الصناديق الوقفية في الكويت تجربة رائدة للعمل الخيري

الصناديق الوقفية في الكويت تجربة رائدة للعمل الخيري

أحد عشر صندوقاً وقفياً تتوزع في أرجاء الكويت، وبرغم تعدد أهدافها وأساليب عطاءاتها فإن جهودها تتضافر لخدمة البشر والقيم الإنسانية. جاءت فكرة هذا العمل الوقفي الرائد لتساهم في تنمية المجتمع وتلبية مختلف احتياجاته وتحقيق أهداف اجتماعية وأغراض خيرية شاملة.

في الطريق إلى مقر الأمانة العامة للأوقاف بالكويت، تزاحمت الأسئلة في رأسي وتداعت الأفكار، فالموضوع الذي نحن بصدده متشعب وواسع لسببين أولهما: أن الكويت قطعت شوطاً كبيراً في مجال هذه التجربة وأصبحت مثالاً يحتذى وقدوة يؤمها الكثيرون للاستفادة من خبراتها الرائدة، وثانيهما لأن فيها أحد عشر صندوقاً وقفياً تغطي معظم متطلبات تنمية المجتمع أنشأتها الأمانة العامة للأوقاف تحقيقاً لأهداف سامية تتمثل في إحياء سنة الوقف الإسلامية وتفعيل دورها في تنمية المجتمع وإعادة الدور البناء للوقف في الحضارة والتنمية من خلال جهود يتواصل فيها العمل الرسمي والشعبي وفق ثوابت الشريعة ومعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل. في مجمع (دسمان)، ركبت المصعد الذي أقلني إلى الطابق العاشر حيث مقر الأمانة العامة للأوقاف الذي يضم مكاتب الصناديق الوقفية. أدهشني ازدحام المبنى فالكل في حركة مستمرة وعمل دءوب. أخذني الفضول وانتابتني الحيرة حول السبب، لكن سرعان ماعلمت أن ذلك أمر معتاد نظرا لكثرة النشاطات والفعاليات التي تقيمها الأمانة من جهة، وكثرة الوفود التي تؤمها للاطلاع على تجربتها ومشاريعها الرائدة من جهة ثانية، خاصة بعدما أعلنت الكويت في الملتقى السنوي الثالث للأوقاف وعلى لسان الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف عبد المحسن العثمان استراتيجية الأمانة حتى عام 2005 ميلادية والتي ركز فيها على خدمة نماء المجتمع وأكد البعد الاجتماعي التنموي في المشروعات الوقفية الاستثمارية بالتعاون مع الآخرين ودون التضييق عليهم أو سلب أدوارهم.

هنا وجدنا أنفسنا مباشرة أمام تساؤل وثيق الصلة بموضوعنا الأساسي وهو ما موقع الصناديق الوقفية في استراتيجية الأمانة العامة هذه؟ وقادنا هذا السؤال إلى مكتب الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف عبد المحسن العثمان الذي فتح قلبه وعقله لنا وأجاب عن تساؤلنا قائلا: إن نشأة الأمانة العامة للأوقاف في نوفمبر 3991، جاءت رغبة من الدولة في إحياء سنة الوقف وتفعيل دوره في حركة تنمية المجتمع من خلال صيغ عصرية تلتزم بجميع القواعد الشرعية التي تحكم العمل الوقفي، وتتجاوب مع متطلبات العصر في الجانب التنموي.

ومن هذه المنطلقات حددت استراتيجية الأمانة رسالتها بترسيخ الوقف كصيغة تنموية فاعلة في البنيان المؤسسي للمجتمع وتفعيل إدارة الموارد الوقفية بما يحقق المقاصد الشرعية للواقفين وينهض بالمجتمع ويعزز التوجه الحضاري الإسلامي المعاصر. وفي إطار هذه الرسالة كان لابد أن تبحث الأمانة عما يحقق بعض توجهاتها الاستراتيجية المتمثلة في الإحياء العصري لسنة الوقف بما يحقق إقبال أفراد المجتمع ومؤسساته الخاصة على وقف الأموال الخيرية أيا كان مقدارها على جميع الأغراض التي يحتاج إليها المجتمع وأفراده، وتفعيل صرف ريع الأوقاف لخدمة أفراد المجتمع ومؤسساته الخدمية، وما يحقق أعلى عائد تنموي من هذا الصرف، وكل ذلك بطبيعة الحال في حدود شروط الواقفين. إضافة إلى إيجاد مظلة تنسيق وتكامل غير روتينية للجهود التي تبذل من قبل القطاعات الرسمية والأهلية في خدمة نمو المجتمع. من هذه المنطلقات الثلاثة جاءت فكرة الصناديق الوقفية التي تتلخص في كونها إطاراً لضم بعض الفعاليات الاجتماعية المهتمة في مجال من مجالات المجتمع ولديها الخبرة الكافية في ذلك يشاركها ممثلون عن بعض الجهات الرسمية ذات العلاقة، ومهمتها الأساسية المشاركة في الدعوة للإيقاف على أغراض كل صندوق وقفي، وتقوم الأمانة بتفويض مجلس إدارة كل صندوق في صرف الريع الوقفي في مجالات عمله وفق أسس موضوعية ومحاسبية معتمدة. ومن هذه المنطلقات أنشأت الأمانة العامة للأوقاف الصناديق الوقفية، وتنامت شبكتها لتغطي مجالات عديدة حتى أصبح عددها الحالي أحد عشر صندوقاً وقفياً، تعتبر أداتنا الاستراتيجية لتحقيق رسالتنا التنموية في إطارها الشرعي.

محور رئيسي

وعن النتائج المتوقعة من إنشاء هذه الصناديق ضمن هذا التكييف لموقعها في استراتيجية الأمانة أضاف أن العمل من خلال هذه الصناديق الوقفية يعتبر المحور الرئيسي لتحقيق الغايات الاستراتيجية للأمانة في مجال إحياء دور الوقف في خدمة المجتمع، وعليه فالأمانة تتوقع منها الكثير مثل: النجاح في إحياء سنة الوقف سنة الإسلام الحميدة التي كانت محل التزام آبائنا وأجدادنا في مختلف عصور اليسر والعسر، والصناديق الوقفية تسعى إلى تحقيق ذلك من خلال الدعوة للوقف عن طريق مشروعات ذات أبعاد اجتماعية ودينية، في إطار شرعي يكون أقرب إلى نفوس الناس وأكثر تلبية لرغباتهم. ونتوقع لهذه الصناديق أيضاً أن تسهم في تفعيل عمليات صرف الريع في خدمة أغراض تنمية المجتمع ومواجهة مشكلاته، من خلال توزيع الجهد والموارد على مختلف مجالات التنمية وفي ضوء أولويات احتياجات المجتمع، وأن تشارك في دعم الاحتياجات المجتمعية في المجالات غير المدعومة بشكل مناسب من الدولة أو من قبل المؤسسات الأهلية. كما نتوقع من خلال هذه الصناديق تفعيل المشاركة الشعبية في النشاط الوقفي، وزيادة دورها في تنميته وتطويره إضافة إلى منح العمل الوقفي مرونة وانطلاقة من خلال مجموعة قواعد تحقق الانضباط، وفي الوقت نفسه، تضمن للصناديق الوقفية تدفق العمل وانسيابه. وسألناه عن تقويمه لأداء الصناديق الوقفية حتى الآن، فأجاب قائلاً: إنه يصعب إعطاء حكم موضوعي على تجربة الصناديق الوقفية لقصر عمر التجربة، ولكن يمكن ذكر بعض المؤشرات التي قد تفيد القارىء في الحكم عليها وأول هذه المؤشرات هو النمو في تكوين الأوقاف الجديدة، فقد سجلت الأمانة في عام 1994 أوقافاً جديدة بلغت قيمتها المسجلة حوالي مليون دولار، وفي عام 1995 بلغت حوالي مليوني دولار، ووصلت في عام 1996 إلى أكثر من 4 ملايين دولار والرقم نفسه سجل حتى منتصف عام 1997، أما المؤشر الثاني فهو النمو في صرف ريع الأوقاف والذي كان في عام 1993 بحدود 681.686 وفي عام 1994 بلغ 1.55.434 وعام 1995 حوالي 3.809.434 أما في عام 1996 فقد وصل إلى 4.048.797 ومن خلال هذين المؤشرين يمكن القول إن التجربة تسير في طريقها الصحيح.

وأود الإشارة إلى أننا نخطط لإجراء تقويم، علمي لهذه التجربة عام 1998 للتعرف على مواطن القوة بها للمحافظة عليها وتنميتها، وعلى نقاط الضعف لمعالجتها.

