بوسَّان صورة ذاتية

بوسَّان صورة ذاتية

نيكولا بوسّان، هو واحد من أفضل المعبرين عن المدرسة الكلاسيكية في فرنسا خلال القرن السابع عشر، نظراً لما تمتاز به أعماله من وضوح وتوازن ودقة «تبلغ حد الصرامة» في رسم التفاصيل.

رسم بوسّان هذه اللوحة عام 1650م عندما كان في روما، بناءً على طلب من صديقه وراعيه شارتيلو الذي كان موجوداً في باريس. وكان الرسام قد بدأ للتو يتعافى من مرض ألمَّ به، ولايزال يتخبط في أزمات شخصية ومهنية كثيرة. نرى الرسام هنا وسط مناخ لوني داكن يرمق المتطلع إليه بنظرة لا تخلو من الكآبة التي تزداد وضوحاً تحت الضوء المسلط على الوجه من جهة واحدة، فتبرز التجاعيد وزم الشفاه والعينين الحمراوين تعباً.

والمشلح الكحلي اللون الذي يرتديه الرسام مستوحى من مشالح الفلاسفة والأدباء الإغريق والرومان, كما ظهروا في لوحات النهضة الإيطالية خلال القرن السابق، والتي كانت مستوحاة بدورها مما عثر عليه من تماثيل تعود إلى تلك الأزمنة. ومعروف أن بوسّان كان ذا ذائقة أدبية وفكرية, تجلت بوضوح في معظم أعماله. ومما يلفت النظر أيضاً لجهة إتقان التفاصيل، اليد اليمنى للفنان التي تستند إلى دفتر رسم، والخاتم ذو الحجر الكريم البرَّاق. أما الشعر المنسدل على جانبي الوجه وحتى الكتف، فليس طبيعياً، بل مجرد «باروكة».

كان يمكن لبوسّان أن يكتفي برسم نفسه على خلفية بسيطة كما كانت العادة آنذاك. ولكنه صمم خلفية ذات تركيب هندسي يغني اللوحة ويرفع توازنها إلى مستويات غير مسبوقة، من خلال الخطوط الأفقية والزوايا العامودية في أطر اللوحات المذهبة خلفه. غير أن اللغز الذي شغل مؤرخي الفن، هو في التفصيل الصغير الواقع في أقصى يسار اللوحة. حيث نرى لوحة ضمن اللوحة تمثل امرأة تعتمر تاجاً ذهبياً تتوسطه عين، ويدين تمسكانها من كتفيها، كما لو أنهما تحتضنان شيئاً ثميناً.

التفسير الوحيد المقنع هو الذي أعطاه أحد معاصري بوسّان عندما شاهد هذه اللوحة في باريس. فحسب رأيه، تمثِّل هذه المرأة تجسيداً رمزياً لفن الرسم، بدليل العين التي تعلو تاجها. في حين أن اليدين اللتين تحتضانهما تمثلان رعاية الفن، في إشارة عرفان جميل من بوسّان إلى راعيه الذي طلب منه إنجاز هذه اللوحة وإرسالها إليه في باريس. فجاءت أقرب ما تكون إلى «الرسالة» المعبرة عن حال الرسام، وأيضاً عن موقفه الودي من راعيه.

إنها لوحة حافلة بالتفاصيل، ولكن لكل هذه التفاصيل وظائف محددة، ولا شيء أضيف إليها لمبررات شكلية فقط. فجاءت خير معبر عن نقاء الكلاسيكية الفرنسية في ذلك العصر، وأفضل مافي تلك المدرسة.

 

 

عبود عطية





نيكولا بوسان «1594 - 1665م»، «صورة ذاتية»، «98 × 74 سم»، زيت على قماش، متحف اللوفر، باريس