جمال العربية
جمال العربية
من جموع المؤنث السالم من بين ما شغل به مجمع اللغة العربية في القاهرة- منذ عدة سنوات- ما شاع على الألسنة والأقلام من المفردات العربية الصحيحة المجموعة جمع مؤنث سالماً في كثير من الأساليب المتنوعة، بالنظر في صحة هذه الجموع، وتحري الأمر فيها قبل الحكم عليها بالتخطئة أو التصويب. من بين هذه الجموع: إطار وإطارات- صمام وصمامات- معاش ومعاشات- بلاغ وبلاغات- ضمان وضمانات- معجم ومعجمات- جزاء وجزاءات- طلب وطلبات- مفرد ومفردات- جواز وجوازات- عطاء وعطاءات- نداء ونداءات- حساب وحسابات- غاز وغازات- نزاع ونزاعات- خطاب وخطابات- فراغ وفراغات- نشاط ونشاطات- خلاف وخلافات- قرار وقرارات- نطاق ونطاقات- خيال وخيالات- قطار وقطارات- سند وسندات- قطاع وقطاعات- شعار وشعارات- مجال ومجالات- صراع وصراعات. ومن بين ما جاء
في قرار المجمع: وظاهر أنها جمع لقرار (الرباعي المذكر). والقرار- كما جاء في المعجم الوسيط: الرأي يمضيه من يملك إمضاءه. وأقر الرأي: رضيه وأمضاه. وقرر المسألة أو الرأي: وضحه وحققه. 2 - البيانات- في قول المعاصرين-: كشفت بيانات الوزارة عن كذا وكذا، ونشرت الصحف عدة بيانات عن الأحوال الصحية في البلاد. وفي اللغة: بان الأمر يبين فهو بين، وأبان إبانة، وبين واستبان، كلها بمعنى الوضوح والانكشاف. والاسم: البيان. والبيان: الإفصاح مع ذكاء. 3 - القطاعات: في مثل قول المعاصرين، قطاعات العمال، والقطاعات الزراعية، وفي اللغة، قطع ماء الركية قطوعاً وقطاعاً- بالفتح والكسر-: ذهب والقطيع: الطائفة من الغنم (ومن جموعه قطاع) والقطع: نصل صغير عريض (ومن جموعه قطاع تم، وظلمة آخر الليل، أو القطعة منه. والقاطع: المقطع الذي يقطع به الثوب والأديم ونحوهما، كالقطاع. والقطاع من الليل: طائفة منه تكون في أوله إلى ثلثه. والقطاع من الدائرة: جزء محصور بين نصفي قطر وجزء من المحيط. والقطاع: الجزء المقتطع من أي شيء. ويقال، هذا خاص بالقطاع الصناعي أو بالقطاع الزراعي. (ملاحظة: يبدو من دلالات قطاع أن من الممكن اعتبار قطاعات جمعا لقطاع، مثل رجالات). 4 - الجوابات: الجواب في اللغة ترديد الكلام. وما يكون رداً على سؤال، أو دعوى أو رسالة أو اعتراض. (جمع في القديم على أجوبة وجوابات). 5 - الجوازات، يقول المعاصرون: جوازات السفر، ومصلحة الجوازات والجنسية، وفي اللغة: الجواز: الماء الذي يسقاه الزرع أو الماشية. وما يعطاه المسافر من الماء ليجوز به الطريق. وما يعطاه المسافر من كتاب يجوز به ولا يمنعه مانع (وهو يجمع على أجوزة). وقد قرر المجمع صحة جموع التأنيث السالمة في كل النماذج السابقة "أخذا برأي العلماء في إجازة جمع الاسم الرباعي المذكر، اسماً كان أو صفة جمع تأنيث سالما، إذا لم يسمع له جمع تكسير، وائتناسا بما ورد من شواهد مماثلة في الاستعمال القديم، وتيسيرا للغة على المحدثين، وإقرارا لواقع شائع يزيد في مرونة التعبير اللغوي، دون خروج على أوضاع اللغة وأصولها المقررة ". كما علق الأستاذ عباس حسن- عالم اللغة وعضو المجمع الراحل- على قرار المجمع بقوله: "كيف يمكن الحفاظ على التراث العربي، والذخائر الأدبية، وفهم الكتب السماوية والمراجع الدينية وغير الدينية، إن لم يجتمع أهلها على دستور لغوي واحد، وقانون في التعبير لا فرقة فيه، ولا تباين في نواحيه؟ وهذا عبء قام به أسلافنا المجاهدون في ميدان اللغة والدين، العاملون على توحيد الناطقين بالضاد، الساهرون على مؤازرتهم، ورفع الإصر عنهم بخير الوسائل وأقوى الأسباب، وهو الحرص على اللغة، والحفاظ على المذخور النافع منها بغير قصور ولا تقصير، ووضع الضوابط الصحيحة التي لا إفراط فيها ولا تفريط". وقال في الحكمة كلما طالع الناس قول الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص:
تعجبوا لهذا الحس الديني المبكر عند واحد من أقدم الشعراء الجاهليين الذين عاصروا حجرا أمير كندة، ووالد امرئ القيس، الشاعر الجاهلي الشهير، وعاشوا فيما يسميه المؤرخون الثقات: عصر البسوس. ويبدو أن قلة ما يعرف عنه وعن شعره، قد فتحت بابا لما يشبه الأساطير تتناول حياته ومواقفه وقصائده. وبخاصة أن قبيلته- بني أسد- تعرضت في حياته لأحداث جسام، من بينها مقتل أميرها "حجر"، ونزاعها مع إمارة الغساسنة، وتهديدات امرئ القيس بالانتقام لمقتل أبيه واستعادة عرشه على القبيلة. لكن قراءة شعره القليل الرصين، تكشف عما به من حكمة عميقة، ونظرات في الحياة والناس، وخبرة ثرية أفادها من النظر والتأمل، وتغير الحال من الأمر إلى نقيضه، فمن تحبه اليوم قد تبغضه غدا، ومن تبغضه اليوم قد تحبه غدا، وقد ينجح العاجز في حياته ويفشل الذكي الأريب، والله وحده هو الذي يعطي ويمنح، وهو الذي يعلم ما تخفى النفوس، وهو- وحده- بلا شريك. وإذا كانت حياة الإنسان دائمة الاضطراب والقلق والتلون، فعلام يطمع في طول العمر، وطول الحياة تعذيب دائم له؟ عبيد بن الأبرص إذن واحد من شعراء الحكمة، لكنها حكمة تختلف عن حكمة غيره من الجاهليين أمثال زهير بن أبي سلمى أو طرفة بن العبدأو النابغة الذبياني- إنها حكمة مصدرها التجربة الذاتية والخبرة اليومية بالحياة الإنسانية. من هنا فهي حارة وساخنة: حرارة الحياة، وسخونة الواقع. وعلماؤنا القدماء مختلفون في النظر إلى عبيد بن الأبرص باعتباره واحداً من شعراء المعلقات، فأما الذين يعدونه منهم، فيذكرون أن مطلع معلقته هو:
وأما الذين يخرجونه من دائرتهم، ويقصرون شعراء المعلقات على امرئ القيس وطرفة وزهير ولبيد وعمرو بن كلثوم وعنترة والحارث بن حلزة، فإنهم لا يستطيعون إغفال قصيدته هذه، باعتبارها من عيون الشعر العربي القديم. ويقول عبيد بن الأبرص في قصيدته ، معلقته :
|
|