الفكرة والأهداف

تردد أمامنا غير مرة اسم (صلاح محمد الغزالي) رئيس مكتب الصناديق الوقفية، فقد كان يتكرر كلما التقينا أحداً وشرحنا له رغبتنا في إعداد استطلاع حول الصناديق الوقفية. قادنا أخيراً موظف الاستعلامات إلى مكتبه بعدما فرغنا من لقاء الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف، وعند باب المكتب انتابنا بعض التردد في الدخول، فالتوقيت غير مناسب ولعل الرجل كان منهمكاً كغيره في استقبال الضيوف والتحاور معهم، ولعل الأعباء الملقاة على عاتقه لاتسمح له بتخصيص بعض الوقت للتحدث معنا، وتبدد كل ذلك وزال التردد لحظة استقباله لنا، وفاضت كلماته بمعاني الخير والبر وأبدى فوراً استعداده للتحدث عن الصناديق الوقفية وإحاطتنا بكل مايتعلق بها، فكان هذا التفصيل الشامل الموسع الذي لم يغفل صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولها.

بدأ صلاح الغزالي حديثه عن فكرة الصناديق الوقفية مشيراً إلى أن الأمانة العامة للأوقاف رسمت لنفسها رسالة تتلخص في إحياء سنة الوقف وتفعيل دوره في تنمية المجتمع من خلال التلاحم بين العمل الرسمي والشعبي وفق ثوابت ومعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل، ومن خلال البحث عن وسيلة ناجعة للنهوض بهذه الرسالة أسفرت الحوارات المعمقة التي أجريت داخل القطاع الوقفي عن ضرورة استحداث صيغة تنظيمية عصرية سميت (الصناديق الوقفية) اختارتها الأمانة العامة كخيار استراتيجي في تطوير مسيرة الوقف تتلخص فكرتها في إيجاد قالب تنظيمي يتمتع باستقلالية نسبية، يختص بالدعوة للوقف والقيام بالأنشطة التنموية في المجالات التي تحدد لكل صندوق، وذلك من خلال رؤية متكاملة تراعي احتياجات المجتمع وأولوياته، وتأخذ في الاعتبار ماتقوم به الجهات الرسمية والشعبية من مشروعات.

وتتمثل أهداف الصناديق الوقفية في المشاركة بالجهود التي تخدم إحياء سنة الوقف عن طريق طرح مشاريع تنموية في صيغ إسلامية للوفاء باحتياجات المجتمع، وطلب الوقف عليها، إضافة إلى حسن إنفاق ريع الأموال الموقوفة لتلبية الاحتياجات الاجتماعية التي يفرزها الواقع من خلال برامج عمل تراعي تحقيق أعلى عائد تنموي وتحقق الترابط بين المشروعات الوقفية، وبينها وبين المشروعات الأخرى التي تقوم بها الأجهزة الحكومية وجمعيات النفع العام، فضلاً عن مراعاة التوجهات الاستراتيجية للأمانة العامة للأوقاف والتي تعتبر حلقة من حلقات الرؤية الشاملة لقطاع الشئون الإسلامية في الدولة.

وبالنسبة لمجالات عمل الصناديق الوقفية فإنها تتسع لتشمل معظم متطلبات تنمية المجتمع ومايلزم للوفاء بمخـتلف الاحتياجات الشـعبية وفي مقدمة هذه المجالات خدمة القرآن الكريم وعلومه ورعاية المساجد والتنمية العلمية إضافة إلى تنمية البيئة والمجتمعات المحلية في المناطق السكنية المختلفة والتنمية الصحية والأسرية وقضايا الفكر والثقافة ودعم التعاون الإسلامي الخارجي ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين وغيرهم.

