التفتت العربي في زمن العولمة.. د. سليمان إبراهيم العسكري

التفتت العربي في زمن العولمة.. د. سليمان إبراهيم العسكري

  • شهدت المنطقة العربية موجة من العنف الداخلي الذي مارسه المتناحرون في ما بينهم، لدرجة أنهم استمرأوا انتقال فكرة التفجير الذاتي في عمليات انتحارية كانت موجهة في البداية إلى الإسرائيليين من قبل بعض الشباب الاستشهاديين الفلسطينيين، بحيث أصبحت اليوم إحدى وسائل التقاتل حتى بين أبناء البلد الواحد والقبيلة الواحدة والمذهب الواحد
  • إن الدول والمنظمات العربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة ودراسة الأسباب التي أدت إلى التقهقر وميل الأفراد إلى التشرذم والتعصب والتمسك المريض بنعرات المذهب والطائفة والقبيلة على حساب منطق الدولة التي تقوم على مبدأ التعايش والتسامح في إطار من الحرية
  • إن التعليم والثقافة العربيين يتحملان مسئولية كبيرة في صياغة مفاهيم جديدة للأفراد للتعايش بغرس محبة الثقافات الأخرى في نفوس الأطفال منذ نعومة أظفارهم والاهتمام بتعليمهم اللغات الأخرى بحيث يتكون لديهم شغف بالمعرفة بثقافة الآخر وتقديره والتعرف عليه وعلى ما ينتجه من آداب ومعارف

يشهد عالمنا العربي اليوم ظاهرة لافتة للانتباه، عصية على الفهم، تتمثل في السعي الحثيث للتقهقر إلى ألوان من التشظي أو التفتت الطائفي والقبلي والعرقي، في مقابل سعي العالم للتكتل في كيانات كبرى تحاول أن تجد مشتركات لتعايش قوميات وثقافات متباينة ومتعددة، ولعل أحد أبرز نماذج هذا التوجه الآن هو وصول الدول الأوربية لانتخاب رئيس للاتحاد الأوربي الذي يجمع بين العديد من القوميات التي تتراوح خلفياتها التاريخية والثقافية، بل وتتباين لغاتها وثقافاتها، وعقائدها بشكل غير مسبوق.

لقد أثبتت العولمة، بالرغم من كل الصراعات التي شهدها العالم على مدى العقدين الماضيين، أن الهويات القومية لن تندثر، بل بإمكانها أن تتناغم في إطار حياة مشتركة يتعايش فيها العالم بحيث تصبح العولمة دعوة للتعايش، وليست أداة تنافر وتنابذ واستعداء. أي أن هذه الهويات أو التعدديات الثقافية هي التي تشكل المجتمع العالمي الذي يجب أن يسوده السلام.

لكن المدقق في الواقع العربي المعاصر سيجد أن هذه الرؤية العالمية غائبة عنا، نحن العرب، بشكل تام، كأننا لا نعي أي مسار تتخذه حركة التاريخ البشري الآن. وهي حركة تاريخية تسير وتتقدم وتتشكل، وتتجاوز الصراعات والاختلافات والصدامات في سعي حثيث باتجاه صورة لعالم واحد تجمعه المصالح البشرية، وأسس التعايش المشترك كاختيار وحيد كما يبدو حتى الآن- للحفاظ على حياة واستمرار البشرية.

فاليوم يشهد العالم حركة اتصال متبادل لم يشهدها من قبل، سواء عبر وسائل التنقل الحديثة برا وجوا وبحرا، بوسائل تجعل من انتقال البشر بين القارات عملا روتينيا يوميا، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة التي استطاعت بالفعل أن تجعل من الكرة الأرضية كرة صغيرة جدا، وتحقق نوعا من ضغط الزمان والمكان لم يكن متاحا بمثل هذه الصورة من قبل، بالنسبة لقدرات البشر على التفاعل والتواصل على مدى الساعة كل يوم.

