كثيرا للساعة الأثرية المعلقة في أعلى المبنى المركزي للسوق.. فالاهتمام بالوقت والسرعة ليس له وجود بالمرة.. الساعات والدقائق لاتهم فالكل يتحرك بهدوء بارد واستهانة بالوقت في سوق يزخر بالحركة والنشاط في البيع والشراء والتزاحم بحيث تستطيع أن تشاهد العشرات من الرجال والنساء والأطفال يتوقفون أمام محل معىن دون أن يتحركوا لساعات بينما يعج المكان بالبائعين والمشترين والطباخين والمتسولين والحمالين طوال ساعات النهار والليل.

وبين سلال الخضر والفاكهة والأسماك، لن تعدم أن تلتقي أنواعا من القردة والنسانيس والببغاوات داخل صناديق من البوص والخيزران.. بينما الثعابين بمختلف أنواعها معروضة للبيع وخاصة عندما يكون هناك ساحر الكوبرا الذي يواصل النفخ بمزماره لترقص الحية على أنغامه.

وإذا تعبت من تجوالك فقد يخطر لك أن تبحث عن طبيب أو صيدلي.. هنا مستجد (حكيم السوق) قابع في ركنه الخاص وحوله أنواع مختلفة من العقاقير التي يصرفها الحكيم لمرضاه بينها مسحوق رأس السلحفاة، ودهن الوذق المخلوط بقطرات الندى، وورق المانجو الذي يوصي به لمرضى الروماتزم.

مسجد الجمعة يعتبر جزءا مهما في إطلالته على سوق كراوفورد حيث يزدحم بالمصلين المسلمين. وكان هناك مسجد آخر يقع عند أقدام البحر هو مسجد الحاج علي. وكان صاحب هذا المجسد قد وافته المنية وهو في طريقه إلى الحج بمكة المكرمة ولما مات أقاموا له ضريحا داخل المسجد الذي تصعب زيارته إلا في أوقات الجزر لأن ساحته والطريق إليه تغمرهما المياه عند المد.

ولابأس من إطلالة أخرى على بعض المعالم الجميلة في بومباي. فهناك ملعب الأطفال المعروف باسم (كمالا نهرو بارك) نسبة إلى زوجة جواهر لال نهرو. وتوفر الحدائق المعلقة في هذا المكان فرصة طيبة للتنزه وسط النباتات التي تتشابك على شكل حيوانات مختلفة كما أن بينها كوخا طوليا على شكل حذاء برقبة هو مجال رائع لتسلية الأطفال.

زيارة لبيت غاندي

من يزر بومباي لايمكن أن تفوته زيارة لبيت المهاتما غاندي (روح الهند العظيم) فهو الزعيم الذي كان له أكبر الأثر في حياة البلاد، والذي دك بالروح الأعزل قلاع القوة والاستعمار، ويصفه التاريخ بأنه (تجرد من المنافع، وزهد في اللذات، وتجرد للرقي بأنصاره وأعوانه إلى مرتبة فوق مرتبة التباغض الحيواني والأنانية الكريهة، فلم يكن في نفسه مكان لغير المحبة والسلام).

زرنا البيت الذي أعده له صديقه ليعيش فيه طوال إقامته في بومباي. لم يكن له في البيت غير غرفة صغيرة ليس فيها من الأثاث غير مغزل يدوي يغزل على عجلته الصوف المتين، وصندوق خشبي يضع بداخله حاجياته القليلة، وحشية صغيرة لنومه، وسنادة من الخشب يسند عليها رأسه، أو يسند عليها أوراقه وهو يكتب أو يقرأ.. ثم لاشيء أكثر!

في بيت غاندي تستعرض مجموعة متتالية من اللوحات المجسمة سجلت كل تفاصيل حياته في قاعة كاملة من قاعات الدار تبدأ اللوحات باستعراض مولده عام 1869 في أسرة تنتمي لطبقة الفيشية، ثالثة الطبقات الهندوسية الأربع. واتخذ مبدأ يسمى (أهمسا) وهو ألا ينزل أحد الأذى بكائن حي. وكان أبوه إداريا قادرا أنفق ماله كله في سبيل الإحسان. وذات يوم وهو في الرابعة عشرة سرق شيئا من مال أخيه الأكبر وسبب له ذلك وخزا عنيفا مما أثقل ضميره وشعر بضرورة الإقرار بذنبه لوالده. وطلب منه أن ينزل به القصاص الشرعي المناسب. وتوسل إليه ألا يحزن لجريمة ولده الخاطىء. ولم ينس غاندي هذا المشهد قط وهو يرى الدموع تسقط من عيني أبيه. وقد كفل له تطوعه بالاعتراف والندم حب والده وغفرانه.

ومع تتابع اللوحات تعرف أن أباه زوجه وهو في الثامنة عشرة بالطفلة كاستور باي. وكان قد دخل المدرسة الراقية قبل ذلك بسنة. وعندما بلغ التاسعة عشرة لم توافق أمه على ذهابه إلى إنجلترا لمواصلة تعليمه العالي إلا بعد أن أقسم أمامها قسما غليظا ألا يقرب ثلاثة أشياء: الخمر، والنساء، واللحم.

في لوحات أخرى نجد أن غاندي لم يستطع أن يتآلف وينسجم مع المجتمع الإنجليزي والعقلية الإنجليزية. وحاول زملاؤه البريطانيون كثيرا أن يحملوه على أكل اللحم، ولكنه أبى أن يحنث بالنذر الذي نذره بين يدي أمه. وقد كان ذلك بعض بوادر القوة الشخصية ومضاء العزيمة والثقة بالنفس التي كانت كامنة فيه في انتظار أن تظهر عندما تدق الأحداث.

وعندما أتم غاندي دراسته الجامعية وحصل على إجازة المحاماة عاد فورا إلى بومباي، ليفاجأ بأول حادث مثير. فقد وجد أمه قد ماتت قبل وصوله، وأن النبأ أخفي عنه حتى لايقطع دراسته. وحين عرضت عليه إحدى المؤسسات الإسلامية أن يذهب إلى جنوب إفريقيا محاميا عن مصالحها لمدة سنة، وافق على الفور.

وهناك بدأت الأحداث تلهب بوادر القوى الكامنة في نفسه. ففي أول جلسة في المحكمة طلب منه القاضي أن ينزع عن رأسه عمامته الهندية، فأبى غاندي وغادر المحكمة. واقتضت القضية التي جاء من أجلها أن يسافر إلى بريتوريا عاصمة الترانسفال فحجز له مكانا في الدرجة الأولى. وبينما هو جالس في المقصورة دخل رجل أبيض استنكف أن يرى ذلك الهندي الأسمر بالدرجة الأولى وجاء الرجل باثنين من موظفي القطار وطلبوا منه أن ينتقل إلى الدرجة الثالثة ولكنه رفض. وبرغم أنه أظهر لهم تذكرته، إلا أنهم أصروا على خروجه وأحضروا له شرطيا أخرجه من الدرجة الأولى بحقائبه عنوة وقسرا إلى رصيف أول محطة. وكان لهذا الحادث أثره في تغيير مجرى حياته. وأقسم إلا أن يستمر في جنوب إفريقيا دفاعا عن الهنود المضطهدين.

وبدأ غاندي صراعا كبيرا في جنوب إفريقيا ضد التفرقة العنصرية. وحين عاد بعد 21 سنة إلى بومباي استقبل استقبالا مذهلا. وفي ذلك اليوم أطلق الناس عليه اسم (المهاتما) أي (الروح العظيم).

وفي الهند عاود غاندي نشاطه ضد المستعمرين الإنجليز، وقاد حملة اللاعنف في مواجهة الاستعمار الإنجليزي وتبعها بحركة عدم التعاون. وتعرض غاندي للسجن أكثر من مرة ليعود من جديد ليقود حركة العصيان المدني. وقرر الصوم بعد أن واجه الإنجليز الحركة الشعبية بمنتهى العنف. وفي يناير 1948 بدأ غاندي صومه الكبير حتى الموت إن لم يكف أهل دلهي الهندوس عن اضطهاد المسلمين وكراهيتهم، وذات يوم من يناير 1948 بينما هو ماض إلى الصلاة عجوزا، أضناه الصوم وجعله شبحا من الجلد على العظام يتوكأ على حفيدته، برز في طريقه رجل بدا له أنه يهم أن يركع أمامه. وعلى بعد قدمين من المهاتما أطلق الرجل المشئوم ثلاث رصاصات على غاندي الذي خر مع الرصاصة الثالثة وهو يهتف بصوت ضعيف: يا إلهي.

المعابد وأبراج الصمت

قال لنا مرافقنا: هل تريدون مشاهدة أبراج الصمت؟ تعالوا معنا إلى الحديقة المقابلة على تل ملبار وستجدون عجبا!

وذهبنا. برج الصمت هو واحد من مجموعة أبراج خاصة بفئة البارسيين من أتباع ديانة زرادشت الذين جاء أجدادهم من فارس هاربين من وجه المد الإسلامي واستقروا في جنوب الهند وخاصة في بومباي.

البرج عبارة عن جدران دائرية توضع على قمتها جثث الموتى لتنهشها جوارح الطير حتى لاتدنس العناصر المقدسة بدفنها في الأرض أو حرقها في الهواء.. وهذه العناصر أربعة هي: الماء والهواء والأرض والنار!

ولا يسمح لأي إنسان من غير البارسيين بدخول أبراج الصمت، تماما كما لايسمحون لأحد بدخول معبدهم حيث شعلة النار تظل مشتعلة أبدا. وهم يقولون إنهم يقدسون النار ولكنهم لايعبدونها لأنها مقدسة كرمز فقط. وهم يحرمون على أي إنسان لم يولد بارسيا أن يعتنق هذا الدين.

معبد آخر دخلناه في بومباي.. المعبد الجانتي نسبة إلى العقيدة الجانتية. هذه العقيدة تقوم على أساس افتراض عالم لم تسبقه أسباب ولم يخلقه الخالق. وأن الكون موجود منذ الأزل. ولما أفرغ الجانتيون السماء من إلهها لم يلبثوا أن عمروها من جديد بطائفة من القديسين المؤلهين وراحوا يعبدونهم مخلصين لهم العبادة. والجانتي الصالح في عقيدتهم لايزرع لأن الزراعة تمزق التربة وتسحق الحشرات والديدان. ويرفض الجانتي أكل العسل لأنه حياة النحل، ويصفي الماء قبل شربه خشية أن يقتل ماعساه أن يكون عالقا به من كائنات. وهو يغطي فمه حتى لايستنشق مع الهواء أحياء عالقة فيقتلها. ويحيط مصباحه بستار حتى يقي الحشرات من لذع النار!

أما العقيدة الهندوسية فتزور أحد معابدها في جزيرة الفانتا. الهندوس هنا يتجهون إلى معابد الفانتا ليؤدوا صلاة استسقاء للإله شيفا استدرارا لرحمته حتى يأمر الأمطار بالسقوط. نصعد إلى المعبدعلى درجات ترتفع حوالي سبعين مترا على سطح الجبل لنجد أنفسنا أمام كهف محفور كله داخل الصخور. الكهف عبارة عن معبدكان مكرسا للإله شيفا (الخالق الحافظ المدمر) في عقيدة الهندوس. ولكن العبادة لاتجدي فيه الآن لأنهم يعتبرون أن قدسيته قد دنست عندما دخله البرتغاليون وحطموا أغلب تماثيل الإله وارتكبوا فيه الموبقات.

بومباي مقابل عشرة جنيهات

المثير في بومباي في الحقيقة هو أصلها وحكايتها. فهي عبارة عن جزيرة رئيسية بين جزر سبع منفصلة بخلجان صغيرة واسعة. وبسبب مناخها الحار ورطوبتها العالية وتعرضها المستمر للعواصف البحرية الآتية من بحر العرب، لم يهتم بها البرتغاليون حينما وصلوا إلى هناك حين تنازل لهم عنها السلطان بهادور شاه. وقد أعطوها بسهولة لشارل الثاني ملك إنجلترا كجزء من مهر عروسه كاترين برجانزا أخت ملك البرتغال. وفي عام 1668 ضمت بومباي رسميا إلى شركة الهند الشرقية البريطانية بإيجار سنوي يثير السخرية. عشرة جنيهات إسترلينية فقط.. بشرط أن تدفع ذهبا!!

وبعد عدة أعوام ازداد الازدهار التجاري عندما احتكرت بومباي تجارة القطن العالمية بعد قيام الحرب الأهلية الأمريكية. وخلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر تحولت المدينة تحولا كبيرا، فقد أقيمت على طول طريق مهاتما غاندي مجموعات رائعة من البنايات بينها مقر ضخم لسكرتارية الحكومة ومقر للمحكمة العليا ومكتبة الجامعة والمجلس الأعلى للجامعة وبرج الساعة ومكاتب الأشغال العامة والبريد ومبنى سوق كراوفورد. والآن حين نطل بعيدا على طول الشاطىء الممتد المنحني.. نجد بنايات حديثة شاهقة يبدو جمالها ورونقها أكثر جاذبية عندما يأتي الليل وتتلألأ الأضواء مشكلة مايشبه العقد.. حتى أطلقوا عليه ذات يوم (طريق عقد الملكة)!

إن السلطات في بومباي تحاول الآن جاهدة أن تحسن صورة المدينة التي تعج بزحام القادمين والمهاجرين والمتدفقين إليها من المناطق والولايات القريبة، وتعمل على التوسع في الميادين الصناعية والتجارية والثقافية وإنشاء المزيد من المجمعات السكنية، كل ذلك في محاولة لتظل بومباي مركزا تجاريا مرموقا نابضا بالحياة والحركة والحيوية، ولتكون جديرة بالتسمية التي يطلقونها عليها (هوليوود الشرق.. وجوهرة الهند).

الجنوب بعيدا عن بومباي

التجول في الولايات الهندية البالغ عددها 16 ولاية يثير الذكريات عن عصور الأمراء والمهراجات الذين كانوا يحكمون بالحديد والنار وعنف الإقطاع والذي يتمثل كثيرا فيما شاهدنا من ولايات الجنوب. وكانت خريطة الهند بعد تقسيم 1947 أشبه ماتكون بمجموعة ألغاز مختلطة معا في مجلة مصورة. ومع الوقت ترك لحكام وأمراء نحو خمسمائة وخمسين منطقة ذات سيادة ذاتية يحكمها أمراء ليقرروا المستقبل الدستوري لبلادهم. وهكذا واجهت الهند غداة تحررها واستقلالها تهديدا بأن تتمزق إلى عدد لا نهاية له من المناطق المستقلة كبيرها وصغيرها. وكان من المحتمل لهذا النظام أن يدمر كل فكرة لوحده وسلام البلاد، كما يحطم استقلالها ويضعف أمنها. ويبدو أن الأمراء عملوا بحكمة عندما تم التحرير ولم يتشبثوا بالمعاهدات التي ربطتهم بالإنجليز. وفي يناير 1948 استطاع السردار باتل أن يعلن أن كل المناطق داخل حدود الهند قد انضمت للاتحاد عدا حيدر أباد وجوناواه. وفي يناير 1948 انضمت جوناواه إلى الولاية الجديدة ساراشترا، أما حيدر أباد التي كانت في قلب هضبة الركن فإنها لم تنضم، بل اتجه الأمر فيها إلى جماعة من المتطرفين هم جماعة (الرازاكاز) الذين أقاموا نوعا من الإقطاع في البلاد عن طريق الرعب والإرهاب. وقامت حكومة الهند بعمل بوليسي سريع. وخلال خمسة أيام أمكن القضاء على هذه الحركة. واستطاع النظام أن يستعيد سلطته وأن يشاور رعاياه دستوريا ثم وافق على الانضمام إلى الاتحاد الهندي.

وفي أقل من سنتين ونصف السنة بعد التحرير تمت عملية التوحيد الإقليمي. وأنهت هذه العملية التي تمت بسرعة وجرأة امتيازات الأمراء والمهراجات وسلطاتهم الأوتوقراطية.

حيدر أباد

كانت حيدر أباد أول ما أدخلناه في برنامجنا عند مغادرتنا لبومباي في طريقنا إلى جولة في بعض مناطق الجنوب. ومدينة حيدر أباد هي عاصمة ولاية اندرا براديس وكان آخر حكامها في عهد أمراء الأقاليم (نظام حيدر أباد) الذي عرف كواحد من أغنى أغنياء العالم. ومع ذلك فإن أندرا براديس تعد الأشد فقرا ورجعية وانحدارا بين مختلف الولايات برغم مساحتها البالغة 105 آلاف ميل مربع وسكانها الذين يتجاوز عددهم سبعين مليون نسمة.

العاصمة التي زرناها هي في الواقع مركز مهم للثقافة الإسلامية ولكنها من أشد المناطق فقرا وتخلفا حضاريا. وهي مقسمة إلى قسمين: حيدر أباد وسكندر أباد. ومن أبرز آثارها المتبقية من عصرها القديم قوس النصر الشهير المقام منذ أربعمائة عام ويطلقون عليه (شارمينار) وهو يقع في وسط المدينة القديمة المحاطة بالأسوار. وقد تم استكمال بناء القوس عام 1687. أما المسجد الجامع المسمى (مسجد مكة) فكان يعد من أضخم وأوسع المساجد في العالم الإسلامي.

إلى جانب المسجد الجامع للمسلمين يوجد معبد (بدلا ماندير) الحديث ويضم بين جنباته متحف (سالارجانج) والمتحف الطبيعي كما توجد حديقة للحيوان هي حديقة نهرو وتعد من أكبر حدائق الحيوان في الهند.

وعلى مسيرة حوالي أحد عشر كيلو مترا من المدينة تقوم قلعة (جولكوندا) التي لايمكن للزائر استيعاب كل أنحائها في أقل من نصف يوم. وهي تضم مشاهد من مختلف المراحل التاريخية المهمة. ولكن بعد فترة الحكم المغولي الإسلامي أصبحت مقرا لحكم نظام حيدر أباد. وتضم المدينة عددا كبيرا من الفنادق الرخيصة وخاصة حول محطة السكة الحديد التي تتفرع منها خطوط كثيرة إلى مختلف أنحاء البلاد. أما أغلب مطاعمها فتقدم أصناف الأطعمة النباتية للنباتيين الذين لا يأكلون اللحوم.

ومن أبرز معالم حيدر أباد التي زرناها المعبد البوذي المسمى (ناجارجوا ناكوندا) ويضم متحفا أثريا كبيرا. كما توجد مجموعة أخرى من المعابد أبرزها معبد (لورد فينجاتيسا) الذي يحج إليه البوذيون من كل مكان، ويستقبل أكثر من عشرة آلاف زائر تجتذبهم الرغبة في معرفة طريقة الحياة اليومية بين المتدينين والرهبان.

بنجالور رئة الهند

نقطع طريقا طويلا في طريقنا إلى بنجالور عاصمة ولاية ميسور. إنها مدينة ذات أهمية خاصة في دنيا الصناعة ولكنها تضم الكثير من المتناقضات. فهنا المدينة الحديثة بمبانيها الجميلة التي يسكنها الأغنياء.. وهنا المدينة القديمة الواقعة وسط الحقول والمزارع وبيوت الفلاحين الفقراء. وفي الطرف الشمالي يوجد متنزه كابون الذي يعد بمثابة الرئة للمنطقة ويقع بالقرب منه مبنى (فيدانا سودا) الحديث حيث مقر المتحف الحكومي والمتحف الصناعي والتكنولوجي. ومن بين الرئات التنفسية التي يتمتع بها السكان نزور حديقة (لايباغ) في جنوبي المدينة والتي تضم قصر السلطان المغولي تيبو الذي قاد الثورة الكبرى ضد الإنجليز وغير بعيد من القصر وفوق تل بيجول يوجد المعبد الهندوسي الكبير الذي يضم أكبر تمثال للإله شيف في هيئة ثور.

أما قصر مهراجا ميسور فهو من أروع القصور جاذبية للسائحين وقد أقيم عام 1911. وغير بعيد منه سوق ديفاراجا للخضر والفاكهة كما يوجد معرض كويزي للفنون والصناعات التقليدية والأعمال اليدوية.

تريفاندروم وكوشين

ونهبط إلى أقصى الجنوب الغربي حيث ولاية كيرالا بمساحتها البالغة 15 ألف ميل مربع وسكانها الذين يتجاوز عددهم ثلاثين مليون نسمة. ونزور عاصمتها (تريفاندروم) التي لاتتمتع بالكثير من المعالم التي تستحق زيارة السائحين الذين ينطلقون منها بسرعة إلى شاطىء كوفالام حيث الألعاب المائىة والأرضية التي تجتذب الصغار والكبار.

وفي المتحف الأثري الذي يقع وسط الحديقة الكبيرة للمدينة نشاهد معروضات أثرية كثيرة متنوعة من مختلف العصور التي مرت بالهند وخاصة العصر الإسلامي. وهناك متحف الفنون وحديقة الحيوان. أما أجمل ماشاهدناه في تريفاندوم فقصر بادمانا الذي يعد من أجمل وأغنى القصور الأثرية في الهند.

أما كوشين التي وصلناها بالسيارة وسط عاصفة مطرية فإنها تعتبر الميناء الرسمي لهذه الولاية وتمتاز بماض عريق وحاضر واعد. ومن هذا الميناء يتم تصدير شحنات التوابل، الزنجبيل، التمر الهندي، الكاجو والليف الهندي. ولايزال الصيادون في هذه المنطقة يستخدمون شباك الصيد الصينية. وكانت كوشين أول مستعمرة بشرية شيدها المستعمرون الأوربيون كما يوجد فيها بعض أقدم المعابد والكنائس. ومازالت العديد من البنايات التي شيدت في القرنين السادس والسابع عشر واضحة للعيان بما فيها القصر الهولندي الذي شيده البرتغاليون ورممه الإنجليز فيما بعد.

