إلى أن نلتقي.. نعم.. تستحق ردّ التحية.. فاطمة حسين
كم أتمنى على كل عربي مخلص لهذه المطبوعة المتدفئة بين كفيه أن يرسل للكويت ردّا على تحيتها له والممثلة بهذه المطبوعة التي صدرت منذ ما يزيد على خمسين عاماً لتكون - أي المطبوعة - الواحة الفكرية للمواطن العربي من الخليج إلى المحيط، حيث يرتاح فيها دون حاجة إلى إذن دخول أو قيد خروج. واحة يلتقي فيها الجائعون والظمأى من المشرق والمغرب على بساط لا يعرف فوارق الأجناس والألوان واللهجات والعادات والتقاليد، وتحت مظلة لا تعرف عُقد السياسة ولا مقايضات الاقتصاد. وعلى بساط مجتمعي يتعامل بالعقول والقلوب والضمائر فيكوّن بالقلم والريشة صورة للحلم العربي الجميل الذي يطلّ علينا أول كل شهر ليغسل مرارة الواقع بقول الحق جل وعلا وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا .
أيها الأخ العربي.. تحتفل الكويت هذا الشهر بأعياد ثلاثة تتمناك مشاركاً لها فرحتها.. الأول يمثل الانعتاق من الوصاية البريطانية، والثاني يمثل التحرر من الاغتصاب الصدّامي، والثالث هو الذكرى الرابعة لاعتلاء سمو أميرنا الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح سدة الحكم للبلاد أميراً كخير خلف لخير سلف.
اعذروني إن طلبت منكم ردّ التحية، فهي - أي الكويت - إن مثلتكم - صدقوني - فإنها تمثلكم خير تمثيل عالمياً ونحن مجبرون اليوم جميعاً أن نعيش وسط العولمة بكل المعطيات الإنسانية مادة وروحاً بدءاً من قطرة الماء التي تروي العطاشى منا مروراً بكسرة الخبز التي نسدّ بها رمقنا وحتى الوصول إلى قياس قدرتنا وكفاءتنا - إن وجدتا - لحماية تراثنا الحضاري ورسم مساره المستقبلي - كدول - ومستقبلنا نحن - كشعوب - لابد لها أن تساهم - قسراً - في ذلك فكراً ومتابعة وتأثراً وإنجازاً، ولا فرصة في هذا المجال للمتكاسلين علماً أو عملاً.
تأكيداً على ذلك أقدم هذه الإضاءات:
الأولى: إن الكويت، وعلى الرغم من صغر مساحتها وضآلة عدد سكانها فإنها، تمثل نموذجاً عجيباً في محيطها، فهي - مثلاً - تتمتع بأنظف انتخابات نيابية تشملها الشفافية عبر رقابة الشعب قبل الحكومة. وأظن أنه يحق لنا أن نفخر بوصول أربع من خيرة نسائنا إلى أعلى موقع تشريعي في البلاد - البرلمان - بفضل من الله ثم استجابة للآلاف من الأصوات رجالاً ونساءً، ومازال لهذا الحدث صدى عالمي نفخر به وتفخرون.
ثانياً: رغم الزخم الإعلامي الذي يعم البلاد وفضاءها بصدور ما لا يقل عن خمس عشرة صحيفة يومية ومقارب للعشر من القنوات الفضائية الخاصة ليس بينها ما تملكه الحكومة سوى قنواتها الرسمية، أما الصحافة اليومية السياسية فكلها ملكية خاصة لمجموعات أهلية حتى أن وجود فكرة صحيفة يومية ناطقة باسم الحكومة قد أطلقت مرة ولكن الانتقادات والرفض الشعبي قد أجهضها في مهدها، وحتى صحيفة «الدستور» الأسبوعية والناطقة باسم المجلس النيابي فإن صراحتها وصدقها وحريتها لا حدود لها إلا ما يطلب الرئيس من شطب من المحضر فهي تنشر كل ما يدور في أروقة البرلمان بحيثياته وما يجري على ألسنة النواب كمحاضر يطلع عليها الشعب، وكثيراً ما تتعرض الحكومة إلى النقد وحتى حدود التجريح فتنشرها صحيفة «الدستور» دون مجاملة ولا رقابة.
الثالثة: وعليه تم حصول الكويت - وللمرة الثانية على التوالي 2009م - على المركز الأول بين صحافة المنطقة العربية وذلك بالمقياس الدولي المعروف باسم Freedom House.
أما الإضاءة الرابعة فإنها تتركز في تمتع المجلس النيابي بحرية لا سقف لها وبأمر الدستور الذي عُمل على إصداره بعد الاستقلال مباشرة وجُسّد على أرض الواقع بأول انتخابات شعبية حرة 1963، إذ يملك البرلمان في الكويت برئيسه ونوابه حق مراقبة المسار الحكومي عن قرب وكذلك متابعة الإنجازات والإخفاقات وله حق المساءلة - قانونيا - والمحاسبة وفق سيل من الاستجوابات العلنية وبحضور جمهور المواطنين كمشاهدين.