وبينما تتقدم البشرية نحو تشكيل المجتمع العالمي الجديد وفقا لهذه المتغيرات، فإننا نجد أنفسنا نحن العرب ننكفئ - بشكل يدعو إلى الدهشة - عن حلم «الدولة الواحدة» الذي تخطى عمر طرحه الآن أكثر من قرن من الزمان، إلى ألوان من التشظي، والتفتت، ليس على مستوى الدول فقط، بل على مستوى القبيلة الواحدة التي يتم اختراقها بدعاوى التفتت، ولا على مستوى الأديان أو الطوائف، بل على مستوى المذهب الواحد الذي يتفتت ايضا إلى مذاهب جديدة بشكل متسارع، وعداء مميت.

ولا ينطبق هذا على العالم العربي فقط، بل ينسحب على المنظومة الإسلامية، والنماذج ساطعة من العراق الذي يشهد فتناً طائفية أشعلته تحت مظلة الديمقراطية المزعومة، وفلسطين المنكوبة التي تتصارع فيها حماس مع منظمة فتح، إلى اليمن الذي أشعل الحوثيون فيه نيران الصراع المذهبي بين ليلة وضحاها، ومن أفغانستان التي تتصارع فيها قوتان رئيسيتان إحداهما مدنية والأخرى دينية متشددة، إلى باكستان التي تتمزق والصومال التي تتحول من دولة إلى شظايا من العصابات والقراصنة، إضافة الى التوترات الطائفية والمذهبية في العديد من دول العالم العربي في المشرق والمغرب على السواء.

ولست أريد تبرئة أي قوة خارجية قد تكون وراء دعاوى التفريق هذه، دعما أو تسهيلا، لكن حتى لو كانت هناك قوى خارجية لها مصالحها في هذا التشظي والتفتت فلا شك أن استجابتنا السريعة لمثل تلك الدعاوى دليل على أن هناك في بذرتنا الاجتماعية وعمق مكوننا الفكري ما يفرز الانحياز السهل لكل دعاوى التفريق المبني على العصبيات والتحزبات.

فلا شك أن الاستعمار القديم الذي كان يرسل جيوشه العتيدة للاستيلاء على ثروات ومقدرات المستعمرات لم يعد اليوم في حاجة لكل تلك الجيوش، إذا كان بإمكانه أن يحصل على النتيجة نفسها عبر شعاره القديم «فرق تسد»، والذي يجد اليوم استجابة منقطعة النظير في العالم العربي.

استغلال التقنيات الحديثة في التنافر

وبالإضافة لكل دعاوى التنافر والفرقة القومية والمذهبية الطائفية وغيرها، فقد شهدت المنطقة العربية على مدى العقدين الاخيرين موجة من العنف الداخلي الذي مارسه المتناحرون في ما بينهم، لدرجة أنهم استمرأوا انتقال فكرة التفجير الذاتي في عمليات انتحارية كانت موجهة في البداية إلى الإسرائيليين من قبل بعض الشباب الاستشهاديين الفلسطينيين، بحيث أصبحت اليوم إحدى وسائل التقاتل حتى بين أبناء البلد الواحد والقبيلة الواحدة والمذهب الواحد.

بل إن التفتت القبلي شهد ظاهرة جديدة تماما حيث أدت مباراة في كرة القدم بين مصر والجزائر قبل شهرين إلى إشعال شرارة نزاعات قبلية وشوفينية انتقلت من الجمهور لتتحول إلى أزمة سياسية بين البلدين.

واللافت أيضا أن التقنيات الحديثة التي نشهد بسببها ثورة اتصالات غير عادية والتي يفترض أن تكون منبرا أو وسيلة لتجاوز الانغلاق الفكري، والانفتاح على الثقافات والأفكار المتباينة التي تتيحها هذه الوسائل الجديدة، مثل الفضائيات والإنترنت، تستخدم في العالم العربي بمنطق معكوس، إذ إن العرب، غالبا، يختارون ما يتناسب فقط مع أفكارهم سلفا، ويعتادون المتابعة أو المشاهدة لما يغذي ما يؤمنون به من مذهبية أو انغلاق أو يتحمسون لما يعتنقونه ويفكرون فيه.

بل إن ثورة الاتصالات هذه بدلا من أن تكون وسيلة لمزيد من التواصل والتفاهم المشترك بين الحضارات، بل وبين أبناء الحضارة الواحدة، إذا بها تتحول إلى وسيلة لإثارة الفتن، وقد شهدنا كيف أن خبرا صغيرا يبث في صحيفة صغيرة قادر على إشعال ثورة في بلد آخر، بل وربما افتعال مذبحة في بحر عدد محدود من الساعات، بالإضافة إلى استخدام وسائل التخاطب والاتصال الاجتماعي مثل «الفيس بوك» لتتحول إلى ساحة افتراضية للعداء والسباب المتبادل واستخدام مختلف ألوان الدعايات العنصرية.

وبالتالي فإن الحاصل هو المزيد من الفتن ومزيد من المعارك الصاخبة بين أبناء الحضارة الواحدة، والثقافة الواحدة، والدين الواحد، بل واللغة الواحدة، إضافة إلى المزيد من العنف وما يسفر عنه من قتل وسفك للدماء على حساب البناء والتنمية والتطور الحضاري.

لكن كيف أصبحت المجتمعات العربية هكذا، قابلة لأن تفتتن، وأن تقتتل، لأوهن الأسباب؟ ولماذا أصبحت شعارات الوحدة العربية والتضامن العربي، والأمة العربية فكرة تبدو اليوم صعبة المنال أكثر من أي وقت مضى؟ وما هي الأسباب التي يسهل بسببها تجييش العرب ضد من يختلف معهم مذهبيا أو عشائريا أو طائفيا، وأن يمارسوا كل هذا العنف بعضهم ضد بعضهم الآخر؟

كأن العرب، بهذه الممارسات يرفضون فكرة التنوع البشري، ويرفضون فكرة المواطن العالمي الذي يعرف عن هويته بقدر ما يعرف القدر الكافي عن هويات الآخرين، بحيث يصبح توقع الاختلاف بديهيا وليس العكس.

الشرعية واليأس

في مقال سابق لنا حول «ثقافة الهزيمة»، أشرت إلى فكرة ردود الفعل العربية حول ما يراه الجمهور ماسا بمعتقداته، وكيف أنها تبدو كأنها تعبير عن ثقافة هزيمة أكثر من كونها وسيلة للاعتراض، ولهذا عادة لا تحقق الهدف منها. وهذا يظل صحيحا حتى على مستوى الخلافات بين العرب بعضهم بعضا، لا على مستوى الخلافات مع الآخر الغربي فقط.

ولبحث الأسباب العميقة للظاهرة أظن أن هناك نقطتين رئيسيتين ينبغي أخذهما في الاعتبار وهما: تجذر مفهوم الهزيمة وتحوله إلى يأس يعبر عنه الأفراد والجماهير بالغضب والعنف الذي نستطيع أن نلمس آثاره في عشرات من الشواهد العربية يوميا. أما النقطة الثانية فتتعلق بمفهوم الشرعية ومدى تحققه للسلطات العربية الحاكمة، ليس من وجهة نظر السلطة إنما في أعماق وأفكار تلك الجماهير على نحو خاص.

فيما يتعلق باليأس المتولد عن الإحساس بالهزيمة يبدو أن له جذوراً تاريخية بعيدة لدى أغلب الشعوب العربية، التي انهارت حضارتها لسنوات، قبل أن تبدأ في محاولة استعادة وعيها وقوتها عبر حركات ثورية وتحررية واستقلالية عديدة مع بدايات القرن الماضي، والتفافها لاحقا حول مشروعات عربية قومية قاد عبدالناصر أهم فصائلها ودولها، واستعادت به الجماهير من أرجاء الارض العربية حلمها في استعادة نهضتها، لكنها وقبل أن تقف على أرض الحلم وتحوله إلى واقع إذا بالأرض تنهار من تحت أقدامها، بانهيار الحلم القومي إثر هزيمة 1967.

