مرثية إلى أبي فهر

مرثية إلى أبي فهر

شعر

صوح ناديه, وانطوت كتبه, يا راحلا, ليت صدقه كذبه
قد أعنقت للمنون رحلته, وأوغلت في يقينه ريبه
واشتعل الحزن في العروق, فما يعرف إلا بدفقها لهبه
وطفىء الدمع في العيون, وقد كان سلوا أن ينهمي صببه
انتهبى يا شجون أفئدة, كان مناها الفداء تنتهبه
يحصدنا الموت, كيف
?لا كيف, والموت وشيك, حياتنا سببه
نقتات بالموت, كيف
?يقتاتنا الموت, وما غال طاعما سغبه
إخالنا للفناء يخلقنا الله, وما ينقضي بنا عجبه
أو أننا واهمون, لانعرف العيش ولا الموت, تختفي حجبه
يغلبي الوهم, كيف يرحل محمود, وكيف المنون تغتصبه
?
أذلك الوجه غاله ريب,?أذلك العقل تنطفي شهبه?
للترب ـ يا للخذلان ـ يخلق هذا الخلق, ماجده وما لعبه?
للترب ـ يا للهوان ـ يخلق هذا الخلق, ما حظه, وما أربه?
محمود, ضل السؤال, وانشعب الفكر, وقد زاد حيرة شعبه
فهل ترد السؤال
?أحسبه الآن يسيرا, مجلوة سحبه
أم أننا واهمون, لايكشف الموت سؤالا, يئودنا وصبه
?
محمود, أنت السؤال, تعرفه, محمود أنت الجواب تحتجبه
أين يراع كالبرق
?يسترق الغيب عصيا, فينجلي غيبه
يشعل فينا الرياح عاصفة, وقد تهاوت بحائر طنبه
أين لحاظ العقاب للأبد الساكن, لاتتقيه, تجتذبه
?
يهرب منها البغاث, يختانها الريش مهينا, يصونه هربه

* * *

وأنت بين الزحام, لا لقب يحميك, إن حاط هينا لقبه
مؤتنسا أنت بالتوحد, بالفن رفيعا, بالود تحتقبه
بالحسب العد, بالجهارة بالرأي, إذا خان خائفا حسبه
بالسجن, بالأسر, لست منحنيا, يغريك سيف المعز أو ذهبه
بالوطن الأم, تصطفيه حمى, بسلسبيل البيان تحتلبه
بنبعة للشماخ, بالمتنبي نسيبا, يزينه نسبه
وبالمعري, ليس عجمته تشده, بل يشده عربه
مؤتنسا بالشموخ, بالأسف العاصف, بالمستحيل تطلبه
بالود, بالفكر, بالبداهة, بالحب نفيسا, بصفوه يهبه
بالنمط الصعب, بالمخيف, وقد أقعى بقومي من وزنهم خببه
هانوا, فهان الشريف من نغم, وطال من بعد رأسه ذنبه
وصعروا خدهم, بلا نغم, والنثر نثر, وإن طغت كتبه
كنت حفيا بالوزن, بالطرب المركوز فينا, يهزنا طربه
أكسبك الفن والتذوق موهوب ذكاء, هداه مكتسبه
تبعث روح الآمال, في الأسف الناغر فينا, يريحنا تعبه
ترفض منا السكون, والألم القانط, لايستثيره غضبه

* * *

رزئي أن السكون يلقفنا وأن نهرا يشينه عشبه
وأن نهر البيان تعصره خمرا سلافا, يخونه عنبه
تعجبنا في الكلام عجمته, وأن وزن الكلام نجتنبه
روحك فينا كالنور سارية, وإن طوتنا من دهرنا نوبه
ابق بنا كالرعود, يعقبها الغيث حفيا, فخيره عقبه
وارحل بنا للبيان, ما عرف الناس بيانا, يصونه عربه
وارحل بنا للأقواس عذراء, لم يطمس لها من بريقها ذهبه
واغضب لنا للسلام نطلبه إن كان سلما يسوءنا طلبه

* * *

ما رحلت منك فكرة نبهت, ضياؤها في سمائنا شهبه
مقهورة بالأسى مدامعنا يحرقها من وداعه لهبه
يا برد الله مضجعا سخنت به عيون, تبيت تحتسبه
ما صوحت من ناديك زهرته, يا راحلا, ليس تنطوي كتبه.

 

عبداللطيف عبدالحليم