ملف خاص: 100 عام سينما محمود سامي عطا الله

ملف خاص: 100 عام سينما

من رسوم الكهوف إلى نقوش المعابد.
ومن الحفر على الخشب إلى النسج بخيوط السجاد. رموز كثيرة لحضارات متعددة، عبرت وغيرت.

ولكن عنوان حضارة القرن العشرين هو الرسم بالضوء. لقد استطاع الإنسان أخيرا أن يستخلص العالم بكل أبعاده فوق شاشة بيضاء ويقتنص الزمن في لحظة أبدية لا تتبدد، ويسجل كل الأحداث التي تمر به - الجليلة والوضيعة - في ذاكرة لا يوهنها النسيان.

ولد هذا الفن فوق أشرطة السلوليت ليأخذ بناصية الفنون كلها.
لقد أخذت السينما مائة عام من عمر البشرية وأضافت إليها آلاف الأعوام من المعرفة والجمال والقدرة على الابتكار.

تاريخ موجز لصورة متحركة:
السـينما..
شابة عمرها مائة عام

منذ العرض الأول وحتى العرض الأخير وتاريخ السينما ليس هو تطور التقنيات الفنية التي توفر المزيد من الإبهار والإثارة بقدر ما هو إرادة الفنان عن جعل جماهير السينما العريضة تعي حقيقة الإنسان. وتاريخ السينما هو رصد لعقل هذا الفنان المبدع الذي حول هذا الاختراع الضوئي إلى أداة للعوض في أعماق النفس البشرية.

إذا قرأنا في صحف اليوم وصفا لعرض سينمائي، فسيكون هذا من باب النقد ولن يقرأه سوى المهتمين فقط. أما إذا حدث ذلك في نهاية القرن الماضي فان الأمر يكون وصفا لحدث مهم ويقبل الجميع على قراءته ويكون سبقا صحفيا.

ويحلو لنا في مطلع هذا المقال أن نستشهد بما كتبته جريدة "النيويورك تايمز" في صفحتها الأولى تصف لنا أول عرض سينمائي حدث في نيويورك. كان ذلك في عام 1896 قالت:

(عندما أطفئت الأنوار في الصالة. إذ بنا نسمع ترقعة ثم صوت طنين مرتفع في البرج.. وفجأة ظهر في الستار ضوء قوي ظهرت معه غادتان شقراوان من حسان الصالات الليلية وأخذتا تؤديان رقصة المظلة بخفة ورشاقة تسحر الألباب. وكانت جميع حركاتهما واضحة تشبه تماما ما تفعلانه على المسرح .. كل الابتسامات والغمزات والانحناءات.

ولما اختفت الراقصتان ظهرت أمواج البحر الهائجة تندفع وتتكسر على رمال الشاطئ، وبدت الموجة تتبع الموجة. وكان المنظر يحاكي الطبيعة تماما لدرجة أن الجالسين في الصفوف الأمامية من المشاهدين كانوا يخشون أن تبتل ملابسهم فيتركوا أماكنهم ويهربوا. أعقب ذلك مباراة في الملاكمة بين ممثل كوميدي رفيع وطويل القامة وآخر بدين وقصير، الأمر الذي أضحكنا كثيرا.. ثم اختتم هذا البرنامج الشائق بمنظر حسناء فارعة الطول أدت رقصة جميلة حظيت بإعجاب المشاهدين. وقد بدت هذه الخيالات العجيبة في منتهى الروعة والجمال وكأنها الحقيقة تماما).

هكذا كان وصف جريدة "النيويورك تايمز" لما اعتقدت أنه أول عرض سينمائي في العالم والذي حدث يوم 23 إبريل 1896 في قاعة كوستر وبيال للموسيقى التي كانت تحتل أحد المباني في شارع 34 غرب برودواي وسط مدينة مانهاتن.

والحقيقة أن ذلك العرض الذي وصفته الصحيفة الأمريكية لم يكن العرض السينمائي الأول في العالم، فقد كان المصوران الفرنسيان أوجست ولويس لوميير قد أقاما أول عروضهما السينمائية في 28 ديسمبر 1895 في مقهى الجراند كافيه بباريس. ولم تكن هذه أيضا هي البداية فقد كانت مسبوقة في ألمانيا قبل ذلك بشهر حين قام ماكس سكلاونوفسكي باختراع جهازه الذي اسماه البيوسكوب واستخدمه في عرض بعض أفلام القصيرة في ونتر جارتن ببرلين في نوفمبر 1895. ولم تكن هذه أيضا هي الأولى ففي 26 أغسطس عام 1895 قام الأمريكي ماجور لاثام بتقديم جهازه الأيدولوسكوب في مسرح المنوعات في شيكاغو بأمريكا حيث عرض بعض الصور المتحركة.

