مستعمرة إنسانية على ظهر المريخ عام 2050

مستعمرة إنسانية على ظهر المريخ عام 2050

ينتهي العام 1997, ومن بين أهم منجزات الإنسان خلاله هو وصول المركبة باث فايندر إلى المريخ, وهي مجرد بداية.

عندما اقتربت المركبة الفضائية الأمريكية "باث فايندر PATHFINDER" من جو المريخ كانت تعلم المنطقة التي ستنزل عليها على وجه الدقة, فالمريخ مُسح سطحه إلى حد كبير بالمركبات المحومة حوله.

كانت سرعة المركبة مخيفة تصل إلى22000 كم/ ساعة قبل الهبوط بـ "أربع وثلاثين" دقيقة, حينما اقتربت من غلاف المريخ الرقيق للغاية, فهو مشبع بغاز الفحم إلى نسبة 95% وكأن عوادم السيارات كلها نفثت فيه, ولا نبات أخضر يبدو من سطحه. وبارد مثل الجثة الميتة, ذو جو صقيعي تجمد فيه المفاصل, ويغلي الماء على سطحه دون نار.

واستمرت هذه السرعة المخيفة حتى قبل "أربع" دقائق من الرسو عندما تراجعت بشكل ملحوظ عند دخول غلاف المريخ الخارجي, فبرزت درع حماية ضد الحرارة الرهيبة التي تأكل السطح الخارجي للطبق الطائر الأرضي, مما جعل الصورة تنقلب عن غزو الفضاء, كما قال الرئيس الأمريكي كلينتون مداعباً في كلامه: "الآن ستنقلب الأدوار فسنفاجئهم بالزيارة" تذكيرا بخيالات الناس حول أساطير المريخ والصحون التي اشتهرت بمصطلح "يوفو UFO".

المركبة التي نزلت على سطح المريخ, كان طبقا طائرا بشريا ذا درع مقاومة للحرارة الفظيعة المتولدة عن الاحتكاك مع الغلاف الجوي للمريخ.

قبل دقيقتين بالضبط قبل الرسو كان "الباراشوت" قد فتح وتدلى منه الطبق الطائر الذي يحمل المركبة الفضائية بسرعة 0051 كم/ساعة.

وقبل "ثمانين ثانية" سقط درع الحماية الحرارية وبدأت المركبة تتهادى وهي تتأمل بفضول سطح المريخ بواسطة جهاز مسح راداري.

قبل "ثماني" ثوان من ملامسة سطح المريخ كانت سرعة الاندفاع قد نزلت إلى 032 كم/ ساعة, أي أقل بمائة مرة من لحظة اختراقها سطح الكوكب الأحمر, وبدأت أشياء عجيبة تظهر من حواف الصحن: إنها مجموعة من الأكياس الضخمة تنتفخ من كل جانب, محيطة بالمركبة من كل الاتجاهات بحيث أضحت المركبة في النهاية في قلب كوكبة الأكياس المنفوخة, وكل ذلك حماية للمركبة أثناء الارتطام.

كان مصممو المركبة المبدعون قد فكروا طويلاً واهتدوا إلى كرة "البين بون" كرة الطاولة, فسوف تنزل المركبة فتنط عدة مرات بعد الارتطام الأول والسرعة الكبيرة.

وقبل "أربع" ثوان كانت السرعة قد تراجعت إلى 910 كم/ساعة وكان ارتفاع المركبة عن سطح المريخ "ثلاثين" متراً, عندما انطلقت صواريخ صغيرة باتجاه السير المعاكس للأعلى, من جنبات هذه الكتلة المنفوخة من الأكياس ـ إنها مرحلة مهمة لمزيد من تخفيف السرعة.

