طب النانو: سيمفونية القرن لقهر المرض والسرطان

طب النانو: سيمفونية القرن لقهر المرض والسرطان

شرد ذهني طويلا بعد محاضرة عن تطبيقات تكنولوجيا النانو كنت قد تلقيتها خلال مرحلة دراستي للماجستير في عام 1985 بإحدى الجامعات اليابانية. ورجعت بي الذاكرة إلى ما قبل ذلك التاريخ بنحو عشرين سنة حين شاهدت وأنا في العاشرة أحد أشهر أفلام السينما الأمريكية وهو «الرحلة الخيالية Fantastic Voyage».

لم أكن الوحيد الذي لاحظ هذا التشابه الرابط بين فلسفة طب النانو وتلك الفكرة الخيالية للمؤلف الأمريكي David Duncan التي نُسج بها الفيلم، حيث تدور أحداثه حول فريق من الجراحين استقلوا مركبة على هيئة غواصة بحرية Submarine تم تقليصها وهم على متنها إلى ما دون حجم الخلية ليحقن بها المريض، كي تغوص وتسبح فتصل إلى المخ، حيث يقوم الجراحون المتقلصة أحجامهم في إذابة تجلط دموي به ! وبرهنت فكرة الرواية على تأثر مُبدعها بتلك المحاضرة التاريخية التي ألقاها عالم الفيزياء الأمريكي الشهير البروفسور ريتشارد فينمانRichard Feynman الأب الروحي لعلم وتكنولوجيا النانو - في عام 1959، والتي تُعد حجر الزاوية لفلسفة تكنولوجيا النانو التي تفجرت مع بداية القرن الواحد والعشرين، لتحقق هذا التقدم التكنولوجي الهائل والمستمر الذي نشاهده اليوم في كل المجالات.

وقد يقبل القارئ الكريم دعوتي في أن أَشرُفَ برفقته كي نبحر سوياً في مياه محيط تلك التكنولوجيا، مستعرضين بعض قليل من تطبيقاتها في مجالات الطب والعلاج والقضاء على الأورام الخبيثة.

تكنولوجيا النانو وصحة الإنسان

فرضت تكنولوجيا النانو Nanotechnology «قد يرى القارئ الكريم أنه من المفيد تصفح أي مقدمة أو مقال تعريفي بتكنولوجيا النانـو، ولاسيما ذلك المقال الذي نشرته مجلة العربي على صفحات عددها الصادر في يونيو 2009» نفسها وبقوة للدخول في كل المجالات الصناعية والتطبيقية الخاصة بهذا القرن. ولم يكن من المُستغرب أن يحتل قطاع الطب ،الدواء والرعاية الصحية رأس قائمة اهتمامات تلك التكنولوجيا التي سخرت كل العلوم الأساسية والتقنيات المستحدثة من أجل صحة وسعادة الإنسان. وانخرطت تكنولوجيا النانو في كد واجتهاد لتقديم كل ماهو جديد ومتقن ومفيد، ففتحت بذلك للبشرية آفاقاً جديدة وأبعاداً مشرقة. وقد أخذت تلك التكنولوجيا الوليدة، المُقلدة بصولجان «تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين»، على عاتقها منذ أواخر تسعينيات القرن المنصرم الماضي في تقديم ابتكارات واختراعات تقَنية مُذهلة تخص مجالات الطب والدواء، والكشف المبكر عن الأمراض والأورام. ولعل النسبة الكلية لمبيعات المواد الطبية المُنتجة بواسطة تلك التكنولوجيا في عام 2008 والتي بلغت حوالي 15% من إجمالي المبيعات الكلية للمواد والأجهزة النانونية - وصل الحجم الكلي لمبيعات منتجات النانو في العام الماضي نحو 146.4 مليار دولار - لخير دليل على ما يحققه هذا الفرع الحيوي المهم من نجاحات متواصلة ومستقبل واعد. وقد أدت تلك الدلائل والنتائج المشجعة لتطبيقات تكنولوجيا النانو في المجالات المختلفة إلى أن يضعها البرنامج الإنمائي للألفية الثالثة التابع لهيئة الأمم المتحدة United Nations Millennium Development Goals (MDGs) في تقريره لعام 2005 كتقنية أولى ومعول رئيسي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة الخاصة بالتنمية والتعمير والتخفيف من حدة المشكلات الناجمة عن الفقر والمرض في دول العالم النامي والدول الأقل نمواً.

ماهية طب النانو؟

وإذا ما أردنا أن نَضعَ تعريفاً محددَا لهذا المصطلح، فسوف نُعرفه على أنه مجموعة من تقنيات طبية حديثة تستظل بظل تكنولوجيا النانو لتشمل كل ما يتعلق بالمجالات الطبية المختلفة الرامية إلى تحسين صحة الإنسان والحفاظ على سلامتها. ومنذ بزوغ الألفية الثالثة، قام طب النانو بتحقيق خطوات رائدة تمثلت في تغيير كامل وثورة شاملة لمفاهيم طرق العلاج التقليدية، وتطوير تقنيات التشخيص والكشف المُبكر عن الأمراض والأورام. وقد كانت هذه الثورة التكنولوجية على موعد مع القدر لتتزامن مع ثورة التكنولوجيا الحيوية Biotechnology التي تُشَكل مع تكنولوجيا النانو نهجا جديداً قائما على علوم وتقنيات مترابطة اصطلح على تسميتها باسم «تكنولوجيا النانو حيوية Bionanotechnology».

ومن الجدير بالذكر، أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، ونتيجة للتقدم السريع والمتقن في مجال بحوث تكنولوجيا النانو تم تحقيق طفرات مثيرة تمثلت في ابتكار أنواع متقدمة من أجهزة التوصيف تم توظيفها من أجل فهم وتحليل بنية وتركيب الحامض النووي DNA للإنسان والفيروسات على حد سواء. وأدى هذا بطبيعة الحال إلى معرفة سلوك الأمراض والفيروسات وميكانيكية حركتها وتنقلاتها داخل الجسم ومعرفة الطرق والحيل التي تسلكها لمهاجمة خلاياه، وذلك على مستوى النانومتر الواحد (جزء من مليار جزء من المتر).

النانو روبوت

تدور الآن مناقشات مستفيضة تشمل طرح سيناريوهات متعددة حول كيفية إدخال تلك الغواصات النانونية النانو روبوت Nanorobots أو النانو بوتس Nanobots إلى داخل الجسم البشري وعن موقف الأجسام المضادة Antibodies منها. هل سيتم طلاؤها Coating بطبقات نانونية السُمك Nanolayer تتوافق بيولوجيا مع الجسم لضمان عدم مقاومته لها ؟ وما نوع وسمك تلك الطبقات المُقترح استخدامها؟، هل ستقوم تلك الروبوتات النانوية بتعقب الفيروسات وإصلاح خلايا الجسم من خلال تشفيرها عن طريق وضع برامج خاصة على شريحة إلكترونية نانونية Nanochip يتم تثبيتها عليها، أم هل سيتم توجيهها والتحكم في مسارها وأدائها من الخارج بواسطة أجهزة التحكم ؟ ولكن السؤال الأكثر أهمية هو المتعلق بمصير تلك المركبات النانونية بعد الانتهاء من مهامها، وعن كيفية إخراجها من الجسم. هناك الكثير والكثير من الحوارات والمناقشات العلمية المهمة والشائقة. وعلى الرغم من صعوبة تلك المناقشات واصطدامها بعدم المعرفة في كثير من الأحيان، فإنه من المنتظر أن يتم طرح الجيل الأول من النانو روبوت قبيل عام 2025.