والمعروف أن أغلب نقاد ومؤرخي السينما قد اتفقوا على أن التاريخ الرسمي لميلاد السينما هو اليوم الذي عرض فيه الأخوان الفرنسيان أوجست ولويس لوميير أفلامهما الأولى في مقهى الجراند كافيه بباريس. وهو يوم 28 ديسمبر 1895. وقد شاهد المتفرجون في ذلك العرض عشرة أفلام طول كل منها لا يتجاوز خمسين قدما ويستغرق عرضه ما بين دقيقة ودقيقتين. وكانت كلها أفلاما إخبارية تسجل أحداثا واقعية عادية. وكان من أهم تلك الأفلام "ساعة الغداء" وقد ظهرت فيه الفتيات العاملات في مصنع لوميير بثيابهن الأنيقة. وفيلم "وصول القطار" وهو يسجل لحظة وصول القطار إلى إحدى المحطات في باريس. وقد حدث أن فزع المشاهدون وهم يرون القطار يبدو يقترب منهم فتركوا أماكنهم وهربوا وهو نفس رد فعل الجمهور في العرض الذي حدث في نيويورك حين تم عرض فيلم الأمواج وهي تتكسر على الشاطئ.

بدأت السينما بعد ذلك تهتم بتسجيل الأحداث العامة التي تهم قدرا كبيرا من الناس مثل "تتويج القيصر نيقولا الثاني" في ربيع 1896.

أفلام من الواقع

وقد ظلت الأفلام في سنوات عمرها الأولى لا تتعدى مجرد التسجيل الإخباري للأحداث الواقعية. لم تكن هناك ستديوهات.. وكانت الأفلام تلتقط في الشوارع والحدائق والشواطئ والمصانع. وكان إعداد الفيلم كله متروكا لقدرة المصور الذي كان يقوم بمهام المخرج والمصور والمدير الفني وخبير التحميض والطبع. وكان المصورون السينمائيون في ذلك الوقت يعدون على أصابع اليد. ومن هؤلاء المصورين خرج الرواد العظام الذين لعبوا دورا مهما في تطوير السينما ومنهم يبرز اسم جورج ميليه الذي يرجع إليه الفضل في إخراج السينما من إطار التسجيل الإخباري للأحداث الواقعية إلى إطار آخر هو محاولة سرد قصة مستعملا مصادر فن آخر هو المسرح فدفع السينما إلى طريقها المسرحي المشهدي على حد تعبيره هو شخصيا. وبذلك دخلت السينما في أول طريق الأفلام الروائية.

لم يكن ميليه قبل احترافه للتصوير السينمائي يمارس مهنة بعينها فقد عمل لفترة رساما كاريكاتوريا في إحدى الصحف ثم عمل مديرا لأحد المسارح ثم ممثلا ثم رساما للمناظر المسرحية ثم حاويا يؤدي أعمال السحر، حتى أنه حين اتجه للفن السينمائي لم تكن غايته في البداية إلا اللهو والتسلية. ولم يكن يدرك أنه سيكون أحد العباقرة الرواد الذين ساهموا في خلق فن السينما. لقد استطاع ميليه أن يكشف السر العظيم الكامن في آلة التصوير السينمائي وهو أول من خلق سينما الفرجة وأول من أخرج وهو الذي بنى أول ستديو وكتب أول سيناريو ورسم أول ديكور كما ساعدته المصادفة في أن يخلق أول الخدع السينمائية.

هذا ويرجع الفضل لجورج ميليه أيضا في أنه أخرج أول فيلم سينمائي ذي قصة متكاملة وموضوع كامل وهو فيلم "رحلة إلى القمر" الذي اخرج عام 1903 وحقق نجاحا كبيرا.

وبعد جورج ميليه وما حققه من إنجازات مهمة في نشأة فن السينما يأتي مصور آخر هو ادوين بورتر الذي تناول الشعلة ليكمل المسيرة. وكان بورتر يعمل مصورا في شركة أديسون ثم أصبح بعد ذلك من كبار المخرجين الأوائل. وفي عام 1902 أخرج فيلمه الأول "حياة رجل مطافئ أمريكي" وبعده وفي عام 1903 يأتي فيلم بورتر التالي الذي يعتبر بداية مرحلة جديدة على طريق تطور فن السينما. وهو فيلم "سرقة القطار الكبرى" الذي أكد بورتر فيه خطوته الأولى نحو خلق فن سينمائي حقيقي. ففي هذا الفيلم وضع بورتر يده بحق على العناصر السينمائية التي قام المخرجون من بعده بتهذيبها وتطويرها باعتبارها عناصر خاصة بفن السينما.

وفي عام 1909 اخرج جريفث فيلم "الفيلا الوحيدة" وقدم فيه لأول مرة فكرة اللقطات المتقاطعة وهو ما يعرف الآن بالمونتاج المتوازي وذلك لبيان الأحداث التي تقع في أكثر من مكان في نفس الوقت كالآتي: اللصوص يحاصرون امرأة وأطفالها... الزوج يحاول إنقاذهم. ويشتد التوتر في ذروة الفيلم بين مشهد الزوجة وأطفالها واللصوص والزوج يقوم بالإنقاذ. وقد سميت هذه الحيلة باسم طريقة جريفث للإنقاذ في آخر لحظة.

