تنظيف بيئي لبؤر العراق (الساخنة)

  تنظيف بيئي لبؤر العراق (الساخنة)
        

          جروح العراق باتت كثيرة وغائرة وتحتاج إلى كثير من العلاج والعمليات العاجلة. ولعل خطورة وإلحاح هذه الجراح دفعا إلى الاهتمام بجروحه البيئية إلى الوراء قليلا. لذا بدأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة مشروعا بيئيا مهما يسعى إلى دعم قدرات العراق على التعامل مع آثار الحرب والنزاعات والنهب على البيئة.

          وتجري الآن عملية التنظيف البيئي لأحد المواقع الملوثة بدرجة كبيرة جنوب العاصمة العراقية بغداد وذلك من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة United Nations Environment Program في أعقاب دراسة حول (بؤر التلوث الساخنة) بيئياً في العراق.

          والموقع المقصود هو موقع القادسية للتصفيح المعدني, الذي يحتوي على الكثير من النفايات الخطرة, بما في ذلك العديد من أطنان مركبات السيانيد الخطرة.

          وسيشمل برنامج التنظيف البيئي للموقع, والذي بدأ في الشهر الماضي (ديسمبر 2005) وسيستمر لمدة ستة أشهر, عملية إزالة وتخزين ومعالجة نفايات السيانيد وذلك من أجل تقليل المخاطر على الصحة العامّة, التي يصنفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الوقت الحاضر على أنها (شديدة الخطورة severe). ويعتبر موقع القادسية - الذي تعرض للقصف العسكري والنهب ثم الهدم بطريقة عشوائية لم تخضع للرقابة خلال وبعد حرب العام 2003 - واحداً من المواقع الخمسة ذات الأولوية البيئية والتي قام خبراء عراقيون بدراستها ضمن مشروع أداره برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

          وكانت هذه المواقع الخمسة التي وردت تفاصيلها في التقرير المعنون (تقييم بؤر التلوث البيئية الساخنة في العراق Assessment of Environmental Hotspots), من بين قائمة ضمت 50 موقعاً تم تقديمها إلى وزارة البيئة العراقية لدراستها وترتيبها بحسب أولوية خطورتها.

          وقد يتم استخدام بعض من المبلغ المرصود من أجل تنظيف موقع القادسية, والبالغ 900 ألف دولار أمريكي, لإزالة السموم المتراكمة من أحد المواقع الأخرى ذات الأولوية. وهذا الموقع هو مجمع الصويرة لمستودعات مبيدات الآفات الحشرية والذي يبعد 50 كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة العراقية.

          ويعتبر التلوث بالمبيدات الحشرية خطراً عاماً محتملاً على الصحة والبيئة رغم أن هذا الخطر يعتبر أقل نسبياً مقارنة بالخطر الذي يمثله موقع القادسية للتصفيح المعدني.

          وربما لا تمثل المواقع التمهيدية الخمسة إلا بداية ونزراً يسيراً بالنسبة لبؤر التلوث البيئية الساخنة. ووصفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنها: (قمة جبل الجليد فيما يتعلق بالبؤر البيئية الساخنة). ويشير التقرير إلى أنّ العراق: (يعّج بإرث كبير من المواقع الصناعية والعسكرية الملوثة والخطرة).

          ويحذر التقرير أيضاً من أن تدمير الترسانة العسكرية العراقية قد أدى إلى ظهور مشاكل جديدة من التلوث البيئي والنفايات الخطرة في مكبات (الخردة) ومستودعات الذخائر والتي من الممكن إدارتها بشكل أفضل من خلال ممارسات عمل أقوم وتخطيط ناجع.

          ويشمل التقرير أيضاً توصيات تتعلق بالمواقع الملوثة في القطاع النفطي وتوصية واحدة خاصة بإنشاء مرفق فني لمعالجة النفايات الخطرة.

          وبشكل عام, يحتاج تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير بشكل كامل لمبلغ وقدره 40 مليون دولار أمريكي.

