المناخ يدافع عن توازنه محمد وليد كامل

المناخ يدافع عن توازنه

بسبب بنية السماء وتكوين الأرض فإن الطاقة التي تحفظ الحياة على سطح كوكبنا تبدو لكثير من العلماء في حالة توازن، لكن غاز الدفيئة يحاول كسر هذا التوازن، ليتبدى الاضطراب، فهل يدافع المناخ عن نفسه ليستعيد التوازن؟

تنظر الأرض إلى نجم الشمس كل يوم، وتحمل في نظرتها طلب الطاقة من الشمس، إذ لا تغرب الشمس حين تغرب، ولا تشرق الشمس حين تشرق، ولكن دورة الأرض حول نفسها تجعل للشمس شروقا وغروبا.

تعطي الشمس كل طاقتها "1386 واط/ م2"، ولكن الحياة على سطح الكوكب الأرضي لا تستقيم مع هذا العطاء، فيتبدل قليلا "3%"، ويعزى التبدل إلى دورة الشمس حوله نفسها وتطور البقع في سطحها، "4%"، وقد يعزى إلى دورة النشاط الشمسي "1%" خلال أحد عشر عاما.

ويبقى التبدل في طاقة الشمس بسيطا، ولكن انحراف موقع الأرض عن الشمس يجعل هذا التبدل مهما، إذ يمر من 1410 واط/ م2 "6 كانون الثاني" إلى 1320 واط/ م2 "6 تموز"، وتلعب دورة الأرض وشكلها وبنية غلافها الجوي دورا رئيسيا في اختزال طاقة الشمس 342 واط/ م2، عندئذ تطيب الحياة ويمكن الأرض الأحياء.

لا حياة لولا اختزال الطاقة

لا تطيق أشكال الحياة على سطح الكوكب الأرضي هذا القدر المختزل من طاقة الشمس، بل جعلت الحياة ممكنة مع 70% من طاقة الشمس المختزلة، إذ يقوم سطح الكوكب وغلاف الجو وطبقة الغيم برد 30% من طاقة الشمس إلى الفضاء، ويمرر غلاف الجو 240 واط/ م2، يمتص بعضه خلال طبقات الجو "23%"، وبعضه الآخر يمتص في الأرض "47%".

تعمل الأرض لتقوم الحياة، ولا قيامة لحياة على سطح الكوكب الأرضي لولا اختزال الطاقة عند قمة الغلاف الجوي، ويعزى اختزال طاقة الشمس للمرة الثانية إلى معامل الانعكاس "الألبيدو"، إذ عرف هذا المعامل عام 1908 من قبل الأمريكي شارل ابوت "37%"، ثم وجد الفرنسي أندريه دانجون عام 1930 أن قيمة هذا المعامل تقترب من 42%، ولكن قياسات الأقمار الصناعية الأمريكية عام 1972 أقرت بقيمة أقل لهذا المعامل "30%"، ويفسر هذا التباين في تقدير ألبيدو الكوكب الأرضي إلى سوء تخمين للغطاء الغيمي المنتشر فوق المحيطات في نصف الكرة الشمالي.

تمكنت الأقمار الصناعية ما بعد عام 1961 من تخمين ألبيدو كوكب الأرض "30%"، ومن ثم حساب ميزان الطاقة في نظام أرض- جو- شمس، إذ تبين أن مقدار الكسب في الطاقة عند خط الاستواء يعادل مقدار الخسارة عند القطبين، ويحدث التوازن في مقدار الكسب والخسارة عند خط العرض 40 ْ شمالا أو جنوبا.

وتستجيب الشمس لطلب الأرض، فيبث غلاف الشمس أشعة كهرومغناطيسية، تتصف هذه الأشعة بقصر الموجة وبغزارة الطاقة وبشدة التردد، إذ تقطع بحركتها الموجية مسافة شمس- أرض "149.6 مليون كم" خلال 8.31 دقيقة ضوئية.

يستقبل غلاف جو الأرض أشعة الشمس، فيختزل من طاقتها ما يختزل، وتمتص مكوناته من الغازات والدقائق الغروية ما تمتص، إذ يمتص غاز الأوزون المنتشر في طبقة الجو الأوسط "15 - 50 كم ارتفاع" الأشعة فوق البنفسجية "ما دون 0.3 ميكرومتر"، ويساهم غاز الأوزون وبخار الماء "1%" وغاز ثاني أوكسيد الفحمي "35.% " بامتصاص بعض الجوانب من طيف الأشعة الحمراء وتحت الحمراء.

تحول الدقائق الغروية الأشعة القصيرة إلى أشعة طويلة، عندئذ يسخن الجو القريب من تربة سطح الكوكب الأرضي، وتستقبل الأرض القدر المتبقي من أشعة الشمس القصيرة فتسخن ثم تشع مرسلة أشعة طويلة الموجة، ويتحقق التوازن الحراري بين سطح الكوكب الأرضي وطبقة الجو القريبة.