جريفث.. وشابلن

بعد ذلك قدم جريفث تحفته الكبرى "مولد أمة" عن الحرب الأهلية الأمريكية قام فيه بتطوير استخدام العديد من الأساليب الفنية التي نأخذها الآن كأمور مسلم بها. فجاء "مولد أمة" يضم 1375 لقطة بين لقطات كبيرة جدا مثل عين تنظر من خلال ثقب باب أو زهرة أو مسدس أو سنبلة قمح ولقطات بعيدة صورت لمساحات شاسعة من الريف والمناطق المهجورة. كما استخدم الكاميرا المتحركة واستخدم أيضا وببراعة أكبر طريقته في القطع المتداخل أو المتوازي بين المطارد والطريد لخلق الإثارة المتصاعدة.

بعد ذلك وفي عام 1916 قدم جريفث رائعته الثانية في شكل فيلم ملحمي يضم أربعة موضوعات مختلفة وهو فيلم "التعصب". قدم فيه جريفث بشكل متواز أربعة أمثلة للتعصب تجمعها وحدة الموضوع وهي التعصب في بابل القديمة، وآلام السيد المسيح ومذابح البروتستانت في القرن السادس عشر في فرنسا والتعصب في أمريكا عام 1996 عام إنتاج الفيلم.

وبينما راح جريفث يوسع لغة التعبير السينمائي كان شارلي شابلن يستقصي إمكانات السينما من أجل الكوميديا ويخرج فيلما كل بضعة أيام. ولقد كانت إيحاءاته وحركاته تنطق بأكثر مما تنطق به كلمات الممثلين اليوم. وكانت شخصية (شارلو) التي ابتكرها هي التي قادته إلى الصفوف الأولى في تاريخ السينما. فلم تلبث هذه الشخصية الأسطورية أن تبلورت واشتهرت في كل أنحاء العالم. وقد ابتعد شارلي شابلن عن الضحك الرخيص وتطور منه إلى مزيج رائع من الضحك والعواطف الإنسانية، وظهرت له روائع سينمائية مثل (البحث عن الذهب) 1925 و"السيرك" 1928 و"أضواء المدينة" 1931. وانتقل شارلي شابلن بعد ذلك إلى معالجة القضايا الاجتماعية في أفلامه وجعل من البؤس لوحة مؤثرة تفيض بالحب العميق للإنسانية كلها ثم اتخذ موقفا اجتماعيا أكثر وضوحا وصراحة في فيلم "الأزمنة الحديثة" 1926، وفيلم "الديكتاتور العظيم" 1940 ثم "مسيوفير" 1947 و"أضواء المسرح" 1952 وأخيرا "ملك في نيويورك" 1958.

وفي الوقت الذي كان فيه شارلي شابلن يثري السينما بأفلامه الكوميدية ذات الأبعاد الإنسانية ظهر شخص مهم آخر في عالم السينما الأمريكية هو روبرت فلاهرتي الجوالة الملهم الذي كان يحمل كاميراته لتصوير حياة الناس، اليومية في الأصقاع النائية ففي فيلم "نانوك ابن الشمال" أول أفلامه درس حياة الإسكيمو وفي فيلمه "موانا" درس حياة السكان في البحار الجنوبية. وقد حققت أفلامه نجاحا كبيرا في أمريكا وفي أوربا ورحب بها نقاد السينما وكتبوا عنها الكثير.

وكان فيلم "نانوك ابن الشمال" بداية مرحلة جديدة بالنسبة للفيلم التسجيلي الذي كان إنتاجه متعثرا نظرا لاتجاه رأس المال إلى الفيلم الروائي طمعا في الربح السريع. فعلى أثر النجاح الذي حققه الفيلم ظهرت حركة نشطة للفيلم التسجيلي في أمريكا وأوربا كان من أهم أقطابها جون هريسون في إنجلترا وهو من أبرز رواد الفيلم التسجيلي وواضع قواعده ونظرياته.

واتسعت حركة السينما التسجيلية بعد ذلك وامتد أثرها إلى المدارس والمعاهد والجامعات والكنائس كما بدأت تتسع مجالات تأثيره من النطاق المحلي إلى النطاق الدولي.

وفي الاتحاد السوفييتي سابقا راح ايزنشتاين يطبق نظرياته السينمائية في مشهد مذبحة درجات أوديسا في فيلمه "المدرعة بوتمكين" وهو أسلوب في المونتاج لايزال مدهشا حتى اليوم بقدر ما كان مدهشا يوم عرضه لأول مرة عام 1925.

وراح ايزنشتاين يطور تجاربه في أفلامه الأخرى مثل "أكتوبر" و"الخط العام"، بينما انصرف معاصروه من المخرجين الروس إلى تقصي مسالك أخرى غزيرة النتائج في مونتاج الفيلم وبنائه الفني مثل المخرج بردفكين في أفلامه "الأم" و"سان بطرسبورج" و"عاصفة على آسيا" والمخرج دوفجنكو مخرج فيلم "الأرض" الذي وجدت فيه السينما أول شعرائها الحقيقيين.

ولم يكن المخرجون الروس هم وحدهم المجددين في ذلك الوقت فقد نشأ تيار مجدد أيضا في السينما الألمانية في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين واستمر وازدهر طوال العقد الثالث منه وهو تيار السينما التعبيرية الذي بدأ بفيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" 1919 للمخرج الألماني روبرت واين.

السينما تنطق

وكان عام 1927 بداية مرحلة فنية جديدة للسينما العالمية حينما بدأت السينما تنطق. ففي أكتوبر 1927 قدمت شركة أخوان وارنر أول فيلم يضم حوارا ناطقا وهو فيلم "مغني الجاز" الذي أضاف بعدا جديدا للأفلام وهو الصوت كما أنه عطل تأثر السينما بالأزمة الاقتصادية التي حدثت في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين. وقد وجد دخول الصوت في الأفلام معارضة من بعض المخرجين مثل شارلي شابلن الذي ظل عدة سنوات ضد استخدام الصوت في أفلامه حتى أنه اخرج اثنين من أهم أفلامه صامتين برغم دخول الصوت إلي السينما وهما فيلما "أضواء المدينة" 1930 الذي أخرجه بعد دخول الصوت بأربعة أعوام ثم فيلم "الأزمنة" الحديثة" 1936.

وفي عام 1939 قامت الحرب العالمية الثانية فهزت كل الشعوب وقلبت حياة الناس رأسا على عقب وتدخلت اختراعات الأسلحة في تحديد مصائر الشعوب وأيديولوجياتها السياسية وقد كانت السينما في مختلف دول العالم من أكثر الفنون تعبيرا عن ردود الأفعال الناتجة عن الحرب.

وكان من نتائج الحرب أن خرجت الدول الأوربية منهارة اقتصاديا وكان المفروض أن ينعكس هذا على الإنتاج السينمائي الذي يتطلب عادة استثمارات كبيرة.

ولكن ظهرت اتجاهات جديدة تحاول التأقلم مع الظروف الاقتصادية. فاتجه السينمائيون الشباب في بعض الدول الأوربية إلى البساطة في الإنتاج كطريق جديد وقومي وكان على رأس هذه الدول الأوربية إيطاليا التي ابتكر مخرجوها مدرسة الواقعية الجديدة التي تعتمد على التصوير في الشوارع ودون استخدام نجوم. وكانت إرهاصات هذه المدرسة قد ظهرت وقبل الحرب ثم وجدت بعد الحرب الظروف المواتية لأن تسود. ففي عام 1933 نشر الكاتب الإيطالي لوبولد نجانتس مقالا جاء فيه:

"يجب علينا أن نخرج أفلاما بسيطة ومن الواقع المباشر على قدر الإمكان يجب أن ننطلق إلى الشوارع والحواري والبيوت والمحطات نحمل كاميراتنا لتسجل الحقيقة. ونقف في أي مكان نلاحظ ما يدور بعيون يقظة لكي نخرج فيلما إيطاليا حقيقيا."

هذه الأفكار هي التي بشرت بالواقعية الجديدة في السينما الإيطالية كما عرفها العالم في الأربعينيات بعد الحرب العالمية الثانية. وكان أول من ترجمها في الأفلام السيناريست الإيطالي فرانسسكو دي روبرتس الذي أوقد شعلة الواقعية الجديدة وأضاء الطريق لرائدها الأول المخرج روبرتو روسيلليني ليقدم أول أفلامها "روما مدينة مفتوحة" 1946 ثم قدم في عام 1952 فيلم "أوروبا آه".

ويدخل إلى الميدان المخرج الكبير فيتوربودي سيكا فيخرج "سارق الدراجات" 1948 "معجزة في ميلانو" 1950 .. إلخ وفيسكونتي "الأرض ترتعد" 1948 و"الليالي البيضاء" 1957 .. إلخ واتريكو فيلليني "الطريق" 1954 و"لذة الحياة" 1960.

ولم تكن حركة الواقعية الجديدة التي تفجرت في إيطاليا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتظهر إلا بفضل شباب السينمائيين من خريجي المعهد العالي للسينما في روما (شيتي شيتا) الذين ظلت مشاعرهم مكبوتة وكانوا ملمين بكل قواعد تكنيك السينما ولم تتح لهم فرصة استغلال معارفهم ومواهبهم.

وقد ظهر في أفلام تلك الحركة رجل الشارع الإيطالي بصورة فيها درجة من الحيوية والإنسانية لم يسبق لها مثيل في أفلام أية دولة أخرى. وكان غريبا أن جماهير السينما الإيطاليين لم يقابلوا هذه الأفلام استقبالا طيبا في بادئ الأمر نقد كان تأثير الأفلام الأمريكية مسيطرا عليهم بما فيه من بريق ولمعان وخيال وإبهار. ولكن عندما لقيت الأفلام الأولى لروسيلليني ودي سيكا اهتماما كبيرا من النقاد في الصحف الإيطالية الكبرى بدأ الإيطاليون ينتبهون إلى قيمة هذه الأفلام وإلى قيمة ما أصبحت تقدمه لهم السينما الوطنية وبدأوا يقبلون علي الأفلام التي أخذت تحقق نجاحا كبيرا في إيطاليا كما حققت نجاحا كبيرا في مختلف أنحاء العالم حتى في أمريكا نفسها.

