جامعة الخليج العربي بالبحرين منارة تواصل دورها أنور الياسين تصوير: عبدالله الخال

جامعة الخليج العربي بالبحرين منارة تواصل دورها

لا شيء في دنيانا المعاصرة كالجامعة، يشبه المنارة في سموقها ودورها الهادي والمضيء، وهذه واحدة من المنارات العربية التي تتميز بخصائص، تجعلها عزيزة على قلب كل خليجي، وتصنع منها مثالا لمنطق حضاري، عربي، للوحدة.. بعيدا عن لجُج السياسة، وقريبا من أفق النور.

إلى شاطئ النخيل العربي نعود.. إلى البحرين، أرض المليون نخلة، والتي تشبه غابة عربية للنخيل تشرئب بهاماتها الخضر وسط زرقة المياه، كأنما النخيل العربي يرنو إلى الخليج العربي، ونحن نسعى إليهما معا، نبحث عن منارة بيضاء بين الخضرة والزرقة، نبحث عن جامعة الخليج العربي فلا تتوه عيوننا، لأن الصرح عال، ولأن البناء مشهود، ولأن العربي تعرف طريقها إليهً، فقد جاءت إليه من قبل.

نعم، جاءت العربي تتفقد أمر جامعة الخليج العربي، يوم بدا أن هذه الجامعة تعيش مأزقا، لقد راعنا يومها أن تخبو مصابيح المنارة، وأفزعنا خاطر أن تنطفئ هذه المصابيح، فكان الاستطلاع الذي استودع في قلبه خفقات قلوب المخلصين الحريصين على هذا الصرح العربي الخليجي الرمز، وكان الصوت الذي نشرت نداءه هذه المجلة، لهذا، فإن العربي إذ تعود لتتلامس مع جديد هذه الجامعة، فإنها تواصل دورها الواجب تجاه بصيص من نور الأمل العربي، الحضاري، في زمن عربي تعصف به ظلمات تبعث في كثير من القلوب بعض القنوط.

عدنا إلى البحرين نسعى إلى جامعة الخليج العربي، ويبدو أن العود - هذه المرة - أحمدُ، والصورة أكثر إشراقا.. لكن هذا لا يمنعنا- لضرورة التذكرة - من عودٍ إلى بدء.

أتى الحلم من ضمير الناس

شاطئ المنامة، حيث كل شيء يتشبع بضوء الشمس الساطعة حتى منتهاه، مياه الخليج الزرقاء الفيروزية، والرمل الأشهب، وأرتال السيارات البارقة فوق أسفلت الكورنيش الواسع، وصفوف النخيل بين نهري الطريق، والعمائر البيضاء الناصعة عند حافة المياه، وبعض المهرولين بسرعة باتجاه الظلال.

ثم حيوية الأسواق ورموزها الثابتة : التمر والسلال المصنوعة من خوص النخيل.. العباءات والملامح العربية، كل هذه مؤشرات تنبهك طوال الوقت أن الخليج هو الخليج، ثمة قسائم مشتركة بين بلدانه وناسه مهما كان التباين، ثمة حقيقة واضحة في هذا الجزء من عالمنا العربي، وهي أن المشترك كثير وعميق، ومن ثم، يتبادر إلى الذهن السؤال: ولماذا لا يكون التقارب، منتهى التقارب؟، ولعل هذا السؤال الدائم، الكبير، كان وراء الفكرة التي نوقشت لأول مرة في ندوة علمية برابطة الاجتماعيين بالكويت سنة 1975، فكرة إنشاء جامعة تشارك فيها كل البلدان الخليجية لتضم في رحابها كل أبناء الخليج.