أمثلة للأدوية والعقاقير النانونية

تتصدر اليوم العقاقير الطبية المكونة من حبيبات نانونية الأحجام والتي تقل أبعاد أقطارها عن 20 نانومتراً، قمة قائمة الأدوية والعقاقير الطبية من حيث الكفاءة والأمان. وقد تم تصميم المواد الكيميائية لتلك الفئة من العقاقير كي تتلاءم مع الأحجام المختلفة للجزيئات الحيوية Biomolecules الموجودة بالجسم، وكذلك مع أحجام الفيروسات والبكتريا التي يُصاب بها الجسم. ومع التقدم المستمر في إنتاج تلك الفئة من المواد الذكية، فإن صناعة الدواء المعتمد في إنتاجه على تقنيات تكنولوجيا النانو بدأ منذ فترة وجيزة في تقديم أدوية وعقاقير طبية فريدة تتحقق فيها المزايا التالية:

  • زيادة في نسبة التوافر البيولوجي للدواء.
  • تقليل نسبة سمية الدواء، وذلك من خلال تمكين الدواء بأن يصل بصورة مباشرة إلى الخلية المصابة بعينها.
  • تحسين في توزيع المادة الفعالة للدواء بخلايا الجسم المصابة.
  • التحكم في معدل خروج المادة الفعالة للدواء من خلال تصغير أقطار مسام الكبسولات المغلفة له، مما يعني زيادة في فعالية الدواء ولكن بكمية دوائية أقل وعدد منخفض من الجرعات.

وتُعد العقاقير الطبية المؤثرة في الحالة النفسية للإنسان كمضادات الاكتئاب مثالا جيدا لشرح ميكانيكية عمل تلك الحبيبات الدقيقة المُكونة للعقار الطبي في العمل تحت مختلف الظروف ومتناقضات الحالة المزاجية للإنسان. فمن المعروف أن الاكتئاب ينتج عادة عن تغير في تركيزات جزيئات ناقلات الإرسال العصبية Molecules Neurotransmitters تقوم تلك الجزيئات بتوصيل الرسائل والإشارات العصبية من وإلى المخ عبر ما يعرف باسم المشابك Synapses العصبية بطريقة مفاجئة لتصبح عالية التركيز مثلا. وتعمل الحبيبات النانونية المكونه لمضادات الاكتئاب الذكية Intelligent Antidepression Nanoparticles بالتركيز على تلك الظاهرة ورصد التغيرات المصاحبة، وذلك من خلال الهيمنة على جزيئات ناقلات الإرسال العصبية المتجهة إلى للمخ أو القادمة منه، فتعمل على إتلاف الزائد منها وإعاقة مساره، وبذلك يقل تركيزها لتصبح دائما عند مستوى التركيز الطبيعي بما يتحقق معه ثبات الحالة النفسية واعتدال المزاج العام للمريض.

وبعيدا عن علاج الحالة النفسية للإنسان ولكن باستخدام فلسفة علاجية مشابهة، تتحقق اليوم نتائج مبشرة في مكافحة الفيروس HIV المسبب لمرض فقدان المناعة المكتسبة الذي يتم اختصاره باللغة الإنجليزية فيعرف باسم AIDS، وذلك عن طريق تعطيل مسار الفيروس ومنع نفاذه إلى خلايا كرات الدم البيضاء حتى لا يهيمن عليها جاعلا إياها مَعَاملاً في إنتاجه. ويعتمد نجاح هذه المهمة في القدرة على تصغير أحجام حبيبات المواد الكيميائية المستخدمة في تركيب العقارات الطبية الخاصة لمكافحة فيروس HIV، والتي أزعم بأنها قد قطعت خطوات كبيرة.

توصيل الدواء Drug Delivery

من المعروف أن نجاح أي عقار طبي يعتمد أساساً على طريقة تعاطيه وميكانيكية توصيله إلى الجزء المُعتل داخل جسم المريض, وذلك في أقل مدة زمنية ممكنة, وبأقل تأثيرات جانبية محتملة. تقوم التكنولوجيا بتقديم حلول ونماذج مبتكرة ومتقدمة أدت إلى نجاحات كبيرة ومتقنة في عمليات توصيل ونقل الدواء Drug Delivery والمتمثلة في رفع القدرة على نقل جزيئات المادة الكيميائية الفعالة للدواء إلى خلية بعينها من خلايا الجسم دون غيرها نقلاً مباشراً وفي أقل فترة زمنية. فعلى سبيل المثال، يتم تصميم وإنتاج كبسولات من البلمرات مسامية التركيب Porous Polymer حيث تتألف من عشرات الآلاف من الفجوات المسامية بحيث تسمح بدخول جزيئات مادة الدواء لتستقر داخلها. وعند تناول هذه الكبسولات وفور وصولها إلى العضو المعني أو المكان المراد علاجه بالجسم، فإن الكبسولة تبدأ في الانقسام إلى أجزاء صغيرة, ثم إلى جزيئات أصغر فأصغر. وحيث إن حبيبات المادة الكيميائية للدواء توجد داخل نسيج تلك الكبسولات فإنها لاتخرج دفعة واحدة وانما تتسرب وتنطلق من مخابئها المسامية بمعدلات زمنية محسوبة Time-released Drug تتيح للمريض بأن يتعاطى كبسولة واحدة منها فقط طوال المدة الزمنية المقررة للعلاج, بدلا من تعاطيها يومياً لعدة مرات. وتُعرف هذه الأدوية المتاحة الآن باسم العقاقير الطبية ممتدة المفعول Extended Effect.

طب النانو وداء السكري

تم أخيراً النجاح في تصنيع حساسات عضوية Biosensors متناهية الصغر تستشعر حدوث أي انخفاض حاد في مستوى نسبة الجلوكوز بالدم.وتُجرى الآن تجارب تطوير هذه الحساسات بحيث يتم إضافة خزانات صغيرة تحتوى على جرعة من الأنسولين يتم حقنها إلى داخل الجسم من خلال إبرة تتصل بالخزان فتقوم بضخ الجرعة الملائمة بناء على إيعاز من الحساس. ويمثل نجاح تلك التجارب أملاً كبيراً يتعلق به مئات الملايين من البشر المصابين بالداء السكري Diabetes.

يُجرى في الفترة الأخيرة تأهيل عدد من المواد النانونية الجديدة كي يتم توظيفها في علاج حالات أكثر تعقيداً وأشد صعوبة وهي الخاصة بالخلايا العصبية. ومن المرجح أن تنجح المحاولات والأبحاث الخاصة بزراعة تلك المواد بالمخ والاعتماد على صغر أحجامها في أن تخدع الحاجز الدماغي الدموي Blood Brain Barrier ويقوم هذا الحاجز بحجب ومنع أية مواد غريبة في الذهاب إلى المخ، وهو يمثل في ذلك مصفاة للدم الواصل لمخ الإنسان.

البلورات النانونية للكشف المبكر عن السرطان

يقوم جسم الإنسان وبصفة مستمرة بتغيير خلاياه القديمة وإحلالها بخلايا أخرى جديدة، حيث يتم خلال عملية الإحلال هذه قتل الخلايا القديمة والاستغناء عنها في عملية بيولوجية طبيعية يقوم بها الجسم السليم في كل لحظة ومن دون أي تدخل بشري. ولكن، وعلى الرغم من السلاسة الظاهرية لتلك المهمة الروتينية، فإنه قد يحدث في أحيان ليست بقليلة، ولظروف معينة مازالت تحتاج إلى كثير من الدراسة والتفسير، يحدث تغير أو انحراف جيني Genetic Mutationينجم عنه ميلاد بعض من الخلايا الجديدة التي يجب ألا تُولد، أو أن يفشل الجسم في قتل خلاياه القديمة المُراد تبديلها بأخرى جديدة. وهنا تبدأ المشكلة الناتجة عن رعونة عمليات الإحلال والتبديل مؤدية إلى انقسامات عشوائية بخلايا تلك المنطقة المُصابة من الجسم المارقة عن أصول وقواعد النظم الحيوية، مُوَلدَةً بهذا «بؤرة سرطانية» لا يتعدى حجمها على بضعة ميكرومترات قليلة يصعب اكتشافها في تلك المرحلة المبكرة من الإصابة. وسرعان ما تنمو وتتكاثر تلك الخلايا السرطانية Cancer Cells مؤثرة في نموها على طبيعة وسلوك الخلايا المتاخمة لها في العضو المُصاب نفسه أو في خلايا أعضاء أخرى مجاورة لتُشكل كماً كبيراً من أنسجة مريضة يُطلق عليها ورم Tumor.