والسينما الفرنسية تنهض

وإذا كانت الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية قد قامت على أكتاف السينمائيين الشباب من خريجي المعهد العالي بمدينة السينما (شيتي شيتا) بروما فقد قامت في فرنسا أيضا حركة سينمائية أخرى سميت بالموجة الجديدة صنعها شباب النقاد السينمائيين الذين جمعتهم نوادي السينما ومجلة "آر" الأسبوعية ومجلة "كراسات سينمائية" الشهرية وقد ذهبت هذه الموجة إلى هدم القيم المتوازنة في السرد الروائي والعمل على تقديم تصور جديد للعلاقة بين الشكل والمضمون وذلك بخلق جو درامي خاص لا يعتمد على السرد التقليدي عن طريق تتابع الأحداث في خط أفقي تتتابع فيه الأسباب والمسببات وإنما يعتمد على إيقاع تتابع الصور الفيلمية وما تؤدي إليه من تداعيات أكثر من الاعتماد على الحوار والحبكة.

وكان الرائد الأول لهذه الموجة هو المخرج الفرنسي الكبير جان لوك جودار الذي قدم لجماهير السينما في فرنسا وفي العالم مجموعة من الأفلام التي لاقت إعجابا شديدا من النقاد ومن الجمهور "حتى آخر نفس" 1960 و"المرأة هي المرأة" 1961 و"الجندي الصغير" 1963 و"امرأة متزوجة" 1963.

ومن المخرجين الذين برزت أعمالهم في إطار حركة الموجة الجديدة أيضا الآن رينيه الذي يذكره النقاد والجمهور في فيلمه الشهير "هيروشيما حبيبتي" الذي تعرض فيه لواحدة من أكثر المشاكل اضطرابا في وقت إنتاج الفيلم وهي قنبلة هيروشيما الذرية. وقد قدم بعد ذلك العام الماضي في ماريناو" 1961 و"ميريل أو زمن العودة" 1963. وظهر كذلك المخرج المعروف الكسندر استروك "الشتاء القرمزي" 1953 و"لقاءات سيئة" 1955. كما ظهر فرانسوا تريفو "400 ضربة" 1958 و"جول وجيم" 1960 و"الجلد الناعم" 1964 و"451 فهرنهايت" 1965.

وفي هذه الفترة أيضا فوجئ العالم باكتشاف الفيلم الياباني ودهش الجميع بالبراعة الفنية والعناصر الإبداعية المتميزة في أعمال مخرجين لم يسبق أن سمع عنهم أحد مثل يزو جوتشي واكيرا كروساوا.

وقد كان كروساوا أول من قدم إنتاج بلاده إلى أوربا وأمريكا من خلال المهرجانات السينمائية وذلك بفيلمه "راشومون" وفيلم "ايكيرو" أي العيش. وفي هذا الفيلم قدم كروساوا قصة موظف متقدم في السن مصاب بمرض السرطان اللعين الذي يقضي عليه رويدا. وإذا بهذا العجوز يضع لنفسه هدفا في الأشهر الأخيرة من عمره. وقد علق بعض النقاد على هذا الفيلم بقولهم أن الكثير من أفلام الغرب تبدو تافهة سطحية إذا ما قورنت بهذا الفيلم.

ومن الهند أيضا جاءت أفلام ساتيا جيت راي تلفت أنظار الغرب إلى السينما الهندية الناهضة من خلال ثلاثيته العظيمة "آبو" التي تصور نمو الإنسان وبلوغه ونضجه. وقد شبهها النقاد بثلاثية مكسيم جوركي التي أخرجهما المخرج الشاعري الروسي دوفجنكو.

ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين كانت أخبار السينما الواردة من أمريكا توحي بأن السينما تحتضر. ففي خلال الفترة من 1947 حتى 1951 خسرت هوليوود نصف جمهورها مع انتشار التليفزيون. لذلك فقد بدأت هوليوود تفكر في طريقة تخرج بها من أزمتها. وبدا لها الخلاص في أفلام الأبعاد الثلاثة أي الأفلام المجسمة ففي عام 1952 تم عرض فيلم "بونا الشيطان" أول فيلم مجسم يعرض في العالم. وكان المتفرجون يشاهدون الفيلم من خلال نظارات بولارويد. وحقق الفيلم نجاحا مذهلا مما دفع رجال هوليوود إلى محاولة تبني هذا الأسلوب الجديد الذي أخترعه وحققه شخص اسمه آرك اوبولر، فاتجه أغلب منتجي هوليوود إلى إنتاج أفلام مجسمة بدأت بأفلام الرعب "الرجل ذو القناع الشمعي" ثم فيلم "جريمة شارع مورج" بعدها اتجه بعض المنتجين إلى أفلام الإغراء المجسمة لإبراز سحر نجماتهم... ريتا هيوارث في "مس ساري تومسون" وجين راسل في فيلم "فرنش لاين". ولما كانت الحرب الكورية اتجهوا بأفلامهم المجسمة إلى تمجيد دور أمريكا في تلك الحرب مثل (كفوا عن إطلاق النار).

ابتكارات تلمع وتنطفئ

قدم مخترع آخر اسمه فرد والر اختراعا سينمائيا جديدا عرف باسم السيزاما ويتم من خلاله عرض الأفلام على شاشة بانورامية نصف دائرية باستخدام ثلاث آلات عرض بحيث يكون التصوير قد تم بثلاث آلات تصوير أيضا. ومثل أي موضة أيضا حقق هذا الاختراع نجاحا ما ثم انصرف الجميع عنه.