أحجار وأحلام

وعند الثانية صفر لحظة الملامسة الخطيرة كانت السرعة قد كبحت إلى90 كم/ ساعة, ومع الارتطام الأولي قفزت الأكياس عدة مرات حتى استوت وسكنت على جودي المريخ, وإذا بالأكياس قد نُفِّست, والمركبة بوجهها أطلت, ومن حوافها كالشرنقة ثلاث أرجل تدلت, ومن بطنها اندفعت عربة أنيقة بوزن عشرة كيلوغرامات. كان عشرات الملايين يحدقون هذه اللحظات عبر شاشات التلفزيون متأملين الإنجاز الإنساني, الذي يقترب من عمل المعجزات, مذهولين لا يكادون يصدقون لولا إلفة العادة وبلادتها, وهو يحرك هذه العربة ذات العجلات الست, والمزودة عند خيشومها بكاميرا متطورة, شارك معهد "ماكس بلانك Max-Planck-Institute" من ألمانيا في تطويرها, يمكن أن تحلل التربة وتكتشف الحياة, وتصور ما حولها بأحلى الألوان بأشد من أنامل مصور محترف, فكأننا نحن الذين نرى دقيقة بدقيقة, شهوداً على بعد ملايين الأميال.

في 4 يوليو من عام 1997م رست مركبة "باث فايندر" بسلام على سطح المريخ, لتندفع من أحشائها عربة الكترونية أنيقة, بست أقدام من مادة التيتان, تتقدم على استحياء وتقف واجمة, ثم تخفض أنفها تشم غبار المريخ, وتقول ليس الريح ريح أرنب ولا المس مس أرنب, كأنني أشم رائحة عابقة لأكاسيد الحديد, فهذا هو سر لون المريخ الغاضب الدموي للكوكب الأحمر, الذي سماه اليونان إله الحرب وما هو إله, وما هو بداعية حرب, فالحرب تبرمج في عقول الناس وليس على ظهر المريخ البريء.

تشبه عربة "السوجرنير" السلحفاة في شكلها وسرعتها, فعلى ظهرها المدرع 200 حجرة ضوئية لقنص الطاقة من أشعة الشمس, وتزحف كالدودة بسرعة 60 سم/دقيقة.

والآن ما هدف هذه الرحلة التي دامت سبعة أشهر, بكلفة مليار دولار, في رحلة 75 مليون كيلومتر عبر الملكوت, لتنزل على ظهر جثة كوكب أقرب إلى الثلاجة, بدرجة حرارة ستين تحت الصفر, تزمجر في زواياه عواصف رملية عاتية, في صحراء باردة صقيعية متجمدة, يعتبر شتاء كندا بالنسبة لها ربيعا رائعا??.

إن هدف هذه الرحلة قديم فهو اكتشاف الحياة فيه وتوطين الإنسان على ظهره, فمنذ عام 6791 ميلادي تحسر "كارل ساجان" الفلكي, وهو يرى مركبته المشلولة على ظهر المريخ تنقل صوراً لمحيط ميت, ولا تملك قدرة الحركة من مكانها, وكل ما استطاع أن يعقب عليه أن يحمد الله على عدم غرق المركبة في الرمال الهائجة, واستمرارها في بث الصور إلى الأرض لعدة سنوات, وألا يكون مصيرها مصير مركبة مارس السوفييتية, التي أرسلت مرتين وفشلت مرتين, وكانت الثانية درساً موجعاً, لأنها لم تبث إلا لمدة ثانية واحدة يتيمة فقط, بثت فيها صوراً مشوشة تعلن نبأ الحداد عن وفاتها ليس في صقيع سيبيريا, بل على أرض الكوكب الأحمر البارد.

