هذا الكتاب هو رسالة
حضارية حملتها الكويت إلى دول العالم المشاركة في مؤتمر كوبنهاجن. طبع بثلاث لغات
هي العربية والإنجليزية والفرنسية وتجري الآن ترجمته للألمانية. وهو لا يقدم صورة
دعائية بقدر ما يسعى إلى عرض الحقائق موثقة بالأرقام والوثائق.
الكويت حضارة
وتاريخ...، عنوان المدخل الذي يتحدث عن تاريخ الوجود الحضاري في منطقة الكويت
وأهمية موقعها الذي يجعلها حلقة وصل برية وبحرية بين أجزاء العالم القديم ومركز
تجمع وتوزيع لحضارات مختلفة وموقعا استراتيجيا مهما يتحكم في الممر إلى تلك
الحضارات والأسواق. ويشير المدخل إلى مكانة دولة الكويت في التاريخ حيث عرفت باسم
كاظمة في أوائل القرن السابع عشر. بدأ هذا المجتمع النشاط الاقتصادي في مرحلة مبكرة
قبل النفط وغاص أبناؤه في الأعماق بحثا عن الرزق وجابوا البحار في سفن صنعوها
بأيديهم ويذكر "كبنهاوزن" المقيم المسئول لشركة الهند الشرقية الهولندية في عام
1756 أن الكويت في تلك الفترة المبكرة كانت تملك 300 سفينة يعمل عليها 4000 رجل في
صيد اللؤلؤ بخلاف سفن صيد الأسماك وسفن التجارة.
يؤكد "فاليارس"
1938 صاحب كتاب "أبناء السندباد" (ويعني بهم الكويتيين) اعجابه بنشاط الكويت
البحري. ويذكر الكتاب "الكويت والتنمية الاجتماعية" أن نشاط أبناء هذا المجتمع لم
يقتصر آنذاك على الصيد والغوص بل كان هناك نشاط آخر يتمثل في النشاط البري متمثلاً
بالقوافل التجارية الضخمة إلى دمشق وحلب في الشمال.
وتحدث المدخل عن
علاقة الكويت الوطيدة بجيرانها من خلال الخرائط العالمية التي وضعها رحالة عالميون،
وعن العلاقة بين أفراد المجتمع الكويتي وحكامه التي تتسم بسيادة روح الديمقراطية،
كما أكد ذلك المقيم الإنجليزي في الخليج "لويس بللي".
فعندما زار الكويت
عام 1865 وصف الحاكم الشيخ صباح بأنه "يدير الأمور بروح الأب تجاه أبنائه لا يأنف
أن ينزل على حكم القاضي إذا خالف ما يذهب إليه، ومهما يكن فإن فرض العقوبات على
السكان كان أمرا نادر الحدوث".
وفي نهاية المدخل
جاء الحديث عن التنمية على أنه حديث عن الإنسان في طموحه إلى الارتقاء بالواقع
وقدرته على استشراف آفاق المستقبل وتخطيطه لمواجهة تحديات الحياة ومشكلاتها لأن
الإنسان هو أداة التنمية وصانعها، واستطاع بما أودعه الله فيه من مواهب وقدرات
إبداعية صنع الحلول العلمية للمشكلات الكبرى على درب تحقيق التنمية البشرية
والمدرجة على جدول أعمال مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية
وهي:
- القضاء على البؤس والاقلال من الفقر المدقع.
-
تمكين كل إنسان من عمل مجز يكفل كرامته في الحياة.
- استيعاب كل مجتمع
لأفراده في كنف الوفاق والتضامن.
طموحات
التنمية
منذ أن تم تصدير
أول شحنة نفط إلى العالم الخارجي سنة 1946 وجدت القيادة السياسية في عائداته
الوسيلة الأساسية لتنفيذ طموحاتها الهادفة إلى تحديث الكويت، ويمكن التمييز في
التجربة الإنمائية لدولة الكويت بين مرحلتين تعبران عن التنمية الاجتماعية وغاياتها
وتطورها منذ مطلع الخمسينيات وحتى منتصف التسعينيات. تسمى المرحلة الأولى مرحلة
بناء الدولة العمرية حيث سادت هذه الفلسفة منذ تدفق عائدات النفط عام 1946 وحتى
الحصول على الاستقلال السياسي عام 1961، وفي ظلها توجهت جهود التحديث إلى بناء
القواعد الأساسية للدولة، كما وضعت جهود التحديث ركائز التنمية الاجتماعية مثل وضع
أسس النهضة العمرانية وتطوير مشاريع الكهرباء والماء والرعاية الصحية والانتقال
النوعي بمستوى الدخل والمعيشة من خلال تشغيل المواطنين الكويتيين، ووضع أسس النظام
المالي الحديث لدولة الكويت عام 1960 الذي شهد أول ميزانية تقوم على النظم الحديثة،
وتضمن النظام المالي إعادة توزيع عائدات الثروة النفطية على جميع شرائح المجتمع من
خلال نظم الأجور والحوافز وأنظمة التأمين والمعاشات ونظم التحويلات والاستملاكات
العامة للعقارات القديمة، أما المرحلة الثانية من التنمية الاجتماعية فهي مرحلة
بناء دولة الرعاية الاجتماعية والخدمات ووضع ركائزها الدستورية حيث قامت هذه
المرحلة على فلسفة بناء دولة الرعاية الاجتماعية المتمثلة بصدور دستور دولة الكويت
عام 1962 الذي قامت عليه الحياة البرلمانية وما تتضمنه مواده من مبادئ العدل
الاجتماعي والديمقراطية والحرية، ورعاية الاسرة والنشء، والرعاية التعليمية
والثقافية ورعاية الصحة العامة، وكفالة فرص العمل للمواطنين، وتأمين المشاركة
الشعبية والمسئولية الاجتماعية، وحقوق الإنسان.
كما تم انشاء مجلس
التخطيط كهيئة مستقلة أوكلت إليه عملية تحديد الأهداف بعيدة المدى والدراسات
المتعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي وتنسيق المشروعات بين جميع الوزارات وإعداد
الخطة الخمسية والاشراف على تنفيذ المشروعات المشتركة وتقديم التوصيات إلى مجلس
الوزراء بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وجرى أيضا تسليط الضوء على السياسات
العامة، والاجتماعية وسياسات السكان والقوى العاملة حيث يلاحظ أن فتر 1957 - 1970
قد شهدت معدلات نمو مرتفعة إذ بلغت نسبة الزيادة السكانية السنوية 10.3% انخفضت إلى
6.3% في عقد السبعينيات ثم استمر النمو السنوي بمعدل 4.6% حتى عام 1990 نتيجة سياسة
التشجيع ورعاية الأسرة. وفي عام 1993 بلغ عدد السكان الاجمالي في دولة الكويت
1.484.400 (مليونا ونصف المليون نسمة تقريبا) يضل عدد الكويتيين منهم إلى 642.6 ألف
نسمة أي ما نسبته 43.3% والوافدين 841.8 ألف نسمة يشكلون نسبة 56.7% في حين تصل
نسبة قوة العمل الكويتية إلى 20.4%.
التنمية
ووسائلها
ويتعرض الكتاب
للآليات والوسائل التي كان لها الأثر الكبير في تحقيق وانجاز أهداف التنمية
الاجتماعية ولهذه الآليات: نوعان:
أولا: الوسائل
المالية ويقصد بها مكانة الادوات المالية المستخدمة من خلال الموازنة العامة ومن
أهمها جملة الانفاق الحكومي الذي يعتبر بمثابة المرأة التي تعكس الفلسفة الاقتصادية
والاجتماعية للدولة وغاياتها.
فبالنسبة للمتوسط
السنوي لهذا الانفاق لم يزد على 116.6 مليون دينار في الستينيات قفز إلى 221 في
نهاية الستينيات ثم تسارع إلى خمسة أمثال ونصف المثل في السبعينيات وازداد في عهد
الثمانينيات ليصبح 3365.3 مليون دينار وازداد مرة أخرى ليصل إلى 5585.1 مليون سنويا
في الفترة ما بين 1991 - 1994.