وكان سبيرو سكوراس رئيس شركة فوكس هو السينمائي الوحيد الذي اعترض على كل من الأفلام المجسمة والسيزاما وتبنى اختراعا آخر لشاشة بانورامية أخرى أسهل تنفيذا وأقل تكلفة وهو ما عرف بالسينما سكوب ويتم تنفيذه باستخدام عدسة معينة عند التصوير وعند العرض تعرف بالعدسة الانامورفيل التي تقوم بضغط الصورة البانورامية عند التصوير ثم تقوم بإعادة فردها عند العرض على الشاشة البانورامية.

وكان أول الأفلام التي أنتجت بهذه الطريقة فيلم "الرداء" 1953. ولم يكد يمضي عام واحد على عرض ذلك الفيلم حتى كانت هناك أربعة آلاف دار عرض بأمريكا مجهزة لعرض أفلام السينما سكوب وثمانمائة دار عرض خارج أمريكا. ويرجع نجاح ذلك النظام في سهولة تنفيذه وقلة تكلفته.

وفي عام 1955 قام والت ديزني باختراع السركراما وهي نظام للعرض السينمائي على شاشة مساحتها الدائرية 360 سم أي دائرة كاملة تستخدم فيها إحدى عشرة آلة تصوير وآلة عرض بالنسبة لأفلام الـ16 مللي وتسع آلات تصوير وعرض بالنسبة لأفلام 35 مللي وهو يقابل نظام الكروجراما الذي ظهر في الاتحاد السوفييتي السابق. ولم يقدر لهذا الاختراع أن يحقق النجاح والانتشار لما كان يتطلبه من تكاليف باهظة في الإنتاج والعرض الذي كان يتطلب إنشاء دور عرض خاصة به. وكان طبيعيا بعد صراع استمر سنوات بين السينما والتليفزيون أن تهدأ حدة هذا الصراع وقد بدت إمكانات التكامل بينهما بعد أن أصبح التليفزيون يعرض الأفلام السينمائية الروائية والتسجيلية على نطاق واسع كما أن التليفزيون دخل كشريك مؤثر في الإنتاج السينمائي مباشرة أو عن طريق الإنتاج المشترك مع منتجين سينمائيين.

الربح والفن

إن النظر للسينما على أنها فن لا ينفي عنها صفة الصناعة فهي استثمار صناعي ينتظر منه تحقيق الأرباح - هذا مفهوم بالطبع. ولكن الربح في الفن ليس فقط عائدا ماليا وإنما له أيضا علاقة بالفكر. فالربح هنا لا يعني فقط كمية النقود التي يحصل عليها رجل السينما من توزيع فيلمه وإنما قد يكون أيضا عدد النفوس البشرية التي زرعت فيها بذور من نوع معين من أجل تشكيل تصورات ومشاعر معينة لدى المواطن. وقد ذهبت السينما الهوليوودية في النصف الأخير من القرن العشرين على أن تقدم الأفلام التي تحقق العائد المزدوج: المال الوفير والتأثير العميق. وعلى هذا الطريق بدأت في السينما الأمريكية ظاهرة تقديم أفلام فارغة من المضامين وان كانت باهرة في الشكل مما كان يشد إليها جماهير المشاهدين ومن أبرز الأمثلة في هذا الشأن أفلام جيمس بوند. فعلى الرغم من عيوب وسلبيات هذه الأفلام وأهمها خلو شخصية جيمس بوند من الروح كأنه آلة فإن الشخصية حققت شهرة كبيرة وبقي بوند البطل المحبوب لدى المشاهد في أغلب البلدان التي عرضت فيها أفلام جيمس بوند لأنه يحقق بعض الرغبات والتطلعات التي يعجز الشخص العادي عن تحقيقها فأصبحت شخصية جيمس بوند تقدم للمشاهدين القدرة على كسب المشاهد العادي الاحتذاء بها. ولكن لم يقدر لهذه الشخصية الاستمرار طويلا مما دفع المنتجين إلى البحث عن بطل جديد فظهر سيل أفلام الشخص الأمريكي القوي مثل رامبو وروكي وظهرت بنوع خاص أفلام المغامرات والرعب والخوف والحوادث الرهيبة والهزات الأرضية وكلها من الأفلام التي فيها قدر كبير من الإثارة ولكن بلا مضمون.

ومن بين أفلام ذلك الاتجاه حقق فيلم "الفك المفترس" 1975 للمخرج ستيفن سبيلبرج نجاحا هائلا أكثر من بقية أفلام الرعب والتهويل. وقد أثار ضجة كبيرة حوله وتغلب على أفلام جيمس بوند بسرعة عجيبة وربح خلال عام 1975 ثلاثمائة مليون دولار.

بدأت بعد ذلك مرحلة موجات الأفلام التي تدور حول موضوع واحد مثل موجة أفلام الرعب وموجة أفلام الكوارث ثم بدأت تظهر موجة الأفلام الجنسية التي انتشرت بأسرع من أية موجة فيلمية أخرى.