إدارة الصناديق

ويتولى إدارة كل صندوق مجلس إدارة يتكون من عدد من العناصر الشعبية يتراوح عددهم مابين خمسة وتسعة أعضاء يختارهم رئيس مجلس إدارة شئون الأوقاف، ويجوز إضافة ممـثلين لبعض الجهات الحكومية المهتمة بمجالات عمل الصـندوق، وتكون مدة المجلس سنتين قابلة للتجديد، ويختار المجلس رئيسا له ونائبا للرئىس من بين الأعـضاء. ومجلس الإدارة هو الجهة العليا المشرفة على أعمال الصندوق وإقرار سياساته وخـططه وبرامجه التنفيذية والعمل على تحقيق أهـدافه وذلك في نطاق السـياسات العامـة والنظم والقواعد المتبـعة في الأمانـة الـعامة، مع الالتزام بقرار إنشاء الصندوق. ويتولى قيادة الصندوق رئيـس مجلس الإدارة ويجتمع المجـلس ست مرات على الأقل، وتصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين وعند التـساوي يرجح الجانب الذي فيه الرئيس.

أما بالنسبة للموارد المالية فإن كل صندوق وقفي يعتمد في تمويله بصفة أساسية على ريع الأوقاف السابقة المخصصة له سنوياً، وعلى الأوقاف الجديدة التي تدخل أغراضها كما هو محدد من قبل الواقفين ضمن أهداف الصندوق، ويضاف إلى ذلك مايحصله الصندوق مقابل مايقدمه من أنشطة وخدمات، وهناك موارد أخرى تأتي عن طريق الهبات والوصايا والتبرعات، ويجوز للصندوق أن يقبل مايقدمه له الأفراد والجهات المحلية من إعانات وتبرعات لاتكون مقترنة بشروط تتعارض مع طبيعة الوقف أو سياسات أو أغراض الصندوق وأهدافه، وفي حالة الإعانات والتبرعات الأجنبية فلابد من موافقة لجنة التخطيط بالأمانة العامة، ويحدد رئيس مجلس شئون الأوقاف ـ بناء على عرض لجنة التخطيط بالأمانة العامة ـ حصة الصناديق من ريع الأوقاف والموارد الأخرى، وتحدد لجنة المشاريع المنبثقة عن مجلس شئون الأوقاف نصيب كل صندوق وذلك قبل إعداد الميزانيات التقديرية للصناديق. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب أن يكون الوقف للأهداف والأغراض، كما أن على أعضاء مجالس إدارة الصناديق الوقفية الدعوة للوقف، سواء لأغراض الصندوق الوقفي الذي يشاركون في عضويته أو لأغراض الأمانة العامة والصناديق الوقفية الأخرى.

علاقات مميزة

ويضيف صلاح الغزالي رئيس مكتب الصناديق الوقفية: إن علاقات الصناديق الوقفية مبنية على الالتزام بالنظم التي تضعها الجهات المختصة بالأمانة العامة وبالدولة ككل، وتنسق الصناديق الوقفية مع هذه الجهات وتتعاون معها لرعاية المصلحة العامة لما فيه خدمة المجتمع بشكل عام. ويأتي على رأس هذه العلاقات العلاقة مع الأمانة العامة للأوقاف التي تقوم بالترويج الجماهيري للصناديق الوقفية ومشروعاتها وبرامجها وتعريف الجمهور بها والدعوة إلى الإيقاف لأغراضها، كما تقدم الأمانة العامة الاستشارات الشرعية والقانونية والخدمات الإدارية والمالية والفنية والإعلامية للصناديق الوقفية. وتقوم بمتابعة الأجهزة العاملة في الصناديق وبالرقابة على أعمالها للتأكد من التزامها بالنظم واللوائح المقررة. وتقدم الأمانة العامة المقار المناسبة لأعمال الصناديق الوقفية والمشاريع المنبثقة عنها، فضلاً عن الأوقاف السنوية المخصص ريعها لتلك الصناديق التي ترتبط ببعضها البعض بعلاقات وثيقة مع الجهات الحكومية إذ يشارك في عضوية مجالس إدارة الصناديق ممثلون عن هذه الجهات من وزارات ومؤسسات الدولة بحكم تخصصاتها وتطابقها مع اختصاصات الصناديق الوقفية. ويجوز للصندوق الوقفي أن ينشىء مشروعات مشتركة بالاتفاق مع الجهات الحكومية من وزارات ومؤسسات وغيرها إذا كانت أغراض المشروع داخلة ضمن اختصاصات الصندوق الوقفي. من جهة أخرى ترتبط الصناديق الوقفية أيضاً بعلاقة مميزة مع جمعيات النفع العام ولكل صندوق وقفي أن يتعاون على حدة مع جمعيات النفع العام التي تعمل معه لتحقيق الأهداف نفسها، ويجوز لهما القيام بمشروعات مشتركة، ويجب على الصندوق الوقفي التنسيق مع تلك الجمعيات وعدم الدخول معها في منافسة لاتخدم الصالح العام. وتعزيزاً لهذه الروابط فقد شاركت العديد من جمعيات النفع العام في عضوية مجالس إدارة عدد من الصناديق الوقفية من خلال ممثلين لها حسب اختصاص تلك الجمعيات وتشابهها واختصاص الصناديق الوقفية.

