الاقتصاد الأخضر يبني ما تقوض من الاقتصاد التقليدي

الاقتصاد الأخضر يبني ما تقوض من الاقتصاد التقليدي

مما لا شك فيه أن عامي 2008 و2009 سيكون لهما ذكر خاص في التاريخ الحديث؛ حيث اضطر المجتمع الدولي إلى مواجهة العديد من التحديات العالمية التي تتراوح من انهيار مالي وكساد اقتصادي شديد، إلى أزمات وثيقة الصلة في مجالات الطاقة والغذاء والبيئة وهما العامان اللذان شهدا أيضا إعادة الصحوة والتغيير على المستوى السياسي.

لكن هل «نقطة تحول» اليوم تأخذنا إلى آفاق واسعة لعالم جديد وأفضل وتنمية مستدامة؟ أم ستعمل فقط على تحفيز الاقتصاد القديم لاستعادة ما يكفي للسماح لنا بالتعثر على امتداد مسارات التنمية غير المستدامة لفترة أطول قليلا، في انتظار لصحوة أكثر عنفا وربما أخيرة؟

يبدو أن هناك إدراكا بتعرض النظام الاقتصادي القديم للإجهاد، وربما للانهيار. لم يعد لصرخة الحرب «الجشع أمر جيد» مكان في الأسواق، ولم يعد «التأميم» هو الشر الذي يجب تجنبه بأي ثمن. بل إن الناس يتحدثون اليوم عن «حدود النمو» ولا يتهمهم أحد بالردة الفكرية. هناك شعور بأن الرسائل التي نشرتها العلوم البيئية والاقتصاد البيئي لعشرات السنين تجد الآن من يبحث عنها ويقرأها، ليس فقط من قِبَل الجمهور، ولكن من قِبَل القادة السياسيين أيضا.

لم يكن حجم التحدي ليغيب عن مراكز القيادة في العالم حيث كانت برامج تحفيز الاقتصاد تقف معا لمواجهة الأزمة الاقتصادية ومنعها من التحول إلى أزمة اقتصادية عالمية شاملة. لقد تم بالفعل حشد ما يقرب من تريليوني دولار لدعم النظام المالي العالمي المتداعي. وهناك 2 تريليون دولار قدمتها مجموعة من حكومات البلدان المتقدمة والبلدان النامية في جميع أنحاء العالم لمساعدة اقتصاداتها للحيلولة دون وقوع ما يُطلق عليه أسوأ ركود اقتصادي منذ أوائل الثلاثينيات.

لقد شهدت أستراليا أسوأ انخفاض في معدل إعلانات الوظائف التي تُعد مؤشر التوظيف خلال ثلاثين سنة، في حين شهدت الولايات المتحدة أسوأ إحصاءات للمرتبات الأسبوعية في أكثر من ربع قرن.

أما الأمور غير المعروفة، فهي أن حوالي 20 في المائة من 2 تريليون دولار من برامج تحفيز الاستثمار هي استثمارات في الاقتصاد الأخضر النظيف؛ إنها استثمارات وحوافز في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وكفاءة المواد، والتكنولوجيا النظيفة، وتقليل النفايات، وزيادة التركيز على الاستخدام المستدام واستعادة النظم الإيكولوجية الطبيعية والتنوع البيولوجي. وتتمثل الأسئلة المهمة فيما يلي: هل يكفي كل هذا العمل لمواجهة الأزمة، هل هذا هو أفضل استخدام للمال العام، وماذا يمكن أن يفعل «الاقتصاد الأخضر» بالنسبة للاقتصاد العالمي، والتوظيف، والفقر؟

وببساطة نقول: إن الاقتصاد الأخضر يمكن أن ينقذ الاقتصاد العالمي من فترة أخرى طويلة من الركود، وفقدان الوظائف، وتفاقم الفقر، ويخلق نمواً اقتصادياً مستداماً بالفعل. هذه هي أهم سمات مبادرة الاقتصاد الأخضر التابعة للأمم المتحدة.

لنأخذ على سبيل المثال مجال الطاقة النظيفة، فعلى الصعيد العالمي هناك 2.3 مليون عامل يعملون بالفعل في مجال تكنولوجيات الطاقة المتجددة. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات في هذا المجال بحلول عام 2030 يمكن أن تخلق أكثر من 20 مليون وظيفة على المستوى العالمي، بما في ذلك 2.1 مليون وظيفة في مجال طاقة الرياح، و6.3 مليون في الطاقة الشمسية، و12 مليون وظيفة في الزراعة والصناعة على أساس الوقود الحيوي. وبالمقارنة، فإن إجمالي العمالة في النفط والغاز وصناعات تكرير النفط يزيد قليلا على 2 مليون وظيفة. وكما نرى، فإن الأرقام تتحدث عن نفسها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل تقوم الشركات بالفعل «بتخضير» منتجاتها والتطلع نحو العالم الجديد؟ تقوم الشركات الذكية بذلك بالفعل. وفي إطار جزء من حملة «البيئة النظيفة» لشركة جنرال إلكتريك، نجح مهندسو الشركة في تحويل واحدة من أقدم وأقوى أشكال النقل إلى معجزة موفرة للطاقة هي قاطرات السكك الحديدية الهجين. وإذا ألقينا الضوء على قاطرة بقوة 4400 حصانا، سنضيف إليها بطاريات إعادة شحن خالية من الرصاص «خلية ملح مصهور وزنها 1000 رطل» وقاطرة ديزل موفرة للوقود، سنحصل في النهاية على تقنية جيدة تماماً. كل مرة يستخدم فيها المحرك المكابح، يتم نقل الطاقة إلى البطاريات «مثل تويوتا بريون الهجين نوعا ما» بما يوفر قوة 2000 حصان إضافية يمكن استخدامها عند الحاجة. والنتيجة هي تخفيض استهلاك الوقود بنسبة 15 في المائة، وخفض الانبعاثات بنسبة 50 في المائة مقارنةً بالقاطرات التي تعمل اليوم. وسيبدأ العمل بأول مجموعة من هذه القاطرات بدءا من العام المقبل.

ولكن ماذا عن الفقر؟ هل يمكن أن يساعد الاقتصاد الأخضر أو الطاقة المتجددة في حل المشكلات التي استهدفتها الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة والتي لا تزال تجاهد في تحقيقها؟ إليك الجواب على هيئة مثال: جرامين شاكتي، هي شركة أنشأها الحائز على جائزة نوبل للسلام البروفيسور محمد يونس في بنجلاديش. وقد أحدثت هذه الشركة ثورة كبيرة في مجال الطاقة المتجددة في البلاد منذ عام 1996، فقد موّلت وباعت وحدات طاقة شمسية ووفرت مصادر الطاقة النظيفة لأكثر من 8000 منزل في بنجلاديش كل شهر. وأصبحت النساء اللاتي اشترين هذه الوحدات فيما بعد موزعات للطاقة، ويبعن الطاقة الشمسية إلى المنازل المجاورة بمبالغ لا تزيد على التكلفة الشهرية لوقودهن التقليدي من الكيروسين. إن الرئيس التنفيذي لشركة جرامين شاكتي، وهو ديبال باروا، لديه رؤية حول استخدام الطاقة النظيفة، وانتشال البنجلاديشيات القرويات من الفقر والمرض، وتحويل مليون منزل من استخدام مواقد الكيروسين الضارة بالصحة إلى استخدام الوحدات الشمسية بحلول العام المقبل.

ولكن هل الاستثمارات «الخضراء» في برامج الاقتصاد الأخضر تكفي، وهل الظروف مواتية لحقبة جديدة من النمو الأخضر؟ هذه أسئلة جوهرية في «مبادرة الاقتصاد الأخضر». وللإجابة عن هذه الأسئلة، فقد ركزت المبادرة جهودها على القطاعات الرئيسة للاستثمار الأخضر وهي الطاقة المتجددة والطاقة الريفية، والتكنولوجيا النظيفة، وإدارة النفايات والمواد، والمدن المستدامة، والبنية الأساسية التجارية والبيئية المعتمدة على التنوع البيولوجي.

ومن المقرر إصدار ورقة الأعمال الأولى من المبادرة، وهي بعنوان الاتفاق العالمي الأخضر الجديد، خلال بضعة أشهر.

وستعمل المبادرة على لفت أنظار صانعي السياسات إلى فرص الاستثمار الأخضر التي تتمثل في توزيع مثالي للأموال العامة يمكنه ليس فقط استعادة النمو الاقتصادي والتوظيف، ولكنه يحقق ذلك أيضا بطريقة مستدامة على المدى الطويل، وهو ما يمثل أفضل وسيلة لإعادة الاستثمار في الأموال العامة.

ولكن هل سيتعين على العالم أن ينتظر ظهور الإرادة السياسية وتنظيمها لتحقيق النمو المستدام المنشود؟ ربما لا. «إن الاقتصاد الأخضر يشق طريقه لبناء ما تقوض من الاقتصاد التقليدي» على حد قول لورانس بلوم، رئيس مجموعة قطاع «المدن المستدامة» في مبادرة الاقتصاد الأخضر. ونأمل أن تتم إتاحة الفرصة أمام النماذج الناجحة التي رأيناها لكي تزداد من حيث الحجم والاستثمارات وبذلك تدفع العالم نحو ظروف أفضل. إن رؤيتنا تتلخص في بناء مجتمع عالمي يعيش في وئام مع الطبيعة ويقوم بنجاح على اقتصاد أخضر عالمي.

 

 

 

طارق راشد





طاقة الشمس .. أهم استثمارات الطاقة النظيفة في الاقتصاد الأخضر





 





طاقة الرياح سوف تخلق أكثر من 2 مليون وظيفة خلال العقد المقبل





الاستثمار في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة يوفر أكثر من 20 مليون وظيفة بحلول 2030