منتدى الحوار

منتدى الحوار

  • هويتنا العربية

إلى الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة الأمة العربية مجلة «العربي»، لكم مني تحية تقدير وإجلال واحترام، وأنتم تسهرون وتتعبون من أجلنا ومن أجل أن نستمتع بهذه الصفحات التي تحوي الكثير من فنون العلم والفكر والمعرفة.

يطيب لي أن أبعث إليكم بهذا التعليق على مقالكم الذي تصدر العدد 612 لشهر نوفمبر 2009م، والذي جاء تحت عنوان: «الهوية العربية بين سندان التغريب ومطرقة التطرف».

جاء في مقال الأخ رئيس التحرير: «ولنتأمل مظاهر تلاشي الهوية العربية خلال السنوات الأخيرة، وبينها ظاهرة إهمال الاهتمام باللغة العربية على مستويات عدة...».

أود أن تسمح لي بأن أبدي بعض الاختلاف مع عنايتكم حول عبارتين وردتا في مقالكم وهما: تلاشي الهوية العربية، وظاهرة إهمال الاهتمام باللغة العربية. أما عن تلاشي الهوية العربية فهو أمر غير وارد على الإطلاق، ولا أقول بهذا القول من منطلق عقدي أو ديني، بل من منطلق عقلاني وتاريخي، لأن حديثي هنا ينصب على العرب ككيان، فإن المتأمل لحياة العرب في تلك الصحراء القاحلة يجد أنهم قد حافظوا على وجودهم ككيان له هويته؛ وذلك على الرغم من مجاورتهم لأمم ذات حضارات عريقة إلا أن تلك القبائل البدوية ظلت متمسكة بعاداتها وتقاليدها وبثقافتها العربية ولم تذب في تلك الحضارات التي تفوقت علينا عدة وعدداً وحضارة. لم يمح الوجود العربي الذي ظل قائماً مع وجود الكثير من المهددات التي ظلت تحدق به من كل جانب. ولم تكتف تلك القبائل البدوية بالتقوقع في صحرائها أو بالانكفاء على ذاتها بل ما إن جاء الإسلام حتى كانت كالأرض التي هطلت عليها الأمطار فاهتزت وربت واخضرت ونمت؛ لتغدو ذات تأثير عظيم مما يدلل على أن بذرة الحضارة ظلت كامنة في تلك القبائل البدوية إلى أن جاء من يكشف عنها. ونحن اليوم - مع كل هذه المحن والمصائب التي تحدق بنا من كل جانب - ستظل بذرة الهوية فينا كامنة كمون النار في العود، كما يقول المثل العربي القديم.

أما عن إهمال الاهتمام باللغة العربية وانتشار لغات أخرى، فليس لدينا خوف على هذه اللغة التي ظلت تتطور وتنمو وقد وُلدت ووُجدت في ظل ظروف ما كان لها أن تساعدها حتى على البقاء حية، فضلا عن أن تتطور وتزدهر ويتداولها الملايين من أهلها وغير أهلها ممن يكادون يقدسون حتى من ينطق بها. بل إن العربية تفوقت على نظيراتها من اللغات التي وجددت في حينها من: فارسية وآرامية وسريانية ورومية.. لكنها لم تعد موجودة إلا في التراث بينما ظلت العربية حية ومتجددة. لقد وصف آرنست رينان -صاحب كتاب «التاريخ العام للغة السامية» - اللغة العربية فقال: «من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية (العربية) وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى وعند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، ولقد كانت تلك اللغة مجهولة بين الأمم ولكنها من يوم أن عرفت ظهرت لنا في حلل الكمال، وإلى درجة أنها لم تتغير أي تغيير يذكر، حتى أنها لم تعرف لها في طور من أطوار حياتها، لا طفولة ولا شيخوخة ولا نكاد أن نعرف من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعلم شبهاً لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة».

أترى أن لغة بهذا السمات المتطورة وذك الحب الذي ينمو مع القرون، يمكن أن تهمل أو يتجاهل أحد وجودها؟ وأود أن ألخص ذلك في النقاط التالية:

1- ألا يكفي دفاعكم عنها والتنبيه على أوجه القصور المحيطة بها؛ مما يدلل على تمسككم بها كلغة تحمل هويتنا كأمة وشعوب عربية.

2- لقد قرأت في نفس العدد (ص الأخيرة) ما كتبه الأستاذ جهاد فاضل تحت عنوان «اطلبوا العربية في الصين» والذي أشار فيه إلى مدى الحب المتأصل في نفوس الناطقين بغير العربية حتى وإن لم يكونوا مسلمين.

3- ألم يكن أعظم من خدم اللغة العربية هو واحداً من غير بني جلدتها؟ وهو العالم النحوي المعروف، سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر) الفارسي الأصل، الذي ألف كتاباً في اللغة سماه «الكتاب»، وقد عُرف هذا المُؤلف - بين النحاة - باسم قرآن النحو لعظمته وعظم مادته. قال عنه الجاحظ: لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله، وجميع كتب الناس عيال عليه.

4- إن محبي وعشاق هذه اللغة العربية من المسلمين من غير العرب يبلغون الملايين وهم في توق وحب لتعلم هذه اللغة.

5- هناك الكثير من علمائنا الأجلاء الأفاضل الذين يقومون بخدمة هذه اللغة في صمت ودون ضجة أو ضجيج، محبة لها وليس طمعاً في شهرة أو جاه.

6- ألا نلاحظ أن اللغات الأخرى تجد الكثير من العناية والرعاية ويُبذل من أجلها الغالي والنفيس من أجل أن تبقى وتنتشر، بينما العربية تنتشر وتنتشر على الرغم من قلة المجهود المبذول من أجلها؟

د. حسن محمد أحمد محمد
سوداني مقيم بالسعودية سبت العلاية

  • كيف ننهض فعلياً باللغة العربية داخلياً وخارجياً؟

اعتاد د. سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة «العربي» أن يتناول بالحديث في مقاله الشهري «حديث الشهر» عدة قضايا تهمّ الإنسان والمثقف العربي على حدّ سواء.

ومن هذه القضايا التي يتحدث عنها - في مقاله «العربفونية في عصر العولمة» المنشور في العدد رقم 613 - ديسمبر 2009م من مجلة العربي - قضية اللغة العربية مسلطا الضوء على ما آلت إليه وعن علاقة الإنسان العربي بها مركزاً على دور العرب في إبراز لغتهم في الخارج عن طريق تكتلات ما أو هيئات تضطلع بهذا الدور وتوصيلها إلى كل مكان على ظهر هذه البسيطة. مثلما لم ينس أن يشير إلى مدى تدنّي وتدهور أحوال المتحدثين بها سواء على مستوى الإنسان العادي أو حتى على مستوى طائفة المثقفين والإعلاميين الذين يقع على كواهلهم الدور الأكبر إما في الانحطاط باللغة وبحالتها أو في الرقي والنهوض بها.

وليسمح لي د.سليمان العسكري أن أضيف على هامش مقاله الآتي:

على الرغم من أنني أقوم بتدريس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية إلا أنني وفي الحصة الأولى من كل عام دراسي جديد أقول لتلاميذي: مَنْ لا يستطيع أن يُتقن لغته الأم لا يستطيع أن يُتقن أي لغة أخرى، حاضّا ومحفزا إياهم على الاهتمام باللغة العربية التي وجدتني منذ صغري وأنا أعشقها وهذا لأسباب شتى منها حبي للمدرسين الذين كانوا يدرسونها لي في المرحلتين الابتدائية والإعدادية خاصة وهم يشجعونني ويثنون على تفوقي فيها واهتمامهم بي حتى أنه لم يكن هناك أحد يقرأ دروس القراءة في الفصل سواي. ويأتي قبل هؤلاء المدرسين - الذين مازلتُ أدين لهم بهذا الفضل - القرآن الكريم الذي كنتُ أواظب على قراءته بشكل منتظم وإليه يرجع الفضل الأول في استقامة لساني وقلمي. غير أني أجد أن ثمة من يدرسون في مدارس لغات أو حتى في مدارس خاصة تقوم بتدريس اللغات الأجنبية سواء كانت الإنجليزية أو الفرنسية بدءاً من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي، يتخرجون وهم يتقنون تلك اللغات في الوقت الذي لا يعرفون أي شيء عن لغتهم الأصلية التي يعجز الواحد منهم عن صياغة جملة سليمة نحوياً وإملائياً بها، وعلى الرغم من أن هذا ما يصيب بالحسرة على واقع اللغة العربية إلا أن هؤلاء هم وأولياء أمورهم يتباهون بمدارس اللغات هذه، متذرعين بأن المستقبل للغات الأجنبية وليس للغة العربية التي لو استطاعوا لقاموا بإلغائها من الوجود. لكن كم مدرسا ممن يُدرِّسون اللغات الأخرى - غير العربية - يحض تلاميذه على الاهتمام باللغة العربية؟ بل فلنقل كم مدرس لغة عربية يدعو تلاميذه إلى دراستها كلغة حياة لا كأي مادة أخرى لا أهمية إلا في النجاح فيها؟

وعلى الرغم من هذا أيضاً مازلت مصرّاً على أن أبدأ العام الدراسي الجديد بقولي لتلاميذي: من لا يستطيع أن يُتقن لغته الأم لا يستطيع أن يُتقن أي لغة أخرى. وسوف أظل على حالي هذه حتى نهاية آخر يوم في عمري وإن كان هناك من يراني مخطئا أو حتى واهما.

في مقاله ذاك يدعو د.سليمان العسكري إلى الاهتمام بنشر اللغة العربية على مستوى عالمي وهذا جميل للغاية، لكني أرى أنّ هذا لن يحدث إلا إذا كان ثمة اهتمام واسع المدى باللغة العربية في الداخل بغية إعداد كوادر تمتلك الكفاءة والقدرة الموهوبة على نشر اللغة العربية هنا وهناك كما ينبغي. غير أن الملاحظ هو أن إعداد تلك الكوادر لهو أمر صعب - كما أرى - في ظل عدم وجود اهتمام سواء من معظم المؤسسات المنوط بها دور القيام بهذا أو من الأفراد. ومن يقرأ واقع لغتنا الجميلة يجد ما يهوله ويفزعه.

إذن.. تُرى كيف ننهض بلغتنا أو حتى نعيد إليها مكانتها التي سُلِبَتْ منها على أيدي أحفاد لولا لون بشرتهم لظنّهم الرائي ليسوا بعرب؟!

لابد من الاعتناء بنوعية المعلم الذي سيقوم بتدريس اللغة العربية في المراحل التعليمية المختلفة، فمثلا لابد أن يكون المعلم لديه وجه بشوش وليس متجهماً حتى لا ينفر التلاميذ منه ومن مادته (كان أحد مدرسي اللغة العربية في مدرستي وأنا في الصف الثالث الإعدادي عندما يدخل الفصل ترتعش ركب التلاميذ حد الرعب وتصطدم ببعضها كما تصطك الأسنان خوفاً منه ومن بطش عقابه.. فكيف يحب اللغة العربية من يكون مدرسهم بهذه السّمات؟).

ألا يقدر معلم بهذه الصفات وأمثاله وهم كثر - وعن جدارة واستحقاق - على جعل طلابه يلعنون اللغة ومن يدرسها؟ لا سيما وأن هؤلاء ألقى بهم حظهم العاثر خطأً في طريق التدريس، أي قل أصبحوا مدرسين بالصدفة المحضة أو فلنقل - إذا أردنا الدقة - إن السبب هو مجموع درجات الشهادة الثانوية. وهناك سؤال أكثر من مهم فيما يتعلق بالكليات المتخصصة في تدريس مناهج اللغة العربية وعلومها وإعداد مدرسيها وهو: لماذا تعتمد هذه الكليات في قبولها لطلابها على مجموع هؤلاء الطلاب في المرحلة ما قبل الجامعية فقط؟

ولماذا لا يكون هناك امتحان لقدرات هؤلاء فيما يخص اللغة العربية؟.. أعني هنا ما فائدة طالب حصل على مجموع مائة في المائة في المرحلة الثانوية وهو لا يجيد كتابة جملة واحدة بشكل نحوي وإملائي صحيح وكذلك لا يحسن قراءتها كما يجب؟

كذلك ما دور الإعلامي - سواء عَمِلَ في الإذاعة أو في التلفزيون - الذي عُيّنَ في مكانه لا بكفاءته ولا بموهبته وإنما بوساطة قريب؟