كانت هذه الفكرة الأولى, ولكن الذي حرك المفاصل في الرحلة, وفتح الأفق لمشروع عملاق طموح, هو حجر تافه ملقى في الوديان الجافة من القطب الجنوبي "الانتراكتيس Antraktis" لم ينتبه له أحد وعثر عليه بالمصادفة, كشف النقاب عن بقايا متحجرة لحياة كانت تغمر سطح المريخ مثل الأرض, في شهادة عجيبة أن الحجر الذي لا يعجبنا قد يكون حجر الزاوية في البناء, فكل من الأرض والمريخ ولدا قبل ما يزيد على أربعة مليارات سنة, وكلاهما كان يسبح في الماء ويغتسل بطوفانات لا تنتهي, في جو مريع من الصواعق والرعد والبرق والبراكين, ولكن المريخ تعرض لكارثة كونية, جعلت الماء يختفي من سطحه, فيتبخر إلى الفضاء الخارجي, أو يختبئ في أعماقه تاركاً آثاراً لا تمحى, ضللت الكثيرين إلى درجة اعتبار سطح المريخ مملوءا بالأقنية التي تضخ الماء من القطب المتجمد إلى مناطق الصحراء, في مشاريع عملاقة للتروية دليلاً على وجود كائنات ذكية عاقلة, وكانت أخبار "أقنية المريخ" حدثاً هز العالم يومها, وتبين لاحقاً أنها ليست أكثر من خدع بصرية. واعتبر فيلسوف التنوير "إيمانويل كانت Imauel Kant" عام 1755م أن المريخ عامر بكائنات كاملة أكثر منا معشر البشر, وهو حلم قد يكون قصد به الفيلسوف ما هو أكبر من الأرض والمريخ والمجموعة الشمسية, في الكون الهائل الذي نعيش فيه, والذي لا تشكل فيه الأرض أكثر من ذرة غبار تافهة.

ولكن لا العظمة أو التفاهة ارتبطت في يوم من الأيام بالحجم, وعظمة الأرض من عظمة الحياة وسرها التي تدفقت فيها.

الحجر الذي أعلن بواسطته وجود الحياة في كوكب بعيد, وجد في القطب الجنوبي المتجمد اختفى تحت الثلج وفي الصيف ومع دفع الرياح برز إلى السطح, لا يزن أكثر من جرامين ولا يزيد على حجم برتقالة, أسود اللون, ملتمع الشكل, معدني المظهر, حاد الحواف, محزز الجوانب.

كان منظره مريباً مثيراً فأخذه الفريق العلمي من جملة ما أخذ ليفحص ما هو موجود في هذا الكون, والعبرة من هذه القصة أن روح الفضول, والرغبة في المعرفة, والانتباه إلى الجديد, وعدم الاستخفاف بأي مظهر غير عادي, هي الروح التي تدفع بالنمو في مفاصل الحياة, ويموت الإنسان قبل موته عندما تموت عنده هذه الروح [وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون في.

أعطي الحجر الاسم والرقم العلميين (84001 ـA L H ) ووضع في وسط معقم في حجرة مفرغة من الهواء, تحت المراقبة المشددة, في مركز جونسون "84001 ووضع في وسط معقم في حجرة مفرغة من الهواء, تحت المراقبة المشددة, في مركز جونسون العلمي في مدينة هيوستون من ولاية تكساس وتم قطع شرائح منه رقيقة للغاية, وكأننا في قاعة عمليات جراحية, بفرق أن الجثة هنا هي حجر بارد ميت, ثم أرسلت العينات إلى العديد من المراكز العلمية والجامعات المرموقة لتعيين هويته, وتابعت القصة ذيولها, أشبه بقصص "أجاثا كريستي" البوليسية.

تمت معاملة العينات المرسلة بحذر بالغ بضربها بالأشعة تحت الحمراءالليزرية, وتحويل التركيب المادي إلى سحب من الغبار والدخان, لمعرفة التركيب الكيماوي, كما وضعت تحت أشعة المجاهر الإلكترونية المخترقة, وفي عام 1993 تم الوصول خلال رحلة بحث استمرت تسع سنوات إلى أن الحجر هو من المريخ قولاً واحداً, وكان هذا بموجب المقارنة المكثفة بين التركيب الكيماوي للحجر, مع المعلومات التي بثتها مركبة فايكنج التي رست على سطح المريخ قبل 21 سنة "20 يوليو/1976" بمناسبة مرور 200 سنة على استقلال أمريكا متأخرة 16 يوما عن موعدها, بالإضافة إلى مقياس التحليل الطيفي والراديوي, كما عرف تاريخه والرحلات المثيرة التي قام بها, فالمريخ تشكل وولد إلى الحياة مع ولادة الأرض قبل 4.5 مليار سنة, وحجرنا المثير طار من ظهر أمه بعد صدمها بنيزك جبار قبل 15 مليون سنة, وعاش ملايين طويلة من السنين في الفضاء الخارجي, قبل أن يكل من رحلة الأوديسة والدياسبورا ويهجع للراحة, فيستلقي بظهره على سطح القطب السفلي للأرض قبل 31000 سنة عندما وضعت جاذبية الأرض يدها على هذا الصيد النفيس.

طموح بشري

أمام هذا الكشف النفيس فإن مشروع "مكتب برامج الكشف" (Exploration Programs Office) في هيوستون في تكساس التابع لمشروع ناسا, يفكر الآن في مشروع طموح لغزو المريخ, فهو يخطط في إرسال مركبة إلى المريخ كل سنتين لمسح الكوكب بالمتر, وسينفذ إرسالية بالبشر في نوفمبر من عام 2009 ميلادي في رحلة تستغرق ثلاث سنوات.

ستضم الحملة الذكور والإناث على صورة عائلات, فثبت أن وجود المرأة يلعب دوراً في تخفيف نزاعات الذكور, في رحلة تمتد إلى ستة أشهر. ستنطلق المركبة أولاً من قاعدة أرضية للوصول إلى المركبة المريخية التي تنتظرهم. سوف ينزلون من المركبة الأم الأرضية ويمتطون ظهر الصاروخ المريخي, الذي سيشق عباب الأثير الكوني بسرعة مائة ألف كيلو متر/ساعة, يستهلك كل واحد منهم مقدار طن من الهواء والغذاء, ليصلوا منهكين مسرورين ببلوغهم عتبة الكوكب الأحمر في مايو من عام 0102 ميلادي. سيهبطون في ألبسة تحت الضغط, وسيبقون هناك لمدة سنة ونصف السنة يتجولون على سطح المريخ, يدرسون المناخ, ويحللون التربة, ويبحثون عن بقايا الحياة.

في مطلع عام 2010 سيبدأون رحلة العودة إلى الوطن. مشكلة الطاقة سوف تحل بحملهم مع مركبتهم ابتداء من الأرض ستة أطنان من الهيدروجين, وقبل وصولهم ستكون مركبات أخرى قد وصلت, يعمل على ظهرها "روبوت ذكي" يقوم بشفط غاز الفحم, ويخلط الهيدروجين المحضر من الأرض مع غاز الفحم, فيتم تحصيل مائة وثمانية أطنان من الميثان والأكسجين وهي أكثر من الكافي لحل مشكلة العودة, في تأمين غاز الأكسجين للطاقم, وطاقة الانطلاق لرحلة العودة.

كلفة الرحلة الأولى ستكون بحدود 38 مليار دولار, وهي تعادل ميزانية الدفاع الألمانية لمدة سنة واحدة. ستبتلع منها فقط تهيئة المركبة الكبيرة 20 مليار دولار, ولكنها ستكون مثل السيارة الجديدة التي سوف تستخدم في سفرات متعددة, فستنخفض نفقات إرسال الكيلوجرام الواحد من عشرة الاف دولار إلى 300 دولار فقط.

ليست هذه الرحلات دون مخاطر من ضعف المناعة, والتعرض للأشعة فوق البنفسجية من دون وقاية, والوقوع تحت تأثير صاعق للأشعة الكونية, فهي مثل طلقات الفولاذ بسرعة الضوء ولا يشعر بها رائد الفضاء, والتعود على فقد الوزن, فالبقاء عشرة أيام دون مشي يحتاج لأسبوعين من إعادة التكيف على المشي الأرضي, وفقدان الدرع المغناطيسي الحامي من الأرض, وإمكان التعطل الفني دون محطات استراحة وصيانة ومقاه, بل هي رحلة في الظلام الدامس محبوسين في حجرات أشهرا كاملة, مربوطين على حبال وأحزمة وأنابيب مثل المرضى في العناية المشددة, حياتهم ممهورة بفتحة أنبوب أو خيط أو كابل, لا يعرفون عن طبيعة مواد المريخ هل هي سامة قاتلة? مرشحين لنمو السرطانات في عظامهم وانهيار جهاز المناعة في أبدانهم. فإذا تجاوزوا كل ذلك وقعوا تحت ضغط الانسحاق النفسي لمدة نصف عام كاملة, يسبحون في الملكوت بعيدين عن عائلاتهم سبعين مليون ميل.

مع كل هذا فجرأة الإنسان مدهشة في اختراق المجهول ولو فيه عطبه, والنهم إلى المعرفة ولو كان فيه هلاكه.

استعادة الربيع.. هناك!

في مشروع المريخ فكر العالم الأمريكي "كريستوفر مك كي" من مركز أبحاث ناسا في "آميس" في كيفية إعادته إلى جو الربيع في خطة على عدة مراحل:

يرى العالم أن المشكلة هي في المناخ القديم الذي يحتاج إلى قلب جذري, حيث بردت درجات حرارة المريخ إلى ستين درجة تحت الصفر في المتوسط, فتبخر الماء وانعدمت الخضرة واختفت الحياة من سطحه, فاحتاج ـ من أجل إعادة الحياة إليه, مثل المصابين بضربة برد قاتلة ـ إلى صعقة كهربية تنشط القلب, وتدفئة تدريجية يعود بها إلى الحياة.

يرى "مك كي" إنه حتى نرفع درجة الحرارة فيه, فلابد من إجراء جراحة كونية خرافية, هي صعبة ولكنها ليست مستحيلة ويمكن تحقيقها, فإذا استطعنا أن ننفث في جو الكوكب بشكل مستمر, مثل صانعي بالونات الزجاج, من الغازات التي تنفث في سماء الكرة الأرضية وتخرب جوها يومياً, فسيكون ذلك ذا نفع كبير في جو المريخ, بحيث تخلق له في النهاية الغلاف الخارجي, الذي يشكل درعاً واقية تمنع تسرب الحرارة وتشكيل ظاهرة البيت الزجاجي كما هي في الغلاف الجوي الأرضي, أو على حد التعبير القرآنيسورة الأنبياء آية 32 وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً الذي سيرفع درجة حرارة الكوكب تدريجياً, في خطة طموح ذات أربع مراحل تحول المريخ إلى كوكب صالح لسكنى الإنسان.

1 ـ المرحلة الأولى: تحتاج إلى بناء مصانع كيماوية عملاقة, تزود بالكهرباء من مفاعلات نووية, تمدها بالكهرباء بما يعادل 4500 ميجاوات, تنفث الغازات آناء الليل وأطراف النهار, من نوع "فلور الهيدرو كربوني FCKW" مثل مساجات القلب لإنسان أصيب بتوقف قلب عند سقوطه في قبضة الثلوج. وهذا يعني إنتاج عشرة ملايين طن من الغازات, وهو أربعون ضعفاً مما تنتجه الكرة الأرضية منها, المسئولة عن رفع درجة الحرارة, في السنة الواحدة.

2 ـ المرحلة الثانية: إذا نجحت المرحلة الأولى من العملية, فتشكل الغلاف الجوي الحامي, وسخن الكوكب البارد, وتغيرت سحنته من الغضب والاحمرار إلى الخضرة والوجه الحسن, قمنا بالخطوة الثانية, في نقل الجراثيم التي لا تحتاج إلى الأكسجين في تكاثرها "الانايروبيا Anaerobic" وبعض الطحالب والأشنيات التي تعيش دون هواء وضوء في أعماق المحيطات وما يشبهها, حتى نصل إلى مرحلة بدء ظهور الاخضرار على سطح المريخ الأحمر ليتحول إلى أخضر بهجة للناظرين.

3 ـ بعدها ندخل المرحلة الثالثة: أي بدء ضخ الأكسجين من هذه المستعمرات الخضراء وتشجيع وتسريع عمليتها, وبذا نكون قد أمسكنا بمفتاح تغيير جو ومناخ الكوكب الأحمر الغاضب الحزين جذرياً.

4 ـ إذا نجحنا في ضخ الأكسجين الآن في جو المريخ, كان معناه إمكان سكن الإنسان ومعه كل بيئته من الحيوانات الأليفة, والبدء باستعمار الكوكب الجديد.

ما يحمله المستقبل أكبر من الخيال, وأبعد من التصور, ويخترق المستحيل الذي تعارفنا عليه, لأن المستحيل في عقولنا فقط.

سنرى مشاريع بناء مدن كاملة تحت الأرض. وأخرى عائمة فوق المحيط, وناطحات ما فوق سحاب إلى ارتفاع الكيلومترات تضم بيوتاً تسع مئات الآلاف من البشر فيما يشبه المدن الجديدة, وعمليات جراحية كونية لترقيع ثقب الأوزون, برقع وخيطان من حقول كهرطيسية, وجبال شاهقة تفد من القطب المتجمد الجنوبي تقطر إلى المناطق الصحراوية, تنقل بحيرات كاملة ماء سائغا للشاربين, وتسقي جنات على مد البصر في الصحراء تنبت فاكهة طلعها هضيم. وشفط عناصر مهمة من الطاقة من سطح القمر من نوع الهليوم الثلاثي بروبوتات ذكية. وفرش سطوح تنقل الطاقة عبر عشرات الآلاف من الكيلومترات من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية, لاستقطاب الطاقة وبثها على شكل موجات قصيرة إلى الأرض, وإرسال مركبات فضائية إلى سطح المريخ, تحمل طاقما بشريا وروبوتات, تنفق في جو المريخ غازات صناعية على مدار الساعة, ما يعادل 40 ضعف تلويث مناخ الكرة الأرضية السنوي, في محاولة إعادة الدفء إلى كوكب المريخ المتجمد من صقيع مريع, وإحداث غلاف حام لجوه, واستنبات الحياة على ظهره, في أضخم جراحة كونية يقفز إليها الخيال البشري. إن ما نعرضه من بعض مشاريع المستقبل سيتصوره البعض أنه من سرد أفلام الخيال العلمي, ولكن جون فيرني الفرنسي, وليوناردو دافنشي الإيطالي, وعباس بن فرناس العربي, تخيلوا على حدة: الغواصة والدبابة والطائرة وضحك عليهم معاصروهم, كما فعلت كثير من الأمم مع المصلحين أو الأنبياء, الذين جاء أسمهم من النبوءة, أي رؤية خاصة للمستقبل. الذي ثبت بعدها أن الواقع كان أكبر من الخيال, وأن ما تحقق فاق أبعد التصورات,سورة يوسف آية 76 وفوق كل ذي علم عليم.

من المريخ إلى الأرض

يفكر اليابانيون الآن بمشروع مرعب ببناء مدن يسمونها "مدن المحيط Ocean Citys" حيث ترتفع من قلب الماء, من وسط المحيط أهرام من البناء, ترتفع أربعة آلاف متر عن سطح الأمواج المتلاطمة, يهزأ البناء بها, ويرتعب خوفو لهذه الأهرام الجديدة, التي تصعد من لجة الماء, بما هو أرعب من العنقاء, مخترقة كل المستحيلات الأربعة في الثقافة العربية, وترتفع في المياه اليابانية, فوق أعلى مستوى فيها من نموذج جبل "فوجي ياما Fudschijama" بحوالي 224 متراً.

هذا البناء السامق سيلمع عند الساحل الياباني, يقوم على وسادات جديدة بوزن550 مليون طن من الحديد الثقيل, تغطس في عمق المياه تهيئ للبناء الاتزان الكافي في مواجهة أعاصير التيفون, وحمم البراكين, وزمجرة الزلازل, يضم عدداً من السكان يعادل "سبعمائة ألف" إنسان, بحجم سكان مدينة متوسطة عصرية, يحتاج المصعد السريع للوصول إلى الطابق العلوي رقم ألف إلى 35 دقيقة, وتبلغ درجة الحرارة فوق قمة البناء 11 مئوية, حيث الهواء في غاية الرقة, والثلج لا يفارق المكان في كل فصول السنة, يمارس أهل البناء رياضة التزلج لمن أحب في أي وقت شاء, فلا حر ولا قر ولا سآمة.

 

خالص جلبي

 
  




سفينة الفضاء "فايكنج لاندر" - روبوت صمم لجمع وتحليل تربة المريخ