لقد بدأت الفكرة شعبية إذن، نابعة من إحساس جموع الناس، بضرورة العمل الجماعي وجدواه، ومن ثم راحت الفكرة تواصل صعودها حتى تبنتها قمة مجلس التعاون الخليجي، وتواصل هذا التبني حتى مؤتمر القمة الخليجية الأخيرة في الرياض "ديسمبر 1993 "، والذي منح هذه المنارة التفاتة مهمة تعبر عن الالتزام السياسي لدول المجلس تجاه جامعة الخليج العربي، وما بين قمة النشوء وقمة الدعم، كانت هناك مسيرة تألقت خطواتها كثيرا وتعثرت قليلا، لكن الحلم الذي نبع من الضمير الجمعي للناس كان من الصعب ألا يواصل سيره باتجاه التحقق.

فماذا عن هذه المسيرة؟

من السلمانية إلى الصخير مضينا، من مبنى كلية الطب العصري الهادئ المحفوف بالأشجار إلى أبنية الجامعة التي تنبسط ظلالها على رخام الأبهاء الفسيحة، وتحت أقواس المظلات وبين بواكي المعابر، من مبنى المكتبة إلى قاعة التشريح التي تحتشد فيها نماذج التكوين البشري الحديثة، ومن غرف الطلاب في المسكن الجامعي إلى لقاء الأساتذة منذ زمن تبلور الفكرة حتى هذه اللحظة، وقد كانت لنا وقفات.

إن الوحدة والتنوع سمة بدأت بها الفكرة وانتهت إليها الصورة، طلاب وطالبات من أبناء الخليج، لكنهم من أركانه المختلفة.. من دبي جاءت الطبيبة مريم عبدالرحمن السيد لتدرس طب الأطفال، ومن السعودية جاءت الطالبة تنسيم عبدالمجيد الدويري، أما خالد القلاف وأحمد الطرق وأحمد محمد عبدالله الدار، فهم شبان خليجيون جاءوا من بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة ليلتقوا على أرض هذه الجامعة ويسعوا نحو آفاق المستقبل. يرضون ويشكون، لكنهم يمضون قدما في عملية التعلم المتفردة التي تتميز بها جامعة الخليج، فكلية الطب مثلا لم تعد تعتمد على نظام الحفظ وتكديس المعلومات لإجازة نجاح أطباء المستقبل، فلقد اكتشف العالم أن المعارف الطبية تتغير كل ثمانية أعوام، ومن ثم صار المطلوب هو التفكير في حل المشاكل الطبية لا مجابهتها بأكداس النصوص الصماء، وهو نظام التعليم الإبداعي In novative Curricula المتبع في كلية الطب بجامعة الخليج والذي يشير إليه الدكتور علي محمد مطر، بديلا للطرق التقليدية القديمة، وفيه ينتظم الطلاب في مجموعات صغيرة " 5 - 6 طلاب " يدرسون المواد الطبية من خلال مناقشة معضلة طبية، فيتم التعرف على المواد أثناء التطبيق بدلا من أن تظل جافة ومنفصلة عن الممارسة، ومن ثم تكون قابلة للنسيان وتكريس الجمود في التفكير.

هذا التفرد في طرق التعليم يواكب مناهج التعليم وفروع التخصص أيضا، ولعل ذلك يذكرنا بفجر نشوء هذه الجامعة التي أصدر المؤتمر الأول لوزراء التربية والتعليم والمعارف لدول الخليج العربية في الرياض عام 1395 هـ - 1975 م قرار تشكيل لجنة لدراسة إمكان إنشاء جامعة مشتركة تساهم في تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل بين دول الخليج العربية في ميادين التعليم العالي والجامعي، وظلت متابعة مؤتمرات وزراء التعليم مستمرة حتى تمخضت عن اتفاقات عملية، فصدرت اتفاقية إنشاء جامعة الخليج العربي في نهاية المؤتمر الخامس لوزراء التربية الخليجيين في 15 جمادى الأولى 1400 هـ - أول إبريل 1980.

لقد كان المشروع جديدا ومحاطا بطموح لا محدود إلى التجديد، وقد كان للجنة الوزارية الثلاثية برئاسة المغفور له الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة وزير التربية والتعليم في دولة البحرين وعضوية وزيري التربية في دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة دور بارز في الإنجاز الطامح إلى التجديد لهذه الجامعة، ولم تكن ملامح التجديد تقتصر على تحقيق أول تجربة جامعية مشتركة عربية، وأحد النماذج النادرة لتعاون إقليمي يضم عدة دول لإنجاز صرح جامعي مشترك، لم يكن هذا وجه التجديد الوحيد، فلقد أريد لهذه الجامعة ألا تكرر غيرها، وأن تسد نقصا لم تف به بقية الجامعات في المنطقة، وأن تركز على خصوصية المكان ومشاكله، وكان الطموح، ولم يزل، أن تكون جامعة الخليج العربي جامعة للدراسات العليا ومركزا لتخريج متخصصين من أبناء المنطقة ركزوا على دراسة مشاكلها، يقول رئيس وحدة القبول والتسجيل بجامعة الخليج العربي. د. وهيب أحمد خاجة:

* في برنامج الماجستير لدراسة التقنية الحيوية الذي اعتمده مجلس الجامعة في 28 يونيو 1987 نلمح مقررات طرق التحليل الآلي والهندسة الوراثية والمفاعلات البيولوجية الصناعية والزراعة النسيجية الحيوانية والنباتية والإكثار الخلوي، ثم تطبيقات ذلك كله في الزراعة والصناعة والطب والبيئة والطاقة، ومن بعد تأتي المقررات الدراسية التخصصية شديدة التحديث إذ تضم: الكيمياء الحيوية التطورية، والكيمياء والبيولوجيا الضوئية، وتصميم مفاعلات الكتلة الحيوية وغيرها.

* في برنامج الدراسات العليا في علوم الصحراء والأراضي القاحلة الذي اعتمده مجلس الجامعة في 6 إبريل 1986 نرى تخصصات الموارد الصحراوية والاستزراع الصحراوي وهندسة موارد المياه والإعمار الصحراوي والطاقة البديلة.

* وفي برنامج الدراسات العليا في الطاقة الذي اعتمده مجلس الجامعة في 19 يونيو 1988 نجد مقررات الطاقة الشمسية وتخزين الطاقة وترشيدها واقتصادياتها ونماذج سياسات الطاقة والطاقة والبيئة وغيرها.

* وفي برنامج الدراسات العليا في إدارة التقنية الذي اعتمده مجلس الجامعة في 1 إبريل 1988 نعثر على : الكمبيوتر وتقنية المعلومات والنظم المكتبية الحديثة ودراسات الجدوى وتخطيط وتقييم المشروعات واقتصاديات واستنبات ونقل وحيازة التكنولوجيا.

باختصار، كانت هناك رؤية مستقبلية وشديدة المعاصرة جعلت من مشروع جامعة الخليج العربي مشروعا رائدا وتجديديا، لكن هذه الريادة وهذا لتجديد لم يتوقفا عند حدود المشروع، بل تحولا إلى شروع في التحقق. ففي كلية التربية يشير الدكتور فتحي عبدالرحمن عميد الكلية إلى مواضيع للدراسة متميزة وفريدة مثل التخلف العقلي وبطء التعليم، والتفوق العقلي والموهبة.

وحتى لا نوجز المعطيات بما يخل بحقيقة حجمها، وحتى نعطي صورة لتفرد هذه الجامعة، نشير إلى أن مسيرتها مضت حتى الآن تحت رئاسة ثلاثة وجوه علمية خليجية بارزة، يضطلع المؤتمر العام لوزراء التربية والتعليم والمعارف بمهمة إصدار قرار تعيينهم وهم : الدكتور محمود محمد سفر وكيل وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية "من أكتوبر 1984 إلى سبتمبر 1988 "، ثم الدكتور إبراهيم جمال الهاشمي نائب رئيس جامعة البحرين "من أكتوبر 1988 إلى إبريل 1993 "، وأخيرا الدكتور عبدالله مبارك الرفاعي أمين عام معهد الكويت للاختصاصات الطبية اعتبارا من أول مايو 1993.. منذ فترة رئاسة الجامعة الأولى وحتى الآن، فإن أطروحات الماجستير المنجزة يمكن أن تعطينا فكرة عن تحققات  مشروع التجديد الذي بدأت به طموحاً وانتهت إليه فعلا، ولنلق نظرة على عناوين بعض هذه الأطروحات ملاحظين أقطار الدارسين الحاصلين عليها:

* الغابات والنشاط الرعوي في جبال ظفار "دارس عماني"، التقنيات التقليدية في البيئة البدوية "دارس سعودي"، الإدارة البيئية ومكافحة التصحر "دارس كويتي"، تطور القطاع الصناعي والإدارة الصحراوية "دارس قطري "، ظواهر الغبار وآثارها على البيئة "دارس كويتي "، الوضع المائي في البحرين "دارسة بحرينية"، معالجة وتفسير بيانات - لاندسات - المأخوذة عن اللاقط متعدد الأطياف وتطبيقاتها الجيولوجية "دارسة قطرية"، المدن الجديدة بمنطقة الخليج العربي "دارس بحريني "، تقييم ذاكرة التمييز البصري لدى الرضع "دارسة سعودية".

ولولا أن المقصود هو مجرد الإشارة إلى التنوع والتجديد، لكان رائعا ذكر كل مواضيع الأطروحات وأصحابها، لأن في ذلك تأكيدا على أن الخليج حقا وفعلا ليس نفطا فقط، وأن جامعة الخليج العربي هي إنجاز كبير ورمز حضاري مهم بدليل كم وكيف هذه الرسائل العلمية المنجزة بعقول خليجية.

وإذا كان ذلك ينطبق على إنجازات الدراسات العليا، فإنه يصدق أيضا على إنجاز كلية الطب والعلوم الطبية التي تخرج فيها منذ عام 1989 وحتى عام 1993 مائة وثمانون طبيبا من كل بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة : الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت، إضافة إلى بعض أبناء مصر وفلسطين وسوريا والأردن والسودان من أبناء المقيمين في دول الخليج العربية. كانت كوكبة الأطباء الشباب هذه، هي الباقة التي تألقت في حفل التخرج الأول لجامعة الخليج العربي الذي حضره ورعاه صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين في 29 سبتمبر 1993.

عين الخليج.. على المستقبل

في أحد الملفات المعدة للتعريف بالجامعة بمناسبة الاحتفال بيوم الخريجين كان غلاف الملف يقول: جامعة الخليج العربي، البحرين، عين الخليج على المستقبل. ولقد تجلى هذا الشعار يوم الاحتفال عندما تبدت للعيون حقائق ملموسة في صورة ثروة بشرية تم صقلها وإعدادها بحيث تواجه العصر والزمن القادم من خلال ما تأهلت به من علوم وتدريب علمي.

ولقد كان هذا الحفل استهلالا لنشاط الرئيس الجديد للجامعة الدكتور عبدالله مبارك الرفاعي، الذي اختاره المؤتمر العام للجامعة على مستوى وزراء التربية والتعليم العالي بالدول الأعضاء، ليتسلم مهام منصبه في شهر مايو 1993، وهو أكاديمي معروفي وأحد مؤسسي جامعة الخليج العربي منذ بداية مسيرتها.

لقد كان ذلك هو أول حفل تخريج في تاريخ الجامعة للدفعات المتخرجة في كلية الطب والعلوم الطبية ولمتخرجي الدراسات العليا في التخصصات التي تميزت بها الجامعة، كبرامج علوم الصحراء والأراضي القاحلة، والتقنية الحيوية، وإدارة التقنية، والعناية بالمعاقين وبطيئي التعلم، وتوجيه المتفوقين والنابغين في مجال التربية الخاصة.

وقد تمت حفلة التخرج برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين، دولة مقر الجامعة، الذي تفضل بإلقاء كلمة افتتاح الحفل، تعبيرا عن الاهتمام البالغ الذي توليه البحرين وشقيقاتها الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون، كما حضر حفل التخرج جميع وزراء التربية والتعليم العالي في الدول الأعضاء ولفيف من مؤسسي الجامعة الأوائل، وشخصيات خليجية من مختلف الفعاليات والقطاعات، وكان لنجاح هذا الحفل أثره الإيجابي الكبير في دفع مسيرة الجامعة إلى الأمام، على اعتبار أن الجمع الذي احتشد فيه والإنجاز الذي تم تدشينه إنما يعكسان إصرارا على الاستمرار وإصرارا على مواصلة النجاح والتميز باتفاق ودعم كل الأطراف المؤسسة والمشاركة والمضيفة بالطبع، وكان هذا الإصرار ترجمة ملموسة لشعار عين الخليج على المستقبل، وهل هناك عين ترنو إلى آفاق المستقبل أفضل من نافذة منارة تشرئب في الضوء وتبعث بالضوء؟ بالطبع لا أفضل.. وحتى لا نغرق في الاحتفالية والإشراق الزائد على الحد، فإننا ينبغي أن نولي بعض الاهتمام لبعض نقاط القصور التي لم تغفل عنها عين الجامعة، وهذا مما يبشر بالخير، فإن نقد الذات هو علامة أكيدة على النزوع إلى الأفضل.

قليل من النقد الذاتي.. خير

لقد سمعنا من بعض الطلاب شكوى من أن الناحية الاجتماعية والأنشطة الطلابية والرياضية والجمعيات بها بعض القصور، لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن الأنشطة في حدود الممكن والظروف لا بأس بها، فهناك حفلات السمر الترفيهية التي تقيمها اللجنة الاجتماعية وحفل ختام النشاط كل سنة، الذي يقام تحت رعاية رئيس الجامعة، وأيضا هناك أسبوع التعريف للطلبة المستجدين كل عام، حيث يلتقي الطلبة الجدد بزملائهم وأساتذتهم وعمداء كلياتهم، كما تقام بعض المعارض الخيرية كمعرض الإغاثة ومعرض البوسنة والهرسك، إضافة للرحلات الداخلية والخارجية، وتوجد بالجامعة عشيرة للجوالة وأنشطة ثقافية مثل مجلات الحائط الدورية والندوات والمسابقات الطبية، أما النشاط الرياضي فمستلزماته موجودة كالصالة المغلقة التي تحتوي على ملاعب لكرة السلة والطائرة واليد وملعبين للاسكواش بالإضافة للملاعب الخارجية لكرة القدم والتنس والمسبح، وهذه كلها موجودة في منطقة الصخير لصق المنطقة السكنية للطلبة مما يعني أن الجامعة غير مقصرة في إيجاد قاعدة ممارسة الرياضة، إضافة لتنظيم الدورات الرياضية الداخلية واللقاءات الرياضية مع الجامعات الخليجية الأخرى. وإذا كانت شكوى الأنشطة تقع بين الموافقة والنفي، فإن هناك شكوى أخرى، أفضل ما فيها أنها من أصحاب الشأن والعلم أنفسهم، فرغم الثناء الذي تستحقه طريقة المنهج الإبداعي بكلية الطب والعلوم الطبية والتي كانت حصيلة دراسات عالمية لمواجهة تضاعف المعلومات الطبية كل سبع أو ثماني سنوات مما يتطلب آلية للفهم والبحث  لا آلية للحفظ وتكديس المعلومات كما في النظام التقليدي الذي بات كالسلحفاة التي تسابق انطلاق الصواريخ في ثورة المعلومات، رغم أن المنهج الإبداعي أثمر قدرات إيجابية تميز بها الطلاب خاصة في أخذ التاريخ المرضي وفحص المريض، إضافة للمعرفة الجيدة بالعلاج الطبي مما جعل أداء طلاب الامتياز يفوق أداء أقرانهم، ليس بين خريجي بعض الجامعات العربية وحدها بل أيضا بعض جامعات المملكة المتحدة وأستراليا وكان ذلك حكم وتقييم بعض أساتذة الطب في الدول الأعضاء من خارج جامعة الخليج العربي، رغم ذلك فقد تم رصد بعض جوانب القصور ومنها: فجوة في تفسير بعض الأعراض المرضية لدى بعض الطلاب وضعف في استعمال بعض العلوم الأساسية عند ربطها بالأعراض، بعض من عدم التكافؤ بين ما يقدم من معضلات مرضية والمهارات التي تدرب عليها الطلاب، نقص في بعض المختبرات التعليمية الطبية.

الجميل في الإشارة إلى هذه الفجوة أو هذا النقص أتى من الجامعة نفسها، وهي نفسها التي أشارت إلى سبل العلاج، فكانت هناك اقتراحات الإسراع بإيجاد المصادر المادية اللازمة لتوظيف العدد الكافي من أعضاء الهيئة التدريسية للوصول إلى التناسب المقبول عالميا بين عدد طلاب الطب ومدرسيهم، كما أشير إلى ضرورة إعادة بناء وتنظيم منهج المرحلة قبل الطبية ليتناسب وطبيعة المنهج الإبداعي في كلية الطب. هذا النقد الذاتي، وهذا التأهب لعلاج القصور في ناحية من مناحي العملية العلمية التي تجرى في جانب من جوانب جامعة الخليج العربي، إنما يقودنا من الخاص إلى العام لنتساءل عما صارت إليه الأمور في الجامعة بعد مرور أكثر من عام على نشر استطلاع العربي السابق عن الجامعة إبان فترة الأزمة أو المأزق والتي كان من نتائجها حدوث قصور مادي نتيجة عدم تسديد بعض الحصص ومن ثم توقف مشاريع كانت قد بدأت في الجامعة وتقليص في عدد الطلاب وعدد الموظفين وتقليصات عديدة بدت معها الجامعة آنذاك، في موضع التساؤل، ورغم اطمئناننا لكل المؤشرات القائلة بأن الجامعة خرجت من عنق الزجاجة إلى رحابة العالم الواسع والأفق المستقبلي، إلا أننا عدنا نكرر الأسئلة حتى يكون الاطمئنان ثابتا في القلوب.

ماذا عن حقيقة الحاضر.. والمستقبل؟

"إلى أين وصلت جامعة الخليج العربي؟ وإلى أين تتجه؟ "- كان ذلك هو سؤالنا الذي كررنا إلقاءه على كل من التقيناهم في رحاب جامعة الخليج العربي. وكانت هذه هي إجابة عضو مجلس الأمناء للجامعة د. محمد جابر الأنصاري :

* تم حل مديونية الجامعة للمقاولين، وسددت الدول الأعضاء أنصبتها المتبقية من الميزانيات السابقة وغطت دولة المقر القسط المتبقي، وبذلك تم دفع كل ما تراكم على الجامعة من ديون أثناء فترة الأزمة، وتمت تسوية الأمر قضائيا بصفة نهائية.

* جددت الدول الست الأعضاء في الجامعة التزامها ببقاء الجامعة واستمرارها رمزا للتعاون الخليجي في المجال العلمي الجامعي وذلك على أعلى المستويات حيث تضمن بيان القمة الخليجية الأخيرة في الرياض فقرة مهمة عن الجامعة عبرت عن هذه المعاني وعن الالتزام السياسي لدول المجلس تجاه مؤسسة جامعة الخليج العربي.

* شهدت الجامعة ومازالت تشهد خطة لإعادة التنظيم الإداري، ثم الأكاديمي، لإعادة هيكلتها على أسس مرنة وتقليص التضخم والازدواج البيروقراطي، وتبسيط الإجراءات والنظم داخل الجامعة.

