في ذكرى العالم وأنيس والنقاش.. الأرض المشتركة للفكر.. فريدة النقاش

في ذكرى العالم وأنيس والنقاش.. الأرض المشتركة للفكر.. فريدة النقاش

حين تأملت في مغزى الاحتفال المشترك بهؤلاء المفكرين الثلاثة: محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس، ورجاء النقاش، وجدت نفسي أمام القضايا الرئيسية لحركة التحرر العربي، وأن المشتركات بينهم أوسع وأعمق من مجرد تلك المصادفة الحزينة التي جعلت الموت يختطفهم في شهور متقاربة وفي عام واحد لتتعرض الحياة الثقافية والفكرية لحالة من الإفقار بغياب هذه الأصوات الثلاثة التي طالما بعثت الحيوية وأثارت الجدل حول هذه القضايا الشائكة، سياسية كانت أو اجتماعية، فكرية أو أدبية، بالرغم من أن المرض حال بين كل من رجاء النقاش وعبد العظيم أنيس وبين المشاركة العامة في العامين الأخيرين من حياتهما بينما بقي محمود أمين العالم حتى اللحظات الأخيرة التي دخل فيها في مرض الموت معطاء وصاخبا كما كان دائما، حتى أن مجلة «أدب ونقد» عنونت ملفها عنه «محمود أمين العالم الفتي في الخامسة والثمانين».

ويشترك هؤلاء المفكرون الثلاثة في خاصية أساسية ميزت جيل المفكرين الكبار الذي سبقهم من لطفي السيد لطه حسين، ومن عباس محمود العقاد، لمحمد حسين هيكل.. وغيرهم، والذين كانوا على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم قد راكموا ثقافة موسوعية زاوجت بين معرفة التراث العربي الإسلامي والانفتاح على الثقافة الغربية دون انسحاق أمامها، هذا الانفتاح الذي كان رفاعة رافع الطهطاوي قد فتح أمامه الأبواب حين ذهب إلى فرنسا في بداية القرن التاسع عشر ممثلا لمشروع محمد علي لتحديث مصر ونهضتها بعد أن كانت مصر قد هزمت الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وقبل أن تسقط في قبضة الاستعمار البريطاني بعد ذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

لقد طور هؤلاء المفكرون الثلاثة كل من على أرضيته.. رجاء النقاش منطلقا من الفكر القومي التقدمي، ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس منطلقين من أرضية الفكر الاشتراكي العلمي الماركسي - طوروا معا ثقافة التحرر الوطني، رافضين بداية نخبوية الثقافة ليصبح بناء إنسان جديد بوعي ثاقب وقدرة كفاحية عالية انشغالا رئيسيا لهم هو مهمة ثقافية في رؤية النقاش، ومهمة ثقافية سياسية في رؤية العالم وأنيس، وفي الحالتين سيتغير الإنسان الفرد- والإنسان الجماعي عبر الوعي والعمل إلى الأفضل، ويكون بوسعه إنجاز هذه المهمة كأساس للثقافة في المرحلة الجديدة من الصراع بتناقضاتها، بينما تجدر هذه الثقافة نفسها في حالة تراجع، خاصة في ظل هجوم جديد كاسح للإمبريالية بعد أن فقدت الشعوب الحليف العالمي الذي طالما دعم نضالها ورفد ثقافة التحرر الوطني والاشتراكية بالقيم والأفكار، فضلا عن الدعم المادي وذلك إثر سقوط المنظومة الاشتراكية.

وقد ظهر هذا الالتقاء بينهم واضحا بعد هزيمة حركة التحرر وسقوط المنظومة الاشتراكية. فبعد سقوط المنظومة الاشتراكية وانهيار حركة التحرر، اتضح ما لم يكن واضحا من المشتركات بين الفكر القومي التقدمي والفكر الاشتراكي العلمي، واقترب هذان التياران من بعضهما بعضا في مواجهة التيارين الآخرين اللذين انتعشا بعد سقوط المنظومة الاشتراكية هما التيار الليبرالي الذي أنتج الليبرالية الجديدة والرأسمالية الوحشية فيما بعد وتيار الإسلام السياسي الذي خرجت حركات الإرهاب والتكفير من تحت معطفه ولانتعاشهما أسباب كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية شتى.

فكر مشترك

وفي أعمال هؤلاء المفكرين الثلاثة يقترب الفكر القومي التقدمي، والفكر الاشتراكي العلمي من بعضهما بعضاً على أرض الواقع دون أن يغادر أي منهما منطلقاته أو يتخلى عن مبادئه، وذلك بعد التجارب العملية المريرة التي وقعت على الصعيد السياسي سواء في تجارب حزب البعث أو في التجربة الناصرية كتجليات سياسية للفكر القومي التقدمي من جهة، أو في تجربة اليمن الديمقراطي كاختيار للاشتراكية العلمية من جهة أخرى.

وكانت الساحة الفلسطينية كمجال للصراع القومي من أجل التحرر الوطني قد شهدت انتقال واحدة من أكبر منظمات الكفاح الوطني الفلسطيني، وهي حركة القوميين العرب لتصبح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتتبنى مفاهيم ومنطلقات الفكر الماركسي، وهي تجدد نفسها بأسلحة الوعي الانتقادي العلمي دون أن تتخلى عن منطلقاتها القومية التي برز طابعها التقدمي وتعمق، سواء في رؤية الذات أو رؤية العدو الصهيوني، لأنها كانت قد غادرت الفكر القومي المثالي وانتقدته وهو الذي يرى الأمة كجسد واحد، وأخذت تتبني فكرة أن كل أمة هي أمتان، وهو ما فتح الباب أمامها للتعامل فيما بعد مع اليسار الإسرائيلي غير الصهيوني، الذي اعترف بدوره بالحقوق القومية للشعب الفلسطيني، لأن «شعبا يضطهد شعبا آخر لا يمكنه أن يكون حرا كما قال «كارل ماركس».

وكان المفكرون الثلاثة قد ميزوا بين القومية التي تضع التحرر الوطني الديمقراطي في مقدمة أولوياتها وهي قومية الأمم المضطهدة (بفتح الدال) وبين قومية الدول الاستعمارية المهيمنة، فقومية الدول المهيمنة هي التي خرجت الفاشية والصهيونية من معطفها، وهي القومية التي تطمس عمل الحركة العمالية وتقودها إلى التواطؤ الإمبريالي . وفي التراث الماركسي ساند «لينين» حركات التحرر الوطني من هذا المنطلق في إطار ما اطلق عليه مسألة الشرق، وكم من رسائل ونداءات وجهها لشعوب الشرق، متخليا عن تحديد آفاق هذه الحركات وقصرها على المرحلة الديمقراطية البورجوازية الصغيرة ليعتبرها بمنزلة حركات قومية ثورية، وهو ما تجلى في مؤتمر الأممية الشيوعيةالثاني. وتتجلى ثورية هذه الحركات طبقا «للينين» في قدرتها على تعبئة الجماهير التي تعرضت للإفقار في نضالها من أجل الانتقال من الثورة الوطنية إلى ثورة اجتماعية يمكن أن تتحول إلى ثورة اشتراكية فيما بعد لكن بشرط أن تتم المحافظة على العمل المستقل للاحزاب الشيوعية وكفاحها من أجل امتلاك القدرة على قيادة الحركة.

المسألة القومية

وحول هذه القضية الأخيرة حرص محمود أمين العالم طيلة حياته النضالية على الصعيدين النظري والعملي على استقلال الحزب الشيوعي المصري بعد إنشاء حزب التجمع الوطني التقدمي الذي ضم ماركسيين وناصريين وقوميين وتياراً دينياً مستنيراً، وبعد تجربة مريرة مع التنظيم الطليعي الذي انضم إليه الشيوعيون بعد حل حزبهم إثر خروجهم من السجون الناصرية.

وقد تمكنت بعض الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة (بفتح الميم) من أن تعقد تزاوجا بين الماركسية والقومية على الصعيد الفكري وفي بناء الجبهات مع أحزاب البورجوازية الصغيرة والفلاحين على صعيد النضال السياسي.

وكذلك قام الماركسي الايطالي انطونيو جرامشي بإعادة النظر في كل من تاريخ الثورة الفرنسية والنهضة الإيطالية واستخلص أنه يتعين على الحركة العمالية والفكر الماركسي أن يقوما باستكمال البناء القومي وإبراز أن المجتمع السياسي والمجتمع المدني والثقافة تتحدد جميعا وتتجلى في سياق مجتمعات أو تشكيلات قومية في المقام الأول.

وكتب ستالين كتابه الشهير «الماركسية والمسألة القومية في الاتحاد السوفييتي».

وبقيت دائما في كل هذه الإضافات كما ظهرت جليا في كتابات محمود العالم وعبدالعظيم أنيس الفكرة المركزية ألا وهي أن القومية تكون خادعة مادامت الأمة بقيت تمثل مجموعة شكلية مصمته تحجب هيمنة البورجوازية الكبري، ومادامت لم تعتمد على الديمقراطية الحقيقية التي تبين التخوم بين مصالح الطبقة العاملة والكادحين من جهة، ومصالح البورجوازية الكبيرة من جهة أخرى، وتمكن هذه الديمقراطية الطبقة العاملة مع حلفها الواسع من فقراء الفلاحين والبورجوازية الصغيرة من تنظيم نضالها والدفاع عن حقوقها وتقديم رؤاها السياسية والاقتصادية والثقافية للشعب كله، إذ إن كل أمة - كما قال البيان الشيوعي - هي أمتان.

أما توسيع مجال المجتمع السياسي ليشمل الشعب بكامله، والاكتمال الشعبي للثقافة القومية، وهما اللذان يضمنان على أساس قومي يحافظ على الخصائص المحلية الإيجابية، أن يفتح الطريق أمام إمكان الانتقال إلى الاشتراكية والمواجهة، ثم القضاء على كل أشكال التعصب القومي والفاشية والعنصرية.

وقد أثبت تفكك الاتحاد السوفييتي وتناثر القوميات التي كانت قد شكلته في سياق الثورة الديمقراطية - وبعد انتصار الثورة الاشتراكية - مدى تغلغل الشعور القومي والنزعة القومية في التكوينات الاقتصادية الاجتماعية لبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، كذلك أثبت الاندفاع المحموم لشطري ألمانيا صوب بعضهما بعضاً عام 1990. هذه الحقيقة التي التقى حولها المفكرون الثلاثة ألا وهي أن القومية هي ظاهرة موضوعية، وهي ليست ذات طابع مثالي متعال كما يرى القوميون التقليديون، ولا خصما لدودا للنزعة الأممية، كما رأى بعض الماركسيين الحرفيين، ولكنها في تجادل مكوناتها وفي الصراع ضد الاستعمار والهيمنة، وضد الاستغلال في طبقتها التقدمية هي شوق للتحرر الإنساني، وشعور بالانتماء الواحد لأرض ولغة وتاريخ مشترك.

اشتغل مفكرونا الثلاثة بالنقد الأدبي، وألقوا بالأحجار في ساحته التقليدية الراكدة، وتزامن صدور الكتاب التأسيسي لمحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس، الذي قدما فيه المنهج الماركسي في النقد الأدبي تطبيقيا «في الثقافة المصرية» مع كتاب رجاء النقاش في «أزمة الثقافة المصرية».

وكأن هذين الكتابين كانا يؤسسان للمشتركات بين هؤلاء المفكرين الثلاثة.

وتبرز من هذه المشتركات الكثيرة في كل أعمالهم على الصعيد الفكري ثلاث قضايا رئيسية الأولى هي عروبة مصر وارتباط مصيرها بالنضال التحرري العربي، ومن ثم المضمون التحرري للفكرة القومية في البلدان المستعمرة، والثانية هي المزاوجة بين قضايا التحرر الوطني وقضايا التحرر الاجتماعي وصولا للاشتراكية، والثالثة هي تجديد الفكر الديني.

الجسور المعنوية للثقافة

يقول المفكر اليمني الدكتور أبوبكر السقاف إنه في جمع أليف بين الوطنية والقومية قال رجاء النقاش غير مرة: «لابد أن تتعرب مصر ويتمصر العرب»، ويبدو هذا القول الجميل محملا في جوانب منه بظلال فكرة الدولة القاعدة التي تعلق بها العرب منذ بداية صحوتهم القومية، إلا أنه أيضا يصدر عن تاريخ متين أشار إليه صبحي وحيده عندما أكد محقا: «إن مصر قد تعربت منذ القرن الرابع الهجري».

ويضيف: قام رجاء بجهد متواصل وهاديء ولايزال في ميدان «الأدب الباقي» لإنجاز التمصير والتعريب، وهو جهد لا شك في أنه يتضافر مع جهود كثيرين في هذا الأفق الوحيد الذي يشكل خط دفاعنا الأخير عن مستقبلنا ومصيرنا في البلدان العربية كافة، أصبح «النقاش» في تقدير المثقفين العرب واحدا من صناع الجسور المعنوية والثقافية بين غير جيل منهم.

وفي تقريرهما المشترك عن القومية العربية الذي قدماه للحزب الشيوعي المصري قال الرفيقان فريد وسيد، أي محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس.. إن القومية العربية هي حصيلة تاريخ مشترك لجماعة من الناس عاشوا وتآلفوا وناضلوا معا مئات السنين، وإن القومية العربية لها لغتها الواحدة التي تحمل تراثها وخلاصة خبراتها التاريخية والقومية العربية تشترك في رقعة واحدة، من الأرض مهما اختلفت وتعددت مظاهرها الجغرافية.

صحيح لا تشترك القومية العربية في حياة اقتصادية واحدة حيث تقول الماركسية إن السوق الاقتصادي المشترك هو الأساس في دعوة القومية، لكن التقرير يؤكد أن هذه المشكلة ليست عائقا أمام وجود القومية العربية، لأنه من الواضح أن هذه الحقيقة مرتبطة تماما بأن دولا استعمارية سيطرت على مقدرات وإمكانات وثروات أجزاء من الوطن العربي، وقد كانت السوق العربية المشتركة موجودة في الماضي قبل الاحتلال الغربي بشكل أو بآخر، وعمل الاستعمار على تحطيم هذه السوق بوعي، والقضاء على تكامل الإنتاج في الوطن العربي، ومع ذلك فأسس التكامل في الإنتاج لاتزال قائمة، مع أنها متناثرة تقوم بينها الحدود المفتعلة.

ويواصل التقرير «ومهما كانت الفوارق السطحية التي تبدو لنا هنا في مصر مقنعة للبعض منا بأننا في نهاية الأمر مختلفون نفسيا عن بقية العرب، فإن هذه النظرة ليست إلا بقايا الانعزالية في مصر إزاء القومية العربية».

ويقول التقرير مؤكدا على الاختلاف الجذري بين قومية الدول المستعمَرة بفتح الميم وقومية الدول الإمبريالية المهيمنة «إن القومية العربية في جوهرها حركة شعبية نضالية معادية للاستعمار، فالاستعمار هو الذي أقام الحدود والحواجز في وجه هذه القومية، وهي بالضرورة حركة تقدمية من الناحية الاجتماعية».

وسوف نلاحظ هنا أن «فريد وسيد» في تقريرهما استخدما مصطلح «الانعزالية» الذي كان موضوعا لكتاب لرجاء النقاش بعد ذلك بعنوان «الانعزاليون في مصر»، رد فيه على الذين أنكروا عروبة مصر.

كذلك التقى المفكرون الثلاثة على أرضية نقد ونقض الرأسمالية وضرورة تجاوزها، العالم وأنيس انطلاقا من الماركسية داعين إلى الاشتراكية العلمية، بينما جسد «رجاء» بتكوينه الفكري المتعدد المنابع تلك الرومانسية العقلانية المناهضة للرأسمالية التي طبعت مجموعة من التيارات الفلسفية والأدبية والسياسية، رفضت جميعها الرأسمالية كنظام للاستغلال، وأسست رفضها على مجموعة من القيم الاجتماعية والثقافية السابقة عليها أي على الرأسمالية، وكانت هذه القيم منبعا للفكر الاشتراكي بكل مدارسه الخيالية والعلمية، وقد استند إليها هذا الفكر وسعى لتجاوزها في آن واحد لأن حركة التاريخ لا تعود للوراء، ولهذا السبب كان للحرية والديمقراطية في عالمه مضمون مناهض للاستغلال.

وسوف تؤدي العدالة الاجتماعية إلى التحرر الاجتماعي أي إلى اتساع آفاق الحرية بمعناها الأشمل، حرية الفكر والاعتقاد والتعبير وحرية المرأة وإعمال مبدأ المواطنة وكلها مشروطة بتجديد الفكر الديني.

الرجعية والعدالة الاجتماعية

وزاوج المفكرون الثلاثة مبكرا جدا بين قضايا التحرر الوطني وقضايا التحرر الاجتماعي، اتخذ هذا التزاوج في إنتاج رجاء النقاش اسم العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة وفي هذا السياق أرجع رجاء النقاش النكسة التي حدثت «لعباس محمود العقاد» وارتباطه في نهاية حياته بالرجعية السياسية والفكرية إلى إغفاله للبعد الاجتماعي في القضايا الوطنية.

وفي إنتاج محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس كانت الاشتراكية العلمية هي القوة الفكرية الهادية لتعظيم الثروة، عبر تطوير كل من قوى الإنتاج ووسائله، وتنظيم الجماهير والارتقاء بوعيها في الصراع الطبقي من أجل تجاوز الرأسمالية إلى الاشتراكية، عبر مرحلة انتقالية طويلة كانت بدورها أساسا للالتقاء بين الفكر القومي التقدمي والفكر الاشتراكي.

وتجديد الفكر الديني هو القضية الثالثة الكبيرة من قضايا حركة التحرر الوطني ومشروعها لتجاوز الرأسمالية وتطلعها للوصول إلى الجماهير المؤمنة وتحريرها من هيمنة الرؤية السلفية البدوية الجامدة، وفي حين انتقد «رجاء» التطرف الديني وجادل شيوخ التكفير، وحاور المفتي حول ما رأى أنه إباحة الإسلام للنحت والتصوير، اعتمادا على تراث الإمام محمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ساعيا دون أن يعلن علمانيته صراحة هو لإزالة التناقض المفتعل بين الفن والدين خاض محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس معركة العلمانية بقوة وصراحة، معتمدين القراءة العلمية الموضوعية للديانات كافة في سياقاتها الاقتصادية الاجتماعية وعوامل تغيرها في البيئات المختلفة.

وخاض المفكران الكبيران معركة العلمانية في مواجهة الهجوم الضاري على الفكر الماركسي، باعتباره إلحادا ومستوردا، وبينما درس «عبدالعظيم أنيس» عالم الإحصاء تراث العلماء العرب الأجلاء وأبرز إضافاتهم، تعامل محمود أمين العالم مع الماركسية باعتبارها امتدادا خلاقا لأشرف ما في تراثنا العربي والإسلامي من قيم علمية، تجد إرهاصاتها الأولى عند بن خلدون وابن القيم وجابر بن حيان وابن رشد وعشرات غيرهم.

وهكذا برزت أهم قضايا التحرر والنهضة في أعمال ومواقف هؤلاء المفكرين الثلاثة على الأرض المشتركة بين الفكر القومي التقدمي والفكر الاشتراكي العلمي، ولاتزال كل قضايا التحرر والتقدم العربي راهنة لتبقى الأرض المشتركة قائمة موضوعيا بين التيارين بل إن آفاقها تتسع سياسيا في المرحلة الجديدة من هجوم الإمبريالية وسقوط الأنظمة العربية في التبعية وتفاقم الاستغلال الرأسمالي.

 

 

فريدة النقاش 





محمود أمين العالم





رجاء النقاش





عبد العظيم أنيس