أما نظام تسعيرة
الخدمات العامة فيشمل خدمة التعليم والبحث العلمي والخدمات الصحية وخدمة الرعاية
السكنية حيث لا تتجاوز نسبة الإيراد الحكومي لأي مجال من هذه المجالات 21% في أحسن
الأحوال من الانفاق الحكومي عليها (في الكهرباء والماء مثلا.) ويرتبط نظاما الدعم
والاستملاكات العامة ارتباط مباشرا بالسياسات الاجتماعية والنمو السكاني حيث يخفف
نظام الدعم من أعباء المعيشة على قطاعات السكن محدودة الدخل. ويتم تقديم الدعم في
صورة تحويلات للأفراد والمؤسسات للأغراض الإنتاجية والاستهلاكية، أما نظام
الاستملاكات العامة فهو وسيلة لزيادة مستوى الرعاية وتحسين نوعية الحياة لجميع
الكويتيين ويتجسد في المبالغ المقدمة من الدولة للمواطنين مقابل التنازل عن حقوق
الملكية العقارية. ويأتي نظام الأجور والبدلات ضمن الوسائل المالية ليمثل أحد أهم
العناصر الرئيسية المستخدمة لتدعيم سياسات الرعاية العامة للكويتيين ويشمل الراتب
الأساسي والعلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد. ويمثل العبء الضريبي اقتطاعاً إجباريا
من دخول الأفراد والمؤسسات بغرض الإسهام في تمويل الأعباء العامة وتمكين الدولة من
تحقيق الرعاية الاجتماعية للسكان والقيام بوظائفها تجاه المجتمع.
ويشكل معدل
الاقتطاع الضريبي في الكويت واحدا من أقل المعدلات في دول العالم النامية والمتقدمة
فهو لم يتجاوز 1.8% من متوسط نصيب الفرد في الناتج المحلي غير النفطي في السبعينيات
وبلغ حوالي 2.3% من متوسط نصيب الفرد من الناتج غير النفطي في الثمانينيات وفي عام
1992 لم يتجاوز 0.7% أقل من 1% من المعدل نفسه.
ثانيا: الوسائل
غير المالية لتحقيق الرعاية والتنمية الاجتماعية. وتشمل مجموعة من الآليات متكاملة
المفعول ومتشابهة الهدف لتطوير البنى الأساسية والخدمات الاجتماعية التي تهتم
بالبنى الأساسية للدولة "ماء كهرباء، طرق مواصلات... " وتسعى إلى زيادة فرص العمل
للمواطنين من أجل تحسين معيشتهم.
أما تطوير
القطاعات الاقتصادية غير النفطية فيهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وفرص العمل
لتحقيق التنمية المتوازنة وزيادة اسهام القطاع الخاص في النشاط
الاقتصادي.
إنجازات كلية
وقطاعية
أما فيما يخص
الانجازات الكلية فقد استخدمت مؤشرات مادية لقياس مستوى الرعاية الاجتماعية المحققة
وأهم هذه المؤشرات، متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، متوسط
نصيب الفرد من الاستهلاك الكلي الحقيقي، ومتوسط نصيب الفرد من عناصر الثروة
المتمثلة في الاحتياطات المالية. ويدل تطور هذه المؤثرات على مدى الرعاية
الاجتماعية التي يتلقاها مجتمع بشري ما. وبالنسبة لمجتمع دولة الكويت فتدل مؤشرات
الدخل والاستهلاك على أن متوسط نصيب الفرد الكويتي من الناتج القومي يعادل خمسة
أضعاف المتوسط العالمي للبلدان متوسطة الدخل. فقد بلغ في فترة السبعينيات أكثر من
20 ألف دولار وفي عام 1995 قدر بنحو 10.3 ألف دولار ارتفع إلى 10.8 عام
1995.
في حين تشير أرقام
الاحتياطات العامة المرتفعة إلى قدرة المجتمع المالية على تمويل برامج التنمية وعلى
تحقيق الزيادة المستمرة في الدخول. ومن أهم السمات الايجابية البارزة للادارة
الاقتصادية للكويت استخدام الفوائض الادارية المترتبة على ارتفاع أسعار النفط في
السبعينيات في تكوين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة وظل الاحتياطي العام
يستخدم في مواجهة متطلبات الانفاق الطارئة والاستثمار المحلي بينما لعب احتياطي
الأجيال دورا رائدا في مواجهة محنة الغزو العراقي حيث وفر هذا الاحتياطي لقمة العيش
للكويتيين الذين توزعوا في دول مختلفة إبان المحنة.
لقد اهتمت خطط
التنمية بالقطاعات الأساسية كالكهرباء حيث وصل الانتاج إلى 20178 مليون كيلو وات
ساعة عام 1993، والمياه حيث وصل متوسط استهلاك الفرد إلى 138.1 جالون يوميا من
المياه. ولقد اهتمت الدولة بالمرافق العامة والطرق وشبكات الصرف الصحي والصيانة
الدورية لهذه المرافق، كما أولت اهتماما متزايدا بقطاع النقل والتخزين والمواصلات
الذي يساهم مساهمة كبيرة وجدية في تحقيق التنمية الاجتماعية المطلوبة. وتشمل
الانجازات القطاعية قطاعات أساسية ومهمة تقدم الخدمات للمجتمع وتأتي خدمات التعليم
والتدريب في صدر هذه الخدمات إذ تنطلق التنمية الاجتماعية في الكويت من مفهوم يتبنى
ثلاثة أبعاد أساسية لدور التعليم في التنمية هي:
* ايجاد قاعدة
اجتماعية عريضة متعلمة من خلال ضمان أدنى حد من التعليم.
* تعديل القيم
والاتجاهات التي تعزز السلوك التنموي الايجابي في المجتمع بما يتناسب والطموحات
التنموية ونوعية الحياة الطبيعية التي يستهدفها المجتمع.
* تأهيل وتطوير
قوى العمل الوطني وتوفير احتياجات البلاد من الاطر الفنية والادارية والعلمية
والحرفية.
ولما كانت الكويت
قد أدركت مبكراً أهمية التعليم في تحقيق التكامل الاجتماعي كونه الوسيلة الرئيسية
لعملية التطبيع الاجتماعي للأطفال خارج نطاق الأمن فقد جعلت التعليم متاحاً ومجانيا
للجميع وإضافة إلى المدارس وفرت التعليم المجاني للأميين والكبار ممن فاتتهم فرصة
التعليم وقد ظهر أثر ذلك من خلال انخفاض نسبة الأمية بين الكويتيين من 48.3% إلى
13.5 خلال الفترة من 1970 - 1990.
لقد توسعت مؤسسات
التعليم العام حيث أصبحت خدماتها تغطي 100% من الأطفال الكويتيين في سن التعليم
الأساسي (6 - 14) وارتفع عدد الطلبة من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة إلى 146.7
ألف عام 1992 / 1993 بينما كانت 104 آلاف عام 1980 / 1981، كما تنامى عدد الطلبة في
المرحلة الثانوية إلى 50.2 ألف عام 2 199 / 1993. وتم إنشاء جامعة الكويت عام 1966
/ 1967 ومع بداية العام الدراسي 92 / 93 بلغ عدد الأقسام العلنية نحو 26 قسما في
الكليات النظرية إلى جانب 19 قسما مع الكليات العملية وبلغ عدد الطلبة 14.5 ألف
طالب يشكل الكويتيون منهم 81%. وهناك المؤسسة التعليمية التي توازي الجامعة وهو
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التي تأسست عام 1972 / 1973.