وتتميز ولاية كيرالا عن غيرها من الولايات الأخرى بميزة سياحية جاذبة، حيث تنتشر فيها الكثير من الأنهار، والبحيرات والجداول المائية ويمكن الانتقال في القوارب إلى مناطق مختلفة من هذه الولاية حيث تحيط بالزائر أجواء طبيعية ساحرة وخبرة سياحية فريدة من نوعها.

ترتفع سلسة مرتفعات غاتس الغربية 2000 متر عن سطح البحر، وتشكل منطقة غابات كثيفة باردة في خلف ولاية كيرالا. وتمتاز ولاية كيرالا بمنتجعاتها الجبلية الوفيرة، ويقع منتجع مونار الجبلي في أعلى قمم جبال أنامالي. وأسفل هذه التلال الجبلية، توجد الكثير من الهضاب والتلال والسهول التي تستخدم كثيراً لزراعة الشاي، البن، المطاط والتوابل الأخرى ويمكن الانطلاق من هذه المنتجعات الجبلية لمشاهدة محمية بيريار للحياة البرية والتي تعتبر خبرة جديرة بالمشاهدة.

حياة تحت مستوى الفقر

خلال جولتنا في مدن الجنوب الهندي نجد أنه الأشد فقرا في الهند. فأغلب السكان كما شاهدنا يسكنون فيما يسمى (الشاولات) حيث مجمعات مقسمة إلى غرف لكل أسرة بكل أفرادها غرفة واحدة. وهناك الكثيرون يسكنون مع أسرهم في أكواخ من الصفيح والخشب والبوص تفتقر كلها إلى مرافق الصحة والصرف وأداء احتياجات الإنسان، وعلى جوانب الأرصفة تمتد المجاري المفتوحة التي تثير التضرر والروائح الكريهة بما تحمل من ملوثات والمساكن كلها مرتع خصيب لجميع أحجام الفئران والحشرات.

أما الذين لايجدون أماكن لإيوائهم فهم ينامون على الأرصفة وتحت أسقف مواقف السيارات ومحطات السكك الحديدية وأركان الشوارع والأزقة. وكل هؤلاء يعيشون تحت مستوى الفقر ولايمكن تصور أن يكونوا قادرين على الحصول على ملابس تستر أجسادهم عدا مايستقر على هذه الأجساد طوال شهور من ملابس رثة ممزقة أو ما يعثرون عليه في نفايات وبقايا المزابل أمام مباني أصحاب القمة من القادرين. أما الذين لايجدون عملا فيتسولون، الآلاف من المتسولين يفاجئونك وأنت تسير في الطريق أو عند تقاطعات المرور والإشارات لاستجداء الركاب وسائقي السيارات.

في مواجهة كل ذلك تبذل الحكومة قصارى جهدها لتطوير هذه المناطق بعد أن سيطر عليها الجوع والفقر لسنوات طويلة حيث تجري محاولات حثيثة لرفع مستوى الحياة للسكان. فالهند مابعد الاستقلال تدرك أن هذا الاستقلال لابد أن يقترن بتيسير أسباب الحياة الصالحة وتحسين الأحوال الصحية والنهوض بالتعليم والإكثار من الإنتاج والتوزيع العادل وهي تعتمد في ذلك على نفسها.

وقد حدد جواهر لال نهرو في إحدى خطبه ذلك فقال: (إننا لانريد أي مساعدة مادية من أحد في مقابل التنازل عن أي جزء من حريتنا التي جاهدنا لنيلها بالأرواح والدماء والشهداء).

 

أنور الياسين

 
 




صورة الغلاف





الهـنـد





وجه هندي تعلوه ابتسامة الأمل





نزهة هادئة





سلال مكتظة على ظهر احد العمال





خريطة الهند ذات الاطراف المترامية





محطة القطارات المركزية





قلعة غولكوندا





معبدهندوسي





شارع محمد علي في بومباي





صناعة وتشكيل التحف





مدير عام فندق تاج محل في بومباي





غاندي





نهرو





أنديرا غاندي





بوابة الهند