عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الاجتياز والتذكر

عزيزي القارئ..

بين يديك عدد أغسطس "آب"، يتزامن صدوره مع ذكرى مريرة تستدعيها ذاكرة الوطن الذي تصدر عنه هذه المجلة، ويتذاكرها المنصفون في الوطن الكبير الذي تصدر له هذه المجلة. وبين التذكر والتذاكر، ينشأ جدال هدفه المشترك هو تجاوز عملية التدمير التي تخلفها- في النفوس والأرواح والواقع- الذكريات المريرة. وليس هناك أمر من أن يستيقظ الناس فيجدوا على أبوابهم من يريد اقتلاعهم من بيوتهم وجذورهم وهويتهم وتاريخهم، ليلقيهم في بحر الظلمات الذي يموج بكل قاتم من العسف والتسلط المقترن بكل غزو مهما كانت أقنعته وادعاءاته.

النسيان مستحيل، لكن الغرق في كآبة الذكرى أيضا مرفوض، يرفضه الحاضر الذي ينبغي أن ينهض على أنقاض الأمس- لأن هذا هو مطلب الحياة- ويرفضه المستقبل الذي إن غابت عنه الوجوه، الملتفتة باستغراق إلى الماضي، جافاها وأنكرها.

لا مفر من التذكر، ولا مفر أيضاً من اجتياز شحنة التدمير الروحي التي تكتنزها الذكرى.

وهذا ديدن هذا العدد، وربما فلسفة محتواه التي بلورها الجدال.

أما عن التذكر فهو في افتتاحية رئيس التحرير الذي يربط بين آلام أغسطس الذي مرت عليه سنوات أربع يوم اجتاح الغزو ربوع الكويت، وآلام أغسطس آخر يصنعها نزيف الدم الذي ما زال يهُدر في أركان عديدة من الأرض العربية.

وأما الاجتياز، فله طرائق عدة، إحداها أن تواجه حقائق التاريخ من أراد تزييف التاريخ، ويتجلى هذا في مقالة "الكويتيون.. بحر وغوص وسفر"، التي تكشف عن الجذور الإنسانية للشعب الكويتي الذي أراد الغزو يوما أن ينفيه من الأرض ومن التاريخ معا.

ومن طرق الاجتياز أيضا، أن تيمم الوجوه شطر الأفق المضيء بألوان الثقافة المتعددة، فنجد في مضمار الثقافة الحية: استطلاع "أديس أبابا". وفي العلم: "مدينة للعلوم وقرية للشمس " و "آخر تطورات الكمبيوتر". وفي الفن: "أفلام صيف 1994 ". وفي رؤية الآخر: "أقراص للحب ووصفات ضد التوتر". وفي الأدب: قصة "الطباخ العجوز"، وقصيدة "من دفتر اليوميات" وفي التراث: "عمرو بن كلثوم ".. وللثقافة يتسع الأفق.

وبين حتم التذكر، وضرورة الاجتياز، يمضي عددنا وتمضي الحياة.. يبحث في ظلها الإنسان عن ملاذ من شر الحرور، وهل هناك أشد من قيظ أغسطس في الصحراء العربية؟ نظن أن لا.

وهل هناك فيء أرطب من معاني الخير والجمال التي تبسطها الثقافة؟ نظن- أيضا- لا.

وعلى خير- عزيزي القارئ- نتركك، ونترك بين يديك هذا العدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات