قطوف دانية إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء أحمد السقاف

قطوف دانية إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء

"5"
عمرو بن كلثوم

هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب- بتشديد التاء- بن سعد بن زهير التغلبي، ينتهي نسبه بمعد بن عدنان، كان شاعراً فارساً عاش في الجاهلية وتزعم قبيلة تغلب وهو في الخامسة عشرة من العمر، وقد اشتهر بقتله الملك عمرو بن هند، وقد نبغ عمرو بن كلثوم صغيراً ودانت له رقاب صناديد القبيلة اعترافاً بنبوغه المبكر، أما السبب في قتله عمرو بن هند فقد روى الراوون أن هذا الملك سأل جلاسه قائلا: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي قالوا: لا نعلم إلا ليلى بنت المهلهل بن ربيعة أم عمرو بن كلثوم سيد قبيلة تغلب، فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يصحب معه أمه فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة في جماعة من قومه وأمه معه ودخل على الملك في رواقه بين الحيرة والفرات، أما أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة فقد دخلت على أم الملك هند في قبتها، وهي عمة امرئ القيس الشاعر المشهور، ولما حان وقت الطعام قالت هند لليلى ناوليني ذلك الطبق فقالت لتقم صاحبة الحاجة إليه، فأعادت عليها وألحت فصاحت ليلى قائلة: واذلاه يا لتغلب، فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم فاختطف سيفا لعمرو بن هند وضرب به رأسه حتى مات ونادى قومه فنهبوا جميع ما في ذلك الرواق، وساقوا إبله وعادوا إلى الجزيرة وقد قاسى التغلبيون الكثير من العناء بعد هذه الحادثة وطاردهم المناذرة وضيقوا عليهم، فتوجهوا نحو الغساسنة في الشام، وما لبثوا أن اختلفوا معهم واندلعت الحرب بين الفريقين.

وبقي عمرو بن كلثوم يصول ويجول بين القبائل العربية يثير الحماسة والجرأة في نفوس أبناء قبيلته حتى اصطدم بقبيلة بني حنيفة في اليمامة، وعلى رأسها فارسها الصلب المقدام يزيد بن عمرو بن شمر فتنازلا وكانت الغلبة ليزيد بن عمرو فقد سدد نحوه طعنة نجلاء وانقض عليه وأسره وسار به حتى بلغ قصراً من قصور القبيلة فأنزله فيه ونحر له وكساه، فقد كانت قبائل نجد كلها تعرف مكانة هذا الشاعر الفارس المقدام.

وقد حظيت معلقة عمرو بن كلثوم بالاهتمام منذ ذلك التاريخ وقد عمر ومات وهو ابن مائة وخمسين عام 570 ميلادية وفي رواية أخرى انه مات عام 600 ميلادية.

أما معلقته المليئة بالحماسة والفخر والتهديد والوعيد فقد ظلت تجلجل في مسمع الزمن قروناً بعد قرون وهأنذا أورد أبياتاً منها:

ألا هبي بصحنك فأصبحنا

ولا تبقي خمور الأندرينا

مشعشعة كأن الحص فيها

إذا ما الماء خالطها سخينا

تجور بذي للبانة عن هواه

إذا ما ذاقها حتى يلينا

ترى اللحز الشحيح إذا أمرت

عليه لماله فيها مهينا

صددت الكأس عنا أم عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا

وما شر الثلاثة أم عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

وإنا سوف تدركنا المنايا

مقدرة لنا ومقدرينا

قفي قبل التفرق يا ظعينا

نخبرك اليقين وتخبرينا

بأنا نورد الرايات بيضاً

ونصدرهن حمراً قد روينا

وسيد معشر قد توجوه

بتاج الملك يحمي المحجرينا

تركنا الخيل عاكفة عليه

مقلدة أعنتها صفونا

متى ننقل إلى قوم رحانا

يكونوا في اللقاء لها طحينا

نطاعن ما تراخى الناس عنا

ونضرب بالسيوف إذا غشينا

نحز رءوسهم في غير بر

فما يدرون ماذا يتقونا

بفتيان يرون القتل مجداً

وشيب في الحروب مجربينا

كأن سيوفنا فينا وفيهم

مخاريق بأيدي لاعبينا

ونحن الحاكمون إذا أطعنا

ونحن العازمون إذا عصينا

إليكم يا بني بكر إليكم

ألما تعرفوا منا اليقينا

بأنا المطعمون إذا قدرنا

وإنا المهلكون إذا ابتلينا

وإنا المانعون لما أردنا

وإنا النازلون بحيث شينا

ونشرب إن وردنا الماء صفواً

ويشرب غيرنا كدراً وطينا

لنا الدنيا ومن أضحى عليها

ونبطش حين نبطش قادرينا

ملأنا البر حتى ضاق عنا

وظهر البحر نملأه سفينا

إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً

تخر له الجبابر ساجدينا

 

أحمد السقاف

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات