السينما السورية: حصيلة قليلة.. ولكنها متميزة محمد الحسيني

السينما السورية: حصيلة قليلة.. ولكنها متميزة

يرى كثير من الباحثين أن السينما السورية والمصرية توأمان، فقد أنتجا الأفلام في فتر ة تقريبا. فلم تسبق السينما المصرية شقيقتها السورية إلا بعام واحد فقط وعانت الأخيرة فترات صمت طويلة جعلت أفلامها قليلة ولكنها بالرغم من ذلك متميزة.

شهدت سوريا أول عرض سينمائي عام 1908 في مدينة حلب، فقد جاء بعض الأجانب إلى شمال سوريا عن طريق تركيا وعرضوا على الناس آنذاك صورا متحركة. إلا انه حتى سنة 1928 لم يكن هناك أي إنتاج سينمائي محلي بالرغم من ان دور العرض السينمائية بدأت تنتشر في معظم المدن السورية، ففي عام 1916 أنشأت الدولة العثمانية في دمشق أول صالة للصور المتحركة في شارع الصالحية (مكان البرلمان حاليا) وسميت تلك الصالة باسم (سينما جناق قلعة) وذلك تخليدا لذكرى انتصار الأتراك على الأسطول البريطاني في مضيق جناق قلعة الذي يصل البحر الأبيض المتوسط ببحر مرمرة. وقد عرض أول فيلم سينمائي في هذه الدار وكان من إنتاج ألماني في وهو عبارة عن فيلم مثير وقد كان الإقبال عليه شديدا لآن ظاهرة السينما ووقتئذ كانت غريبة وبدعة جديدة أدهشت الناس.

وفي عام 1918 ظهرت إلى حيز الوجود صالة سينمائية أخري سميت بسينما زهرة دمشق، وكانت تعرض أفلاما فرنسية عنيفة وأفلاما كوميدية، وبعد ذلك افتتح شخص أجنبي يدعى (اليكوبو ليسفتش) صالة سينما (الاصلاح خانة) كما قام تاجر سلاح ارمني اسمه (ارميناك) بتأسيس دار سينما سماها (سينما النصر).

وفي عام 1924 افتتح توفيق شماس سينما (الكوزموغراف) التي أصبحت تدعى فيما بعد باسم (سينما أمية)، ثم توالي افتتاح الصالات في دمشق والمدن السورية الأخرى بيد أن معظم هذه الدور احترقت فما ان تفتح دار عرض سينمائية حتى يشاهد أو يسمع الناس أن السينما الفلانية قد احترقت، وكان الاحتراق ناتجا عادة عن أسباب تقنية، فالفيلم كان يقع تحت تأثير الحرارة الشديدة المنبعثة من ضوء القوس الكهربائي، وكانت الأفلام آنذاك من المواد السريعة الالتهاب، كما كانت الآلات العارضة بسيطة لا تتوافر فيها حافظة للبكرات الفيلمية.

ومن جهة ثانية تجدر الإشارة إلى أن جميع الأفلام التي كانت تعرض في هذه الصالات عبارة عن أفلام صامتة، حتى قام السادة شماس وقطان وحداد بإدخال السينما الناطقة إلى دور العرض في سوريا وذلك عام 1934 ثم انتشرت دور السينما الناطقة في مختلف أرجاء البلاد.

من ليلى للمتهم البرئ

إذا كانت مصر قد انتجت أول فيلم سينمائي (ليلى) عام 1927 فان سوريا انتجت في عام 1938 أول فيلم روائي طويل وهو فيلم (المتهم البريء) وقد قامت بانتاجه مجموعة من الشبان المتحمسين لفن العصر الذين أسسوا شركة للإنتاج السينمائي سميت (حرمون فيلم)، وقد اعتمدوا في انتاج هذا الفيلم - حسب ما يذكر الباحث السينمائي جان ألكسان - على جهاز صغير للتصوير السينمائي قياس 35 مم من طراز (كينامو)، وهؤلاء الشبان هم أيوب بدري وأحمد تللو ومحمد المرادي، وتجدر الإشارة هنا إلى ان ممثلي الفيلم هم أنفسهم منتجوه حيث قام بدور البطولة فيه أيوب بدري الذي كان أكثر اندفاعا نحو هذا الفن الجديد من زميليه.

وبالفعل ظهر الفيلم إلى حيز الوجود وكانت قصته مستوحاة من قصة حقيقية، وقعت أحداثها في دمشق ابان الحكم الفيصلى، وهي قصة عصابة من اللصوص عاثت فسادا في أنحاء مختلفة من ضواحي دمشق وألقت الرعب في نفوس الناس. هذا وقد تم التصوير خلال مدة ثمانية أشهر وكالة طول الفيلم 800 متر، ثم أرسلت الأفلام المصورة إلى شركة (اكليرتيراج) في فرنسا من أجل الطبع.

وأخيرا تم عرض أول فيلم سوري في صالة سينما الكوزموغراف، وكان إقبال الجمهور عليه كبيرا، برغم ان الفيلم كان صامتا.

ولكن نتيجة الإقبال الشديد على فيلم المتهم البريء، قام فريق آخر من الشبان المغامرين بتأسيس شركة جديدة للانتاج السينمائي سميت (هليوس فيلم، وكان رأسمال الشركة آنذاك يقدر باربعمائة ليرة عثمانية ذهبية، وقد كلفت الشركة رشيد جلال وهو من مؤسسي شركة حرمون فيلم سابقا، كلفته الأشراف على جميع عمليات الإنتاج. وأنتجت (هليوس فيلم) وقتها فيلم (تحت سماء دمشق) وظهر الفيلم صامتا عام 1932 في حين كانت مصر قد أنتجت خلال تلك الفترة فيلما كبيرا ناطقا، واحتوى على الغناء والرقص، من بطولة المطرب محمد عبدالوهاب.

وجرى تصوير مشاهد فيلم (تحت سماء دمشق) في غوطة دمشق ومداخل المدينة وفي قصر الأمير سعيد الجزائري بدمر، حيث تم تصوير المشاهد الداخلية، كما صورت بعض المشاهد في محطة الحجاز، حيث استخدمت بعض عربات القطارات كما تم تصوير ركاب القطار خلال بعض المشاهد (كومبارس).

وكان فيلم شركة هليوس فيلم الصامت، يظهر ويعرض في دور السينما حتى تلقى أصحاب الشركة ضربة مبرحة حينما فوجئوا بإعلانات تملأ الجدران عن قرب عرض فيلم عري ناطق اسمه (انشودة الفؤاد)، وبالفعل عرض هذا الفيلم العربي الناطق في صالة العباسية آنذاك، الأمر الذي جعل فيلم (تحت سماء دمشق) الصامت يبدو هزيلا أمام ضخامة هذا الفيلم الناطق. وكان فيلم (تحت سماء دمشق) خاتمة إنتاج الفيلم الصامت في سوريا.

ويقول الناقد السينمائي صلاح ذهني، ان مخرج الفيلم الأول (المتهم البريء) وممثلة الأول (أيوب بدري) قام بإنتاج فيلم جديد هو (نداء الواجب) عام 1937 بالرغم عن عدم وجود وثائق تثبت صحة ذلك، كما لا يوجد بالطبع نسخة من الفيلم المذكور.

وفي أواخر عام 1947 قام نزيه الشهبندر بإنشاء ستديو مجهز بمعدات التصوير والصوت والاضاءة والطبع والتحميض، وقد كانت جميع هذه التجهيزات من صنعه، وقد باشر تصوير أول فيلم سوري ناطق وهو فيلم (نور وظلام) وذلك في عام 1948 وعرض الفيلم في جميع المدن السورية ولبنان والمهجر وحقق ايرادات جيدة.