وعلى الرغم من انتشار موجة الأفلام الجنسية فإن هذا لم يمنع من ظهور عدد من الأفلام الرائعة ذات الموضوعات المختلفة والتي تحقق نجاحا كبيرا. ومن أمثلة ذلك فيلم "قصة حب" الذي حقق نجاحا مذهلا في أمريكا وأوربا وغيرهما وتدور قصته حول شاب يحب فتاة لا يرغب فيها أهله ولا يتقبلونها... وتمرض العروس ويندم أهل العريس وينتصر الحب الصادق الحقيقي. ويحظى الفيلم بإقبال شديد من الجمهور على الرغم من أنه لا يضم أي مشهد جنسي. وقد فسر النقاد هذا النجاح بأن الجمهور الأمريكي والأوربي قد تعطش إلى قصص الحب الشاعري الحقيقي الجميل الصادق وقد ساعدت هذه الفكرة على انتشار أفلام الدراما الخفيفة وقد حقق فيلم "كرامر ضد كرامر" جائزة الأوسكار كأجمل فيلم أيضا عام 1980.

وتتواصل موجات الأفلام فلا يكاد يظهر فيلم ويحقق نجاحا تجاريا حتى يتحول موضوعه إلى موجة من الأفلام مثل موجة أفلام الخيال العلمي التي فجرها المخرج الأمريكي ستانلي كويرك بفيلم "عام 2001" الذي حقق نجاحا شجع مخرجه على المواصلة فأخرج فيلم "أوديسا الفضاء" ثم فيلم "البرتقالة الآلية".

الفيلم السياسي

ومن أشهر موجات الأفلام التي ظهرت مع نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات ما عرف اصطلاحا بالفيلم السياسي. وأبرز أفلام هذه الموجة "ساكو وفانزين" للمخرج جوليانو مونتالدو وفيلم "زد" وفيلم "الحصار" للمخرج كوستا جافراس وفيلم "قصبة مائية" للمخرج فرانسسكو لوزي الذي يصور حادثة حقيقية وقعت لمهندس اسمه ماتييه وكالة مات في ظروف غامضة، وقد جاء الفيلم على أعلى مستوى من الناحية الفنية.

وقد قدمت السينما الأوربية في إيطاليا وفرنسا مجموعة رائعة من الأفلام في إطار الفيلم السياسي. وقد ارتبط ازدهار الفيلم السياسي مع ازدياد النضال ضد الحرب في فيتنام وارتبط أيضا بأحداث القارة الإفريقية وفي أمريكا اللاتينية كما ارتبط بصورة مباشرة بحركة الشباب في نهاية السبعينيات. وكان طبيعيا أن تسير السينما الأمريكية مع موجة الأفلام السياسية فقدمت عددا من الأفلام ومنها فيلم "لا تعيش هنا بعد اليوم اليسا" للمخرج مارتن سكورسيس وفيلم "الوجه المعرض للإهانة" للمخرج مارتن ريت وفيلم "راعي البقر الكهربائي، للمخرج سيدني بولاك. وفي عام 1972 يقدم المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا فيلم "زواج أمي" الذي يحمل ملامح الفيلم السياسي والنفسي ثم أخرج بعد ذلك فيلم "الحادثة" ثم "زواج أمي جـ 2". وفي هذا الإطار قدم المخرج ستيفن سبيلبرج عام 1994 فيلمه الأخير الذي حصد به جوائز الأوسكار وهو فيلما "قائمة شندلر" عن رواية للكاتب الأسترالي توماس كينيلي ويحكي قصة أوسكار شندلر، رجل الأعمال وصاحب المصانع من أصل نمساوي وعضو في الحزب النازي والذي قام بين عامي 1939 و1947 بإنقاذ مئات من اليهود عبر تشغيلهم في مصنع كبير.

ولا يكتفي المخرج في معالجته الفيلمية بعرض هذه القصة وإنما جعل فيلمه يتجاوز مجرد عرض الأحداث السوداء التي شاهدها يهود بولندا تحت ظروف الحكم النازي ليكون عرضا للمسألة اليهودية بكاملها بدءا من قضية التعذيب لليهود على يد النازي الأمر الذي لا يختلف أحد عن رفض حدوثه لأي شعب من الشعوب وصولا إلى نشأة الدولة اليهودية في فلسطين. وقبل فيلم قائمة شندلر كان مخرجه سبيلبرج قد أخرج فيلمه الشهير الذي يدخل ضمن موجة أفلام الخيال العلمي وهو فيلم "حديقة الديناصورات" الذي استخدم فيه إمكانات الكمبيوتر، نظام الوسائط المتعددة، وإمكانات الفيديو أيضا.

ولم يكن سبيلبرج أول من حاول استخدام التقنيات الإلكترونية في الإنتاج السينمائي فقد سبقه إلى ذلك آخرون يبرز منهم فرانسيس فورد كوبرلا وجورج لوكاس اللذان تركا هوليود واتجها إلى سان فرانسيسكو.

وقام كل منهما بمفرده بالعمل الدءوب من أجل تهيئة السينما لاقتحام القرن الواحد والعشرين وذلك بابتكار ما يطلق عليه اسم السينما الإلكترونية، وهو محاولة عملية جادة لتحقيق التزاوج بين تقنيات السينما وتقنيات الفيديو المتطورة.

السينما والمستقبل

ولعل السينما الإلكترونية مجرد خطوة على طريق التزاوج بين تقنيات السينما والتقنيات الإلكترونية ولا ندري ماذا يخفي المستقبل. وحين نقول المستقبل فإننا نقصد المستقبل القريب جدا. فإن الاختراعات الحديثة تتلاحق بسرعة مذهلة بين يوم وليلة وأحيانا بين ساعة وساعة. وأهم الاختراعات تليفزيون الدقة العالية HDTV الذي بدأت اليابان بثه التجريبي في عام 1991 وحقق نجاحا كبيرا جدا بين المشاهدين اليابانيين. وهو يعتبر من الأنظمة المتطورة جدا في مجال الإنتاج التليفزيوني والفيديو سيجعل جودة الصورة التليفزيونية أفضل من جودة الصورة السينمائية على أفلام 35 مللي. ولا شك أن التوصل إلى صورة تليفزيونية بمثل الدقة والوضوح اللتين يحققهما تليفزيون الدقة العالية يشجع المنتجين السينمائيين على التحول بإنتاجهم إلى أسلوب إنتاج الفيديو بنظام الدقة العالية وذلك للاستفادة من الجودة العالية للصورة ومن الوسائل الإلكترونية في المونتاج وعمل المؤثرات الخاصة وكذلك في عمليات النسخ مع إمكان عرض الأفلام على شاشات كبيرة تعادل شاشات دور العرض السينمائية كما هو حادث بالنسبة للبث الياباني الذي يتم عن شاشات كبيرة في الميادين العامة وفي النوادي أو يمكن نقل الشريط الماستر من الفيديو بعد المونتاج على فيلم 35 مللي نيجاتف ثم يطبع بالطريقة السينمائية ويعرض في دور السينما بالشكل التقليدي.

الاختراع الثاني هو الكمبيوتر نظام الوسائط المتعددة (الملتي ميديا) الذي توصلت إليه كل من أمريكا واليابان، والذي أضاف إمكانات مذهلة في عملية الإنتاج السينمائي أتاحت وتتيح لصناعي الأفلام إضافة كائنات غير موجودة في الطبيعة لتلعب أدوارا مهمة في الأحداث تشارك الممثلين الحقيقين وتمثل معهم وقد تحدث بينهم مطاردات واشتباكات كما هو حادث في فيلم "حديقة الديناصورات" إخراج ستيفن سبيلبرج فالكم الهائل من الديناصورات الكبيرة والصغيرة التي ظهرت في الفيلم قد تم تحقيقها من خلال الكمبيوتر نظام الوسائط المتعددة كما يتاح لصانعي الأفلام عن طريق الكمبيوتر نظام الوسائط المتعددة أيضا جعل ممثليهم الحقيقيين يأتون بأعمال خارقة ومثيرة لم تحدث ولا يمكن أن تحدث كما هو موجود في فيلما "أقصى سرعة" Speed . ومن خلال أحد تطبيقات هذا النظام أيضا تتم إتاحة الفرصة لمستخدم جهاز الكمبيوتر أن يشاهد ما يود أن يشاهده من أفلام من خلال قائمة موجودة لديه فما عليه إلا أن يطلب ذلك من الكمبيوتر فيبادر بتلبية رغبته ويظهر الفيلم المطلوب على المونيتور الملحق.

وقد يقول قائل أن هذا يمثل خطرا شديدا على السينما، والحقيقة غير ذلك. قد يكون هناك خطر حقيقي على دور العرض السينمائية ولكنه يمثل أملا كبيرا لحركة الإنتاج السينمائي التي سيكون مطلوبا منها تلبية احتياجات شركات الكمبيوتر التي ستتسابق لكي يكون في قوائمها أكبر كم من الأفلام التي تخاطب جميع الأذواق لأن رواج بيع نظم الكمبيوتر التي تنتجها سيتوقف على مدى الاختيارات المتاحة للمستهلك.

والآن والعالم يحتفل بمرور مائة عام على مولد السينما. يدور تساؤل في الأذهان: ترى ماذا بعد الغد بالنسبة للسينما في المائة الثانية من عمرها؟. لقد كان العرض والتوزيع من المؤثرات الفاعلة في حركة الإنتاج السينمائي وفي موضوعات الأفلام في الماضي. هذا بالقطع سيختفي لان التوزيع والعرض لن تقوم بهما شركات وإنما سيقوم بهما الكمبيوتر ويصبح المؤثر لا جدال في ذلك هم أصحاب شركات نظم الكمبيوتر ذي الوسائط المتعددة ورغبات الجمهور الذي يشترك تلك النظم.

 

محمود سامي عطا الله

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





مشهد من الدرج الأخير من فيلم المدرعة بوتمكين للمخرج الروسي ايزنشتين 1925





شارلي شابلن يتناول الغذاء مع صديقه المليونير في فيلم أضواء المدينة 1931





أسطورة العصر مارلين مونرو في فيلم البعض يفضلونها ساخنة 1959





المحقق جاك نيكلسون والجميلة الغامضة فاي دوناواي في فيلم الحي الصيني للمخرج بولانسكي عام 1974





انطلاقه الخيال في فانتاريا أهم أفلام الرسوم المتحركة التي نفذها والت ديزني عام 1940





كاري جرانت مطاردا في فيلم شمال. شمال غرب من إخراج الفريد هيتشكوف