الكرة السوداء تتألق.. بطولة أمم إفريقيا

 الكرة السوداء تتألق.. بطولة أمم إفريقيا
        

          ربما تعاني إفريقيا كثيرًا من الفقر والتخلف, من قسوة الطبيعة التي تصيب أرضها بالجفاف, ومن قسوة الحكام الذين ينشرون الفتن بين قبائلها, ولكن كرة القدم فيها قد أصبحت شيئًا مختلفًا. لقد تفتحت على أرضها عشرات من المواهب الفطرية, التي ازدهرت وغزت الملاعب الأوربية. وها هي تتجمع على أرض القارة في بطولة من أهم بطولاتها.

          كنا نعرف عن إفريقيا أنها قارة رحبة ومتسعة, تعيش وراء الزمن, وتحكمها الخرافات والأساطير, وأنها غابة يسكنها الوحوش وطرزان, ويتنازع السيطرة على أراضيها قبائل الدناكل والهاوسا واليوربا والزولو والأشانتي والماساي, الذين يشربون اللبن الممزوج بدماء البقر. وكنا نعرف عن إفريقيا أنها قارة قديمة عرفت الإنسان البدائي الأول وكانت موطنا له منذ 250 ألف سنة, وهي ثاني أكبر القارات بعد أسيا, وتغطي 20,3 % من مساحة الكرة الأرضية ويسكنها 800 مليون نسمة. لكنها شهدت تغييرات مناخية متتالية, وكان أقساها منذ 25 ألف سنة عندما تعرضت أرض كبيرة من القارة إلى التصحر, ونعرف عن إفريقيا أنها تعاني - حتى اليوم في كثير من مناطقها - من الفقر والتخلف, ومن آثار المستعمر الأوربي التي مازالت قائمة, وقد تحررت شعوبها, لكن الكثير منها لم يتحرر بعد من قهر حكامها. ولم يزدهر اقتصادها وينمو كما حدث في آسيا, لكن هناك لعبة أصبح حجمها في قلوب الشعوب أكبر من حجم الكرة الأرضية, وهي كرة القدم, التي أصبحت لعبة الأمم في القرن العشرين. ولعلي لا أتجاوز إذا قلت إن كرة القدم ساهمت بشكل كبير في تغيير وتطوير ثقافة الشعوب الإفريقية, ونقلت الإنسان الإفريقي إلى الحاضر, وجعلته يطل على العالم ومتغيراته, ويتعرف على ثقافات جديدة ويمتزج بها, وقد أصبحت لعبة ثرية وغنية بنجومها وتخلت عن بدائيتها, حيث كانت الفرق تخوض مبارياتها وهي مدعمة بجمهور غاضب وثائر يدق طبول الحرب طوال الوقت, وتقام حفلة سحر قبل أية مباراة, يستخدم فيها ساحر الفريق كل أشكال الشعوذة, بالاستعانة بثعبان أسود وذبح دجاجة ونثر دماء خنزير!

          وقد تغير هذا كله في نصف قرن, تطورت اللعبة وتغير الجمهور, وأصبحت المباريات والبطولات مهرجانات واحتفاليات, يعيش خلالها الملايين من جماهير القارة وشعوبها حالة من البهجة والفرحة, ويقبلون على متابعة مبارياتها, وهم يزينون وجوههم بألوان أوطانهم وفرقهم, ويهتفون ويغنون ويرقصون على أنغام الطبول والدفوف, لم تعد هتافات حرب لجمهور مسلح بالحراب, لكنها باتت أغاني عشق تعبر عن الحب والانتماء للأوطان والمنتخبات.

          ومن المؤكد أن كرة القدم في إفريقيا تدين بالفضل إلى بطولة كأس الأمم وهي من أهم البطولات القارية, وتأتي في الترتيب بعد بطولتي كأس العالم والأمم الأوربية. وبقدر ما زادت بطولة كأس العالم التي انطلقت عام 1930 من شعبية اللعبة وازدهارها وتحولها إلى صناعة ومشروع اقتصادى, وبقدر ما صنعت كأس الخليج التي أقيمت لأول مرة عام 1970, اللعبة في دول المنطقة, غيرت كأس الأمم الإفريقية وجه كرة القدم في القارة مع بدايتها عام 1957.

كرة قبائل البانتو

          كانت الفرق الإفريقية في الخمسينيات والستينيات تلعب كرة القدم بفطرة وبدائية, واشتهرت بكرة قبائل (البانتو) العنيفة, حيث اللعب على الأجساد والضلوع والسيقان. ففي تلك الفترة لم تكن هناك كرة قدم إلا في مصر والسودان وإثيوبيا. وعندما لعب منتخب مصر مع نظيره الإثيوبي في عام 1962 خسر الفريق 2|4 وكانت خسارته صدمة في شارع الكرة المصرية, لأنه بطل القارة في عامي 1957 و1959. وبررت الهزيمة في ذلك الوقت بارتفاع هضبة الحبشة عن سطح البحر ونقص الأوكسجين, بجانب خوف اللاعبين المصريين من أسد الإمبراطور هيلا سيلاسي الذي تابع المباراة بالمقصورة ويجلس بجواره أسده الشهير الذي يرمز إلى قوته!

          وتستضيف مصر بطولة كأس الأمم الإفريقية رقم 25 في الفترة من 20 يناير إلى 10 فبراير 2006, وتجري المباريات في أربع مدن, هي القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد. ويشارك في البطولة 16 منتخبا, تأهلت إلى النهائيات بعد طريق طويل من التصفيات, لتشهد أرض الكنانة الصراع التقليدي بين الأسود العنيدة والأسود التي لاتقهر, وأسود الأطلسي والنجوم السوداء, والأفيال والجياد المتوحشة ونسور قرطاج, والفراعنة, وهي الأسماء الرسمية لبعض المنتخبات على الكأس العريقة التي أقيمت لأول مرة في السودان عام 1957, وساهمت في انتشار اللعبة في القارة السمراء, ودعمت تأسيس الاتحاد الإفريقى.

كروكونيل.. تمساح النيل

          وهي المرة الرابعة التي تنظم فيها مصر كأس الأمم الإفريقية, وكانت الأولى عام 1959 وأحرزالفريق المصري اللقب, والثانية كانت في عام 1974 وخرجت مصر من الدور قبل النهائي بعد الهزيمة أمام زائير, وكانت المباراة النهائية باستاد القاهرة الذي يسع 100 ألف متفرج مثل (عرض خاص) لفيلم جديد للنقاد, فلاجمهور ولامشجعين. وفي عام 1986 نظمت مصر البطولة وصعدت للمباراة النهائية بعد مباريات ودراما لاتصدق, حيث خسرت مباراة الافتتاح أمام السنغال, وهزمت كينيا فيما بعد بهدف أدخل شوقي غريب التاريخ, ثم فازت على المغرب بقذيفة لطاهر أبو زيد مازال يفخر بها, وأمام 120 ألف متفرج هزمت الكاميرون بفضل الأسد الشهير كانا الذي أهدر ضربة جزاء, وأيامها راح صوت معلقنا الرياضي العملاق محمد لطيف من شدة الانفعال!

          وأنفقت الحكومة المصرية مايقرب من 250 مليون جنيه ذهب معظمها إلى تطوير الملاعب والاستادات التي ستقام عليها مباريات البطولة وهي 6 ملاعب, وفي مقدمتها ستاد القاهرة (ناصر سابقا), الذي أنشيء بتكلفة ثلاثة ملايين جنيه عام 1960 على غرار ستاد برلين الذي استضاف دورة الألعاب الأوليمبية عام 1936, وسيستضيف بعض مباريات كأس العالم القادمة بألمانيا, وكان استاد القاهرة تحفة معمارية, إلا أن ما أنفق عليه وحده في عمليات التحديث والتطوير وصل إلى 152 مليون جنيه. وتضمنت العمليات إعادة دعم جسم الاستاد المتآكل وتحديث الإضاءة واللوحات الإلكترونية وبناء أرضية جديدة للملعب, والاستعانة بـ 85 كاميرا لمراقبة سلوك الجماهير, وخلال ثلاث سنوات سيتحول الاستاد إلى هيئة اقتصادية شأن العديد من المنشآت الرياضية العالمية. كما خصصت إدارة الدورة 3 مراكز إعلامية منها المركز الرئيسي في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر لتسهيل عمل أكثر من خمسة ألاف صحفي وإعلامي سيقومون بتغطية فعاليات البطولة.

          وقد أجريت مسابقة لاختيار شعار الدورة, واختارت اللجنة المنظمة برئاسة المهندس هاني أبو ريدة (كوركونيل) أو تمساح النيل - الذي يرتدي تاج الملك مينا موحد القطرين - ليكون شعارا لتلك الدورة. وفي شهر أكتوبر 2005 جريت قرعة البطولة تحت سفح الأهرام.

          وأسفرت القرعة عن تقسيم المنتخبات المشاركة إلى أربع مجموعات, تخوض الدور الأول بنظام الدوري من دور واحد بواقع ثلاث مباريات لكل منتخب, ويصعد الأول والثاني من كل مجموعة إلى دور الثمانية لتقام المنافسات ابتداء من هذا الدور بنظام خروج المهزوم حتى النهائي, وجاء توزيع الفرق وفقا للقرعة على النحو التالى:

  • - المجموعة الأولى: مصر وليبيا والمغرب وكوت ديفوار
  • - المجموعة الثانية: الكاميرون وأنجولا وتوجو والكونغو
  • - المجموعة الثالثة: تونس وزامبيا وجنوب إفريقيا وغينيا
  • - المجموعة الرابعة: نيجيريا وغانا وزيمبابوي والسنغال

أقوى بطولات القارة

          ويجمع الخبراء, على أن كأس الأمم الإفريقية القادمة ستكون أقوى بطولات القارة, حيث سيشارك بها المنتخبات الخمسة التي تأهلت إلى المونديال, وهي تونس وتوجو وأنجولا وغانا وكوت ديفوار, وكل منتخب منها يسعى لإثبات ذاته وجدارته بالتأهل إلى كأس العالم, خاصة أن أربعة منتخبات منها نالت شرف اللعب في أقوى نهائيات كرة القدم لأول مرة. كما تشارك في بطولة الأمم الإفريقية المنتخبات العريقة التي خرجت من لعبة المونديال, مثل الكاميرون ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا والمغرب. وكل منها يرى أن الفوز بالكأس الإفريقية يعوض غيابه عن ألمانيا, واختصارا تضم البطولة جميع المنتخبات التي سبق لها الفوز باللقب, ماعدا السودان وأثيوبيا والجزائر. وقد وضعت مصر على رأس مجموعة باعتبارها الدولة المنظمة, وتونس لأنها الدولة حاملة اللقب. وكل من نيجيريا والكاميرون على رأس مجموعة وذلك وفقا لمعيارين, الأول اللائحة بناء على التصنيف الذي يحدده الاتحاد الإفريقى, وفقا لنتائج كل منتخب في بطولات كأس الأمم الثلاث الأخيرة, وهذا التصنيف يستبعد المنتخبات المتأهلة للمونديال من رءوس المجموعات, لأنها بلاتاريخ حقيقي في البطولات الثلاث الأخيرة.

          وتعد مصر وغانا والكاميرون أكثر الدول الإفريقية فوزا بالبطولة الإفريقية حيث فازت كل من مصر وغانا بالكأس أربع مرات, والكاميرون ثلاث مرات, كما أن هذه الدول أكثرها استضافة للبطولة, فالبطولة المقبلة هي الرابعة التي تستضيفها مصر, بينما نظمتها غانا ثلاث مرات من بينها مرة بالاشتراك مع نيجيريا في عام 2000.

          ووفقا لتصنيف الاتحاد الإفريقي, تأتي أربعة منتخبات في مقدمة الترشيحات, وهي مصر ونيجيريا والكاميرون وتونس, إلا أن بعض المنتخبات الأخرى تدخل في نطاق الترشيحات بتاريخها الحافل, وفي مقدمتها المغرب وكوت ديفوار وغانا والسنغال. وقد تأهلت أربعة منتخبات إفريقية مشاركة في كأس الأمم إلى نهائيات كأس العالم في الصيف القادم بألمانيا للمرة الأولى, وهي توجو وأنجولا وكوت ديفوار وغانا.

التاريخ في مواجهة الحاضر

          وقع المنتخب المصري في أصعب مجموعة, بشهادة خبراء اللعبة في القارة, وعلى الرغم من ذلك فإن حسن شحاته المدير الفني للمنتخب, قال إنه سعيد باللعب مع الفرق نفسها التي واجهها في تصفيات كأس العالم, وأضاف: (لاتعنينا قوة المجموعة لأن منتخب مصر يلعب على الفوز باللقب, ومن يرغب في الفوز بالكأس عليه أن يهزم الأقوياء.) واستعان حسن شحاته ببعض اللاعبين المحترفين في أوربا, بجانب 9 عناصر من فريق النادي الأهلي أفضل الفرق المصرية وبطل القارة. والطريف أن بعض الصحف المصرية تداولت فكرة أن يلعب الأهلى باسم المنتخب الوطنى, وأن يقود الفريق في كأس الأمم مدربه البرتغالي مانويل جوزيه, لكن أحدا لم ينصت أو يتحمس للفكرة بالطبع!

          ومصر التي فازت ببطولتين من ثلاث بطولات سابقة نظمتها تعد بالنسبة للكرة الإفريقية مثل منتخب إنجلترا بالنسبة للكرة الأوربية والعالمية, فهو منتخب مرشح دائما بغض النظر عن مستواه, مرشح بالتاريخ فهو يمثل أول دولة إفريقية عرفت كرة القدم في نهاية القرن التاسع عشر, وأول دولة في القارة تلعب في كأس العالم عام 1934. ومن المعروف أن إنجلترا التي نشرت كرة القدم في الكرة الأرضية لم تفز إلا ببطولة واحدة وهي كأس العالم 1966. وقد خرج المنتخب المصري من تصفيات مونديال 2006 بعد أن خسر مرتين أمام كوت ديفوار في الإسكندرية وابيدجان. كما خسر من ليبيا على ملعبها قبل أن يهزمها 4/1 في القاهرة. وكان الفريق المصري سببا مباشرا في إقصاء الكاميرون من المونديال بالتعادل 1/1 في ياوندى. ويتميز منتخب مصر بأنه يلعب على أرضه ووسط جماهيره, لكن الفرص تبدو متساوية في المجموعة, حيث يعد منتخب كوت ديفوار فريقا شابا, ويمتلك وفرة من النجوم في مقدمتهم ديديه دروجبا لاعب تشيلسي الإنجليزي, والمرشح للعام الثاني على التوالي للفوز بجائزة أحسن لاعب في إفريقيا. وتبدو المنافسة ثلاثية في المجموعة, بين مصر وكوت ديفوار والمغرب, وكان أسود الأطلسي قد خسروا فرصة اللعب في كأس العالم بالتعادل مع تونس 2/2 في المباراة الفاصلة باستاد رادس, بينما يرى الكثيرون أن منتخب ليبيا سيكون جسر فرق المجموعة إلى الدور الثاني من البطولة.

الأسود التي لاتقهر

          يعد منتخب الكاميرون الملقب بالأسود التي لاتقهر وبطل القارة 4 مرات هو المرشح الأول لصدارة المجموعة الثانية. ويسعى إلى تعويض غيابه لأول مرة عن المونديال بالفوز باللقب للمرة الخامسة. ويواجه منتخب الكاميرون بعض عناصر القوى الجديدة في الكرة الإفريقية, مثل أنجولا وتوجو المتأهلتين إلى كأس العالم. وقد تفوقت أنجولا على نيجيريا وسبقت توجو السنغال في تصفيات المونديال. ويضاف إليهما منتخب الكونغو الديموقراطية ويدربه الفرنسي الخبير بالكرة الإفريقية كلود لوروا, الذي يرى أن مجموعته هي أقوى المجموعات في البطولة. والمنتخبات الثلاثة تمتلك المواهب والعناصر الشابة والسرعة. وتبدو مع ذلك أن الترشيحات كلها تصب في مصلحة الكاميرون لاحتلال صدارة تلك المجموعة بقيادة صمويل إيتو المحترف في برشلونة الإسبانى, بينما يكون الصراع على المركز الثاني بين توجو وأنجولا.

تونس.. والحظ

          عندما سحبت مجموعة تونس أجمع عشرات النقاد والخبراء الأفارقة - الذين حضروا مراسم سحب القرعة - على أن منتخب تونس حامل اللقب, كان محظوظا للغاية باللعب في مجموعة سهلة لاينافسه فيها أي منتخب, حتى أنه اعتبر بطلا ومتصدرا لها تاركا المنتخبات الثلاثة الأخرى وهي: زامبيا وجنوب إفريقيا وغينيا لتتنافس فيما بينها من أجل الفوز بالمركز الثاني والاستمرار في السباق. ويقود نسور قرطاج المدرب الفرنسي روجيه لومير, وكان قد ثار الجدل في تونس بشأن الفريق الذي يمثلها في كأس الأمم الإفريقية, فهل يكون المنتخب الأول? أم الثاني? بحيث يتفرغ الفريق الأساسي للاستعداد لكأس العالم التي تأهل لها المنتخب التونسي للمرة الرابعة, وتقرر المشاركة بالفريق الأول. والواقع أن تونس مرشحة أولى فعلا, لأن جنوب إفريقيا غابت عن دائرة القمة منذ الفوز بكأس البطولة عام 1996. بينما مازالت زامبيا تحاول إعادة بناء فريق جديد تحت قيادة لاعبها القديم كالوشا بواليا المدرب الحالي.

النجوم السوداء هل تلمع?

          المجموعة الرابعة تنافس الأولى في درجة الصعوبة, فهي تضم نيجيريا بطلة إفريقيا مرتين وممثلتها في كأس العالم مرتين, لكنها لم تنجح في التأهل لمونديال 2006 في ألمانيا. وغانا التي حققت إنجاز اللعب في كأس العالم لأول مرة. والسنغال التي قادها الحاجي ضيوف إلى دور الثمانية لمونديال كوريا واليابان عام 2002 وزيمبابوي وتبدو الأخيرة بلا أمل. ربما يكون المنتخب الغاني قد حقق إنجازا كبيرا بالتأهل لنهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا للمرة الأولى في تاريخه, ولكن ما يضاعف من حجم الإنجاز أنه تحقق وسط تغييرات عديدة وحالة من عدم الاستقرار. ويملك المنتخب الغاني المعروف بلقب (النجوم السوداء) تاريخا حافلا على المستوى الإفريقي, حيث أحرز من قبل لقب بطولة كأس الأمم الإفريقية أربع مرات, وهو العدد نفسه الذي أحرزه كل من منتخبي مصر والكاميرون لتشترك المنتخبات الثلاثة في الرقم القياسي لعدد مرات الفوز باللقب.

          وعلى الرغم من ذلك لم يستطع المنتخب الغاني من قبل أن يحجز بطاقته إلى نهائيات كأس العالم - على مستوى الكبار- واكتفت كرة القدم الغانية بالظهور في بطولات كأس العالم على مستوى الناشئين, والغريب أن الفريق الغاني المتأهل لكأس العالم والفائز ببطولة مجموعته في التصفيات تناوب على تدريبه أربعة مدربين في 11 مباراة, ولم يعرف الاستقرار, الذي ينادي به الجميع ليكون إحدى الركائز التي يستند إليها نجاح أي فريق!

المرشحون للقب والخريطة الجديدة

          وتلك الترشيحات بشأن المنافسات في المجموعات الأربع, تستند إلى تاريخ كرة القدم في كل دولة وإنجازاتها, فالتاريخ يصنع خبرات ضاربة في الجذور وتتوارثها أجيال اللاعبين. كما أن طابع اللعب والمدرسة التي ينتمي إليها كل فريق من العوامل المؤثرة في الترشيحات, يضاف إلى ذلك مستوى الأداء في الوقت الحاضر وفي المباريات الأخيرة وعدد النجوم ووفرتهم.. لكن من الملاحظ على الكرة الإفريقية أن خريطتها تتغير بسرعة كبيرة, وفي كل فترة زمنية تظهر قوى جديدة, وهذا الأمر تشهده اللعبة منذ منتصف السبعينيات, إلا أن إيقاع التغيير بات الآن أسرع. ففي السنوات القديمة كانت القوى التقليدية المعروفة هي مصر والسودان وأثيوبيا وغانا, وزائير والكونغو كينشاسا سابقا, ثم ظهر الشمال الإفريقي تونس والمغرب والجزائر في نهاية السبعينيات وبات قوة جديدة, ثم ظهرت الكاميرون ونيجيريا وكوت ديفوار في الثمانينيات, وأخيرا عرفت الكرة الإفريقية منتخبات مثل جنوب إفريقيا وزامبيا ثم بوركينا فاسو ومالي وتوجو وأنجولا.

          والواقع أن التغيير في خريطة الكرة الإفريقية أسرع من التغيير من خريطة اللعبة في أية قارة. ففي آسيا مثلا مازال الصراع قائما منذ مطلع الثمانينيات بين كرة الشرق التي تمثلها كوريا واليابان, وكرة الغرب التي تمثلها السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات والعراق طبعا قبل أن تغيب في عام 1990. وبينما تظهر كل فترة إيران, فلا الكرة السورية ولا الأردنية ولا اللبنانية ظهرت كقوة, ولا أندونيسيا ولا الهند ولا فيتنام, ولاحتى الصين يمكن أن تعتبر من القوى المميزة في آسيا.

          والتوقعات لعبة خطرة وغير مضمونة في كرة القدم, لأن الأصل في اللعبة هو الشك في نتائجها فهو أحد أسرارها المثيرة, لكن الترشيحات تستند إلى حقائق ومستويات فنية. وفي ضوء ذلك نرى أن كأس الأمم الإفريقية ستكون مباراة بين القديم والجديد. بين مصر والكاميرون ونيجيريا وغانا وتونس والمغرب وكوت ديفوار وبين أنجولا وتوجو والسنغال وجنوب إفريقيا.. والخبراء يرون أن اللقب سيتنافس عليه الكبار السبعة!

اللاعب الإفريقي ينافس البرازيلى

          وقد تغيرت إفريقيا وتغيرت كرة القدم فيها, وأصبحت القارة غنية بالمواهب ولم تعد اللعبة كامنة وساكنة في مثلث نهر النيل القوي في مصر والسودان وإثيوبيا, حيث أصبحت إفريقيا منافسا للبرازيل في تصدير لاعبي كرة القدم إلى أوربا, فقد تجاوز عدد اللاعبين البرازيليين المحترفين في القارة البيضاء 800 لاعب, وهو رقم مهم ومؤثر في الدخل القومي السنوي, باعتبار أن هؤلاء يساوون ملايين الدولارات, بينما يصل عدد اللاعبين الأفارقة المحترفين في أوربا إلى 831 لاعبا منهم 646 لاعبا في أندية الدرجة الأولى و191 في أندية الدرجة الثانية. وتعد نيجيريا الدولة الإفريقية الأولى في تصدير لاعبي الدرجة الأولى إلى القارة البيضاء إذ وصل عدد لاعبيها 104 لاعبين, وتليها الكاميرون ولها 83 لاعبا, ولكل من السنغال وساحل العاج 58 لاعبا, ولجنوب إفريقيا 37 لاعبا. وتأتي المغرب في الصدارة عربيا ولها 41 لاعبا, ثم الجزائر ولها 23 لاعبا, ثم تونس ولها 16 لاعبا, ومصر ولها 17 لاعبا. وتضم أندية الدرجة الثانية 191 لاعبا إفريقيا, ومنهم 4 في إسبانيا و25 في إيطاليا و109 في فرنسا و39 لاعبا في ألمانيا و14 لاعبا في إنجلترا. والاحتراف في أوربا له معادلة غريبة, وهي أن الفقر والحاجة إلى المال وتواضع مستوى المعيشة في العديد من الدول الإفريقية يمثل الإغراء الأول لمن يمارس اللعبة, وقد أصبح حلم أي لاعب هو الاحتراف بحثا عن الثروة, لكنه يعزز حلمه بالمهارات والمواهب الفطرية واللياقة البدنية وبالجدية أيضا. ومن عجائب ظاهرة احتراف الأفارقة في أوربا أن مسابقات الدوري المحلية في القارة السمراء لاتصنع مالا ولا شهرة للاعب, فالدوري في الكاميرون مثلا ضعيف وليس له أي صدى على الساحة الإفريقية والأمر نفسه بالنسبة للدوري النيجيري وغيره, لكن لاشك أن المواهب والمهارات الفطرية في اللاعب الإفريقي فتحت الباب أمام عشرات اللاعبين, ومن هذه المهارات السيطرة على الكرة والقوة واللياقة البدنية, ويرتفع عدد اللاعبين الأفارقة لأن دول القارة وأنديتها لاتضع أي قيود على احتراف لاعبيها, والدول أيضا لم تضع أية قيود, حتى عرف العالم مايسمى(بتجارة الصغار) في كرة القدم, وهو مادفع الاتحاد الدولي إلى التدخل وتحديد سن الاحتراف بثمانية عشرة عاما. وقد تحايلت بعض الأندية الأوربية ومنها ريال مدريد وبرشلونة توقيع عقود مع أولياء الأمورمقابل احتراف الأبناء لفترات تصل إلى عشر سنوات ووضع شرط وهو أن يكون الأب والأم مصاحبين للابن في رحلة احترافه.

          في اليومين السابع والثامن من شهر يونيو عام 1956, شهد فندق أفينيدا بالعاصمة البرتغالية لشبونة اجتماعا بين عدد من رواد العمل الكروي الإفريقي, كان من بينهم المهندس عبد العزيز عبد الله سالم والكابتن محمد لطيف ويوسف محمد من مصر, والدكتور عبد الحليم محمد والدكتور عبد الرحيم شداد وبدوي محمد من السودان, ومعهم فريد فيل من جنوب إفريقيا, وانتهى الاجتماع بالاتفاق بين الحاضرين على الآتي:

          1- إنشاء اتحاد إفريقي لكرة القدم.

          2- إقامة أول بطولة إفريقية للفرق الوطنية بداية من العام نفسه, أي العام 1957.

          ووقتها اقترح د.عبدالحليم محمد من السودان أن تكون بلاده (السودان) التي كانت قد نالت استقلالها لتوها في يناير من عام 1956 هي صاحبة شرف تنظيم أول بطولة للأمم الإفريقية الجديدة, ودعم المسئول السوداني اقتراحه بتأكيده على أن الحكومة السودانية تقوم بالفعل بإنشاء استاد كبير في العاصمة الخرطوم, ولم يجد المجتمعون إلا الموافقة على الاقتراح, ومن هنا تولدت فكرة إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية.

          وقد اقترح عبد العزيز سالم - من جانبه - أن تخصص كأس للفريق الفائز بالبطولة, معربا عن رغبته في أن تحمل هذه الكأس اسمه, وهو ما اعترض عليه الدكتور عبد الحليم, وفي محاولة لحل الخلاف بصورة مرضية لجميع الأطراف, تم الاتفاق على أن تسمى البطولة المقترحة باسم كأس إفريقيا, على أن تسمى الجائزة أو الكأس فقط باسم عبد العزيز سالم.

          وبعد افتتاح استاد الخرطوم الجديد, بدأت أول بطولة إفريقية للأمم, وانعقدت في العاصمة السودانية - في الوقت نفسه - اجتماعات الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم, والتي وضعت النظام الأساسي الذي يحكم المسابقة الوليدة.

          وفتح الاتحاد الإفريقي هذه المسابقة لمن يرغب في المشاركة من دول القارة, وقرر أن تقام بنظام دوري من دور واحد مادام عدد الفرق المشاركة بقي أقل من أربعة فرق, وكانت اللائحة وقتها تنص على قيد أسماء 25 لاعبا فقط لكل فريق, على ألا يسمح هناك بإجراء تغييرات للاعبين أثناء المباريات.

          وتقرر أن يكون التقدم بطلب المشاركة في البطولة قبل موعد بدء البطولة بوقت كاف, على أن يتم إخطار الاتحاد الإفريقي بالانسحاب أو الاعتذار عن عدم المشاركة قبل بدء البطولة بشهر واحد على الأقل, مع دفع غرامة للفريق المنسحب قدرها 50 جنيها مصريا فقط لا غير!!

          واتفق على أن توزع أرباح المباريات من حصيلة بيع التذاكر على النحو التالي:

  • - 12 % من الأرباح تذهب إلى الاتحاد الإفريقي والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).
  • - 5 % للجنة المنظمة بالبلد المضيف.
  • - 5 % لاتحاد الكرة في الدولة المضيفة.
  • - 75 % للفرق المشاركة في البطولة.

العنصرية أبعدت جنوب إفريقيا

          وقد أسفرت قرعة البطولة الأولى عن لقاء مصر مع السودان, ولقاء إثيوبيا مع جنوب إفريقيا, ولكن هنا تفجرت مشكلة حول تحديد الفريق الذي يمكنه تمثيل فريق جنوب إفريقيا, فقد طلب مندوب جنوب إفريقيا فريد فيل وقتها إرسال برقية سريعة إلى بلاده لمعرفة ما إذا كانت حكومته سترشح فريقا من السود أم من البيض, حيث كانت بلاده تطبق نظام التفرقة العنصرية وقتها, ولكن أعضاء الاتحاد الإفريقي طلبوا منه أن تشارك بلاده بفريق يتألف من لاعبين يمثلون كل أعراق المجتمع الجنوب إفريقي أي من البيض والسود معا, ولكن هذا الطلب قوبل بالرفض من جانب فيل, وإزاء تمسك كل طرف بموقفه, آثر مندوب جنوب إفريقيا الانسحاب من البطولة.

          وبسبب هذه الأزمة, أصبح من الضروري إقامة البطولة بنظام دوري من دور واحد بين الفرق الثلاثة: مصر والسودان وإثيوبيا, ولكن مندوب إثيوبيا مستر تسيما رفض باعتبار أن انسحاب جنوب إفريقيا يعني أن أثيوبيا يجب أن تتأهل مباشرة إلى النهائي!

          وفي يوم 10 فبراير من عام 1957, افتتح رئيس الوزراء السوداني سيد إسماعيل الأزهري البطولة الإفريقية الأولى بالسودان, وأمام 30 ألف مشجع, أقيمت المباراة الأولى - في الدور قبل النهائي من البطولة بين مصر والسودان, وانتهى اللقاء بفوز مصر 2/1 وأحرز هدفي مصر يومها رأفت والديبة.

          وفي المباراة النهائية التي أقيمت يوم 15 فبراير فازت مصر على إثيوبيا بأربعة أهداف نظيفة أحرزها جميعها الديبة, وتسلم الفريق المصري كأس عبد العزيز عبد الله سالم كبطل لأول بطولة أمم إفريقية.

          وبعدها توالت البطولات مرة كل عامين, وأقيمت البطولة الثانية في مصر, والثالثة في إثيوبيا, وتزايد عدد الفرق المشاركة مرة بعد أخرى, مع تزايد عدد الدول الإفريقية التي حصلت على استقلالها, وبلغ عدد الدول المشاركة في البطولة 8 دول منذ بطولة عام 1968 في إثيوبيا, وظلت تستقبل هذا العدد حتى عام 1992 في السنغال والتي شارك فيها 12 فريقا, وفي البطولة التي جرت عام 1996 في جنوب إفريقيا العائدة إلى الاتحاد الإفريقي شارك 15 فريقا بدلا من 16 بعد انسحاب نيجيريا لخلافات سياسية مع الدولة المضيفة, وكانت بطولة عام 2000 هي أول بطولة تنظم في بلدين متجاورين هما غانا ونيجيريا.

سر وسحر كرة القدم

          وإذا كانت كأس الأمم الإفريقية ساهمت في تطوير اللعبة في القارة, وأثرت لاعبيها وأثرت في شعوبها, ترى ماهو سر وسحر كرة القدم التي أصبحت بحجم الكرة الأرضية في قلوب البشر? ولماذا أصبحت اللعبة الشعبية الأولى? ولماذا كرة القدم وليس كرة اليد أو كرة السلة?!

          في مايو عام 2004 احتفل الفيفا بمرور مائة عام على تأسيسه, وهو بعد مضى قرن من الزمان أصبح إمبراطورية أوجمهورية, تضم الآن 207 دول, وشعوبها يقدرون بالمليارت وهم جمهوره اللعبة. وللوهلة الأولى سترى أن السر والسحر يكمنان في نتائجها المتغيرة, وفي الشك فيها, فلايقين بفوز فريق قبل أية مباراة. ثم إن مفاجآتها صارخة, وتندلع بسببها مظاهرات الفرح, أو مظاهرات الغضب, وربما الحرب بالطائرات والدبابات - كما حدث بين السلفادور وهندوراس, في تصفيات كأس العالم عام 1970. لكن هذا غير دقيق تماما في تفسير ظاهرة كرة القدم لعبة الشعوب والأمم!

          لقد عشقت كرة القدم منذ الصغر, ثم مارستها ناقدا, وعشت مئات المباريات, ولمست جوهر اللعبة, وهو الصراع, وبحثت في أسرارها وفي معنى تردد كثيرا, وهو: (أن كرة القدم لعبة تقوم على فكرة الصراع الجماعي, وهي تعد البديل المشروع للحرب, لأن الحرب غريزة بشرية, وأن ذلك يفسر ازدهار كرة القدم فيما بعد الحرب العالمية الثانية).

          وأتعامل مع كرة القدم بعمق وتأمل. وهناك مشاهد ألتقطها ولا أنساها أبدا في ساحات اللعب والكفاح, ومنها هذا المشهد الغريب لرجل يقف بجلبابه السنغالي الشهير أمام عدسات المصورين وهو يمسك بديك يرمز للمنتخب الفرنسي من عنقه, مداعبا أو موحيا بأنه (يخنقه) بعد فوز منتخب بلده الإفريقي على فرنسا حاملة اللقب في افتتاح مونديال 2002 في كوريا واليابان, فهذه الابتسامة التي غلف بها السنغالي وجهه في اللحظة التي يتوقف فيها الزمن لجزء من الثانية لتسجله الكاميرا, لم يخف بها ما فعلته وصنعته كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في الشعوب, فكلما ازداد فقر البلاد أو القهر السياسي زادت أهمية اللعبة, فهي البديل للأحزاب الغائبة في الشارع السياسي, فيكون الانتماء لفريق تعويضا عن الانتماء إلى حزب, أو هي فرصة لإبداء الرأي في الوضع الاقتصادي بصرخة ضد حكم أو هتاف غير لائق ضد فريق باعتبار أن ساحة الملعب تسمح بالغضب والانفلات. وربما لاتغير نتائج كأس العالم شيئا في السويد أو أمريكا أو فرنسا, التي فقدت لقبها في أكبر مفاجآت مونديال الشرق الأقصى, لكن كرة القدم ونتائجها في السنغال أو إيران تفعل الكثير, فقد يكون الهدف انتصارا حضاريا, أو هزيمة للشيطان. ولن أنسى تصريح مدرب (أسود التيرانجا) - أي العنيدة - وهو الاسم الرسمي للفريق السنغالي حيث قال: (إن مباراتنا مع فرنسا كانت مواجهة بين البروليتاريا - عامة الشعب - والنبلاء!)

          لقد أتاحت ساحة مغطاة بعشب أخضر جميل, تحيط بها مدرجات مزدحمة, الفرصة لكي يهتف فيها الآلاف من الناس لفريق أو ضد فريق, ويصرخون, ويفرحون, ويتألمون, ويهاجمون مندوب العدالة - الحكم -الذي كان يرتدى زيا أسود ثم تعددت ألوانه. وهذا الصراخ والهتاف والانفعال يعود بالبشرية إلى الوراء آلاف السنين, إلى عصر حلبات المصارعة الإغريقية التي كان يتبارز فيها مصارعان بالسيف والدرع أمام القيصر, وتنتهي المباراة بفوز أحدهما, ومقتل الآخر!

نتائجها تمس كبرياء الأمم

          والواقع أن كرة القدم باتت في حياة الشعوب بحجم الكرة الأرضية, وأصبحت نتائجها تمس كبرياء الأمة, وتحولت من مجرد لعبة إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية. وتعدت كرة القدم حدود الساحة الخضراء, وعكست كل أشكال الصراع, وجسدت تقسيما شاع في نهاية القرن العشرين للعالم, وهو الشمال الغني والجنوب الفقير, بكل ما يحمله الغني في قلبه وعقله من تعال, وغرور, وثقافة, وبكل ما يحمله الفقير في قلبه وعقله من تغاض, وصمت, وصبر, وجهل في مواجهة الأول!

          وبينما كان العالم يتذكر ماكتبه الأمريكي صمويل هنتجتون في منتصف الثمانينيات عن صدام الحضارات بعد أحداث 11 سبتمبر وتحطم الكبرياء الأمريكي عاش نفس العالم شهرا كاملا التقت خلاله واتصلت الحضارات, ولو قدر لمصور عبقري أن يلتقط صورة كونية يجسد فيها كل مشاهد وأحداث المونديال الأخير في كوريا واليابان, وساعده الزمن بالتوقف, فسوف تسجل عدسته لحظة يلعب فيها العالم ببهجة واستمتاع هناك بعيدا في الشرق الأقصى. ومما لاشك فيه أن الوجه الجميل في كرة القدم هو الذي دفع السياسي السويدي لارس جوستافسون عام 2001 إلى ترشيح اللعبة للفوز بجائزة نوبل للسلام, ولم تكن تلك مداعبة ففي تاريخ الرياضة وكرة القدم مشاهد تؤكد قدرتها على إزالة الخلافات وتقريب المسافات بين الشعوب, وأقرب المشاهد بالترتيب الزمني ماحققه المونديال الأخير, فقد أزال تاريخا من العنف والدم بين كوريا واليابان منذ غزو الإمبراطورية اليابانية لشبه الجزيرة الكورية عام 1867 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية!

          وكرة القدم باتت مركز قوة عالميا بجماهيرها وشعبها, وبشعبيتها, وأموالها, وبهذا الجنون بها.

          والاتحاد الدولي لكرة القدم منح كوريا واليابان مالم يمنحه لغيرهما من قبل, وهو تأليف نشيد, للبطولة قامت بإعداده شركة سوني, وتضمن النشيد مقطوعات موسيقية من الدول المشاركة, بجانب موسيقى الدولتين المضيفتين, وألف النشيد الموسيقار الشهير فانجليز, وكانت تلك هي المرة الأولى التي يكون فيها للمونديال نشيد وقد شاركت فيه الطبول الآسيوية, وأصوات الكمان والتشيلو والفيولون سيل, كما غنت الأمريكية أناستاسيا أغنية (بووم), التي تعني ازدهار, وكان هو العنوان الرسمي لأغنية البطولة. لكن هل كان المقصود من فكرة النشيد الأول في تاريخ كأس العالم في كوريا واليابان الإيحاء بأن كرة القدم أصبحت وطنا?!

لماذا غزت كرة القدم العالم?

          لأنها ببساطة صورة من صور الحرب المشروعة, والحرب رياضة غريزية عند البشرية, وكرة القدم بتعبير آخر تعد صورة من صور الصراع الجماعي المتكرر, وعن الصراع الجماعي يقول جورج زيفلير الصحفي الفرنسي والكاتب في الفيجارو: (منذ الأزل والمظهر الذي يحكم العلاقات الإنسانية هو الكفاح, فعندما تهاجم جماعة ما جماعة أخرى فإن رد المجموعة الأخرى هو حتما المواجهة ومنها يأتي التصادم والعنف!

          وكرة القدم لعبة سهلة تمارس في أي مكان, في ساحة في شارع, وبأية أدوات, فلا تحتاج إلى ملابس معينة كما في الملاكمة أو الكرة الأمريكية أو إلى ألواح خشبية تمثل المرمى كما في كرة السلة أوشباك كما في الكرة الطائرة, ولايلزم لممارستها مضرب كما في التنس, ولاغرفة مغلقة كما في الإسكواش, ولا أنهار كما في التجديف ولاماء كما في السباحة, ولاجواد وحواجز كما في الفروسية. ومن الممكن أن تقام مباراة بين فريقين بكرة من الحجارة, وهي تمارس في الملاعب المفتوحة والمغلقة, تحت ضوء الشمس وتحت ضوء القمر, وقوانينها بسيطة غير معقدة, وكثيرون حتى اليوم من شعوب العالم لايعرفون قوانين البيسبول مثلا, وهي لعبة شعبية أمريكية, في حين أن كثيرا من الأمريكيين يعرفون قوانين كرة القدم, وهي ليست من اللعبات الشعبية في الولايات المتحدة. وكرة القدم لعبة ممكنة للجميع, للأغنياء وللفقراء, للأطفال والرجال وللسيدات أيضا, لقصار القامة ولطوال القامة, فلكي تكون لاعبا بارعا في كرة السلة أو الطائرة لابد أن تكون طويلا, ولكي تكون مصارعا فذا لابد أن يكون جسدك كتلة من العضلات!

          لكن علماء الاجتماع يقولون: (في وسط القرن التاسع عشر ولد المجتمع الصناعي الذي أرغم عددا كبيرا من الناس على استعمال الأيدي في العمل الآلي المرهق, مما حرمهم من النشاطات الخلاقة الأخرى, وعليه فقد وجد الآلاف في لعبة كرة القدم الجديدة التنظيم الجماعي, الذي يعكس صورة من صور حياتهم وفي الوقت نفسه يعطى قيمة إضافية بل وثقافية لاستخدامات الأطراف التي لاتستعمل في العمل, وهي الأرجل!)

          والإبداع بالقدم يختلف عن الإبداع باليد, وهذا من أسرار اللعبة فعندما يجيد اللاعب التحكم بالكرة بقدمه, بالمراوغة أو مداعبتها فإن ذلك يثير إعجاب الجماهير, وعندما يسجل لاعب الكرة هدفا بقدمه من مسافة بعيدة فإن ذلك يثير أيضا إعجاب الجماهيرالتي لاتعبر عن القدر نفسه من الإعجاب في الأهداف التي تسجل باليد كما في كرة اليد والسلة, كما أن أهداف كرة القدم قليلة, وقلتها تزيد من درجة الانفعال بها, بينما في كرة اليد والسلة نرى هدفا كل دقيقة. ولكي نجعل الصورة أوضح فإن لاعب كرة القدم هو فنان يرسم لوحة بقدمه, وهذا أصعب بكثير من الفنان الذي يرسم نفس اللوحة بيده!

كل أشكال الكرة

          ومن كرة القدم استمدت شعوب العالم بثقافاتها المختلفة كل أشكال وألوان ألعاب الكرة, التي ولدت من بطن كرة القدم, تلك اللعبة التي كانت مثل المعارك الحربية في القرون الوسطى في بريطانيا, فهي بين مدينتين أو بين قريتين, والهدف أن تصل الكرة إلى المدينة أو القرية الأخرى بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة وقد تبلورت قوانين كرة القدم التي نمارسها في العصر الفيكتوري, عندما أصبح اللهو المنظم جزءا لايتجزأ من تطور المجتمعات الصناعية, وأول من وضع قواعد اللعبة هم طلبة المدارس في إنجلترا ومنها كلية (أيتون), وحتى الآن تقام مباراة واحدة سنويا في تلك الكلية العريقة بالقواعد القديمة والملابس نفسها, وانتشرت كرة القدم, كما انتشرت الرجبي. وفي الولايات المتحدة الأمريكية لعبة مماثلة للرجبي الإنجليزية هي كرة القدم الأمريكية, وفي أيرلندا لعبة الرجبي الخاصة بها وفي استراليا لعبة تعد خليطا بين كرة القدم والرجبي تسمى (استراليان رولز) وفي ويلز لعبة مشابهة للرجبي تسمى (جايليك, فوتبول) وفي آسيا لعبة تجمع بين الكرة الطائرة وكرة القدم وتسمى (سيباك تاكراو) وهناك كرة القدم على الدراجات البخارية وتسمى (موتوبول)!

الخروج على القانون

          وهناك دراسة قام بها الباحث الفرنسي كريستيان برومبرجر, الأستاذ بجامعة بروفانس في جنوب فرنسا, عن كرة القدم كظاهرة تنسحب آثارها على الفرد والمجتمع, وشاركه باحثان آخران وكانت الدراسة على جماهير مرسيليا ونابولي وتورينو واستغرقت 10 سنوات, وقد درس الباحثون سلوك الجماهير في ملعب كرة القدم وتوصلوا إلى أن الملعب يجمع بين المؤيدين وهم الجمهور وأبطالهم وهم اللاعبون, وأن هذا الملعب أحد الأماكن القليلة التي يستطيع فيها الانسان أن يفلت من القانون والضوابط والقيود الصارمة التي تنظم حياته في الشارع والمدرسة والعمل والمنزل, ولذلك فهو في الملعب ينفلت ويفرح ويصرخ وينفعل ويغضب مثل المجنون وسط سلوك جماعي مصاب بالجنون مثله, ولا أحد يستطيع أن يحاسبه ويصفه بأنه خارج على النظام والانضباط وأنه مجنون!

          ولذلك كانت كرة القدم لعبة القرن العشرين وستبقى لعبة القرن الواحد والعشرين!

أبطال كأس الأمم الإفريقية

السنة               مكان البطولة               الفائز

1957                  (السودان)                   مصر
1959                  (مصر)                      مصر
1962                 (أثيوبيا)                      أثيوبيا
1963                (غانا)                         غانا
1965                (تونس)                       غانا
1968                (أثيوبيا)                       زائير
1970                (السودان)                     السودان
1972                (الكاميرون)                 الكونغو برازافيل
1974                (مصر)                       زائير
1976                (أثيوبيا)                      المغرب
1978                (غانا)                        غانا
1980                (نيجيريا)                     نيجيريا
1982                 (ليبيا)                        غانا
1984                 (ساحل العاج)              الكاميرون
1986                (مصر)                       مصر
1988                 (المغرب)                   الكاميرون
1990                 (الجزائر)                   الجزائر
1992                 (السنغال)                   ساحل العاج
1994                 (تونس)                     نيجيريا
1996                 (جنوب إفريقيا)           جنوب إفريقيا
1998                 (بوركينافاسو)            مصر
2000                 (غانا ونيجيريا)          الكاميرون
2004                 ( تونس )                  تونس

 

حسن المستكاوي   

 
  




صورة الغلاف

















حفل إجراء القرعة وتقسيم المنتخبات الستة عشر إلى أربع مجموعات, ونرى في الصورة نجم مصر السابق محمود الخطيب وهو يشارك في اختيار القرعة





تميمة البطولة تمساح النيل





أهداف وأفراح تعيد صهر القارة التي مزقتها الخلافات في عرس كروي واحد





المهندس هاني أبو ريدة مدير الدورة وهو يلقي كلمة افتتاح حفل القرعة





الوجوه الإفريقية بكل ما فيها من ألوان صاخبة وخطوط بدائية انتقلت من عمق الغابة إلى مدرجات الملاعب





أربعة منتخبات جديدة برزت فجأة في إفريقيا وتغلبت على الفرق القديمة لتشارك في كأس العالم التي ستقام في ألمانيا.. المنتخبات هي: أنجولا وتوجو وغانا وساحل العاج





أربعة منتخبات جديدة برزت فجأة في إفريقيا وتغلبت على الفرق القديمة لتشارك في كأس العالم التي ستقام في ألمانيا.. المنتخبات هي: أنجولا وتوجو وغانا وساحل العاج





لقطة من البطولة الإفريقية السابقة التي فازت بها تونس عام 2004





استاد القاهرة الذي سوف يحتضن مباراتي الافتتاح والختام وقد خضع للتجديد والترميم





منتخب أنجولا يبرز للصدارة ويثبت نفسه في تصفيات كأس العالم.. هل يستطيع أن يؤكد ذلك في أمم إفريقيا 2006?!





جانب من حضور حفل القرعة الذي أقيم داخل خيمة تحت سفح الهرم في مصر لتقسيم المنتخبات الستة عشر









المنافسات محتدمة وكل يبحث عن بطولة.. فمن سيحمل كأس إفريقيا لعام 2006?!





الإبداع بالقدم هو أحد أسرار هذه اللعبة. فعندما يندفع اللاعب ويراوغ ويتمكن من التهديف يثير إعجاب الجماهير