تقييم على المستوى الوطني

          وقد أجرى التقرير تقييما للقضايا الوطنية النطاق بشأن المواقع الملوثة والنفايات الخطرة. ومن أهم نتائج هذا التقييم, تجدر الإشارة إلى القضايا التالية:

  • تركة التلوث والنفايات الخطرة من المرافق الصناعية والأنشطة العسكرية: توجد في العراق تركة ثقيلة من المواقع الصناعية والعسكرية الملوثة المهملة. ويرجح ألا تستأنف العمليات في الكثير من المواقع. لكن جزءا من المناطق الواقعة في المناطق الحضرية قد يعاد تطويره لخدمة أغراض واستخدامات أخرى. وتواجه هذه المواقع مشكلات كبيرة بسبب النفايات الخطرة ومعضلات أخرى, وإن كانت أقل خطورة بشكل عام, بسبب تلوث التربة والمياه. وفي عدد قليل من الحالات, تمثل تلك المواقع خطرا شديدا على صحة البشر, وعلى وجه التحديد: العاملين بها والمتطفلين عليها. ويلزم تقييم كل موقع على حدة بأسلوب منهجي .
  • خفض التلوث الصناعي المنشأ: أسفر إغلاق مواقع كثيرة عن زيادة واضحة في تكوين النفايات ومستوى التلوث في الهواء والماء, حيث توقفت الآن عمليات كثيرة كبيرة النطاق مسببة للتلوث.
  • مواقع ما بعد النزاع التي تعتبر حالة خاصة - ساحات الخردة العسكرية والتخلص من الذخائر: أسفر تدمير ترسانة العراق العسكرية عن حالات منفردة لتلوث جديد ونفايات خطرة. ويمكن تقليل المخاطر البيئية والصحية وتخفيض تكلفة إزالتها في المستقبل, وذلك بإدخال بعض التحسينات الأساسية على ممارسات العمل والتخطيط.
  • صناعة النفط: وهي مصدر رئيسي لتلوث التربة والنفايات الخطرة يحتاج إلى دراسة شاملة.
  • السياسات والتشريعات: تتطلب إدارة النفايات الخطرة والأراضي الملوثة على المدى الطويل وضع استراتيجيات وسياسات وتشريعات وطنية, وتأمين الوسائل اللازمة لتنفيذها.
  • المرافق الوطنية لمعالجة النفايات الخطرة: لا توجد حاليا مرافق مصممة بطريقة سليمة لمعالجة النفايات الخطرة في العراق. وإتاحة وسائل مصممة تصميما سليما لمعالجة النفايات الخطرة أمر أساسي لتنفيذ أعمال إزالة التلوث في مواقع ملوثة بعينها.

          وقد وضع التقرير توصيات وتقديرات التكلفة المرتبطة بها للمواقع ذات الأولوية وللقضايا الوطنية النطاق على حد سواء. وهي تتضمن إجراءات عاجلة لتقليل المخاطر الصحية الناجمة عن وجود النفايات الخطرة في المواقع الأسوأ حالا. وفيما يلي ملخص للتوصيات على المستوى الوطني وتقديرات التكلفة المرتبطة بها:

          - تعيين المواقع الباقية التي تستلزم إجراءات تصحيحية سريعة - 400 ألف دولار أمريكي.

          - برنامج الإجراءات التصحيحية في نحو 20 موقعا - مليونا دولار.

          - بناء المقدرات في مجال الإجراءات التصحيحية - 400 ألف دولار.

          - إقامة مرفق لمعالجة النفايات الخطرة - 22 مليون دولار.

          - إدارة صناعة النفط للمواقع الملوثة المتصلة بها - ما يزيد على 10 ملايين دولار.

          - استرداد الخردة العسكرية الخطرة بالشراء وفصلها - عدة ملايين.

          - وضع سياسات واستراتيجيات وسياسات وتشريعات وطنية - 300 ألف دولار.

          ويقول كلاوس توبفر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: (إنّ الحرب والنزاعات العسكرية وعدم الاستقرار قد خلفت جميعها ندوبا غائرة في جسد الشعب العراقي والبيئة العراقية. وإذا قدّر لهذا البلد أن يكون له مستقبل أفضل وأقل خطورة, فإنه من الواجب على المجتمع الدولي تقديم المساعدة للسلطات فيه من أجل التعامل مع مواقع بؤر التلوث البيئية الساخنة, وهذا مثال جيد وإيجابي على المساهمة في بناء القدرات والدعم التقني).

المواقع الأكثر سخونة

          أجرى خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة عمليات تقييم للمواقع الخمسة الأكثر سخونة بيئيا خلال شهر أبريل الماضي وذلك بتمويل من الحكومة اليابانية تم تقديمه إلى صندوق الائتمان العراقي الخاص بمجموعة الأمم المتحدة للتنمية حيث تم تخصيص المبلغ لمصلحة برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

          وتمثل مساهمة الحكومة اليابانية جزءاً من برنامج أوسع وأشمل من النشاطات والفعاليات التي تهدف إلى تعزيز قدرات وإمكانات الحكومة العراقية في إدارة شئونها البيئية من خلال (برامج التقييم البيئي وبناء القدرات الوطنية).

          وضمن الفعاليات والنشاطات التي تمت في فترات ما بعد النزاعات العسكرية على سبيل المثال في البلقان وأفغانستان, قام قسم تقييم ما بعد النزاعات التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بعملية أخذ عينات بيئية وإجراء دراسات تقييم ميدانية خاصة بذلك. ولكن الوضع الأمني في العراق أعاق برنامج أخذ العينات مباشرة من قبل فريق برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وبدلاً من ذلك فلقد تقرّر تدريب الكوادر العراقية من مختلف الوزارات على تنفيذ هذا البرنامج مع القيام بفحص العينات في مختبرات معتمدة بأوربا.

          وقد تم تدريب ما مجموعه 30 خبيراً عراقياً على أساليب التقييم البيئي في ورش عمل في كل من الأردن وسويسرا والمملكة المتحدة. وتم كذلك تقديم المعدات اللازمة لهم لتقييم المواقع بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر المحمولة وتقديم المساعدة لهم في تفسير واستخدام النتائج التي تم الحصول عليها من المواقع الملوثة الخمسة ذات الأولوية.

مجّمع القادسية للتصفيح المعدني

          تبلغ مساحة هذا الموقع والذي تم بناؤه في عقد الثمانينيات من القرن الماضي, 50 هكتارا ويقع على سهل مستوٍ بين نهري دجلة والفرات. وكان في الماضي مجمعاً لتصفيح المعادن ووحدات التصفيح الميكانيكية التي تقوم بتصنيع مختلف المنتجات بما في ذلك الأسلحة الخفيفة. وخلال الحرب التي جرت في العام 2003, تعرض المجمع للتدمير من جراء القصف العسكري الأرضي والجوي. وبعد انتهاء الصراع المسلح, تعرض هذا الموقع لعمليات نهب واسعة ومتكررة.

          وأخذ فريق التقييم البيئي أكثر من ستين عينة بيئية من التربة والنفايات والمواد الكيماوية والمياه السطحية في الموقع بالإضافة إلى التقاط أكثر من 100 صورة فوتوغرافية. وخلص التقرير إلى أن أكثر المسائل إلحاحاً هي الأكوام المتناثرة من حبيبات سيانيد الصوديوم.

          ويعتقد بأن هناك العديد من الأطنان من هذا المركب شديد السمّية - والذي قد تكون جرعة صغيرة منه لا تتعدى جراماً واحداً قادرة على قتل الإنسان - لاتزال موجودة في الموقع. وهناك مخاوف حقيقية من أن الأطفال الذين يدخلون إلى الموقع قد يتعرضون للخطر المحدق عن طريق الجلد أو من خلال ابتلاع المادة الكيماوية عرضياً.

مستودعات الصويرة لمبيدات الآفات

          كان هذا المجمع الذي تبلغ مساحته أربعة هكتارات والذي يقع على مسافة 1,5 كيلو متر إلى الشمال من بلدة الصويرة يستخدم في السابق وعلى مدى 30 عاماً لتخزين وخلط وتوزيع العديد من المبيدات الحشرية. وقد اشتملت هذه المبيدات الحشرية على مركبات الزئبق والزنك والكالسيوم بالإضافة إلى مركبات الكلور الفسفوري العضوي مثل الليندين والهيبتاكلور ومادة الـ (دي دي تي).

          بعد شهر مارس من العام 2003, تعرضت المستودعات لعمليات النهب وهو ما أدى إلى تحطيم الحاويات الموجودة فيه وانتشار المبيدات الحشرية في جميع مباني الموقع. وقد أخذ فريق التقييم البيئي العراقي 20 عينة من التربة والنفايات والمواد الكيماوية مدعومة بأكثر من 100 صورة فوتوغرافية وأشرطة فيديو.

          وخلص التقرير إلى أن الموقع, وهو عبارة عن مستودعات ملوثة في معظمها, يمثل خطراً ذا مستوى منخفض نسبياً على صحة الإنسان, ويعود السبب في ذلك إلى أن الموقع هو الآن تحت الحظر مما يمنع المتطفلين من الدخول إليه.

          وقال التقرير: (إن حوالي 100 متر مكعب من نفايات مبيدات الآفات الحشرية حالياً موجودة في المستودعات), وهذه المستودعات: (غير آمنة للاستخدام أو حتى مجرد الدخول إليها وستبقى كذلك ما لم تتم عملية إصحاحها بيئياً وإزالة الملوثات منها).

موقع خان ضاري لمستودعات البتروكيماويات

          كان هذا المرفق الذي يقع على بعد 30 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة بغداد يحتوي على عدة أطنان من المواد الكيماوية الخاصّة بمصافي النفط حتى تعرض لعمليات النهب ثم الحرق الجزئي خلال شهر مارس من العام 2003.

          ويفيد التقرير بأن هذا الموقع يمثل خطراً على صحة العاملين فيه وذلك نتيجة لوجود البراميل المتضررة والمواد الكيماوية التي تحتوي عليها.

مجمع المشراق لمناجم الكبريت

          يقع هذا الموقع على مسافة تبعد 50 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة الموصل ويعتبر واحداً من أكبر مناجم الكبريت في العالم. وخلال شهر يونيو من العام 2003 شب في الموقع حريق كبير ومدّمر أدى إلى احتراق حوالي 300 ألف طن من مخزون الكبريت.

موقع عويريج للتخريد العسكري

          أصبح موقع عويريج وهو موقع كان مخططاً له أن يكون منطقة سكنية ويبعد مسافة 15 كيلو متراً إلى الجنوب من بغداد, مكاناً رئيسياً لطرح ومعالجة مواد الخردة العسكرية والأسلحة العراقية المدّمرة. وكان في السابق يحتوي على مئات المواد والأشياء ذات الخطورة المحتملة, بما في ذلك الدبابات والصواريخ التي تحتوي على ذخائر ومواد كيماوية لم تنفجر بعد. ويمثل هذا الموقع خطراً حقيقياً على الصحة البشرية وخصوصاً بالنسبة لعمال الموقع وسكان المنطقة المجاورة أيضاً.

          ويوصي برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن يتم فصل عمليات تفكيك وتخريد النفايات المدنية والعسكرية عن مناطق التطور التوسع السكني والتطور العمراني.

 

أحمد الشربيني   

 




يعاني العراق زيادة واضحة في تكوين النفايات ومستوى تلوث الهواء والماء





إرثٍ كبير من المواقع الصناعية والعسكرية الملوثة والخطرة





إرثٍ كبير من المواقع الصناعية والعسكرية الملوثة والخطرة





صناعة النفط مصدر رئيسي لتلوث التربة والنفايات الخطرة





لا توجد حاليا مرافق مصممة بطريقة سليمة لمعالجة النفايات الخطرة في العراق