من ينشىء الصندوق؟

ما هي الجهة المختصة بإنشاء الصناديق الوقفية، وماهو نظامها اللائحي ونظامها العام وماهي الفصول التي تشتمل عليها اللائحة التنفيذية للنظام العام للصناديق الوقفية؟ آخر ماتبقى لدينا من تساؤلات طرحناها على صلاح الغزالي فأجاب: عندما تتضح الحاجة إلى إنشاء صندوق وقفي للوفاء باحتياجات فعلية وذلك بناء على دراسات تعدها الجهات المختصة بالأمانة العامة، فإن مشروع إنشاء الصندوق يعرض على لجنة المشاريع الوقفية المنبثقة عن مجلس شئون الأوقاف، وفي حالة موافقتها يصدر قرار من وزير الأوقاف والشئون الإسلامية رئيس مجلس شئون الأوقاف بإنشاء الصندوق محدداً أهدافه ومجالات عمله.

عود على بدء

ولعله من الجدير الالتفات إلى أن عدد الصناديق الوقفية يبلغ كما أسلفنا أحد عشر صندوقا تتنوع في إغناء وإثراء هذه التجربة الوقفية البناءة. وبعض هذه الصناديق قطع مرحلة مهمة على طريق تحقيق أهدافه، وبعضها حقق إنجازات مهمة وجلية والبعـض الآخر يواصل مسيرة الخير والعطاء، وإذا كنا في هذه العجـالة لانستطيع الإحاطة بما أنجزته هذه الصناديق، فإننا سنكتـفي بالحديث عن كل صندوق على حدة من حيـث نشـأته وأهـدافه والتعـريف به.

الصندوق الوقفي لرعاية المعاقين والفئات الخاصة: أنشىء هذا الصندوق لرعاية المعاقين التي تعتبر من أعمال الخير ذات الطابع الإنساني التي أصبحت في العصر الحديث مجال اهتمام العالم وعنايته. وتتركز جهود الصندوق في رعاية المعاقين وتأهيلهم والتخفيف عنهم والتقليل من معاناتهم والعمل على اندماجهم في المجتمع. وقد خصصت الأمانة العامة أصولاً وقفية قيمتها خمسة ملايين دينار كويتي للصرف من ريعها على أنشطة الصندوق المختلفة. ويهدف الصندوق إلى تلبية احتياجات هذه الفئات وتحمل أكبر قدر ممكن من الأعباء التي تحتاج إليها رعاية هذه الفئات والمساهمة في تأهيلها لكي تكون فاعلة في المجتمع، وتعتمد على نفسها قدر المستطاع. وقد وضع الصندوق لخدماته أهدافاً قريبة مباشرة. منها: تقديم الخدمات لأفراد الفئات الخاصة الذين يعجزون عن الحصول عليها لأسباب مالية أو اجتماعية وتمويل الخدمات التي تعجز عن توفيرها المؤسسات العاملة في هذا المجال إضافة إلى ابتكار وتقديم الخدمات غير الموجودة لدى المؤسسات المعنية حالياً.

الصندوق الوقفي للثقافة والفكر: يتولى الصندوق نشر الثقافة الجادة والواعية وتنمية الفكر المبدع، مع العمل على رعاية الثقافة بفروعها المختلفة واهتماماتها المتنوعة بوسائل متعددة. وقد خصصت الأمانة العامة أصولاً وقفية قيمتها مليون دينار كويتي للصرف من ريعها على أنشطة الصندوق المختلفة وذلك تقديراً لمنزلة الثقافة والفكر في التراث الإسلامي وفي البناء التنموي للمجتمعات. ويعمل الصندوق في إطار الأهداف والوسائل الرامية إلى نشر الثقافة الإسلامية وتأصيل الفكر الإسلامي المستنير بمختلف وسائل الإعلام، وإقامة الندوات وحلقات النقاش وتشجيع إقامة المكتبات وتشجيع البحث العلمي وذوي المواهب ودعم وتنمية ثقافة الطفل والدعوة إلى الوقف على الأغراض الثقافية من خلال النشرات التعريفية بمشاريع الصندوق وإقامة حملات تبرع للمشاريع والزيارات واللقاءات الخاصة.

