العالم العربي وإرهاصات ثورة الإعلام

العالم العربي وإرهاصات ثورة الإعلام

جاء في مقال الأستاذ الكبير د. سليمان إبراهيم العسكري رئيس التحرير في مقاله المنشور في العدد 609 (أغسطس 2009م) ما يستحق تهنئة الشعب الكويتي الشقيق على إنجازاته العديدة والتي أسفرت عن فوز أربع من السيدات بعضوية مجلس الأمة ولأول مرة، وتبلغ نسبتهن 8% من مجموع أعضاء المجلس البالغ خمسين عضواً. ومما يثير الفخر والاعتزاز بهذه الخطوة المباركة أنهن من حملة الشهادات العليا وتخرجن في جامعات عالمية مرموقة.

إن جهود التنمية تتطلب إسهام المرأة بشكل فاعل بوصفها نصف المجتمع. ولاشك أن دور الإعلام العربي الناهض والمتطور والحديث في قضايا الانتخابات البرلمانية يجب أن يكون في المحل الأول صادقاً ومحايداً, نزيهاً وتوعوياً, مرشداً وموجهاً لما فيه خير المجتمع كله ومصلحته. وأن يستهدف حث الناس وتشجيعهم على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وأن ينفرهم من «بيع» أصواتهم أو التصويت وفقاً لنوازع القبلية والعصبية الضيقة، وأن يوجههم لاختيار الأصلح والأنفع للأمة.

ولقد كشفت الانتخابات النيابية الأخيرة في الكويت الشقيقة كما عبّر عن ذلك د. سليمان إبراهيم العسكري، عن فوز أصحاب المؤهلات العليا ومن خريجات أرقى الجامعات العالمية، وخفوت صوت العصبية والقبلية، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يقع على عاتقهن إثبات الوجود والتضحية والتفاني في خدمة أمتهن وتطلعاتها في التقدم والتطور والترقي والنهوض ودخول هذا العصر من أوسع أبوابه.

ولقد بات من المصلحة العامة أن يدخل جيل الشباب إلى معترك الحياة السياسية والاجتماعية، وكسر حاجز الطائفية في لبنان مثلاً وغض الطرف عن التيارات القديمة والتقليدية، وتقلد المناصب السياسية بالانتقال «الوراثي» بين أسر بعينها. وهو ما يستوجب أن تتاح الفرص للجيل الصاعد، مع ضرورة توفير التوجيه والإرشاد والنصح وتبادل الخبرات، وتحقيق التواصل الاجتماعي بين الأجيال المتعاقبة وبين الطبقات الاجتماعية، على اعتبار أن المجتمع ملك الجميع ويجب أن يسهم الجميع في خيره ونفعه كل بحسب قدراته وإمكاناته وخاصة من يرغب في العمل التطوعي والخيري.

وكما يدعو أستاذنا د. العسكري في مقاله الرائد، هناك حاجة إلى مسايرة التيارات العالمية، ورفض التشدد الزائد أو الجمود أو التمسك بالتخلف، ولكن مع الحذر من الاندفاع وراء التيارات أو النزعات العالمية الجديدة، فقد لا تتلاءم مع ظروفنا الثقافية والحضارية والسياسية والاجتماعية، لابد من التمسك بالقيم لأنها هي التي تحفظ على مجتمعنا وحدته وصلابته وتماسكه وانسجامه ووئامه. القيم هي أداة اللحمة بين الأجيال.

ومن حسن الطالع أن يبرز دور الكمبيوتر الشخصي والهاتف المحمول في نقل المعلومات والأخبار والأحداث بسرعة البرق، وهي وسائل عصية على الضبط والقيد والرقابة الجامدة. وحتى لا تشيع الشائعات الضارة بالوطن يقع على مؤسسات الدولة أن تكون صريحة وصادقة، وأن تخبر أبناء المجتمع بكل الحقائق فيما عدا أسرار الدولة، حتى لا يلجأ المجتمع إلى إشباع حاجته إلى المعرفة عن طريق الشائعات الضارة لتفسير الأحداث التي تتركها الدولة غامضة. وواضح، كما يذهب إلى ذلك د. العسكري، أنه لا يمكن منع الثورة المعلوماتية وثورة الاتصال العارمة، ولكن يلزم ترشيد من يستخدمها وحثه على الحفاظ على سلامة وطنه. علينا أن نأخذ بسياسة التطوير والتنمية والتقدم والارتقاء وتحسين وجه الحياة العلمية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية والبيئية، ولكن بوعي وإدراك وفهم لعواقب الأمور ونتائج السلوك. وحتى لا نعطي الأعداد المتربصين بالوطن الفرصة للنيل من مقدراتنا.

الانتخابات تجرى، وهي ظاهرة صحية ومبشرة بتداول السلطة، ولكن لوحظ أنه يعقبها انقسامات وصراعات ومظاهرات واحتجاجات، فليس مقبولا أن كل من «يرسب» في الانتخابات يزعم تزويرها. ويفتح الباب أمام أعداء الوطن ولسان حاله يقول إما أن أنجح أو أمزق المجتمع.

ولحسن الحظ أنه كان من النتائج الإيجابية لثورة الاتصالات أن تم نشر الوعي بإسلامنا الحنيف وقيمه ومثله ومعاييره ومبادئه السمحة في دول الغرب، ومن حسن الطالع أيضا أن يقدم الكثيرون من أهل الغرب على اعتناق الإسلام، وظهر ذلك جلياً في إسبانيا ولنا جذورنا التاريخية الأندلسية فيها، كما زاد عدد من يعتنقون الإسلام في أمريكا طواعية واختياراً.

ولا يمكن لمجتمع الآن أن يعيش منعزلاً أو منغلقاً على نفسه في عصر الانفتاح الثقافي والإعلامي والاتصالات السريعة الجماعية والفردية، ولذلك، علينا الاستفادة من منجزات العصر، ولكن بوعي وإدراك، ومع المحافظة على قيم إسلامنا السامية، ولابد من الاشتراك في «التسابق» في مجال العلم النافع والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة ولابد من الإيمان بأن التحول القادم هو بالضرورة نحو «الديمقراطية» التي يتعين غرس جذورها أو بذورها الأولى عن طريق التعليم، وهو أمر يدعو إلى ضرورة القيام بحركة واسعة لإصلاح التعليم نفسه وتطويره وتجويده وتحسينه، من حيث محتواه أو مناهجه وطرائق التدريس وأساليب تقويم أعمال الطلاب، ومن حيث الإدارة والتمويل والإشراف والأبنية والمعامل والمختبرات والورش والمكتبات.

د. عبدالرحمن محمد العيسوي
كلية الآداب، جامعة الإسكندرية - مصر