إننا نقرأ لكُتّاب تحتوي مقالاتهم وكتبهم على كم مفزع من الأخطاء اللغوية التي ربما لا يخطئ فيها تلميذ في الصف الأول الابتدائي في مدرسة تهتم بالفعل بتدريس اللغة العربية. وبالمثل نستمع ونرى مذيعين تكره اللغة العربية التي يتحدثونها يوم مولدهم.. فهل يُنتظر من هؤلاء أن يخدموا اللغة أم أنهم يعملون - وبقصد قبيح - على تدني مستواها وانحطاطها وفقدانها بريقها ومكانتها اللائقة بها؟

إننا إذا كنا نريد بصدق أن نُعيد اللغة العربية إلى سابق عهدها الذهبي فعلى من بأيديهم مقاليد الأمور أن يعيدوا قراءة المشهد التعليمي والإعلامي في دولنا العربية دون استثناء وإلا فما فائدة مقال د.سليمان العسكري ذاك ومثله عشرات المقالات لآخرين في المسألة نفسها؟!

لا أدّعي فخراً أو بطولة ما حين أقول إن ابنتي (رؤى) قبل أن تبلغ السادسة من عمرها كانت تتحدث اللغة العربية بطلاقة لم أعهدها في كثيرين يحيطون بي سواء كانوا في مجال التدريس أو في مجال الكتابة والتأليف.

ولم تكن رؤى تذهب وقتها لا إلى مدرسة ولا إلى «حضانة» لكنها كانت تشاهد بانتباه شديد برامج الأطفال التي تبثها بعض قنوات الأطفال وتنطق باللغة العربية الفصحى.

إذن ثمة من - ما أيضا - يجعل الأطفال يحبون لغتهم الأم منذ الصغر ويساعدهم بشكل لطيف في استخدامها كتابة وقراءة بطريقة لا تزاحمها الأخطاء. هذا ما يحدث في قنوات الصغار أما ما يحدث على شاشات بعض قنوات الكبار - بل معظمها - من أخطاء على ألسنة مذيعي ومقدمي برامجها فهو كارثة إن لم يكن فضيحة مدوية بمعنى الكلمة لهؤلاء ولبرامجهم ولقنواتهم.

ولقد استمعت بأذنيّ هاتين إلى مذيع في قناة تخصصت في الثقافة وهو لا يعرف أن المثنى يُنصب ويُجر بالياء واستمعت إلى مذيعة أخرى لم تنجح في قراءة «عضو اتحاد الكُتّاب» دونما تشكيل بشكل صحيح إذ قرأته: «عضو اتحاد الكِتَاب»!

أخيراً.. يختتم الدكتور سليمان العسكري مقاله ذاك بمقولة رائعة ومهمة في آن معاً إذ يقول: «إنّ مشروعاً يستهدف انتشار اللغة العربية في العالم لابد أن ينطلق من مجتمعات تعرف قيمة لغتها وتراثها الحضاري والثقافي بكل المعاني».

وهذا هو بيت القصيد - كما يقال - فالأمة التي تعمل على انتشار لغتها في العالم أجمع كالإنجليز والفرنسيين لابد أنها تعرف - بل تدرك تماماً - حقيقة قيمة لغتها وتراثها الحضاري وإرثها الثقافي. أما الأمم التي ترزح تحت نيّر التخلف والتقهقر فهي أمم ليس لديها أي قيمة من الأساس ولا يسعى أفرادها لا إلى نشر لغتهم ولا إلى الاستفادة من إرثها الثقافي والحضاري إن وجد.

أما إذا بقينا على ما نحن فيه وعليه فكيف يتولّد لدينا بصيص أمل في التغيير - أو حتى التغير بفعل الطفرات أو العوامل الطبيعية الطارئة - إلى الأفضل على مستوى اللغة وما يرتبط بها من حضارة وثقافة وتراث. ونظراً إلى أننا لا ينبغي أن نفقد الأمل أو أن نتنازل أو نتخلى عنه أمام طوفان هجمات اليأس والقنوط التي تجتاحنا من حين إلى حين، فإننا نعلن أننا في انتظار المؤسسات التي ستحمل عبء هذا الدور على عاتقها. لكننا لن ننتظر ونحن مكتوفو الأيدي بل سنفعل- كل في موقعه - ما يقدّر لنا ولأولادنا أن نرى - اللغة العربية وهي تتربع فوق عرش العالم ويحترمها الجميع وتصبح من أهم لغات العالم فعلياً إن لم تكن هي بالفعل أهمها.

عاطف محمد عبدالمجيد
شاعر ومترجم من مصر