إن اليأس الذي يؤجج المشاعر، بالنسبة للجماهير العادية، أو ذلك الذي يذهب إلى حد تحويل الشخص إلى انتحاري أو «استشهادي» كما يشير الكاتب امين معلوف في كتابه الأخير «اختلال العالم»، لم يكن وليد سنة 1967، ولا وليد سنة 1948، أو نهاية الحرب العالمية الأولى «وإنما هو مآل سيرورة تاريخية لا يمكن أن يختصرها أي حدث أو تأريخ. إنه تاريخ شعب عرف عهدا كبيرا من المجد، أعقبه سقوط طويل فهو منذ مائتي سنة يتوق إلى النهوض، لكنه يعود كل مرة إلى السقوط، وتعاقبت عليه الهزائم، والخذلانات والإهانات، إلى أن انبثق جمال عبدالناصر فراح يؤمن بأنه سيتمكن معه من النهوض مجددا، ومن استعادة اعتباره لذاته وإعجاب الآخرين. وحين انهار العرب من جديد وعلى هذا النحو من المشهدية وهذه المذلة الكبيرتين، انتابهم ومعهم جموع العالم الإسلامي شعور بأنهم خسروا كل شيء».

ويرى معلوف أن هزيمة عبدالناصر ثم وفاته أدت إلى ظهور مشاريع سياسية متنوعة راحت تتنافس على امتلاك إرثه، لكنه يرى أنها جميعا لم تنجح بسبب غياب مفهوم «الشرعية» في أغلب تلك المشاريع. «تلك الشرعية العفوية، التي تكاد تكون من لحم ودم، التي تمتع بها عبدالناصر حتى موته، بالرغم من عيوبه وأخطائه وهزائمه».

إن غياب الشرعية بالنسبة لأي مجتمع بشري، كما يقول معلوف، هو شكل من أشكال انعدام الوزن الذي يخلخل كل السلوكيات، فمتى كانت أي سلطة، او مؤسسة، او شخصية، لا تستطيع أن تحوز صدقية معنوية حقيقية، ومتى بلغ المر بالناس إلى حد الاعتقاد بأن العالم غابة يسودها الأقوى وكل الضربات فيها مباحة، لا يعود هناك بد من الانجراف نحو العنف القاتل، والطغيان والفوضى.

العنف نتيجة لتلاشي الهوية

«ولعل الانجذاب إلى المشروعات السياسية التي حاولت أن ترث المشروع الناصري، وأقصد بها التيارات الإسلامية، هي واحدة من مظاهر رد الفعل على فكرة غياب الشرعية، ومحاولة الإيعاز بأن وصول تلك القوى ذات التوجهات الدينية هي الشرعية البديلة».

ومن البديهي أن الشعوب التي تشعر بأنها قيد التلاشي، هي وحضارتها، أو التي تشعر بالتهميش الثقافي والإذلال السياسي تكون أكثر قابلية لأن تصغي لكل أصحاب دعاوى المقاومة التي تتسم بالعنف والانفلات العشوائي إلى التدمير والهدم.

يقول معلوف: «إن عالما يتحسن فيه يوميا احترام التنوع البشري، حيث يمكن لكل شخص ان يتكلم اللغة التي اختارها، وأن يمارس معتقداته بسلام، ويؤكد أصوله بهدوء دون أن يتعرض للعداوة ولا للاحتقار من جانب السلطات كما من جانب الناس، إن عالما كهذا هو عالم يتقدم، ويرتفع. وبالمقابل، إذا تغلبت التشنجات المتعلقة بالهوية ، حيث يجد الإنسان صعوبة متزايدة كل يوم في أن يكون هو نفسه بصفاء، وأن يتكلم لغته بحرية ويمارس إيمانه بحرية، فكيف لا يمكن أن نتكلم عن تقهقر؟».

ولعل هذا هو بيت القصيد في موضوع الهوية، وفي موضوع الشرعية أيضا، لأنه بتوافر مثل هذه الظروف من قبل أي سلطة سيكون لها مشروعيتها التي لا يكفي لتكونها قوتها الاقتصادية والعسكرية فقط، بل ومراعاتها لجميع الحريات وحقوق الأفراد، في التعبير، وفي ممارسة معتقداتها، بلا خوف، وتقييد النزعات العنصرية عبر ممارسات منصفة.

