حورية البحر أحمد محمد المعتوق

شعر

يُطُّل من مَغارٍة حارقِة الظلال كالصقيع جَوفُها
يزيحُ ركنَ صخرٍة ليليٍة صامتِة القرار
يعوم في العراء مثل طائر مُلوَّنٍ مُبلل الجناحْ
وأنتِ تخطرين كل ساعة ولا تَرينَ، أو تُرينْ!
كقطٍة لاهية تنط من سكونها وتعبر الجدارْ
كطفلة سادرة يبح صوت أمها وأمها تهم بالرواحْ
يراك ها هناك حين يرحلُ الزمان نحو ضفة الشروقْ
تنحدرين كالزلال فوقَ راحة الوجودْ
شواطئ المدينة الفساحْ
مسرعة تهب من سُباتها تعانقُ الصباحْ
يغسلها الرذاذ من مظلة زاهية تحدو الندى كلؤلؤ
كهمسة، كمزنة قراح
هناك حيث وشوشات نجمة تحوم
أو تنهداتُ موجٍة عاشقة تهيْم
ورعشة الرمال وابتهالها وعُريها
وحينما يراود النسيم خصلة طائشة
يجر ثوبك الأنيق أو يدب في حياءْ
كما الثمار ينضج الضياء في أعمدة الضياءْ
وتحمل الطيور للبحارة البشارةْ
والطفل لا يزال ها هنا يتيه في المغارة
يحفر في الجدار صورة النهارْ
يبرعم الحريق في قصاصة من ورق أو دفتر قديمْ
ينفض ما يعلق فى ردائه من ضجر المغارةْ.

يفرحُ حين يمتطي مناكب الدخانْ
دوائر دوائر مراكب الدخانْ
***
قصيرة خطاه، أنت ها هناك وهو لا يزال
يمد ساعديه غير أنه يجوعُ، لا ينالْ
تمائم تحرسه، وأمه تجره إلى السرير، لا ينامْ
وإصبع كشمعة مطفأة يردد الحكاية الأثيرة
حكاية السرير كل ليلة تقول:
جنية البحار خلف بابنا، هلم كي ننام
أما سمعت كيف هام جارنا سعيد قبل عام
أما علمت، راح يا بني ذات ليلة
شباكه الأسمر فوق عاتقيه
وطاف بالشواطئ الزاهية الثرية
وامتلأت شباكه بالسمك الطري والمحار
لكنما جنية البحار
قد أسرته، كبلته بالقيود، ويلها جنية البحار
كان سعيد يا بني يا حبيب مؤمنا يحب والديه
لكنما جنية البحار
سقته من سلافة غريبة الكئوس
وأطعمته حفنة من السويق
فاستحال- يا بني- طائرا عجيب
وغرست منقاره الأحمر في جزيرة السراب
فظل مسخا، حائرا، مولها غريب
يعجب كل ناظر بريشه الأبيض
غير أن قلبه يا أسفا- كئيب
يا ليته يعرف كيف يأمر الرياح أن تعود
تحمل في ردائها غمائما طرية وتغسل الوجود
أو أنه يأمر في صبيحة هدهده الأمين
بأن يمر عند سورك المنيع ينحني
يقرئك السلام
يطوف حول صرحك العلي في أمان
يسمعك الأحدوثة الأثيرة
حكاية السرير كل ليلة تهدهد الصغير كي ينام
ويغمض الجفون فوق حضن نجمة، يطير كالحمام
تراك تسمعين من هناك دندنات عوده، تسافر المساء
على جناح نورس، تسافر المساء
تراك ترجعين في صباح ليلة راكضة الحنين
فتمسخين وجهه الحزين
إذا رآك - مثلما عرائس النجوم تلتقي- هناك في البعيد
فألبسيه خاتما لكي يسير فوق راحة المياه
كما النسيم فارها بثوبه الجديد