الصندوق الوقفي للقرآن الكريم وعلومه: أنشىء هذا الصندوق للعمل على خدمة القرآن المجيد والعناية به دراسة وحفظاً وتلاوة امتداداً لاهتمام السلف الصالح الذي بدأ مع نزوله. وقد وضع الصندوق أهدافاً محددة يسعى إلى تحقيقها تتمثل في تعزيز تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتجويده، وذلك من خلال إنشاء مراكز دائمة لخدمة القرآن وتشجيع الدارسين إضافة إلى الاهتمام بتدريس العلوم المرتبطة به وتشجيع الدراسات في علومه وإحياء سنة الوقف العيني والتبرع النقدي ودعوة المحسنين للوقف والتبرع. وقد قطع هذا الصندوق شوطاً كبيراً في مجال تحقيق أهدافه السامية وحقق العديد من الإنجازات من خلال نشاطاته المستمرة والتي كان لنا حولها وقفة مع مدير الصندوق الوقفي للقرآن الكريم وعلومه إبراهيم عبد اللطيف الإبراهيم الذي قال: إن الأمانة العامة للأوقاف تعمل في مجال رعاية القرآن الكريم من خلال ثلاثة محاور هي: الصندوق الوقفي للقرآن الكريم وعلومه، مسابقة الكويت الكبرى لحفظ القرآن الكريم وتجويده، ومشروع ناشء هو حلقات تحفيظ القرآن الكريم. وهذا المشروع مازال في مراحله الأولى ويعنى بدراسة التجارب القائمة على مستوى دولة الكويت عبر حوالي عشر جهات تمثل جمعيات النفع العام والمؤسسات التي تعنى بالقرآن الكريم وتشرف على حلقات تحفيظه، وتقوم هذه الجهات مجتمعة بتدريس وتحفيظ القرآن الكريم حيث نسعى في المرحلة الأولى إلى تقويم هذه التجارب ودراستها ثم تحويلها للجان مختصة بالجانب الفني والمالي والإداري سعياً نحو إعداد تصور لكيفية تفعيل دور هذه الحلقات والنهوض بمستواها بمشاركة جميع الجهات المعنية.

الصندوق الوقفي للتنمية العلمية: لهذا الصندوق أهمية واضحة لما يقوم به من بث الروح العلمية ورعاية المواهب ودعم الإمكانات والقدرات والإنجازات التي هي المفاتيح الأساسية للتقدم العلمي. وقد خصصت الأمانة العامة للأوقاف أصولاً وقفية قيمتها خمسة ملايين دينار كويتي للصرف من ريعها على هذا الصندوق الذي أقيم من أجل دعم العلم ودعم جهود تنمية البحث العلمي في المجالات المؤدية إلى مزيد من التنمية الوطنية ورعاية المبدعين وتوفير سبل تطوير قدراتهم، ويهدف الصندوق إلى رعاية المبدعين والمساهمة في متطلبات البحث العلمي ودعم الجوانب العلمية والتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات العلمية مع المؤسسات العلمية داخل الكويت وخارجها.

الصندوق الوقفي لرعاية الأسرة: أنشىء هذا الصندوق للعمل على رعاية الأسرة وتقويتها ودعم نجاحها بالمساندة الاجتماعية الخيرية وذلك تحقيقاً للتنمية الاجتماعية والرقي بالمجتمع إلى أفضل المستويات. ومن أهداف الصندوق توفير أوجه الرعاية المناسبة للأسرة وتهيئة المناخ المناسب المساعد على تماسكها والتوجيه الإعلامي نحو التواصل المستمر بين أفرادها وتوعية الأسر من خلال عقد الندوات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية والنشرات الإعلامية إضافة إلى الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية والدعوة لإحياء سنة الوقف بصورة عامة والدعوة للوقف لمشاريع الصندوق بصورة خاصة.

