سرقات في حياتي الأدبية يوسف الشاروني
سرقات في حياتي الأدبية
تشكل السرقات الأدبية جانبا من جوانب حياة معظم الأدباء. فالأديب إما شاهد على سرقة أو مسروق أو سارق... ومن الطريف أنني في حياتي الأدبية كنت الثلاثة معاً. شغل موضوع السرقات الأدبية اهتمام أجدادنا الأدباء والنقاد في تراثنا العربي. كما احتل مساحة من حياتنا الأدبية المعاصرة، ولعل من أبرز الاتهامات بالسرقة الأدبية في الخمسينيات من هذا القرن تلك الحملة التي كانت جريدة الجمهورية قد قامت بها في بداية الثورة ضد توفيق الحكيم متهمة إياه بأن كتابه "حمار الحكيم" مسروق من كتاب الأديب الإسباني خوان رامون خيمينيث "بلاتيرو وأنا" أو "أنا وحماري". واستمرت الحملة عليه وقتئذ إلى أن أصدر الرئيس جمال عبدالناصر أمره إلى رئيس تحرير الجمهورية في ذلك الوقت - وكان كامل الشناوي - بوقف مقالات جريدة الجمهورية ضد الحكيم، والأكثر من ذلك أن الرئيس عبدالناصر أصدر قرارا بتكريم الحكيم ومنحه أكبر وسام في الدولة وهو "قلادة النيل "، الأمر الذي أثار حفيظة بعض كبار المسئولين في الحكم حيث إن هذا الوسام لا يمنح إلا لرؤساء الدول وأعضاء مجلس قيادة الثورة، وهذا التكريم جعل الحكيم مساويا لهم مما جعلهم يتحينون الفرص للإيقاع بين الحكيم وعبدالناصر، وقد وجدوها حين نشر توفيق الحكيم مسرحيته "السلطان الحائر". تلك عينة من عينات كفاح حزب أعداء النجاح لسنا بصدد متابعته هنا. ومن أطرف الذكريات في هذا المجال أن طالبا من طلبتي - وكنت أعمل بالتدريس الثانوي في بداية الخمسينيات - اكتشفت فيه موهبة الكتابة القصصية فشجعته على أن يتقدم بإحدى قصصه، إلى مسابقة نادي القصة التي كان - ولايزال - يجريها سنويا. وكان يرأسه وقتئذ الدكتور طه حسين، وسكرتيره العام يوسف السباعي. بل رجحت له أن مستواها يرقى إلى الفوز بإحدى الجوائز. وفعلا تقدم الطالب الموهوب، لكن قصته لم تكن بين القصص الفائزة. فلما بحثت عن سبب عدم فوزه، اتضح أن عضو لجنة التحكيم الدكتور يوسف إدريس أعطاها صفرا وكتب أمامها: مسروقة من قصة تشيكوف "لمن أسرد أحزاني"؟ وقد حفزني هذا التعليق على كتابة مقال في مجلة "الرسالة الجديدة" التي كانت تصدر وقتئذ برئاسة تحرير يوسف السباعي بتاريخ نوفمبر 1956 أدافع فيه عن موهبة الشاب القصاص هذا نصه: "صاحب القصة" "فوق الأولى" رقم 145 في مسابقة القصة. دعني أهنئك - وأهنئ نفسي - لأن الطالب الذي كان يجلس أمامي منذ عامين في مدرسة الظاهر الثانوية وتكشفت فيه موهبته الفنية قد نال اليوم أكبر فوز يناله ناشئ مثله حتى أن اللجنة النهائية في مسابقة القصة وجدت أن الجائزة الأولى أقل مما تستحق قصتك فرفعتك على مستوى المسابقة كلها وقرنت اسمك باسم تشيكوف، وهو أمر - كما تعلم - له مغزاه العميق بالنسبة لك ولقصتك الممتازة، لاسيما وأنت على يقين - كما أنا على يقين - أنك لم تقرأ تشيكوف، وما أعظم أن يشهد لك كل من الأساتذة محمود تيمور ويوسف السباعي ويوسف إدريس بالإجماع على امتياز قصتك، لو لا أن بعض الظن إثم، ولقد كان الظن في قصتك إثما عظيما حقا. أما قصة تشيكوف التي يتهمك الدكتور يوسف إدريس بأنك نقلت عنها فكرتك فسأرويها عليك لتعرفها: هي قصة حوذي مات ابنه وأراد أن يفضي بأحزانه إلى إنسان من زبائنه لكنهم كانوا مشغولين عنه بملاهيهم وأمورهم الخاصة، فلا يلبث السائق الحزين أن يبث شكواه إلى حصانه. أما قصتك فهي قصة طفل نجح في الامتحان فأحب أن يفضي بفرحة نجاحه إلى إنسان من أسرته، لكنه وجد الجميع مشغولين: أباه وزوجة أبيه وإخوته، فلم يلبث أن لجأ إلى صورة أمه المتوفاة يبثها خبر نجاحه. هل يكفي أن يكون البطل في كل من القصتين قد أراد أن يفضي بشيء إلى آخرين فلم يجد، لكي تكون الواحدة منقولة عن الأخرى؟ هل يكفي أن تكون عينا يوسف إدريس في لون عيني محمد عبدالحليم عبدالله - على رأي الأستاذ محمد عبدالحليم - لكي يكون أحدهما توأما للآخر أو منقولاً عنه؟ لقد ذكر الأستاذ محمود تيمور في ملاحظته أن القصة "كأنها" إحدى قصص تشيكوف، وأنه يجب الوثوق أنها غير ممصرة. ومعنى ذلك أنه كان يجب على اللجنة أن تستدعيك وأن يناقشك أعضاؤها وأن يطلعوا على نماذج أخرى من إنتاجك حتى يدركوا هل هذه قدرتك الحقيقية أم أن قصتك "طفولة" مجرد فلتة؟ ولقد قدمت الدليل في المسابقة نفسها على أن هذه القصة من عملك، ذلك أنك تقدمت بقصة أخرى بعنوان "المصير" نالت الجائزة الثلاثين، وهي وإن لم تتل من التقدير ما نالته قصة "طفولة" إلا أن حوادثها تدور حول الطفولة، كما أنه كان يمكن للجنة النهائية أن تطلع على قصتك "أمينة " التي تدور أحداثها أيضا حول الطفولة، حتى يدركوا أن الطفولة وحوادثها باب من أبواب تعبيرك، وأنك إذا استطعت أن تكتب قصة أو قصتين في مستوى متقارب فإن اتهامك بأن الفكرة غير جديدة لأن تشيكوف طرقها يصبح اتهاما باطلا لا أساس له. كان يجب أن يستدعوك وأن يناقشوك ليعرفوا أن قصتك هذه مستمدة من قصة حياتك وليست من تشيكوف. ذلك لأن والدتك توفيت وأنت طفل صغير وتزوج والدك من أخرى، ولا شك أنك عانيت هذه اللحظة التي شعرت فيها بالوحدة والحنان إلى والدتك المتوفاة فعبرت عنها بهذه القصة الممتازة. ومن الغريب أنه لم يقفش هذه القفشة الأساتذة يوسف السباعي وثروت أباظة ومحمد مندور وجاذبية صدقي الذين اشتركوا في تقدير القصة. ولقد قرأت أنا هذه القصة قبل أن تتقدم بها إلى المسابقة ونصحتك أن تتقدم بها. ومع أني سبق أن قرأت قصة تشيكوف إلا أنني لم أربط بين القصتين على الإطلاق إلا كما أربط بين قصة "الأم" لجوركي و"قصة حب" ليوسف إدريس، ولا شك أن في ذلك تعسفا تأباه نزاهة الحاكم الأدبي. إنني أتهم اللجنة النهائية بالتسرع في استبعاد قصتك، وأطالب باستدعائك ومناقشتك لتعديل الخطأ الذي حدث، فليس الخطأ أن نخطئ لكن أن نصر عليه. كما أطالب بنشر القصتين: قصة "طفولة" لرءوف حلمي وقصة "كآبة أو لمن أسرد أحزاني" لتشيكوف ليحكم القراء على مدى السرقة الأدبية التي تستحق من أجلها أن تحرم من الجائزة الأولى المادية. مرة أخرى أهنئك لأن اللجنة وضعتك في مكانة فوق مستوى المسابقة كلها، وقرنت اسمك باسم تشيكوف وهو أعظم شرف لكاتب من كتاب القصة القصيرة في أوج إنتاجهم، فما بالك وأنت لاتزال في أول طريقك الأدبي؟". وعلى أثر ذلك صدر القرار التالي ونشر في نفس العدد الذي نشر فيه مقالي كما نشرت "قصة طفولة": "هذه القصة كانت اللجنة قد استبعدتها من الفوز بالجائزة، ثم تشكلت لجنة خاصة من الأستاذين يوسف السباعي ويوسف إدريس، واستقر رأيهما على أن تكون هذه القصة هي الفائزة بالجائزة الثانية مكرر". أما الطالب فقد انقطعت صلتي به سنوات طوالا، فلما قابلته أخيرا اتضح أن الإذاعة والتلفزيون اجتذباه وأنه أصبح من كتابهما. مسروق وأثناء عملي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب بالقاهرة (المجلس الأعلى للثقافة حاليا) نبهني أحد العاملين بالمجلس- هو الدكتور الشاعر محمد أحمد العزب فيما بعد - إلى مقال في عدد يوليو 1975 من مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء في الكويت عنوانه "الترجمة الذاتية"، وقد أشر على ثلثيه الأول والأخير حيث إنه مسروق من مقدمة مقال لي عن "قصة نفسي" للدكتور زكي نجيب محمود. وكان الدكتور العزب يعد وقتئذ - فيما يبدو - رسالة جامعية عن موضوع التراجم الذاتية في الأدب العربي ويتابع هذا الموضوع في مصادره ومظانه، فلاحظ هذه السرقة وأطلعني عليها لا سيما وأن توقيعها كان باسم مجهول في حياتنا الأدبية. وقد بادرت وقتها وكتبت في الملحق الأدبي لجريدة الأخبار القاهرية بتاريخ 19 يوليو 1970 أكشف النقاب عن هذه السرقة، كما بادرت بإرسال خطاب مماثل إلى الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري رئيس تحرير مجلة البيان الكويتية وقتئذ مرفقا به نسخة من كتابي "دراسات في الرواية والقصة القصيرة" المنشور عام 1967 ويتضمن الدراسة المنقول عنها المقال. وقد نشرت مجلة البيان في عددها الصادر في شهر أغسطس 1970 تعليقا على ذلك بعنوان "الاطمئنان للآخرين لا يجدي دائما": "كشف الأديب المعروف الأستاذ يوسف الشاروني - في الملحق الأدبي رقم 56 من جريدة (الأخبار) القاهرية، الصادر بتاريخ 19/ 7/ 1975 - النقاب عن سرقة قام بها السيد:...... وعنوانه البريدي - القاهرة..... عندما نسب لنفسه مقالا عن (الترجمة الذاتية)، كانت مجلتنا قد نشرته في عددها الماضي، بناء على ثقة "زائدة" منها بمراسليها من حملة القلم في عالمنا العربي العريض... واتضح فيما بعد أنه منقول بالحرف عن كتاب للشاروني صدر في القاهرة عام، 1967 وفيما يلي، ننشر كلمة الأستاذ الشاروني كما وردت في (الأخبار).. آسفين لهذا العبث الذي يسمح البعض لأنفسهم أن يقترفوه، بينما لا يسع أمتهم الجادة أن تهزل أو تغتفر الهزل لأبنائها، في الظروف العصيبة هذه التي تمر بها. "هي سرقة هرب بها صاحبها من القاهرة إلى الكويت ظنا منه أنه سيختفي بها هناك! ففي العدد (52) يوليو سنة 1975 من مجلة البيان التي تصدر عن (رابطة الأدباء بالكويت) مقال بعنوان "الترجمة الذاتية" موقع باسم... مسروق أوله وآخره بالحرف الواحد من كتابي "دراسات في الرواية والقصة القصيرة" وهو يشمل نصف المقال تقريبا، مما يبعث على الشك في مصدر النصف الآخر أيضا. مقدمة المقال حتى السطر الخامس والعشرين من العمود الأول هي مقدمة مقالي عن "قصة نفس" للدكتور زكي نجيب محمود، ثم زعم سارق المقال بعد هذه المقدمة أن "قصة نفس"... هي التي أثارت في نفسه عدة تساؤلات دفعته إلى دراسة الترجمة الذاتية في الأدب العربي، ثم يترك سيادته كتابي - ربما ليسطو على مؤلف آخر - حتى إذا كان السطر الثالث من أسفل العمود الأول ص 52 بالمجلة، عاد إلى مقالي يتم عملية السطو التي كان قد بدأها بدون أدنى تغيير - فيما عدا جملة واحدة سنعرض لها - حتى نهاية المقال... أما الجملة التي حذفها وأضاف غيرها فهي بكل أسف تدل على جهله بالموضوع، وقد جاءت عند الحديث عن تحديد السيرة الذاتية التي قد تتسع فتشمل رواية الرحلات الجغرافية أو الاستكشافات العلمية، واستشهدت بابن بطوطة مثلاً على ما أقول. ثم أردفت قائلا إنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها فيذكر بيان نسبه، أو تكون شهادة بثقافته فيذكر ما تلقاه من تعليم وشيوخه الذين تلقى عنهم (وإلى هنا يتم النقل). ثم أردفت قولي: في زمن أتكن الشهادات قد عرفت فيه بعد، ثم يتتبع ما تولى من مناصب. وكنت أقصد بذلك كتابا مثل ابن خلدون في كتابه "التعريف". لكن صاحبنا لم يفهم ما أرمي إليه فحذف الجملة الأخيرة وضرب مثلا بعيدا كل البعد عما أقصده، ووضع بدلا من الجملة المحذوفة قوله: مثل كتاب الأيام للدكتور طه حسين. وبلغت جرأة صاحبنا أن يأتي بنص كلامي الذي أبدي فيه رأي على لسانه ليصبح رأيه هو، وذلك في قولي: وبالرغم من عدم وجود فواصل قاطعة تحدد أين تنتهي السيرة الذاتية وأين تبدأ الرواية، فإنه من رأيي أن الفواصل الأساسية بينهما يمكن تلخيصها فيما يلي.... إلخ. وهذه جملة منقولة من كتابي لا يتحرج عن نقلها كاملة دون أية إشارة إلى المصدر الذي أخذ عنه...". وقد تلقيت من الأستاذ الأنصاري خطابا يذكر فيه أنه راعه ما جاء في رسالتي إليه من سطو على كتابي، وأف بادر بالكتابة حالا إلى السيد... يطلب منه إيضاحا خطيا حول هذه القضية. والطريف - أو لحظة التنوير كما يصفون ختام القصة - أن المقتبس زارني في مكتبي معلنا أنه بريء براءة الذئب من دم يوسف، فهو مقلب مدبر له، وأن مجهولا هو الذي اقتبس كلماتي ووضع تحتها اسمه ليقف متفرجا على ما عساه يحدث. قلت له: مقلب ظريف لو أنك كاتب معروف ولم تختف في مجلة شهرية بالكويت لا يتاح الاطلاع عليها بانتظام في القاهرة. وسارق بعد ذلك بأحد عشر عاما تحول المسروق إلى سارق، فقد كنت قد نشرت في العدد 62 من مجلة الدوحة القطرية بتاريخ فبراير 1981 قصة قصيرة جدا بعنوان "الثأر" تدور حول طفلين كانا يلعبان في المزارع يصطادان العصافير فأخطأ أحدهما وصوب نبلته نحو عين زميله ففقأها، فأقسم أبو الغلام المصاب أن يذبح الطفل المخطئ. ولما تدخل أولاد الحلال وافق على أن يمرر السكين بالمقلوب - أي بحدها غير المسنون - على رقبة الطفل المخطئ وبذلك يبر بقسمه دون أن يذبح الطفل. وعندما تحلقت الأسرتان حول والد الطفل المصاب والطفل المخطئ فإن الرجل لم ينفذ ما سبق الاتفاق عليه، بل مرر حد السكين المسنون على رقبة الطفل التي ما أن تفجرت بالدماء حتى أطلق أقاربه عشرات الرصاصات في جسد القاتل حتى أصبح كالغربال، تلك بداية الثأر في قريتنا. وفي أكتوبر التالي نشر قارئ سوري هو الدكتور نسيب النشاوي مقالا يتهمني فيه بسرقة القصة بكل عناصرها: التعبير الفني والعنصر التصويري والفكرة وعقدتها وباختصار في المعاني والأسلوب والصورة من قصة "الجمرة الأولى" للأديب السوري نصر الدين البحره. فنشر الأستاذ رجاء النقاش- رئيس تحرير مجلة الدوحة وقتئذ- ردي التالي في الورقة الأخيرة من العدد الأخير (ديسمبر) من عام 1981، الذي قدم له قائلا إن يوسف الشاروني آثر أن يكتب رده على شكل حوار ساخر، وكان الرد بعنوان "اعترافات لص" جاء فيه: - أخيراً ضبطتك شرطة الأدب متلبسا بجريمة السرقة. - أية سرقة؟ - للأسف غفلت عنك أعينهم طوال ثلاثين عاما تكتب فيها القصة والدراسة الأدبية وأنت تجيد إخفاء مسروقاتك حتى فضحتك أخيراً أعينهم الذكية. والآن عليك أن تدافع عن نفسك. - لقد اكتشفوا إذن جريمتي وأنا على مشارف الستين ما حسبت أنني أفلت منه وأنا ابن العشرين. - اللص لص سواء كان في العشرين أو الستين أو الثمانين. - لكن أليس من حقي أن أعرف تفاصيل الجريمة؟ - لا شك أنه من حقك. لقد نشر كاتب سوري أن مواطنه نصر الدين البحره... - يؤسفني... - لا تقاطعني، ليس عندك صبر... دعني أكمل حديثي وستكون لديك الفرصة للرد والدفاع عن نفسك. - هذه ثاني مرة تذكر فيها مسألة الدفاع عن النفس. - لا تفقد أعصابك ولا تضخم الموضوع. ما دمت قد عرضت نفسك للحياة العامة فيجب أن تتوقع كل شيء. هل يمكن أن أواصل كلماتي؟ - تفضل. - نشر الأديب السوري نصر الدين بحره قصة منذ حوالي عشر سنوات بعنوان "الجمرة الأولى". - أين؟ - لم يذكر صاحب الاتهام اسم المجلة ولا تاريخها، لكنه لا شك يعرفهما. المهم أنه أعاد نشرها في مجموعة قصصية في العام الماضي (1985) بعنوان "رمي الجمار". وأن قصتك المنشورة بالدوحة في عدد فبراير من هذا العام - بصراحة ولا لف ولا دوران- مسروقة من الأديب السوري. حيث يقول صاحب الاتهام "إن هذا اللقاء بين الكاتبين في عنصر التعبير الفني والعنصر التصويري والعمل الفني ومصدره وعقدته لا يمكن (لاحظ لا يمكن هذه) أن يفسره النقد الأدبي أنه من باب توارد الخواطر لأن توارد الخواطر لا يمكن (مرة أخرى) أن يكون في المعاني والأسلوب والصورة. وقد يصح أن يقع هذا في بيت من الشعر، أما في القصة فلا يمكن (مرة ثالثة) أن يقع بهذا الشكل. - سيدي يؤسفني أنني لم أسمع باسم الأديب الفاضل نصر الدين البحره إلا منك الآن، ويمكن أن تسأل كل كتاب مصر إن كانوا قد سمعوا به أو قرأوا قصة واحدة - مع احترامي الشديد له - وأن مواطنه الذي لم أتشرف بالقراءة له قبل الآن هو الذي يعرضه لهذه الحقيقة. - آه، ربما هذا هو الذي أغراك بالسرقة منه. - بل هذا لعله جهل مني، لكني بشر لا أستطيع أن أتابع كل كاتب في الدنيا. فأنت تعرف أني أتابع. - بقدر ما يتسع له وقتي وجهدي- ما ينشره الكتاب المصريون: شيوخهم وشبابهم، وما يكتبه كتاب العالم العربي ممن يتفضلون بإهدائي إنتاجهم، ولم يكن من بينهم الأستاذ نصر الدين البحره. كما أتابع الإنتاج العالمي - بقدر جهدي - وأكتب الدراسة الأدبية والقصة. ويشاء سوء حظي ألا أسمع باسم نصر الدين البحره ولا قرأت له كلمة واحدة، رغم أني سرقت منه والتقيت به مع سبق الإصرار والترصد في التعبير الفني والعنصر التصويري والأسلوب والصورة الفنية... إلخ. - إذن فكيف تفسر؟!... - دعني أكمل كلامي، فلا شك أنك حريص أن تعرف مصدر قصتي. - بلا شك. - إن أحد مصادر قصصي هو ما يرويه الآخرون، وقد كنت مهتما ذات مرحلة بموضوع الثأر فاستجمعت عددا من قصصه من أفواه الذين أتصل بهم، ونشرت إحداها في جريدة الأهرام القاهرية. والقصة المنشورة في مجلة الدوحة مصدرها زميل بالعمل من أبناء دراو محافظة أسوان بأقصى صعيد مصر. هذه القصة هو شاهد عيان لها أثناء طفولته منذ ثلاثين عاما... - ها قد وقفنا على الصلة، فزميلك لا بد أن يكون قد قرأ للبحره وادعى القصة لنفسه. - من حسن الحظ أو سوئه أن زميلي لا يقرأ لنصر الدين البحره ولا ليوسف الشاروني، وقد ضحك عندما قرأ صحيفة الاتهام المنشورة في الدوحة، ولعلك معي في أن هذه الضحكة أبلغ رد. *** ولعل خير ما نختم به هذه التنويعة من السرقات حكاية تلك السرقة الطريفة، وذلك حين ظن البعض أنه ضبط العقاد متلبسا بسرقة نفسه، أي حين نشر مقالا له مرتين، فما كان منه إلا أن رد عليهم ضاحكا مستنكراً بصوته المجلجل الجهوري "تسمعون أغنية لعبدالوهاب خمسين مرة ولا تقرأون مقالا للعقاد مرتين؟".
|
|