عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الذات والآخر

عزيزي القارئ..

هذا الشهر، يوليو، بطبيعته ومسماه، يثير الشهية لمناقشة موضوع نظن أنه موضوع الساعة، وربما كل ساعة، ونعني به موضوع البحث عن هوية، فيوليو الذي ينتسب إلى اسم يوليوس قيصر، ويلتصق بكون صاحبه هو الذي أمر بمراجعة التقويم الجريجوري المأخوذة عنه الشهور الإفرنجية واسعة الانتشار وبارزة المعارضة من كثيرين بين الباحثين عن الأصالة والهوية سواء كان البحث غوغائيا أو حقيقيا وعميقا، ويوليو الحار بطبعه المناخي، كل هذا يوحي- ولو من بعيد- بملامح من قلق الباحثين عن هوية، ويذكر بأن مناطق كثيرة من البؤر الساخنة في العالم- والتي لن تهدأ سخونتها رغم حرارة يوليو- إنما مرجعها إلى هذا القلق في تحديد الذات، ابتداء من الأبجديات والتواريخ، حتى آفاق الثقافة والاقتصاد والسياسة، ورغم أن هذا القلق يفرع نفسه في صور دموية أحيانا، وفي سفسطات كلامية في أحيان أخرى، إلا أنه - في حدوده السوية والمخلصة- قلق مشروع.

وفي هذا الإطار فإن تحديد الذات عبر إدراك خصوصية الآخر وفهم منطق الآخر، إن اتفاقا أو اختلافا، يعد نوعا من تحديد الهوية بشكل غير مباشر، ثقافي وحضاري، وبديل عن انحرافات قلق الهوية التي تعصف بعالمنا. وفي عددنا هذا - استمرارا لخيط ممتد منذ أعداد سابقة - يتوجه الاستطلاع إلى الشرق، إلى الصين التي تعد رمزا قديما جديدا لاجتهادات الشرق في مضمار الحضارات والثقافات الإنسانية، وتطمح الرؤية في هذا الاتجاه إلى الكشف عن الجوهر من خلال المظهر، فإذا كان شعار استطلاعاتنا هو "العربي عيونك على العالم"، فإن الغاية ليست العالم في ظاهره، بل العالم في جوهره أيضا، في أبعاده الروحية والفلسفية، وليس كالصين عمقا لهذه الأبعاد.

عزيزي القارئ.. إن كثيرا من موضوعات هذا العدد هي في جوهرها معالجة لقضية الذات والآخر، بطرق مختلفة.. فافتتاحية العدد التي تأتي كمحصلة لجولة أمريكية قام بها رئيس التحرير في الولايات المتحدة، متحدثا ومستمعا، إنما تشير إلى رؤية الآخر لنا، ومن ثم فإنها اقتراح بزاوية مختلفة لإطلالنا على ذواتنا. كما أن موضوعات: "اليهود كمستوطنين ومرتزقة"، و"الصحوة القبلية"، و"لائحة شيندلر"، هي مساهمات في هذا الاتجاه، والغاية هي نقل أشكال قلق الهوية من حمامات الدم إلى ساحات الفكر، ولعل نقاط العالم الساخنة تكتفي بسخونة شهر يوليو فتهدأ.. وترقى.. لنأمل في ذلك..

وإلى لقاء حضاري متجدد..

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات