عفوا لأبنائنا هذا الصديق غير مناسب! هالة حلمي

عفوا لأبنائنا هذا الصديق غير مناسب!

يصاحب الأبناء- أحيانا- أصدقاء. غير مناسبين، ترفضهم الأسرة لتأثيراتهم السيئة على الأبناء. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إنما قد يتمسك الابن بصديقه، رغم اعتراض أبويه على هذا الصديق غير المناسب.

إلى أي مدى يمتد تأثير الأصدقاء على الأبناء، وكيف يرشد الآباء أبناءهم لحسن اختيار الأصدقاء؟ ومن ثم استبعاد الصديق غير المرغوب فيه؟

هل بالضرورة أن يصبح الآباء أصدقاء لأصدقاء أبنائهم؟!

هذا ما سنتعرف عليه عن خلال آراء بعض علماء النفس والاجتماع. نسأل د. عمد إسماعيل عمران أستاذ علم النفس- بكلية التربية، جامعة عين شمس

* هل بالضرورة أن يصاحب الآباء أصدقاء أبنائهم؟

فيقول: علاقة الوالدين بأصدقاء أبنائهم موضوع مهم جدا، لأن الصديق يلعب دورا مهما في حياة الابن؟ خاصة في مرحلة المراهقة، تليها مرحلة الشباب، لذا وجب أن تهتم الأسرة بأصدقاء أبنائها من الجنسين خصوصا في مرحلتين.

أولا: الأبناء قبل الدخول في مرحلة المراهقة، وهنا على الأسرة أن توطد علاقتها بأصدقاء الأبناء من الجنسين. ويرى د. عمران ضرورة دعوة الأصدقاء في هذه المرحلة إلى المنزل كمحاولة للتعرف على هويتهم وأخلاقهم وسلوكهم، ويتأتى ذلك في المناسبات التي تعطي الأبناء بعض الحرية في التصرف على مرأى من الآباء والأمهات. بمعنى أن يسأل الآباء أبناءهم عن الأصدقاء، وإن اكتشفت الأسرة أخلاقيات ومفاهيم لا تتفق مع النظام المتبع داخل المنزل فعليها أن توجه نصيحة للأبناء بالابتعاد عن هؤلاء الأصدقاء، وسوف يستجيب الأبناء لهذه النصيحة إذا أتت من منطلق الحب والقرب والتفاهم، وعادة يشكل الوالدان والإخوة الكبار في هذه المرحلة العمرية- ما قبل المراهقة- القدرة للأبناء.

المرحلة الثانية: مرحلة المراهقة وهنا يصبح تأثير الوالدين على الابن غاية في الصعوبة، لأن المراهقة في حد ذاتها ثورة ضد كل من يمثل السلطة؟ وضد كل من هو كبير سواء الأم، الأب، الإخوة، المدرس... وغيرهم. وهي ثورة طبيعية، وتعدد هذه المرحلة أيضا مرحلة "الخضوع للرفاق" والنقطة المهمة هنا أنه من الصعوبة تغيير أصدقاء الأبناء في هذه المرحلة لأن رفض الوالدين لهم قد يؤدي إلى تشبث الابن بهم، لذلك فإن المرحلة الأولى مهمة والتأثير فيها أكبر.

أما في المرحلة الثانية فقد يتقبل الابن النصيحة ظاهريا ويرفضها في الخفاء لأن "السلطة هنا للرفاق"

*بماذا تنصح الأبوين حتى لا ينجذب الابن لصديق غير مناسب؟

- أنصحهما بالاهتمام بالابن، وتوجيه طاقاته نحو عمل سليم كالرياضة مثلا وتنمية هواياته، فانحراف الأبناء بأي صورة لا يخضع لعامل الرفاق فقط. وثمة عوامل تدفع الابن لمرافقة صديق غير مناسب مثل بعد الأبوين. لا بد من طرح وجهة النظر دون هجوم ومناقشة الابن، فيكون الأب قريبا وبعيدا، يلقي النصيحة ويتركه، فالابن حتى لو كرر الخطأ فسينصرف  عنه.

* وكيف تكون المراقبة؟

- في المرحلة العمرية الأولى تكون المراقبة قريبة ومباشرة، والتعليم هنا مقصود ولا بد عن إعطاء الطفل بعض الحرية مع التحفظ، لأن أهم شيء في هذه المرحلة اللعب والحب.

أما في مرحلة سن المراهقة فيصبح الأب والأم هنا الحاضر الغائب، وتتم المراقبة عن بعد، أما إذا اقتربت الخطورة فهنا يجب التدخل.

نقطة مهمة وهي أنه من الخطورة أن يكون ثمة فرق سني كبير بين الصديق وصديقه لأن الصديق الأصغر هنا يدخل في خبرات لم يمر بها، ومعرفته بها قد تؤدي إلى اضطرابه وصدمته وقد يوجهه الصديق الأكبر توجيها خاطئا.

أما اختلاف الجنس بين الصديقين فنحن كشرقيين ومسلمين نرفض ذلك، وإذا تم هذا الاختلاط فلا بد أن يكون في حدود وعلى مرأى من الوالدين، فنحن لا نترك قيمنا ولا ننسى أيضا تغيرات العصر.

إن كبر إبنك

وبما أن الأبناء ينتمون إثر مجتمع الأسرة، والأسرة بدورها نظام اجتماعي صغير داخل المجتمع. الكبير والذي يضم أصدقاء الأبناء، لذا أصبح رأى علم الاجتماع مهما حول موضوع أصدقاء الأبناء. وكان لقاؤنا مع د. حسن الخولي أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات، جامعه عين شمس، حيث يتحدث عن مدى تأثير الأصدقاء على يعضهم البعض فيقول:

- إن هذا التأثير بالغ القوة لدرجة أنه أقوى من تأثير الأسرة على أبنائها، إذ يشترك الصديق مع صديقه في خصائص كثيرة منها:

الخصائص العمرية، والميول المشتركة، إضافة إلى خصائص نفسية متعددة، ودائما يطمع الأبناء إلى تحقيق الذات، الأمر الذي قد تغفله الأسرة، فلا تعطي الابن الوضع الاجتماعي المناسب، والذي يحققه من خلال جماعة الأقران إذ يحترمه أصدقاؤه فيفضي إليهم بأسراره التي ربما يخجل عن الإفضاء بها لأبويه.

* وكيف يتصرف الوالدان إذا وجدا أفي أحد أبنائهما يصادق رفيق سوء؟

- أرى أنه لا يجب رفض هذه الصداقة جملة وتفصيلا دون تعريف الابن سبب الرفض، ونبدأ بأن نعرفه أن هذا الصديق لا يعجبنا، وأنه لا بد أن يتقبل رأي الوالدين لأنهما أكثر خبرة ورؤية، وذلك حتى لا ينجرف الابن نحو "العقل الجمعي للشلة" نحذر الابن من هذا الصديق ونوعيه بمدى خطورة صداقته على سلوكه وتصرفاته؟ أيضا لا بد من المناقشة والحوار بين الأبوين والأبناء حتى يتحقق الاقتناع دون أوامر. ويؤيد د. حسن أسلوب مراقبة الأبناء فيرى أنها واجب على أن تتم بشكل غير مباشر، دون جرح لمشاعر وأحاسيس الابن، على أن نعطيه قدرا من الثقة ولا نشعره أنه محل شك؟ لأن ذلك قد يؤثر على نضجه النفسي والاجتماعي فنراقبهم عن بعد، بمعرفة أصدقائهم ومداومة الاتصال بأسرهم ومراقبة مواعيد حضور الابن إلى المنزل وانصرافه عنه، وأماكن تواجده.

* هل بالضرورة أن يصبح الآباء أصدقاء لأصدقاء أبنائهم؟

- أجدر بهم أن يصادقوا أبناءهم أولا، وكما يقول المثل الشعبي "إن كبر أبنك خاويه، وهذا ينطبق على الولد كما ينطبق على البنت، لا بد أن يراعي الوالدان أبناءهم اجتماعيا ونفسيا بأن يشعروهم بالتقدير والتعامل معهم بطريقة تتناسب ومراحلهم العمرية، وكلما أصبحت العلاقة بين الأبناء والآباء أكثر قوة سهل التوجيه من الآباء والانصياع من الأبناء والعكس صحيح.

قيمة الصداقة

يحدثنا د. إبراهيم قشقوش أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية، جامعة عين شمس عن تأثير الصديق على صديقه فيقول: للصداقة قيمة ووظيفة عند كل مرحلة من مراحل النمو،

- فالصداقة في الطفولة؟ ترتبط بخصائص مرحلة الطفولة والطفل بطبيعته هوائي نفعي، متقلب، تجذبه العوائد الفورية في بعض الأحيان، هذه الظروف تتدخل في صداقة الطفولة التى تصبح عميقة الأغوار في الشخصية.

- أما في مرحلة المراهقة: فالأمر مختلف، لأن أهم ما يميز المراهق الولاء للصديق، ونجد الأسر تستخدم الصديق- أحيانا- وسيلة لترشيد سلوكيات ابنها المراهق، إذا أخذنا صداقات الأبناء من منظور الأسرة نجد أن الأب يتقبل صديق ابنه، إذا شعر أنه سيترتب على هذه الصداقة عوائد موجبة على شخصية الابن، بمعنى أن يصبح كلاهما مرشدا للآخر.

* ومتى نرفض صديق الابن؟

يقول د. قشقوش: أرفض صديق بني إذا شعرت أنه سيكون رفيق سوء فيعطل مستفبله ويجذبه للانحراف أو الجنوح به إلى سلوكيات وعادات يستهجنها المجتمع.

* وكيف نرفض؟

- لابد أن يكون هناك شيء من الحصافة حتى لا يترتب على موقفي الرافض نوع من التمرد والعصيان من جانب الابن فيتم الرفض في البداية برفض ونصح غير مباشر، وبأمثله واقعية لعواقب رفاق السوء، سواء من الحياة العامة أو عن قصص السينما والتليفزيون، بحيث يقتنع الابن أو البنت، لأن قناعته هى الأساس بعيدا عن منطق الضغط أو الإكراه لأن هذه أساليب لا تجدي.

* ما رأيك في موضوع مراقبة الأبناء!

- الثقة هي الأساس ولابد من إعطاء الابن قدرا مناسبا من الثقة وقدرا من الاستقلالية حتى تنضج شخصيته وتتم هذه العملية بشيء من التدرج مع العمر الزمني، والاقتناع أيضا أساسي حتى لا ينزلق الابن إلى منحدر المسايرة الظاهرة وهنا مكمن الخطر، فقد يفعل في الخفاء كل ما يروق له، وعندئذ لا نستطيع حمايته.

* هل بالضرورة أن يحاكي الصديق صديقه؟

- يرتبط تأثير الصديق على صديقه بطبيعة المرحلة العمرية، في البداية نجد الصديق يعد النمط الذي يحاكيه الابن وذلك في مرحلة الطفولة، وكثيرا ما يعود الأبناء من المدرسة يرددون ألفاظا لا يفهمون معانيها باعتبار أن اللغة المنطوقة تسبق المفهومة. بينما تمثل الصداقة في المراهقة مجالا للتوحد وتكوين المعايير من خلال الانتماء فيرى المراهق نفسه في صديقة الآخر ويقارن نفسه به، يفعل ما يرضيه، ولا يتخلى عن معايير جماعة الأقران حتى في الأمور المظهرية، وممارسات وقت الفراغ. وهنا تقوم الجماعة المرجعية بدور حيوي وخطير في حياة المراهق.

* وفيما يتعلق بكيفية اختيار الصديق:

يرى د. قشقوش أن هذه العملية تتم بطريقة تلقائية وعفوية في مرحلة الطفولة وهذه صداقات بريئة غير موجهة، وغالبا تكون قصيرة الأمد. أما في مرحلة المراهقة فلا بد من الاطمئنان على حسن اختيار الأبناء لأصدقائهم ويتم هذا الدور بشكل غير مباشر، بعيدا عن منطق المراقبة والتلصص مع مراعاة عنصر الاقتناع من جانب الأبناء.

ويشدد على ضرورة أن يصبح الأب صديقا لابنه؟ فيصبح أول إنسان يفكر فيه الابن عند حدوث مشكلة معينة ويعتبره الصديق المفضل بين أصدقائه.

* والسؤال: كم من الآباء يوفر جزءا من وقته وطاقاته يصبح به صديقا وفيا لابنه؟

ثمة دعاوي متعددة تبرر تقاعس الآباء عن مسئوليات صداقاتهم لأبنائهم ولكن إذا أصبح الآباء أصدقاء لأبنائهم نضمن بذلك سلامة الأبناء.

سؤالنا الأخير أوجهه للأبناء:

لماذا نلجأ أحيانا لمصاحبة صديق غير مناسب؟!

هل لأنه اعترض طريقنا فوجدنا معرفته وصداقته ممهدة، أم لأن أسلوبه في الحياة يروق لنا ويعجبنا، إذا كان أحد السببين الأول أو الثاني؟ فأين العقل والإرادة والرجوع إلى ما تعودناه عن قيم ومبادئ؟! الأب والأم هم أكثر الأصدقاء إخلاصا، وإن انشغلا عنا نقترب منهما ونشاركهما مشاكلنا.

 

هالة حلمي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




عفوا لأبنائنا.. هذا الصديق غير مناسب!