يعتبر غلاف الجو شفافا لأشعة الشمس قصيرة الموجة ما عدا الأشعة فوق البنفسجية، أما مكونات هذا الغلاف من بخار الماء المنتشر في الغطاء الغيمي وغاز ثاني أوكسيد الفحم وبعض من غاز الأوزون تعتبر عاتمة لأشعة الشمس طويلة الموجة "أكبر من 4 ميكرومتر" ما عدا بعض الجوانب من الطيف الحراري "8 - 13 ميكرومتر"، إذ تشكل هذه الجوانب نوافذ عبور للأشعة تحت الحمراء من سطح الأرض نحو الفضاء، وهنا نافذة للطيف المرئي وأخرى للطيف طويل الموجة "ميلليمتر".

وتلعب عاتمية مكونات غلاف الجو الأسفل دورا رئيسا في رفع درجة حرارة سطح الكوكب الأرضي إلى 15 ْ م "288 ْ كالفن"، وتعرف هذه العاتمية بفعل الدفيئة، ويجعل هذا الفعل كوكب الأرض مأهولا بالأحياء، إذ لولاه لتوقفت الحياة على سطح الكوكب، إذ تختلف الحرارة النظرية لسطح كوكب الأرض المتوازن حراريا مع غلاف الجو عن الحرارة الواقعية اختلافا بينا، لقد قدرت الحرارة النظرية من قياس التدفق الشمسي ومعامل انعكاس الكوكب الأرضي "الألبيدو"، فكانت الحرارة النظرية- 18 ْم "255 كالفن"، ولا تتحقق هذه الحرارة إلا في النصف الأول من طبقة الجو الأسفل "5 كم" وليس على سطح الكوكب الأرضي.

المناخ وعدم دورية الخواص

تحرك طاقة الشمس الجو، ويحمل في حركته خواص المكان، وتتطور هذه الخواص مع الزمن، ويسمح التطور الدوري لهذه الخواص بالتنبؤ عن حالة الجو، إذ يعرف الطقس في مكان ما بحالة الجو لفترة قصيرة من الزمن، ويعرف المناخ بدورية خواص الطقس لفترة من الزمن ترتبط بدورة نشاط الشمس "11 سنة".

يتركب الجو من كتل هوائية ذات خواص متباينة، وتحمل كل كتلة هوائية خواص المكان الذي تجتازه في رحلتها خلال زمن ما، وتشمل هذه الخواص الحرارة والرطوبة والكثافة وتركيز غازات الدفيئة "ثاني أوكسيد الفحم والميثان"، ويرتبط تطور هذه الخواص بدورة الأرض اليومية وكذلك بدورتها السنوية.

إن تطبق جو الأرض، وتميز سلوكه بدورية عناصر المناخ من حرارة ورطوبة وضغط وهطل وغيم وسطوح، تجعل التنبؤ ممكنا دون المعرفة المفصلة لقوانين التطور، ولكن صفة عدم الدورية لسلوك الجو الأرضي تجعل التنبؤ اعتباطيا، ومثل ذلك هجرة مراكز العمل الجوي "أعاصير وأعاصير مضادة" فوق المحيطات والقارات، إذ تم قياس يومي لتطور الضغط في كتلة هوائية تمتد لمسافة 1000 كم وتعلو سطح محطة الأرصاد في مرسيليا "فرنسا" لارتفاع يتحقق عنده الضغط المقيس خلال 2000 يوم، وتتمثل صفة عدم الدورية بتغير منتظم بطيء جدا لتطور خاصية الضغط اليومي التي تقدر بنحو نصف ضغط جوي، ويرتبط هذا بدورة الأرض السنوية.

وتشمل صفة عدم الدورية الهطل السنوي، إذ تبين من قياس الفرق بين متوسط الهطل خلال الفترة 1904- 1987 وبين الهطل السنوي، أن الهطل كان شبه طبيعى ما قبل عام 1965 ثم أصبح الهطل ضعيفا، أي أن صفة عدم الدورية تتمثل بالانتقال المفاجئ إلى نظام جاف، ولا تعد هذه الظاهرة التي تضرب الساحل الغربي لموريتانيا حالة وحيدة بل هناك حالات مماثلة تحل بموريتانيا منذ عدة قرون مضت.

تضطرب حركة الجو، وتختل المناخات التي تسود الكوكب الأرضي، ويختلف توزع الجفاف والهطل، وتستجد ظواهر مناخية غريبة، ويحتار الإنسان لتحير الوسط الذي يعيش فيه

لا يعمل الجو كما يجب أن يعمل، ولا تتطور الظواهر المناخية كما يجب أن تتطور، ويعم الناس القلق، وتضطرب الأنشطة الزراعية، ويختل الاقتصاد العالمي إذا مس ميزان الطاقة خلل أو اختلال.

إن مثل الجو "الغلاف الجوي" عند رجل المناخ كمثل السيارة، لا يعمل بدون طاقة ويختل عمله إذا قلت الطاقة أو زادت، ويمكن أن نعبر عن اختلال ميزان الطاقة بالتسخين الجوي نتيجة ارتفاع تركيز غاز الدفيئة "ثاني أوكسيد الفحم" في طبقة الجو الأسفل.

المناخ يدافع عن نفسه

يتزن المناخ باتزان الطاقة، ويختل المناخ باختلال الطاقة، ويؤدي الاستغلال الاعتباطي للمصادر الطبيعية من طاقة احفورية وحرق للغابات إلى رفع محتوى الغلاف الجوي من غاز ثاني أوكسيد الفحم، عندئذ يسخن الجو وتضطرب الدورة المائية "الهيدرولوجية"، ويشمل هذا الاضطراب توزع الهطل وتغير التبخر وتبدل النتح وتراجع رطوبة التربة.

تعدل ظاهرة التسخين من طبيعة المناخ السائد، عندئذ يتدخل الغيم "الغطاء الغيمي" ليوقف من فعل الدفيئة، ويجند لذلك معامل انعكاس "الألبيدو" فتنخفض قيمته، وبهذا يسعى الغيم إلى تبريد المناخ أو العودة به إلى نظامه السائد.

يفهم من ذلك أن لكل فعل رد فعل، وأن المناخ على فعل الدفيئة بفعل ألبيدو الغيم، ولهذا تتماشى دراسة الغيم والطاقة معا، وتشمل دراسة لنظام الغيمي تشكلا وانحلالا ومعرفة مختلف العلاقات بين خواصه المرئية "ارتفاع، سطح، شكل" والمجهرية "توزع أقطار قطيرات الماء، توزع أشكال البللورات الثلجية، الشوائب" والضوئية "معامل الانعكاس، معامل الإرسال".

أظهرت الأبحاث متعددة الجنسيات أن حرق آبار النفط الكويتية في حرب الخليج عام 1991 قد رفع من تركيز غاز الفحم العالمي 2%، وأن أثر هذا الغاز كان قد شمل المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج، ولم يصب ارتفاعا في الجو يسمح له بالانتقال لمسافات بعيدة، ولا ننسى أن مضاعفة تركيز هذا الغاز يكافئ اختلالا في الطاقة قدره 4 واط/ م2 أو يعادل ارتفاعا في درجة حرارة الجو قدره 1.8 ْ كالفن.

نحاول أن نفهم العلاقة في قوله تعالى: والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها* والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها.(سورة الشمس "مكية").

الضوء الذي في الشمس يظهر نورا في القمر حين يأتي الليل وبتبدل هذا الضوء خلال اجتيازه بنية السماء وخطوط عرض الأرض نهارا.. أي أن النهار يظهر الشمس وتباين طيف أشعتها قصيرة الموجة خلال اجتيازها الغلاف الجوي إلى بسط الأرض ما بين خطوط العرض الممتدة من خط الاستواء وباتجاه القطبين.

استخدام سلالات بكتيرية في القضاء على التلوث

  • يجري الآن إنتاج سلالات معينة من البكتيريا للإسهام في القضاء على تلوث البيئة عن طريق تفتيت مواد كيماوية سامة وتحويلها إلى مواد غير ضارة بالبيئة.
    وقالت مجلة "نيتشر" العلمية إن مجموعة من العلماء بقيادة الدكتور لورانس واكيت استنبطوا سلالات بكتيرية من بكتيريا تحمل الاسم العلمي "سيدوموناس بوتيدا" بوسعها تحليل مواد سامة بعينها؟
    ومن بين هذه المواد السامة التي تستطيع البكتيريا تفكيكها الكلوروفلورفلور كربونات الموجودة في بعض مواد الرش الطيارة وفي أجهزة التبريد، وهي المسئولة عن تآكل طبقة الأوزون التي تحمي كوكب الأرض من الأشعة الضارة.
    وبالاستعانة بأساليب الهندسة الوراثية تمكن فريق البحث من التحكم في التركيبات الجينية للبكتيريا معمليا للإسراع بإنتاج هذه السلالات البكتيرية الجديدة.
    وقال الباحثون إن السلالات الجديدة نجحت أيضاً في تحليل مركبات أخرى متعددة مثل مادة الهالوجين التي تنتمي لها الكلوروفلور كربونات، وهي معظمها سامة ويصعب تحليلها.

 

محمد وليد كامل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




دخان آبار النفط الكويتية المحترقة عام 1991 مثال للعدوان على البيئة والمناخ





صفة عدم الدورية في تطور ضغط الكتلة الهوائية الممتدة لمسافة 1000 كم





توزع متوسط ميزان الطاقة للشعاع الشمسي واط/م2 حسب خطوط عرض الأرض





الامتصاص الغازي ونوافذ الجو في الطيف المرئي والأشعة تحت الحمراء وتبدلات فعل الدفيئة مقدرة بالكالفن





حرق آبار النفط الكويتية رفع من تركيز غاز الفحم العالمي 2%