وقد أتاحت تكنولوجيا النانو آفاقاً جديدة وإضافات فريدة لعمليات التشخيص المبكر للسرطان Early Diagnosis of Cancer من خلال فئة متقدمة من المواد تُعرف باسم البلورات النانونية Nanocrystals التي يُطلق عليها أيضاً اسم «النقاط الكمية Quantum Dots». والنقاط الكمية هذه عبارة عن مواد لأشباه الموصلات (مثل الكادميوم سلينيد CdSe أو الكادميوم سلفيد CdS، وغيرهما) يتم تحضيرها على هيئة حُبيبات كروية الأشكال ذات أبعاد متجانسة، تتراوح أقطارها من 2 إلى 10 نانومترات بحيث تحتوي على عدد من الذرات يتراوح مابين 10 إلى 50 ذرة. وتوجد تلك الجسيمات في هذه الأحجام النانونية وامتلاكها لذلك العدد من الذرات يجعلها تسلك سلوك الذرة الأحادية، ويؤهلها في احتكار خواص بصرية وموصولية متميزة لاتوجد في أية فئة من فئات الموصلات وآشباه الموصلات.

طب النانو: سلاح البشرية للفتك بالسرطان

من المؤسف التأكيد على أن معدلات الوفاة العالمية الناجمة عن الإصابة بمرض السرطان لم يطرأ عليها أي تحسن أو تغيير كبير، فظلت تقريباً كما هي منذ بداية العقد الخامس من القرن المنصرم الماضي. قاد التقدم المذهل في بحوث علم وتكنولوجيا النانو إلى ابتكار أنواع متميزة من موصلات الأدوية في قهر وإزالة ما يُعرف بسرطان الخلايا النجمية Astrocytoma الذي يُعد أكثر وأخطر أنواع السرطانات التي تصيب خلايا المخ والتي تُمثل أكثر من 40% من حالات الإصابة بأورام المخ حيث يتوغل ببطء داخل خلاياه مكونة ورماً Tumor في منطقة ما وراء العين. ومما لاشك فيه فإن وجود هذا الورم في ذلك المكان الدقيق والحساس يشكل صعوبة بالغة للأطباء في التعامل الجراحي معه أو العلاج الاشعاعي له، نظرا لقصور تلك التقنيات التقليدية في الاستهداف الدقيق للورم وتشعباته في خلايا المخ، مما يؤدي غالبا إلى استئصال أو إتلاف خلايا سليمة مجاورة.

وقدوافقت إداره الأغذيه والأدويه الأمريكية U.S. Food and Drug Administration FDA في عام 2005 للتصريح باستخدام أحد أدوية النانو الأكثر شهرة في العالم والذي يحمل الآن اسماً تجارياً ذائع الصيت، في علاج سرطان الثدي حيث يتم استخدامه وبنجاح منذ ذلك الحين في استهداف الخلايا السرطانية بالثدي والقضاء عليها.

قذائف الذهب النانونية لقهر السرطان

كثيرا ما يتردد على مسامعنا في هذه الفترة ما اصطلح على تسميته بقذائف Shells حبيبات الذهب النانونية Nano Gold Particles في علاج السرطان، خاصة بعد أن تم تكريم أحد علماء العرب المتميزين، المصري الأصل الأمريكي الجنسية وهو البروفسور مصطفى السيد في العام الماضي من قبل الرئيس الأمريكي السابق وذلك لجهوده المتميزة في توظيف حبيبات الذهب الخالص للفتك بالخلايا السرطانية. وقد ارتبطت الحبيبات الذهبية باسم القذائف نظراً لأنها تنطلق عند حقنها بالجسم مثل طلقات القذائف الموجهة لتصيب الورم السرطاني في مقتل دون غيرة من الخلايا السليمة.

