أرقام

أرقام

السكان الأصليون

"السكان الأصليون" مصطلح أطلقه الغرب على هؤلاء الذين غزت الهجرات بلادهم واحتلت أراضيهم، وباتوا أقلية في أوطانهم.

وعندما احتفل العالم بمرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا، احتشد هؤلاء في ثورة غضب ضد سنوات الظلم والإجحاف.. أيضا، وعندما اجتمعت قمة الأرض في ريو دي جانيرو (1992) احتشد خمسمائة منهم يمثلون قبائل السكان الأصليين في الأمريكتين وأوربا واسنا وأستراليا " وكانت كلمتهم: "لنا حقوق في هذا العالم".

عددهم، وفقا لتقدير منشور للبنك الدولي ثلاثمائة مليون نسمة.. ينتشرون في سبعين بلدا،، أي أن عددهم ليس قليلا فهو يمثل من (5 - 6%) من سكان الكرة الأرضية، وانتشارهم يمتد إلى ما يقرب من نصف بلدان العالم!.

ووفقا للدراسات التي تمت فإنهم مازالوا يعيشون في تجمعات قبلية، وأكبر هذه التجمعات، بالنسبة للهنود الحمر يوجد في أمريكا اللاتينية والكاريبي. عددهم يساوي (8%) من السكان..

هؤلاء الفقراء

في دراسة للبنك الدولي يأتي هذا التعبير "أن تكون من السكان الأصليين يعني أن تكون فقيرا".. وبالأرقام تقول الدراسة ـ التي تم نشرها في مارس 1994 - إن الفقراء - أي من هم تحت خط الفقر- يمثلون 86.6%) من سكان جواتيمالا ونحو (80%) من سكان كل من المكسيك وبيرو و(64%) من سكان بولندا "الأصليين". وفي التفاصيل تبدو جوانب الحياة الصعبة التي يعيشونها، فهم الأقصر عمرا، وأطفالهم- في السن المبكرة- هم الأكثر تعرضا للوفاة، ونسبة تسرب أولادهم من التعليم هي الأكبر بالقياس للمجتمعات التي يعيشون فيها... وعندما يعملون فإن ساعات عملهم هي الأكثر، ودخلهم من العمل،- في بيرو مثلا- يبلغ ثلث دخل نظرائهم من غير "الأصليين "!... أما وظائفهم ومناصبهم فهي دائما في الدرجة الثانية.

وفي كندا، على سبيل المثال أيضا، فإن الكثيرين من الهنود والإسكيمو يعيشون في الأطراف الجليدية الأكثر فقرا وصعوبة في الحياة.. وإذا كان ذلك قد فرض عليهم نوعا من الحياة، ونوعا من الزي الوطني الذي يناسب ظروف البيئة، وأنواعا من الفنون والثقافة الخاصة، فإنه وفي نفس الوقت كان يعني في مجتمع وفرة كالمجتمع الكندي أنهم في ذيل السلم الحضاري وأنهم لا يأخذون نصيبهم في الحياة.

والأوضاع المتردية للسكان الأصليين لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.. فرص العمل، والتعليم، والصحة.. ولكنها تمتد لحقوق إنسانية كثيرة بدأت بحرمانهم من حق الحياة، وامتدت لأشكال من العبودية والحرمان من حياة متساوية.. وقد بدأت هذه الرحلة منذ خمسمائة عام.. وتسجل منظمة العفو الدولية في تقرير لها أن هذه الأوضاع مازالت مستمرة بدرجة أو بأخرى، وأن جرائم ضد حقوق الإنسان (الأصلي) قد ارتكبت خلال السنوات الأخيرة في جواتيمالا والمكسيك وبيرو وكولومبيا.

وتسجل منظمة العفو هذه الجرائم في (114) صفحة كاملة في تقريرها الصادر عام، 1992 في مواجهة هذه الأوضاع، وفي ظل عالم يزيد تواصله ويشهد شيوعا في الحقوق الإنسانية كان طبيعيا أن تتسع دائرة الرفض، وأن يثور السكان الأصليون على أوضاعهم، وأن يأخذوا حقوقهم "قطعة.. قطعة". ورغم أن تحسنا في الأوضاع قد شهدته الولايات المتحدة خلال الربع قرن الأخير، إلا أن سكان أمريكا الأصليين يقولون إن وعودا بالحصول على حقوقهم قد مر عليها أكثر من (150) عاما.. ولم تتحقق! والحقوق، كما تعبر عنها جماعاتهم التي أصبحت أكثر تأثيرا، حقوق قانونية ودستورية.. وحقوق تتعلق بالأرض والثروة.

وبينما شهدت كندا استفتاء دستوريا عام (92) لمنحهم المزيد من الحقوق في ظل حكم ذاتي، فإن النضال من أجل هذه الحقوق يأخذ أشكال عنف مختلفة في بلدان أخرى. في الإكوادور زحف نحو نصف مليون من السكان الأصليين، في عام 1990، من قراهم المعزولة ليسدوا الطرق، ويحتلوا الكنائس وقاعات المدن.. وحصلت تجمعاتهم التي تفوق المائة على اعتراف بملكيتهم لنحو مليون هكتار من "الأمازون"! وتكرر الأمر في شيلي.. واستطاع نحو ربع مليون من الهنود في البرازيل عزل (97) ألف كيلو متر مربع من الأراضي، وهي مساحة تعادل مساحة البرتغال. ثم.. كانت أحداث المكسيك والدعوة للاستقلال. وفي خط مواز، جرى الاهتمام بمشاكلهم، إقليميا، ودوليا. فمنذ الحرب العالمية الثانية وهناك محاولات من حكومات أمريكا اللاتينية لتحسين أحوال التعليم والثقافة والعمل والصحة والتنمية الريفية.. لكن أثر هذه الجهود كان محدودا للغاية.

أيضا، وخلال العقدين الأخيرين نشطت حركات السكان الأصليين في اتجاه المطالبة بحقوقهم القانونية وسيطرتهم على موارد ثرواتهم وتأكيد هويتهم الثقافية المستقلة وقدرتهم على الإدارة الذاتية لشئونهم.. وفي نفس الوقت، نشط دور الوكالات الدولية، وتضافر هذا الدور مع مؤسسات محلية مثل "صندوق السكان الأصليين " الذي أنشأته حكومات أمريكا اللاتينية عام 1992 في مدينة " لاباز" وذلك بهدف تقديم الموارد اللازمة للإنماء. وبينما أعلن البنك الدولي- منذ عام 1982- أنه لن يساعد مشروعات تقوم على إهدار حقوق ملكية الأراضي، وهو ما تعرض له السكان الأصليون، فإن المساعدات قد اتجهت لتمويل برامج تساعد على تحديد وترسيم وتسجيل أراضي وممتلكات السكان الأصليين.

الثروة البشرية

وبشكل أكبر- في التسعينيات- أصبح هناك ثلاثة مجالات لمساعدات البنك الدولي والوكالات الدولية، وهي تنظيم أوضاع الأراضي والموارد الطبيعية التي يمتلكها السكان الأصليون، والمساعدة التقنية وتعزيز قدرة منظمات هؤلاء السكان على تصميم استراتيجياتهم الخاصة بالتنمية وإدارتها.. ثم.. الحصول على الائتمان اللازم ورءوس الأموال اللازمة للتنمية.

ومع هذه الجهود الثلاثية (السكان- الحكومات- المنظمات الدولية) فإن كلمة السر كما يقول الخبراء هي "الإنسان".. فأكثر ما يمكن تنميته ليعطي عائدا سريعا: الثروة البشرية.. ومن هنا يأتي الاهتمام ببرامج التعليم، والتدريب.. وكلها حلقات للخروج من دائرتي الفقر والاضطهاد.

إنهم ثلاثمائة مليون إنسان يحسون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في كل مكان.. ولكن، ولأنهم "الأصل" فهم يقودون حركة مضادة تؤكد وجودهم، وحقوقهم، وتنتقم من جرائم تاريخية ارتكبها الإنسان الأبيض- وغير الأبيض- ضدهم.

السكان الأصليون، قضية تتطور سريعا في بداية القرن الواحد والعشرين.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مظاهرة للهنود الحمر الأمريكيين تندد بكريستوفر كولومبوس