أما كيف يتم ذلك وما هو المدى الذي وصل إليه الصندوق في إنجاز وتحقيق نشاطاته وأهدافه، فقد أشار نوري داود الداود مدير الصندوق الوقفي لرعاية الأسرة إلى أن الصندوق يعمل على توفير مختلف أوجه الرعاية الاجتماعية المناسبة للأسرة الكويتية بجميع أفرادها بمختلف مراحل العمر بغية تنمية عوامل تماسكها، وتهيئة المناخ المناسب لتفادي وقوعها في المشاكل الأسرية والوقوف على الظواهر السلبية التي تضعف الروابط الاجتماعية وتهدد كيان الأسرة وتوفير سبل علاجها.

الصندوق الوقفي للمحافظة على البيئة: تم إنشاء هذا الصندوق للمساهمة في جميع أوجه التنمية المستديمة المرتبطة بالبيئة والعمل على إيجاد أفضل السبل لتنميتها والمحافظة عليها لتكون سليمة وصحية للأجيال القادمة وذلك للقناعة التامة بأهمية البيئة وتنسيق السياسات والبرامج في مجال حمايتها ومساندة الأجهزة الحكومية والأهلية في عملها الكبير في مجال مكافحة التلوث وإعادة تأهيل البيئة والمساهمة في نشر الوعي البيئي حفاظاً على البيئة الكويتية نقية ونظيفة. ويهدف الصندوق إلى المساهمة في مشاريع المحافظة على البيئة والمشاركة في تدريب الكوادر الوطنية العاملة في مجالها والمساهمة في إعادة تأهيلها وفي تنفيذ المشاريع المرتبطة بمكافحة التلوث إضافة إلى نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع.

الصندوق الوقفي للتنمية الصحية: أنشىء هذا الصندوق تلبية لحاجة ماسة ومهمة في دولة الكويت وهي دعم الجهود والمؤسسات التي تعمل على رعاية الصحة العامة ومعالجة الأمراض، حيث إن الصحة تعتبر حجر الزاوية في العملية التنموية لأي مجتمع، بل إن وفرة مستوى الخدمات الصحية تعتبر معياراً حضاريا لتقدم الأمم. من هنا يأتي دور الصندوق في دعم تمويل الارتقاء بمستوى الخدمات الطبية ودعم مؤسساتها والبحوث المتعلقة بها ضمن قنوات اتصال ومشاركة شعبية من أجل الصحة. والصندوق يعمل في إطار الأهداف والوسائل الرامية إلى نشرمفاهيم التنمية الصحية والوعي الصحي بين المواطنين ودعم الجهات القائمة على توفير الخدمات الصحية والارتقاء بمستواها ودعم الجهود التي تستهدف المحافظة على الصحة العامة ووسائل الوقاية وأساليب العلاج. إضافة إلى المساعدة على الاستعانة بالخبرات الطبية الأجنبية المتميزة والمساهمة في الأنشطة التي تستهدف تدريب الكوادر الوطنية العاملة في المجال الصحي.

الصندوق الوقفي لرعاية المساجد: يهدف هذا الصندوق إلى دعم الجهود التي تستهدف إنشاء المساجد والمصليات وتطوير مرافقها وأنشطتها والإسهام في توفير أنشطة رعاية العاملين بالمساجد ودعم برامج التنمية المهنية الخاصة بهم، والتنسيق مع قطاع المساجد بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في شأن التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية فيما يخص رعاية المساجد وتعزيز أنشطتها والعمل على تنمية الأوقاف المخصصة للمساجد وأنشطتها والعاملين فيها. وقد جاء إنشاء هذا الصندوق مساهمة في تنشيط الاهتمام بإحياء دور المساجد وتشجيع الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تمارس من خلاله وتقديم أوجه الرعاية المناسبة للعاملين في المساجد.

الصندوق الوقفي للأمانة العامة للأوقاف: أنشىء هذا الصندوق بغرض توفير الدعم المعنوي لمشروع النهوض بالوقف الكويتي وتعزيز دور الأمانة العامة للأوقاف في تحقيق رسالتها، كما يهدف إلى توفير الدعم المالي والشعبي لأجهزة الأمانة العامة للأوقاف بما فيها الصناديق الوقفية. ويقوم الصندوق بجميع الأعمال اللازمة لتحقيق أهدافه مثل إبراز جدوى المشاركة الأهلية وإقامة المنتديات العلمية التي تناقش موضوع الوقف، كما يصدر المطبوعات ويعرف بجهاز الأمانة العامة ورسالته وبرامج أعماله، والعمل على زيادة فاعلية وكفاءة جهاز الوقف ومتابعة التطورات الخارجية في نظم إدارة واستثـمار الأموال الموقوفة ووسـائل تنميتـها والمحافظة عليها. كما يدعو الصـندوق إلى الوقوف على أغراضه ومد جسور التعاون مع القائمين على الأثلاث والمبرات الخيرية لتعزيز دور الأموال الخيرية في تنمية المجتمع.

وتشمل أوجه الإنفاق التي يمولها الصندوق مجالات الدعوة للوقف والتدريب والتنمية والحوافز المالية والعينية المناسبة لجذب العناصر البشرية عالية المستوى والكفاءة إضافة إلى البحوث والمؤتمرات والندوات والمباني والتجهيزات والمعدات وأعمال الصيانة والأساليب التكنولوجية الحديثة اللازمة للعمل ودعم الميزانيات التشغيلية لأجهزة الأمانة والصناديق والمشاريع الوقفية وأي مصروفات أخرى ضرورية لتطوير مسيرة أجهزة الوقف.

صندوق الكويت الوقفي للتعاون الإسلامي: ويسعى هذا الصندوق إلى مد جسور التواصل والتعاون مع العالم الإسلامي والمنظمات والهيئات الإقليمية والإسلامية والدولية وذلك بالتنسيق والتكامل مع الأجهزة الرسمية والشعبية العاملة في الميادين الخيرية والتطوعية. ويهدف الصندوق إلى دعم العمل الخيري والشعبي الكويتي الخارجي والتنسيق بين الأنـشطة الكويتـية في مجالات عمل الصندوق وأنشطة الأجهزة المماثلة في الدول الإسلامية وإيجاد صيغ التـعاون مع المنظمات الإسلامية وأيضاً تقديم العون للدول والجالـيات والمنظمات والهيئات الإسلامية أو التي تخدم العمل الإسلامي والعمل على تنمية الأوقاف المخصصة للعمل الخيري الخارجي.

الصندوق الوقفي الوطني للتنمية المجتمعية: أنشىء هذا الصندوق كصندوق مركزي للإشراف على حركة التنمية المجتمعية الوقفية في الكويت ولرسم سياساتها. وتتفرع عنه صناديق وقفية للمحافظات الخمس، كما سيكون لكل منطقة سكنية صندوقها الوقفي الخاص بها للتنمية المجتمعية بحيث تشكل صناديق المناطق هذه القاعدة العريضة لحركة التنمية المجتمعية بالبلاد. وتتلخص فكرة الصناديق الوقفية للتنمية المجتمعية في أنها إطار تتفاعل فيه الإمكانات المتاحة في منطقة سكنية معينة من أجل تنميتها والقيام بمشروعات تقضي احتياجاتها وتنهض بمستوى الخدمات التي تؤدى فيها، على أن تغطي حركة التنمية جميع أرجاء البلاد بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الرسمية والأهلية العاملة في المنطقة. وتهدف هذه الصناديق بصورة عامة إلى معالجة قضايا التنمية المجتمعية من المنطلقات الشرعية للوقف وتعزيز روح الولاء الوطني وإيجاد مـظلة عمل فعالة داخل كل منطقة سكـنية تدعم الجهود التنـموية فيها. كما أن للمشروع أهدافاً فرعية تتمثل في تعزيز روح التعاون والتواصل بين أبناء المنطقة وإشاعة جو من التنافس الشريف إضافة إلى إتاحة المجال للكشف عن الحاجات الفعلية لمختلف المناطق وإيجاد ميادين عمل تستوعب جميع الطاقات البشرية في المنطـقة السـكنية على اختلاف مشاربها وقدراتها.

وبعد فلقد وضعت الأمانة العامة للأوقاف، عندما قررت استخدام صيغة (الصناديق الوقفية) كأداة استراتيجية في مشروع النهوض بالوقف للكويت، وضعت أمامها أهدافاً سامية ومنطلقات إنسـانية وحضارية متميزة كما لاحظنا، وبرغم قصر هذه التجربة فإن المؤشرات تدل على أنها تسير بخطى ثابتة وسريعة كما هو مرسوم لها ونأمل لهذه التجربة النجاح واستمرار التقدم.

 

 

عدنان محرز