البروبيوتيك.. ومن البكتيريا مانَـفع!

البروبيوتيك.. ومن البكتيريا مانَـفع!

للبكتيريا تاريخها الموغل في القدم على وجه الأرض. ومن ثم علاقتها التاريخية بالإنسان.. صداقة وعداء، صراعاً ووفاقاً، منفعة ومضرة، نعمة ونقمة، صحة ومرضاً.

يوجد في جسم الإنسان أكثر من 400 عائلة من سلالات البكتيريا المسالمة المفيدة، تعيش داخل الأمعاء وتعمل على تحقيق التوازن الطبيعي للجهاز البكتيري المعوي. وفقد هذا التوازن ناتج عن أسباب منها: سوء التغذية «إفراطا ونقصاً»، وتناول الوجبات السريعة، والإسراف في السكريات، والتدخين، وأنماط الحياة المعاصرة، الإرهاق، و«إدمان» تعاطي الدواء وبخاصة المضادات الحيوية. وفي مثل تلك الحالات فإن عدد البكتيريا الضارة تتفوق وتكثر على النافعة مما يسبب خللا في الجهاز المعوي.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع المنتجات الغذائية المتخمرة «منتجات الألبان المعززة ببكتيريا نافعة أو البروبيوتك Probiotics» خفض كل من: الدهون الثلاثية Triglycerides، والكوليسترول الكلي cholesterol Total، والمنخفض الكثافة (LDL)، بينما تزيد من النوع العالي الكثافة (HDL) مما يؤثر ويساهم في علاج النوبات القلبية وأمراض تصلب الشرايين، والسمنة، وهل تساهم في علاج القولون العصبي، والتهاب القولون التقرحي، وقرحة المعدة؟

حديثاً.. تتواصل الدراسات - تحت ظروف معملية وطبيعية - على سلالات من بكتيريا Lactobacillus; Streptococcus and Bifidobacteria، وإمكان تكوين توليفات متعددة، منها مما بات يعرف بالبروبيوتك «المعويات الصحية Probiotics»، والبريبيوتك «المغذيات المعوية Prebiotics». فالبروبيوتك مستحضرات «أنواع من الزبادي المتخمر/ الصحي Bio-yoghurt، والأجبان، والكريمة ومنتجات ألبان أخرى» تحوي بكتيريا نافعة، تقوم بدور مهم في تنشيط الجهاز المناعي للجسم عن طريق تنشيط الجهاز الليمفاوي بجدار الأمعاء لإنتاج الخلايا المناعية مثل خلايا الدم البيضاء. كما تساعد على إفراز مضادات حيوية سائلة تشكل سداً ضد البكتيريا الضارة، وتسهم في الوقت نفسه بتعزيز مقاومة الجسم الطبيعية.

لقد بذلت جهود لدراسة مدى مقدرة تلك الأنواع من البكتيريا - أثناء نموها أو تنشيطها للبكتيريا الموجودة بالأمعاء -على تحسين التوازن الطبيعي للجهاز البكتيري المعوي، مما يحقق عدة منافع صحية منها: تحسين تمثيل الدهون بالجسم، وإزالة الكوليسترول والدهون الثلاثية، كذلك علاج القولون العصبي، والقضاء على الاسهال المصاحب لاستخدام المضادات الحيوية، وكذلك المحافظة على صحة الجهاز البولي والتناسلي خاصة ضد الالتهابات الفطرية المهبلية، والتقليل من المشكلات الناتجة عن الحساسية وتحسين عملية امتصاص المعادن مع زيادة إنتاج الجسم للفيتامينات، والتخفيف من الالتهابات المتكررة للجهاز التنفسي وأعراض الرشح والزكام وغيرهما.

وللتغلب على بعض المعوقات التي تقف دون عمل فعال لهذه البكتيريا عبر مرورها بالمعدة، وتأثرها بحامض الهيدروكلوريك، أو جدوى إمكانها أخذ موطئ قدم داخل المستعمرة البكتيرية الهائلة بالأمعاء، تم تطوير طريقة تركيبها بحيث يتم تناولها عبر كبسولات/ أو إضافة مواد تنشيطية «مغذيات قولونية لا يتم هضمها» تساعد المعويات الصحية المستقرة بالقولون في نشاطها.

البكتيريا.. والدهون

في العام 1784م تم التعرف على الكوليسترول ودوره في تكوين الحصوات المرارية، وفي العام 1947م تم اتهامه والدهون الأخرى ـ عندما ترتفع مستوياتها عن المعتاد ـ في حدوث النوبات القلبية وأمراض تصلب الشرايين.

إن النمط الغذائي وفروقه بين الشعوب هو العامل الأهم في تلك العلاقة مع الكوليسترول، فالشعوب الأوربية والأمريكية تستهلك أغذية دهنية تحتوي على حوالي 42% من مجموع السعرات الحرارية المطلوبة للجسم، لذا تزداد عندهم مشكلات زيادة الكوليسترول، بينما أغذية شعوب جنوب شرق آسيا ودولة جنوب إفريقيا على سبيل التمثيل «عدا سكانها البيض الذين عاداتهم الغذائية مشابهة لنظرائهم في الغرب» تكثر فيها المصادر النباتية، ولا تشكل الدهون الحيوانية فيها سوى 17-20% من إجمالي السعرات الحرارية. وفي السنين الأخيرة وبسبب الارتفاع النسبي في معدلات الدخول وزيادة الوعي الغذائي، وتغير أنماطه أصبحت الطاقة الحرارية المُحصلة من اللحوم والدهون الحيوانية تزيد على 35% في المدن الكبرى، وحوالي 25% في الريف، لذا كان السبب الغذائي وارتفاع معدلات البدانة وراء زيادة أمراض تصلب شرايين القلب والدماغ والنوبات القلبية والسكتات الدماغية بصورة كبيرة.

الكوليسترول ليس لديه القدرة على الذوبان في الماء/مصل الدم، ولكي يذوب يتحد ببعض البروتينات التي يصنعها الكبد لتكوين جزئيات كبيرة تعرف بالدهنيات البروتينية Lipoprotein. وهذه البروتينات الدهنية الحاملة للكوليسترول منها البروتين الدهني منخفض الكثافة (Low Density Lipoprotein) ويرمز له بـ (LDL)، ويعرف بـ«النوع الرديء» «لأن ارتفاع مستوياتها وترسباتها في جدران الشرايين وبخاصة شرايين القلب تعتبر سبباً رئيسياً للإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية»، وكذلك البروتين الدهني عالي الكثافة (High density Lipoprotein) ويرمز له بـ (HDL)، ويعرف بـ«النوع الجيد» «من المحتمل أن له صفة وقائية ضد أمراض تصلب الشرايين، إذ تعمل على تخليص الأنسجة من رواسب الكوليسترول وعلى زيادة إفرازه في سائل الصفراء».

الزبد والسمن البلدي، وبعض أنواع السمن الصناعي، وصفار البيض واللحوم الدهنية «كلحم الضأن» والكبد والمخ والكلاوي والربيان والتونة والكافيار والنخاع والساردين، والشيكولاته وزيت جوز الهند.. أطعمة غنية بالدهون المشبعة يؤدي زيادة استهلاكها ولمدد طويلة إلي - زيادة «مستقبلات البروتين الدهني المنخفض الكثافة» مما يسمح لكوليسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة أن يعلق بالخلية لتستعمله، ومن ثم يتراكم كوليسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة، ويرتفع عن مستواه الطبيعي، فتترسب أملاحه على الجدران الداخلية المبطنة للشرايين القلبية والدماغية مما يؤدي لصلابتها وتصلبها وخشونتها وضيقها وعجزها عن القيام بدورها.

لكن نسبة الكوليسترول في الدم بمفردها غير كافية للحكم على نوعية العلاقة مع الكوليسترول، بل يجب مع ذلك الوقوف على مستوي البروتين الدهني عالي الكثافة «نسبته المعتادة اكثر من 60ملغ/ل»، فكلما زاد الأخير أكّد العلاقة الصحية السليمة معه، وقلت فرص الإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية والعكس بالعكس «النسبة الخطيرة هي أقل من 35 ملغ/ ل.».

حسب التقرير الدولي لبرنامج العناية بالكوليسترول 1987م.. يعتبر مستوى الكوليسترول المنخفض الكثافة لدى البالغين مرغوباً فيه إذا كان أقل من 200 ملليجرام من الكوليسترول لكل ديسيلتر من الدم «وهناك أرقام أخرى تشير إلى المعدل الطبيعي بين 130- 160 ملليجراما %، والمعدل الطبيعي للجليسيريدات الثلاثية هو 70ـ 165 ملليجراما %»، . والمنطقة الوسطي بين 200-239 ملليجرام/ديسيلتر من الدم ، وما فوقها يزيد مخاطر اعتلال شرايين القلب التاجية «الذبحة الصدرية» أو الدماغ «جلطات وسكتات الدماغ» بصورة كبيرة، فتكون المخاطر فوق المتوسط إذا كان مستوى كوليسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة لديهم أكثر من 260 ميلجراما لكل ديسيلتر من الدم. «هذه الأرقام كما وردت في موسوعة ويكيبيديا على الشبكة العنكبوتية للمعلومات».

------------------------------------------

أبكي لصخرٍ إذَا ناحتْ مطوَّقة ٌ
حمامة، شَجوَها، وَرْقاءُ بالوادي
إذا تَلأّمَ في زَغْفٍ مضاعَفَة ٍ
وَصارمٍ مثلِ لونِ الملحِ جرَّادِ
وَنبعة ٍ ذاتِ ارنانٍ وَولولة ٍ
ومارِنِ العودِ لا كزٍّ ولا عادِ
سَمْحُ الخليقة ِ لا نِكْسٌ وَلا غُمُرٌ
بل باسِلٌ مثلُ ليثِ الغابة ِ العادي

الخنساء

 

 

 

ناصر أحمد سنة