فقدان ذاكرة جماعي لرومانيا

فقدان ذاكرة جماعي لرومانيا

لقد حاولت رومانيا تلبية متطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، ومن الناحية الاقتصادية فإنّ الناس يؤدون أعمالهم بشكل جيّد في بعض المناطق. لكنّها فقط مجالات الفساد والعدالة التي تستمر بروكسل في إصدار تحذيرات بشأنها، فهناك مجال معيّن يؤثر في جميع المجالات الأخرى، لأنّ الاتحاد الأوربي لسوء الحظ لم يطلب فيه شيئا، ومع الأسف لم تفعل إزاءه رومانيا أساسا أيّ شيء: إنّه العمل بالنسبة لفترة الحكم الديكتاتوري.

إنّهم يتظاهرون في رومانيا بأنّ الديكتاتورية قد اختفت في الهواء، لأنّ البلاد كلها تعاني فقدان ذاكرة جماعياً، وذلك على الرغم من أنّها كانت موطنا لأعظم وأصعب ديكتاتورية في أوربا الشرقية، بعد ستالين، الديكتاتور الأعظم شرا مع إعجاب شخصي بكوريا الشمالية كمنافس.

كان تشاوشيسكو سريع الغضب بتعليم الصف الرابع، أخذ معه دائما خلال رحلاته الإشرافية عبر البلاد، خزان ماء بصنابير ماء وأدوات مائدة ذهبية، مع ضعف حقيقي للقصور. كان لديه الجزء الأقدم من بوخارست، قلب المدينة الذي سوّي بالأرض. كان كلّ شيء لدى عشيرته العائلية والخدمة السرية تحت السيطرة، بما في ذلك الكنيسة. لقد جرى الدفع مباشرة إلى 8 % من الكهنة الأرثوذكس بواسطة الخدمة السرية: أجهزة أمنية في قلانس رهبان. لم تختلف الأمور كثيرا مع الصحفيين، الأطباء، أساتذة الجامعات، والمحامين, لكننا لم نعرف ذلك، ولم يكن مفترضا أن نكتشفه، وكتبت النجاة للجهات الأمنية.

والسبب بسيط: كانت الجهات الأمنية هي المسئولة عن سقوط تشاوشيسكو، أدانته في محاكمة عنيفة وجري إعدامه أمام جدار ثكنة عسكرية قذرة. من الناحية الرسمية، تمّ حلّ الخدمة السرية بعد ما أطلق عليه ثورة، لكن استمرّ الموظفون في الدفع سرّا. لقد مرّ بسلاسة من الجهات الأمنية جزء واحد فقط من الخدمة السرّية القديمة إلى الخدمة السرّية التي أسست حديثا. وقد استخدم الجزء الأبرع من رأسمالها الابتزازي كي ينتزع بالحيلة طريقا إلى اقتصاد السوق.

كان الاطلاع على محفوظات جهاز الخدمة السرّية هي رأس المال الأساسي لثروة هائلة لأيّ مصدر شرير جدا أو نصف شرير. هذا هو السبب في امتداد الفساد إلى أعلى مستويات الدوائر الحكومية اليوم، التي تنتشر فروعها في البلاد على شكل فساد يومي، حيث تعمل فيها العقلية القديمة بأساليب حديثة. وللمثال، فإنّ المستشفيات ظلت على نحو بائس كما كان حالها دائما: حيث ينقص كلّ شيء، ويستمر الأمر دون القول إن أحدا يرشي كبير الجراحين أوعاملة النظافة.

لقد انقضت سبعة عشر عاما بعد تشاوشيسكو، ولا تزال محفوظات الجهات الأمنية تدار ويهيمن عليها الموظفون القدامي في جهاز الخدمة السرّية الجديد. في أول يناير من هذا العام 2007 فان 1.6 مليون ملف جري تسليمها أخيرا إلى سلطة «المجلس القومي لدراسة محفوظات الجهات الأمنية CNSAS»، الذي تأسس عام 1999 دون فاعلية. هل يغيّر ذلك شيئا؟ لقد صدرت منذ سنوات قوانين الاطلاع على الملفات. لكن ظلّ كلّ قانون غير فعال، واستمرت السلطة التي كان يفترض أن تقدّم عريضة الخدمة السرّية على أساس يومي، في ممارسة عملها. واستمرت مع ذلك سيدة نفسها، تمتلك سيطرة كاملة على ما يخرج أو لا يخرج. أحيانا، يتوضّح أنّ هناك ملفا لا يزال قيد «العمل». أحيانا، عندما يفترض أن يُفضَح شخصُ ما على الملأ ويفقد مصداقيته سريعا، يكون مثيرا للدهشة الشديدة بزوغ ملفه إلى السطح.

لقد غيّرت السلطة المعلومات التي استخرجتها لي. في البداية، كان هناك ملفات حولي، ثم أخبروني أنها اختفت. وقيل وراء الأبواب المغلقة للسلطة إنّ الملفات الأكثر تفجّرا لاتزال تصنف على أنها «سرّية».

فرّ أناس عبر الحدود يوميا خلال فترة الحكم الديكتاتوري. لم يصل كثير منهم إلى الغرب، بل اختفوا، وربّما أطلق الرصاص عليهم. هناك حالات وفاة حدودية لا تحصى، جبانات بأكملها، ولا يعرف أقاربهم ما حدث لهم، ومن هو المسئول. إن عمليات اغتيال «أعداء الدولة» سواء داخل البلاد أو خارجها، بل وحتى حالات الانتحار وجرائم القتل التي صنفت على أنّها حوادث سيارات يظلّ مغلقا عليها في الملفات، بينما يمضي الجناة طلقاء، ومعهم عدد لايحصى من المخبرين والجواسيس المجندين والمتطوعين. هذا هو السبب في ظهور مشاهد سيريالية بين الجناة والضحايا. يحصل منشقّ سابق على وظيفة في الخدمة العامة، ويتمّ استدعاؤه لحلف القسم. وحين يفتح الباب، يجد أنّ محقق الجهات الأمنية السابق يقف هناك كي يسمع قسمه على دستور ديموقراطي. أو يطلب سجين سياسي سابق قرضا من بنك المدخرات في المدينة، فيجد أن مدير البنك الذي يخبره أن القرض لن يمنح له كان ذات يوم مديرا للسجن. في بروكسل، سيقولون للسجين السابق إنه ينبغي أن يذهب إلى بنك آخر. إذا كان هناك بنك آخر في المدينة، واستوفيت معايير الاتحاد الأوربي. سيظلّ السؤال: من هو المدير؟.

 

 

 

بقلم: هيرتا مولر 




مولر: ذاكرة تستعيد الكثير





جُل أعمال مولر تناقش صورة الديكتاتورية في مواجهة المجتمع





جُل أعمال مولر تناقش صورة الديكتاتورية في مواجهة المجتمع





جُل أعمال مولر تناقش صورة الديكتاتورية في مواجهة المجتمع