تجارب الدول ذات الأعراق المختلفة

إن الدول والمنظمات العربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة ودراسة الأسباب التي أدت إلى التقهقر وميل الأفراد إلى التشرذم والتعصب والتمسك المريض بنعرات المذهب والطائفة والقبيلة على حساب منطق الدولة التي تقوم على مبدأ التعايش والتسامح في إطار من الحرية.

وينبغي الأخذ في الاعتبار في دراسات من هذا النوع النظر إلى تجارب الدول التي تضم أعراقا وثقافات مختلفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، وكيف تمنح الحريات للأشخاص بحيث تمنح السلطة لنفسها الشرعية من جهة، ولمحاولة ترسيخ ثقافة التنوع لدى مواطني تلك الدولة.

من جهة أخرى فإن المجتمعات العربية قد ثبت لها أن التمسك بالقديم دون وعي بالتطورات والمتغيرات أيضا لم يؤد إلا إلى خلق أجيال لا ترى سوى حقيقة واحدة وطريقة واحدة في التفكير، كان لها أثر بالغ في تدعيم ثقافة العنف ونفي الآخر، والتعصب للأنا بشكل مفرط في الأنانية والبراجماتية.

وتتحمل أجهزة تخطيط التعليم في العالم العربي مسئولية كبيرة في تأخرها في وضع مناهج تعلي من قيمة التنوع والتعدد وإظهار مدى إيجابيات تلاقح الأفكار والتفكير العلمي بديلا للتلقين وللتوجهات المنغلقة على ثقافة واحدة باعتبارها مركز العالم والكون.

إننا مطالبون جميعا باستعادة قدراتنا على التعامل مع بيئتنا ومواردنا ومعارفنا وتنوعنا بشكل أفضل، ووفق منظومة مختلفة للقيم، وليس عن طريق نسف منظومة القيم.

إن الموارد العربية - والمالية منها على نحو خاص - قد تم تبديد الكثير منها على مظاهر للهو، وعلى الإنفاق غير المخطط والمدروس، مما أدى إلى انتشار ظواهر إسراف وتبذير ولامبالاة، بينما كان الأولى توجيه كل تلك الموارد في اتجاهات التنمية والتطوير التي نحتاج إليها الآن بشكل بالغ الأهمية، لعلاج المشكلات التنموية والخدمات التي تحتاج إلى الدعم.

وقد أثبتت الاتجاهات الاستهلاكية في العالم العربي أن الموارد في النهاية محدودة، وأن الاستهلاك وحده لا يصنع الحضارة، وبالتالي فإن المنتج الثقافي لا بد أن يتخذ أولوية في خطط التنمية العربية, لأن الثقافة هي التي تشكل الفرد القادر على صناعة التنمية الحقيقية القادرة على الاستمرار والصمود.

كما ينبغي الانتباه إلى أننا لكي نحقق التعايش المشترك السلمي الذي نسعى إليه بيننا كعرب، ثم بيننا وبين الثقافات الأخرى فلابد لنا أن نقوم بنوع من التعرف الحقيقي على الآخر، برغبة في الفهم والمعرفة الجادة التي تسمح بالتلاقح الحضاري والمعرفي.

إن التعليم والثقافة العربيين يتحملان مسئولية كبيرة في صياغة مفاهيم جدية للأفراد للتعايش بغرس أهمية وضرورة الثقافات الأخرى في نفوس الأطفال منذ نعومة أظفارهم والاهتمام بتعليمهم اللغات الأخرى, بحيث يتكون لديهم شغف بالمعرفة بثقافة أخرى على الأقل، وتشكيل وعيهم على الانفتاح على الآخر وتقديره والتعرف عليه وعلى ما ينتجه من آداب ومعارف، مع الوعي المستمر بأننا أيضا نمثل «الآخر» لدى الثقافات الأخرى.

وهذه ربما هي حجر الأساس في عملية التغيير المطلوب في بنية الذهنية العربية التي تشهد اليوم حالة من الانغلاق ربما لم تعرفها على مدى عمرها كله، والثقافة والتعليم وحدهما القادران على أن ينقذا العرب من واقع موغل في التخلف والجهل ومستقبل غامض ويضعاه على بر التعايش والنجاة ، وليس لنا من خيار آخر.

 

 

 

سليمان إبراهيم العسكري