وبعد إنتاج هذا الفيلم بدأت تظهر أفلام أخرى مثل فيلم (عابر سبيل) لأحمد عرفان الذي انتجه 1950 لصالح شركة سينمائية جديدة تأسست في حلب وسميت (شركة عرفان وجالق).

وفي بداية الستينيات قام الفنان زهير الشوا بانتاج فيلم (الوادي الأخضر) بالاعتماد على معمل سينمائي صغير أسسه بنفسه وكان الفيلم من بطولته واخراجه، ويتناول الفيلم موضوع الخلافات بين الفلاحين على الأراضي ومياه الري وموضوع الثأر، ويقال أن قصة الفيلم مستوحاة من قصة واقعية حدثت في بلدة دير عطية.

وفي عام 1963 قام زهير الشوا بمغامرة فردية أخرى من خلال محاولة انتاج فيلم آخر جاء تحت اسم (وراء الحدود، ويدور حول القضية الفلسطينية، الا ان الفيلم لم يستكمل لأنه كان بحاجة إلى المزيد من المال لم يستطع صاحبه تأمينه الا ان زهير الشوا عاد إلى إنتاج فيلم جديد عام 1966 وهو فيلم (لعبة الشيطان) من اخراجه وتمثيله ويتناول الفيلم موضوعا اجتماعيا يتعلق بالحب والخيانة والتشرد.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ان القطاع الخاص في السينما السورية أنتج أفلاما تجارية بهدف الربح، حيث شكلت مجموعة شركات سينمائية خاصة منذ مطلع الستينيات وحتى عام 1978 وصل مجموع إنتاجها إلى ثمانين فيلما.

وكانت البداية مع دريد لحام ونهاد قلعي، بعد نجاحهما في التلفزيون، فظهرت لها أفلام سينمائية ملونة.

دور القطاع العام

يرى البعض ان سينما القطاع العام بدأت بعد تأسيس المؤسسة العامة للسينما عام 1963 والحقيقة أنه كان للدولة تدخل في ميدان السينما قبل انشاء تلك المؤسسة، ففي عام 1958 تأسست وزارة الثقافة في سوريا وقد أوجدت دائرة خاصة تعني بشئون السينما، ويذكر الناقد حسان أبو غنيمة ان هذه الدائرة وضعت لها برنامجا كبيرا يبدأ بالعمل على نشر الثقافة السينمائية وتأسيس مكتبة للأفلام وينتهي بانتاج الأفلام.

من ناحية أخرى، تعاقدت الوزارة مع خبراء محليين وأجانب (مخرج ومصور يوغسلافيين) وباشرت عملها بكاميرا 35 مم، فقامت بانتاج مجموعة لا بأس بها من الأفلام القصيرة بها مناظر عن سوريا وآثارها وحياة شعبها وتقدمها الاقتصادي والعمراني والاجتماعي.

كما أوفدت عام 1959 مجموعة من الشباب لدراسة فنون السينما المختلفة في الخارج (أبرز الأمثلة على ذلك المخرج نبيل المالح الذي درس الاخراج السينمائي والتلفزيوني في تشيكوسلوفاكيا). ولكن الحدث الأهم والانجاز الأعظم، فيما حققته الوزارة في مجال السينما هو نجاحها في إنشاء المؤسسة العامة للسينما بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الثاني) عام 1963 وذلك لتطوير أعمال دائرة السينما في وزارة الثقافة والارشاد القومي.

وقد كان تأسيس المؤسسة العامة للسينما يعني في جوهره تأميم صناعة السينما في سوريا وجعل الانتاج السينمائي تابعا للدولة أي مقصورا على القطاع العام بعدما فشل القطاع الخاص في صناعة سينما يمكنها القيام بوظائف ايجابية في المجالات الوطنية والثقافية والاجتماعية وقد حددت أهداف المؤسسة آنذاك بما يلي:

1 - النهوض بالصناعة السينمائية في الجمهورية العربية السورية.

2 - دعم الانتاج في القطاع الخاص.

3 - توجيه الانتاج السينمائي في خدمة الثقافة والعلم والقضايا القومية.

وبدأت المؤسسة عام 1967 بفيلم (سائق الشاحنة) من إخراج اليوغسلافي الجنسية بوشكوفوتشينيتش، الذي يعتبر فيلمه بداية الطريق، وقد كتب حينها صلاح ذهني، عن فيلم سائق الشاحنة: "ان فيلم سائق الشاحنة فيلم راشد، ويشكل ولادة جديدة للسينما العربية في سوريا، وهو أول فيلم جدي صنع في جدية... سائق الشاحنة، انطلاقة جيدة ورصينة لسينما القطاع العام، تشغفنا بذاتها كتجربة مهمة، وتزيدنا تطلعا وايمانا بالخطوات التالية لمؤسسة السينما".

وبعد هذا الفيلم توالت الأفلام لروائية السورية الرفيعة المستوى، بالإضافة إلى مجموعة لا بأس بها من الأشرطة التسجيلية والأفلام القصيرة؟ حتى أنه يمكن القول ان فترة السبعينيات تعتبر من أكثر الفترات عطاء في مسيرة السينما السورية، في حين كانت فترة الخمسينيات والستينيات بالنسبة للسينما السورية فترة جفاف أو على أحسن تقدير فترة شبه اضمحلال. حيث يقول الناقد صلاح ذهني عن حالة السينما السورية في هذه الفترة، إنها بقيت في شبه صمت حوالي عشر السنوات، علما ان مجموعة لا بأس بها من السينمائيين السوريين انتقلت في تلك الفترة للعمل في ميادين مختلفة في لبنان.

انطلاقة حقيقية

كانت بداية السبعينيات الانطلاقة الحقيقية للسينما السورية وذلك من ناحية الإنتاج المنتظم والنوعية الجيدة للأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما وفي هذا السياق، يذكر الباحث السينمائي ظافر هنري عازار في مؤلفه (نظرة على السينما العالمية المعاصرة - ج 2)، ان المؤسسة قامت بإنتاج مجموعة أفلام روائية امتازت بجديتها وبخروجها على النمط السائد في معظم البلدان العربية في ذلك الوقت. من هذه الأفلام هناك (الفهد) للمخرج نبيل المالح و(المخدوعون) لتوفيق صالح و(السكين) لخالد حمادة وفيلم (مائة وجه ليوم واحد) لكريستيان غازي، بالإضافة إلى الثلاثية الروائية (رجال تحت الشمس) للمخرجين الثلاثة نبيل المالح، ومروان المؤذن، ومحمد شاهين.

وخلال هذا العقد، ظهرت أفلام جادة ونظيفة أخرى، كان لها دور كبير في بناء السينما السورية الجديدة مثل فيلم (العار) لبلال الصابوني 1974، (الاتجاه المعاكس) لمروان حداد 1975 (غابة الذئاب) لمحمد شاهين 1977 (القلعة الخامسة) لبلال الصابوني 1978 (المصيدة) لوديع يوسف 1979 (الأبطال يولدون مرتين) لصلاح ذهني 1979.

ومن الملاحظ ان السينما السورية تعاونت في تلك الفترة مع نسبة جيدة من المخرجين العرب من أمثال توفيق صالح وبرهان علوية كما دار قسم كبير من موضوعات هذه الأفلام حول القضية الفلسطينية بابعادها المختلفة، ومن نافلة القول انه في فترة السبعينيات بالذات انطلق شعار (السينما العربية البديلة) وذلك لأول مرة في مهرجان سينما الشباب الذي انعقد في دمشق عام 1972 حيث التقى فريق من المخرجين والفنيين والفنانين والنقاد السينمائيين العرب، وقد دعا هؤلاء إلى ايجاد نوع من السينما البديلة الرافضة لنمط السينما المصرية التقليدي، وذلك للارتفاع بمستوى السينما العربية.

ويلاحظ ان مستوى الأفلام التي انتجتها المؤسسة العامة للسينما من حيث الكم والكيف في عقد السبعينيات، جاء تطبيقا عمليا لهذا الشعار.

وفي هذا السياق يذكر الناقد حسان أبو غنيمة في مقالته (السينما السورية ملامح أولية لسينما عربية جادة) المنشورة في مجلة "الطريق" البيروتية (عدد يوليو (تموز) - أغسطس (آب) 1972) أن السينما السورية الشابة استطاعت في مدة قصيرة جدا، إثبات تميزها الفني والفكري لتعطي الملامح الأولية للصور المضيئة للسينما العربية الجادة.

الفيلم السياسي

على محور آخر، تجدر الإشارة إلى ان عقد السبعينيات شهد ولادة الفيلم السياسي السوري الجاد، حيث يجد الباحث في هذه الفترة أكثر من فيلم روائي طويل تناول مادة سياسية وعالجها بلغة سينمائية جادة. ثم جاء عقد الثمانينيات تتويجا لعقد السبعينيات من حيث انتاج المزيد من الأفلام الجادة، وقد طرحت أغلب هذه الأفلام موضوعات سياسية جادة وبرؤية تقدمية وفكرية سليمة، استطاعت انتزاع الجوائز الرئيسية في المهرجانات العالمية مثل رائعة محمد ملص (أحلام المدينة).

من جهة ثانية تجدر الإشارة إلى ان سينما القطاع العام لا تقتصر على انتاج المؤسسة العامة للسينما فقط، وان كان للمؤسسة في ميدان السينما درو الصدارة، الا ان هناك قطاعات أخرى تهتم بالانتاج السينمائي وتتبع الدولة وهي:

1 - التلفزيون الذي بدأ الانتاج السينمائي بالأفلام القصيرة قبل انشاء دائرة الانتاج السينمائي فيه فانتج مجموعة من الأفلام القصيرة بالإضافة إلى فيلم واحد طويل هو (الرجل) من اخراج فيصل الياسري، وبعد انشاء دائرة الانتاج السينمائي في سبتمبر (ايلول) 1973 انتج التلفزيون مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة والمتوسطة والطويلة.

2 - قسم السينما في الادارة السياسية التابعة للجيش والقوات المسلحة، فقد تم انتاج أفلام روائية طويلة منها مثلا (حتى الرجل الأخير) من اخراج أمين البني، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة والوثائقية عن حرب أكتوبر (تشرين) بالدرجة الأولى مثل أفلام (دمشق ترحب بكم) و (معرض تشرين).

3 - نقابة الفنانين وقد انتجت فيلما واحدا هو فيلم (المطلوب رجل واحد) والحقيقة انه إذا ما استثنينا أفلام أمين البني التي اخرجها لصالح التلفزيون العربي السوري، فسوف نجد انتاج هذه القطاعات ليس بذي أهمية مقارنة مع انتاج المؤسسة العامة للسينما التي تعد القطاع الوحيد المؤهل لخلق سينما وطنية جادة وملتزمة، بعيدة عن النمطية، خالية من الشوائب التي تعج بها سينما القطاع الخاص.

ثمانينيات السينما السورية

إذا ما نظرنا إلى انتاج السينما السورية في السبعينيات وقارناه بانتاج الثمانينيات فسنجد الضعف الكمي في انتاج المؤسسة العامة للسينما في الثمانينيات حيث لم يتجاوز الانتاج عشرة أفلام روائية بيد ان ما يلفت النظر في انتاج عقد الثمانينيات هو ظهور الاتجاه الذاتي في السينما السورية أو ما يدعى بـ (سينما المؤلف) حيث يقوم المبدع السينمائي بكتابة سيناريو واخراج فيلمه في آن معا وهذه تعد ظاهرة جديدة في الثمانينيات في السينما السورية حتى ان مخرجا مثل سيد ذكري لم يشذ عن القاعدة برغم اخراجه لفيلم (حادثة النصف متر) الذي اقتبسه عن نص أدبي بالاسم نفسه للكاتب صبري موسى لكنه لم يحقق نقلا تقليديا للأصل الأدبي بل قام بأفلمة أفادت من هيكلية الحادثة الأساسية في القصة وافترقت عن الأصل في توجهها وطبيعة شخصيتها الرئيسية وربط العام بالخاص على أرضية اجتماعية وتاريخية محددة بالمناخ العام الذي ساد قبل وبعد هزيمة 1967. ومن هنا نجد ان سيد ذكري قام بأفلمة حرة للقصة واتسم فيلمه بطابع شخصي وذاتي.

ثم توالت أفلام الاتجاه الذاتي فظهر فيلم سيد ذكري (وقائع العام المقبل) الذي ينتقد البيروقراطية انتقادا لاذعا، ومن جهته دفع محمد ملص بفيلمه (أحلام المدينة) إلى الشاشة ويتناول الفيلم الخمسينيات في سوريا حيث سادت الانقلابات العسكرية ثم ظهرت أفلام أسامة محمد (نجوم النهار) وعبداللطيف عبدالحميد (ليالي ابن آوى).

واستمرت ظاهرة سينما المؤلف كأسلوب عمل للمخرجين السوريين فظهرت فيما بعد أفلام أخرى تنحو نفس المنحنى.

الأدب والسينما في سوريا

يمكن القول ان السينما السورية ومنذ نشأتها الثانية بعد انشاء المؤسسة العامة للسينما قد بدأت معتمدة على الأدب واستمرت في الاقتباس الأدبي من مسرحيات وروايات عربية ومحلية ضمن خطتها الانتاجية من الأفلام الجيدة، وبالطبع لم يقتصر انتاجها السينمائي على الاقتباسات الأدبية دون سواها.

غير أن الشيء اللافت للنظر في هذا السياق هو أن السينما السورية في علاقتها بالأدب لم تقتبس إلا من أعمال أدبية عربية وسورية فقط، بمعنى انها لم تتجه مطلقاً صوب الأدب الأجنبي بهدف الاقتباس على عكس السينما المصرية مثلا التي استفادت من الآداب الأجنبية واقتبست منها ما يلائم طبيعة المجتمع العربي وعاداته.

بدأت العلاقة بين السينما السورية والأدب منذ الانتاج الروائي الثاني للمؤسسة، فقد ظهر فيلم (السكين) عام 1971 لمخرجه خالد حمادة اقتباساً عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (ماذا تبقى لكم؟). وتوالت بعد هذا الفيلم العديد من الأفلام التي نهلت من معين الأدب مثل فيلم (الشمس في يوم غائم) لمخرجه محمد شاهين و(الفهد) لنبيل المالح عن رواية حيدر حيدر و(بقايا صور) لنبيل المالح أيضاً عن رواية للكاتب حنامينه وأفلام أخرى كثيرة.

وأخيراً يمكن القول إن السينما السورية نشأت وترعرعت في كنف المؤسسة العامة للسينما، وتطورها كما وكيفاً مرتبط بمدى الاهتمام بالمؤسسة نفسها وعلى جميع الأصعدة.

 

محمد الحسيني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




لقطة من فيلم شيء ما يحترق من اخراج غسان شميط





لقطة من فيلم رسائل شفهية سينما الكوميديا السوداء





لقطة من فيلم الكومبارس جائزة أفضل اخراج في مهرجان القاهرة





لقطة من فيلم أحلام المدينة





لقطة من فيلم أحلام المدينة