خدمات التعليم
والتطوير
والدولة
ماضية في تطوير خدمات التعليم والتدريب لما لهذه الخدمات من أهمية استراتيجية. في
مجاراة الثورة العلمية والمعلوماتية والتقنية التي تميز هذا العصر. وللرعاية الصحية
أهمية فائقة ضمن قطاعات التنمية الاجتماعية باعتبارها القطاع المسئول عن حماية
السكان من جميع الأمراض والوقاية منها، وتحسين نوعية الحياة وزيادة الانتاجية
الجماعية، وفي عام 1990 كان عدد المؤسسات الصحية الحكومية 67 مركزا للطب العام الذي
يقدم خدمات الرعاية الأولية و53 عيادة لطب الأسنان و14 عيادة لمرضى السكر و48 مركز
لرعاية الأمومة والطفولة و32 مركزا للصحة الوقائية إلى جانب 16 مستشفى عاما ومتخصصا
إضافة إلى 8 مستشفيات تتبع القطاع الأهلي وبمعدل 3 أسرة لكل ألف من السكان، وقد
بلغت اعداد الكوادر البشرية العاملة في مجال تقديم الرعاية الصحية نحو 4200 عن
الأطباء البشريين والصيادلة وأطباء الأسنان، ونحو 14880 من الفنيين في الخدمات
الطبية المساعدة والتمريض. وتلقى برامج رعاية الأمومة والطفولة الكثير من الاهتمام
كما تقوم المراكز المتخصصة بالتعاون مع عيادات الاسنان والطب الوقائي بمعالجة
وتطعيم الأطفال مجانا ونتيجة هذه الجهود التنموية فقد ارتفع معدل الحياة المتوقع
عند الولادة من 63 عاما في سنة 1970 إلى 74 عاما سنة 1992 وانخفضت معدلات الوفيات
العامة من 6.5 إلى 2.2 لكل ألف نسمة وانخفضت معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة من
41.3 إلى 10.7 لكل ألف طفل في الفترة نفسها.
العدوان العراقي
وإعاقة التنمية
كانت الكويت ومع
بداية النصف الثاني من عام 1990 قد انتهت من اعداد مشروع خط التنمية الاقتصادية
والاجمالية طويلة الأجل (1990 - 2015)، والخطة الانمائية للسنوات الخمس الأولى من
عقد التسعينيات وكان هذان المشروعان قد دخلا إلى حيز المناقشة الرسمية والشعبية إلا
ان وقوع محنة 2 أغسطس وحتى نهاية فبراير 1991 وما حدث من أعمال تخريب خلال أشهر
المحنة الكويتية والعربية قد أعاق تحقيق تنفيذ الخطتين.
أما من الجانب
الاقتصادي فلم يتم حصر دقيق جدا وشامل لحجم الخسائر ولكن هناك تقديرات مبدئية
لخسائر أهم القطاعات الاقتصادية في دولة الكويت كقطاع النفط الذي مني بخسائر جسيمة،
والقطاع التجاري حيث تعرضت المراكز التجارية المهمة للنهب والتخريب وتقدر خسائر
القطاع النفطي بحوالي 75643 مليون دولار. كما تعرض قطاع الصناعات غير النفطية هو
الآخر للتخريب وتدل الدراسات على أن نسبة الأضرار لهذا القطاع بلغت 23% في الأصول
الثابتة تزداد إلى 65% في الآلات والمعدات وتصل إلى 50% في الأصول المتداولة، وتعرض
قطاعا الزراعة والثروة السمكية، كذلك القطاع المصرفي للتخريب وقدرت هيئة الزراعة
خسائرها بـ 4760 مليون دولار أمريكي عام 1991، ولم تسلم الهياكل الأساسية الحضارية
ومرافق الخدمات البلدية من التخريب والنهب. وقد تجاوزت الأضرار الاجتماعية كل
التوقعات من هجرة شريحة عريضة من المجتمع في أثناء المحنة والعيش خارج البلاد في
ظروف غربة ومعاناة اجتماعية ونفسية كما تعرضت أنشطة القطاع الصحي للشلل بسبب هجرة
الكفاءات الفنية وأعمال النهب والتخريب خاصة في المعدات الضرورية والأدوية الأساسية
وتوقفت أنشطة التعليم وأجهزة الثقافة والإعلام والكهرباء والماء والنقل والمواصلات.
كما مني القطاع البيئي بنصيب كبير من الخراب متمثلا في التلوث البيئي واتلاف الجسور
والطرق نتيجة مرور العربات المجنزرة واتلاف أعداد كبيرة من صور الحياة الفطرية
(نبات - حيوان - طيور).
مساعدات اجتماعية
كويتية
سارعت الكويت منذ
بواكير الستينيات للمشاركة في عملية التنمية العربية والإسلامية والدولية وكانت من
أسبق الدول النفطية إلى تقديم المساعدات حيث أنشأت أول مؤسسة رسمية لهذا الغرض عام
1961 ممثلة بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وهدفت المساعدات الكويتية
إلى تأكيد انتماء هذه الدولة العربي والإسلامي والإنساني ودعم مسيرتي السلام
التنمية الدوليتين، ومناصرة القضايا الإنسانية، وترسيخ علاقات التعاون والإسهام
الفاعل في حل المشاكل الإنسانية. وكانت المساهمة الكويتية قد شملت قطاعات متعددة
كإنشاء الطرق والمواصلات وتكوين رأس مال بشري بتعزيز الاستثمار في قطاعات التعليم
والتدريب واستصلاح الأراضي وبناء الصناعات وتوسيع طاقتها
الانتاجية...الخ.
وقد تعددت الأطر
الرسمية والشعبية التي تتدفق المساعدات من خلالها إلى البلدان المتلقية من خلال
مؤسسات رسمية كوزارة المالية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ووزارة
الخارجية وبيت الزكاة وبيت التمويل الكويتي إضافة إلى المؤسسات الشعبية والهيئات
الخيرية والجمعيات الأخرى وقد أشارت تقديرات مركز البحوث والدراسات الكويتية إلى أن
إجمالي المساعدات الكويتية في الفترة 1973 - 1994 وصل إلى 50000 مليون دولار بمتوسط
سنوي قدره 2272.7 مليون دولار.
ويشرف الصندوق
الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية على المعونات منذ إنشائه عام 1961 وقد اتخذت
المساعدات الكويتية صبغة عالمية حيث لم تقتصر على الدول العربية فقط. هذا إلى جانب
اليسر في عملية الاقتراض عند الاقتراض وبشروط سهلة ويساهم الصندوق الكويتي مع
مؤسسات عربية ودولية أخرى لدفع مسيرة التنمية في بلدان العالم المختلفة.
وتقدم الكويت
الدعم للمنظمات ذات الطابع الاجتماعي والإنساني كبرنامج الأمم المتحدة الانمائي
وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية
واليونسكو وغيرها كما ان هناك جانبا آخر يقدم قدرا من المساعدات وهي المؤسسات
الأهلية التي تقدم المساعدات للمحتاجين والمنكوبين وخاصة في مجال بناء المساجد
وإقامة المدارس الدينية وحفر الآبار وتشييد المستوصفات وغيرها من أعمال
التنمية.
توجهات الجهود
التنموية المستقبلية
حددت وثيقة مجلس
الوزراء الصادرة في أبريل عام 1994 توجهات العمل الانمائي على النحو
التالي:
السياسات
الاجتماعية: ويشير هذا الجانب إلى المحافظة على أمن واستقلال الكويت وسيادتها
وتعزيز قيم الدين الإسلامي بسماحته ويسره في المسلك والتعاون والتعامل والحوار
وتأكيد مبادئ التعاون والانتماء إلى الأمة العربية والدفاع عن مصالحها وقضاياها كما
تشير السياسات الاجتماعية إلى ضرورة العمل في اطار منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز
الانتماء ودعم الروابط بين دول العالم الإسلامي والعناية بالبعد الدولي لأمن الكويت
بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة.
أما في مجال العدل
وتحقيق الاستقرار للمواطنين فقد عنيت الوثيقة بتأكيد المقومات الأساسية للمجتمع كما
هو وارد في دستور الدولة، والمحافظة على القيم والعادات المستمدة من الشريعة
الإسلامية، وترسيخ المفهوم الشامل للأمن كإطار متكامل اقتصاديا واجتماعيا
وسياسيا.
وركزت الوثيقة في
مجال السياسة البيئية على المحافظة على البيئة وتطورها والمحافظة على جمال البيئة
ومكوناتها.
أما في مجال
السياسة السكانية وتنمية الموارد البشرية فقد توجه الاهتمام إلى التحكم في التركيبة
السكانية ومعدلات نموها وتنظيم عملية الاستقدام للعمالة وتنمية الموارد البشرية
الوطنية وتدريبها، وتبني وثيقة وطنية للتعليم والتدريب، والعمل على تنمية الموارد
البشرية الوطنية، والمبادرة إلى توفير بدائل أخرى لمؤسسات التعليم العالي، وتحقيق
التكامل بين مخرجات التعليم واحتياجات التنمية في الحاضر والمستقبل.
وتحرص التوجهات في
مجال الرعاية الاجتماعية على رعاية النشء وحمايته وفقاً لقيم الدين الإسلامي
والارتقاء بمستوى الخدمات الاجتماعية وتعزيز مكتسبات المجتمع وتأمين أسس نموه
وتطويره واستقراره، وتكثيف الجهود بشأن الأسرى الكويتيين.
أما سياسة التنمية
الادارية فقد حثت على تطوير الادارة في القطاعين الحكومي والخاص وإعداد القيادات
الادارية، والأخذ بالتطبيقات الحديثة لعلم الادارة.
السياسات
الاقتصادية: تهدف توجهات السياسة الاقتصادية إلى معالجة مشكلة العجز في الميزانية
العامة للدولة بانعكاساتها المتوقعة من خلال تبني برنامج واضح للاصلاح المالي
والارتقاء بكفاءة الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع القطاع الخاص وتكثيف الاستثمار في
القطاع النفطي، وتوسيع قاعدة الانتاج المحلي، والعمل على جذب رءوس الأموال والشركات
الأجنبية للعمل في الداخل.
لقد حددت وثيقة
مجلس الوزراء فلسفة راسخة للمساعدات الكويتية وتحددت توجهاتها المستقبلية بالتمسك
بالمبادئ الثابتة لاعطاء هذه المساعدات على مستوى عالمي حيث لا تقتصر على البلدان
العربية والاسلامية التي ترتبط بالكويت فحسب ولكن تشمل جميع البلدان النامية
والمتقدمة على اختلاف أنظمتها الاجتماعية.
وتؤكد خطوط
المساعدات صفتها الانسانية وخلوها من التحيز لجهة معينة وانطلاقها من ايمان راسخ
بتحقيق النمو الاجتماعي في البلدان المتلقية بحيث يمكن لأفراد المجتمع تحسين
انتاجيتهم وكذلك توجيه المساعدات إلى التنمية الانسانية والبيئية وبرامج التعليم
والثقافة ومحو الأمية والتوجه إلى الفقراء الريفيين الذين هم بحاجة ماسة إلى هذه
المساعدات سيما ان اعداد السكان الفقراء في ازدياد دائم ويعانون صورا مختلفة من صور
التدهور الاجتماعي والحرمان البشري. ويدعو الكتاب جميع الدول المانحة للمساعدات
بعامة إلى التوجه إلى هؤلاء الفقراء كما يتحتم على الدول التي تعاني آثار برامج
الاصلاح الاقتصادي والخصخصة أن تضمن شمول برامج التنمية الاجتماعية هذه الفئات
المتضررة من سكانها.
وتشير الخاتمة إلى
المحنة التي تعرضت لها الكويت جراء العدوان العراقي وعزم هذه الدولة على مواصلة
مسيرة الخير والإنسانية من أجل مساعدة الآخرين وإسعادهم.