وعلى الرغم من أن النتائج المُشار إليها هنا بالمقال قد تم الحصول عليها من اختبارات معملية متعددة أُجريت على فئران المعامل التي تم تعمد زراعة خلايا سرطانية في أعضائها، بيد أنه من المنتظر أنه في خلال الأعوام الثلاثة المقبلة سوف يواصل العلماء جهودهم في تلك التجارب المهمة باستخدام حيوانات معملية أخرى مثل الأرانب ثم القردة. ونكون بذلك قد قطعنا شوطاً كبيراً في ما قبل الاختبارات السريرية Preclinical testingالمُنتظر إجراؤها على البشر بعد سنتين من الآن على الأكثر، لتتوج بذلك جهود العلماء النبيلة الرامية إلى قهر السرطان وتخليص البشرية من هذا الهم الأزلي.

تحضيرحبيبات القذائف الذهبية معملياً

يُنسب الفضل دائماً في التطبيقات الطبية والدوائية للصدف النانونية إلى جهود مدرسة علمية رائدة بإحدى الجامعات الأمريكية الأكثر شهرة في مجال تكنولوجيا النانو وهي جامعة رايس Rice University في بداية هذا القرن، وذلك على الرغم من وجود العديد من المدارس العلمية العالمية الأخرى المهتمة بالمجال نفسه. ويرجع ابتكار تلك القذائف الذهبية إلى البروفسور نائومي هالاس Naomi Halas الأستاذة بالجامعة نفسها حين تمكنت مع فريقها البحثي في تخليق حبيبات كروية نانونية من مادة السيليكا - ثاني أكسيد السيليكون SiO2 - ، ذات أقطار تتراوح من 100 نانومتر إلى 120 نانومتراً. ومن أجل تحقيق الهدف البحثي وتكوين القاذفات الذهبية، فقد تم تهيئة أسطح حبيبات السليكا عن طريق تحميل أمينات Amines مُخلقة لتُغطى السطح الخارجي للحبيبة التي يطلق عليها اسم القالبCore. ويرجع السبب من وراء ترسيب الأمينات على السطح الخارجي لحبيبات السيليكا في أنها تعمل على تحسين قدرة الحبيبات في اجتذاب والتقاط حبيبات الذهب الكروية الشكل التي لاتزيد أبعاد أقطارها على 2 نانومتر، كي تترسب على أسطحها الخارجية مكونة في ذلك طبقة ذهب حبيبية تزداد سمكا بزيادة الفترة الزمنية المُتاحة لعلمية الترسيب ليصل سُمكها إلى نحو 10نانومترات. وتعمل الطبقة الذهبية أو الدرع الذهبي المترسب على السطح الخارجي لحبيبات السليكا في امتصاص موجات الطاقة الضوئية المُوجهة إليها عند طول موجي Wavelength تبلغ قيمته810 نانومترات.

القذائف الذهبية في مواجهة السرطان

فور الإنتهاء من تحضير القذائف الذهبية نكون بذلك على وشك تحريك طاحونة الحرب مع الأورام السرطانية مهما بلغ صغرها ومهما تعاظمت كميتها وتشعبت أماكن وجودها بالجسم. ولنفس الغرض الذي تم توضيحه سلفاً، يتم تحضير بروتينات الأجسام المضادة من الخلايا السرطانية حيث نقوم بترسيبها على سطح الطبقة الذهبية من حبيبات القذائف الذهبية. وبعد ذلك الاستعداد الجيد يتم شحن تلك الحبيبات في محلول ليحقن به المصاب حيث تقوم الأجسام المضادة بتوجية قذائف الحبيبات للذهاب إلى ميدان المعركة حيث تقوم الحبيبات في البداية باختراق الخلايا المصابة بالسرطان مُحتلة بذلك أصغر وأدق المواقع في الخلايا المصابة فقط.

وبعد مرور سويعات قليلة (حوالي ست ساعات أو أقل)، وبعد التأكد من وصول هذه القذائف إلى مواقعها الاستراتيجية في قلب مواقع العدو السرطاني نبدأ في تسليط كم إشعاعي ضوئي من موجات الأشعة تحت الحمراء بطول موجي قدره 810 نانومترات نحو الأماكن المُصابة التي سبق تعيين مواقعها مُسبقاً بواسطة حبيبات البلورات النانونية كما هو موضح أعلاه وذلك لفترة زمنية بسيطة جداً لا تزيد على ثلاث دقائق. وفور امتصاص حبيبات الذهب النانونية المكونة للطبقة الخارجية للقذيفة للضوء المُسلط عليها فإن هذا يُثير من حفائظها المسالمة الوديعة ويغير من طبيعتها النبيلة ويخلق لها أنياب حادة وقاطعات ماضية الذهب من الفلزات النبيلة التي لاتؤثر أو تتأثر بالأوساط المحيطة لها فتتحول الطاقة الضوئية المُمتصة داخلها إلى طاقة حرارية حيث ترتفع درجات حرارة أسطحها الخارجية لتصل إلى حوالي 42 درجة مئوية تكون كافية تماما لكي وتقتل كل الخلايا السرطانية واقتلاعها من جذورها بنسبة نجاح وصلت إلى 100%!

ووجود تلك النسبة الضئيلة جدا من الحبيبات الذهبية داخل الجسم بعد الانتهاء من مهامها القتالية لايسبب أية مشكلات صحية على الإطلاق.

ويتم في عمليات التحضير تجهيز حبيبات من السليكون لتكون على هيئة كُريات صغيرة ذات أقطار لاتزيد على 100 نانومتر (أ) ثم تأهيل أسطحها الخارجية كى تكون قادرة على جذب وترسيب حبيبات الذهب النانونية وذلك من خلال تعليق وشبك أمينات على تلك الأسطح (ب). بعد ذلك تتم عملية ترسيب كريات الذهب النانونية على أسطح حبيبات السيليكا حيث تقوم الأمينات بالتقاط تلك الحبيبات التي لاتزيد أبعاد أقطارها على 2 نانومتر (جـ). وبزيادة زمن العملية تنزع الكريات الذهبية في أن تتراكم على الأسطح الخارجية لحبيبات السليكا مُكونة في ذلك دروعاً ذهبية على هيئة طبقات رقيقة يتراوح سمكها بين 2 إلى 20 نانومترا (د). ونقوم بعد ذلك بتسليح تلك المدرعات الذهبية من خلال تحميل وشبك بروتينات أجسام مضادة لخلايا سرطانية (على شكل حرف Y في الشكل هـ) نستطيع تحضيرها معمليا لتعمل تلك الأجسام عمل الربان أو المرشد الذي يوجه تلك القذائف إلى مكامن وجود الخلايا السرطانية بالجسم.

 

 

محمد شريف الإسكندراني





شكل بيانى يوضح النسب المئوية لمنتجات تكنولوجيا النانو التي تم طرحها بالأسواق في عام 2008 حيث وصلت قيمتها إلى نحو 146.4 مليار دولار. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2015 سوف تصل قيمة المبيعات السنوية لتلك المنتجات إلى أكثر من 3.5 ترليون دولار





حبيبات الصدف الذهبية النانونية بعد وصولها إلى "مهابطها" على السطح الخارجى لورم سرطانى بعضو ما داخل جسم الإنسان (أ) حيث يتم تسليط مصدر ضوئى له القدرة في اختراق جسم الإنسان (موجات من الآشعة تحت الحمراء بواسطة مصدر خارجى من آشعة الليزر)





شكلا افتراضياً للنانو روبوت المتوقع إنتاجه مستقبلا أثناء إجرائه لإستئصال موضعى لورم سرطانى داخلى





نوعاً آخر من النانو روبوت يُتوقع إنتاجه مستقبلا حيث يُستخدم عن طريق توجيهه إلى أحد الفيروسات الغازية لعضو ما بالجسم حيث يقوم بسحقه عن طريق إطلاق أشعة من الليزر بدقة عالية دون أن تتأثر في ذلك خلايا الجسم الحاضنة لهذا الفيروس





رسم توضيحى يبين كيفية تحضير حبيبات الصدف الذهبية المستخدمة كقذائف قاتلة لدحر الأورام السرطانية وقتلها في مراقدها بكفاءة وأمان