أزمة العالم العربي عبدالرزاق البصير

يضج عالم الفكر العربي من الشكوى بأننا نعاني أزمة ثقافية خانقة. وفي رأيي المتواضع أن أزمتنا أزمة سياسية وهي التي خلقت الأزمة الثقافية. ولعل أصدق دليل على ما أقول هو قصيدة الشاعر الموهوب " نزار قباني " (على هامش دفتر الهزيمة) ومن قبل ذلك نظم قصيدة بعنوان: (على هامش دفتر النكسة).

وفي رأيي أن شاعرنا الأستاذ القباني رسم صورة صادقة للأزمة الحقيقية، بل إننا حين نقرأ آثار الشعراء المتأثرين بمعاناة الأمة العربية أمثال الشاعر "أحمد مطر " يتأكد لنا أن أزمتنا سياسية وليست أزمة ثقافية. فالذي يشغل عقولنا وأفكارنا هو ما جرى في الكويت وما يجري في لبنان وما يجري أيضا في فلسطين في الظاهر والباطن. وما أظن أني في حاجة إلى توضيح نكبتنا في فلسطين ولبنان والكويت، ذلك أن مشاهدها الواقعية تقول بأعلى الأصوات إن أزمتنا سياسية، كما تقول لنا هذه الكوارث الثلاث بأننا لن نخرج من هذه الأزمة بما يعالجه المثقفون وما يطرحونه من أراء. فالقضية واضحة، وهي تعني أننا متى استطعنا أن نحل هذه المشاكل الثلاث فإننا عندئذ يمكن أن ننتفع بما يطرحه المثقفون من أراء وأفكار تتعلق بهذه الأزمة.

حول الوحدة العربية

كل أراء المثقفين وأفكارهم التي اطلعت عليها في هذه الأيام تنطلق من وحدة الأمة العربية. وتثير هذه الآراء سؤالا ينبعث من هذا المنطلق وهو: هل لهذه الوحدة التي يتحدثون عنها وجود بالفعل أم هو وجود بالقوة كما يقول المناطقة؟!

يرى كاتب هذه السطور: أنه موجود بالقوة وليس له وجود بالفعل على الإطلاق. فإذا ما قرأنا صحفنا وجدنا معظمها تجريحا وتشهيرا في بعضنا البعض في حين أن المفروض على الصحافة أن تنهج منهج النقد المعتمد على وقائع، أو إن شئت الدقة في التعبير فقل: إن على صحافتنا أن تعيّن أسباب الأزمة بوضوح تام، نحن نشكو من هيمنة الأجنبي بل إننا نشكو من وجوده بصورة ظاهرة دون أن نحدد المسبب لهذا الوجود.

وقد لاحظت أن الكثيرين من كتابنا يبتعدون عن الواقع ابتعاداً كلياً، ذلك أنهم يتحدثون عن الوحدة العربية تلك الوحدة التي يتمناها كل مخلص لهذه الأمة. لكننا في واقع الأمر مرغمون على أن نعيش حياة التجزئة.

ماذا يريد أخوتنا الكتاب من اللبنانيين والفلسطينيين؟ هل يريدون منهم أن يتحدثوا عن الوحدة؟! وهم يحيون حياة التشرذم في كل نواحي الحياة.

وماذا يريد الأخوة الكتاب من الكويتيين؟ هل يريدون منهم أن يتحدثوا عن الوحدة! بعد أن حاول أخوة لهم أن يمحوهم محواً كاملاً من الوجود. فلنكن واقعين أيها الأخوة ولنعالج قضايانا بكل صدق وصراحة. وبذلك يمكننا تلمس الطريق لحلّ مشاكلنا المفزعة والمعقدة.

رسالة الكتّاب الحقيقية

وفي اعتقادي أن ذلك لا يخفى على كل من الأستاذين "تركي الحمد" و "يوسف نور عوض" (الحياة 22 مارس 92) وغيرهما من الكتاب ما أشرت إليه من أن أزمتنا سياسية وليست ثقافية لكن كتّابنا يبتعدون عن الواقع عامدين متعمدين لكيلا يعرف عنهم أنهم وقفوا ضد مستبد طاغ بعينه وهو رئيس النظام العراقي فهو المسبب لما نحن فيه من أزمة، لأن هذه الإدانة تحرمهم من منافع مادية، وإلا فإن المتسببين لما نحن فيه من أزمة معروفون لدى الجميع، والواجب الأدبي بل الواجب العربي يقضي على المفكرين أن يناصروا الحق والعدل وبهذا تتشعب هذه الأزمة فتصبح أزمة سياسية أخلاقية. ونحن نعلم جميعاً أن رسالة المفكر والكاتب والشاعر هي أن يقف إلى جانب الحق والعدل، فمتى يؤدي كتابنا وشعراؤنا رسالتهم تأدية صحيحة، وذلك بأن يدينوا المعتدين ويسموهم بأسمائهم. إن الحياد في هذه القضايا يضرّ الأمة العربية كلها ذلك أن هذا السلوك يجعل المستبدين الطغاة في مأمن من غضب المثقفين، وهو أمر يحرص كل طاغية على تجنبه والابتعاد عنه. بل إن المستبد يحرص على أن يكون المثقفون سائرين في ركابه يبررون كل أفعاله وأعماله، ومعنى ذلك بأن الكتاب يصبحون أداة طيعة لتقوية الظلم والاستبداد وفي هذا من المضار ما يعرفه كل مثقف.

واجب الكتاب المخلصين

ولعلي لست في حاجة إلى توضيح أن النظام العربي قبل الكارثة التي أصابت الكويت والتي لم يقتصر ضررها على منطقة الخليج كلها فحسب، بل امتد إلى كل الأنظمة العربية إن لم نقل إن ضررها امتد إلى أبعد من ذلك، أقول: لست في حاجة إلى توضيح ذلك لأنه معروف لأقل الناس فهماً وإدراكاً للأمور. لهذا نجد جميع الكتاب الذين وقفوا مع الحق والعدل يستغربون من الكتّاب الذين تضافروا مع الظلم والعدوان ولهم العذر في هذا الاستغراب إذ لا يوجد أي مسوغ عقلي يقف إلى جانب الأقلام التي انطلقت تؤيد ما وقع من ظلم على الأمة العربية بأسرها.

ولقد انقضى أكثر من عام على وقوع الكارثة دون أن نجد كاتبً أيّد الاستبداد اعترف بأن إعلام المعتدى استطاع أن ينسج ظلالاً على جريمته، وأنه الآن قد اتضحت له عدالة قضية الكويت بصورة خاصة والخليج بصورة عامة. وأن كل ما نعانيه من تفكك وضعف يعود سببه إلى حاكم لم يهتم بشعبه أو بأمته لاعتقاده أنه ملهم من السماء.

فليس من شك أن لقيام أي كاتب بمثل هذا الاعتراف أثراً قوياً في ترميم بعض ما حدث من تصدع كبير في النظام العربي. ولا يستطيع أحد أن يقول: إن اعتراف الكاتب بخطئه يعد نقصًا أو ضعفاً في إدراكه لأن هذا الاعتراف شجاعة ترفع من مكانته في نفوس المنصفين، فإننا جميعاً نعلن بأن الذي قال إن: (الاعتراف بالخطأ فضيلة والرجوع إلى الحق صواب) موفق في هذا القول.

فمتى نرى أقوالنا أصبحت أفعالاً؟ إذا تّم ذلك فإننا نكون قد بدأنا السير في الطريق المؤدي إلى ما يتمناه المخلصون لهذه الأمة.