وتتجه الخطة إلى دمج برامج الدراسات العليا في كلية واحدة للدراسات العليا بمختلف التخصصات والإبقاء على كلية الطب والعلوم الطبية للمرحلة الجامعية مع إدخال بعض البرامج الطبية الجديدة على مستوى الدراسات العليا في الوقت ذاته، وذلك ترجمة لتوجه الدول الأعضاء والمؤسسة للجامعة بجعلها أساسا مؤسسة للدراسات العليا في الخليج العربي كما كان الطموح عند الشروع في إنشائها.

* التوجه الذي تركز عليه إدارة الجامعة حاليا، سيؤكد ويثبت طابعها كجامعة خليجية تتكامل رسالتها مع الجامعات الشقيقة الأخرى في دول مجلس التعاون بحيث تستقطب - دون ازدواج أو تكرار- العناصر الممتازة من خريجيها لتأهيلهم على مستوى الدراسات العليا، وفي برامج علمية تخصصية يتم اختيارها بعناية من المجالات النادرة والتي تحتاجها مجتمعات المنطقة.

وفضلا عن ذلك فإن المنهج الطبي التكاملي الجديد الذي اعتمدته كلية طب الجامعة منذ البداية، يمثل تجربة جديدة في تعليم الطب على مستوى المنطقة، وذلك ما يجعل من برامج الجامعة لصفة عامة إضافة نوعيه جديدة على صعيد التعليم الجامعي في دول الخليج العربي ويجعلها مؤسسة مكملة للجامعات الأخرى دون تكرار أو ازدواج، لهذا رئي استمرار هذا المنهج مع تطويره.

* أهم الأبعاد في تحرك الجامعة حاليا يتمثل في الاهتمام الذي يوليه رئيس الجامعة وإدارتها لاستحداث وسائل مساعدة لتمويل برامج الجامعة من مصادر القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية ومساهمات الأفراد من دول المنطقة.

فمع اعتماد الجامعة أساسا على مساهمة الدول الأعضاء المؤسسة لها - وذلك مصدر أساسي ورئيسي لا يمكن الاستغناء عنه - فإن توافر بدائل دخل مساعدة لدى الجامعة لبعض برامجها، ولعدد من كراسي الأستاذية بها من شأنه أن يخفف الأعباء على ميزانيتها العامة، ويقلل من تأثير التأخير الذي يحدث بين وقت وآخر في سداد الدول الأعضاء لأنصبتها، " والجدير بالذكر أن صاحب السمو أمير دولة البحرين قد تبرع براتب أستاذ كرسي بصفة سنوية منتظمة".

نداء الجامعة ونداؤنا

وبهذه المناسبة فإن الجامعة توجه نداء حارا :

أولا : إلى الجهات المسئولة في الدول الأعضاء بالجامعة لسداد أية متأخرات من حصصها، تطبيقا لقرار المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون باستمرار الجامعة وتطويرها، وذلك تفاديا لتكرار ما مرت به الجامعة من أزمات مالية كادت توقف مسيرتها بصفة نهائية.

ثانيا : إلى المؤسسات الاقتصادية والصناعية والتجارية، وإلى ميدان القطاع الأهلي بعامة، وإلى جميع المقتدرين ماليا من رجال الخير في دول الخليج للتفاعل مع مبادرات جامعة الخليج العربي بهذا الصدد لتمويل ودعم برامج علمية محددة، أو كراسي للأستاذية من قائمة متعددة الخيارات بهذا الصدد، وضعتها إدارة الجامعة ضمن خطتها للتوسع المستقبلي في البرامج التخصصية على مستوى الدراسات العليا بصفة أساسية.

والجدير بالذكر أن الجامعة تخطط، تحقيقا لهذه الغاية، برنامجا من اللقاءات والندوات بين الجامعيين ورجال الأعمال في دول المنطقة لوضع أسس التعاون الممكن بين القطاع الجامعي والقطاع الاقتصادي والتجاري الخاص، دعما لحركة التنمية في دول المنطقة، ووصلا بين العمل العلمي والعمل الاقتصادي أسوة بتجارب الدول المتقدمة في العالم.

وإذا كان ما سبق هو نداء الجامعة، فإنه نداؤنا أيضاً، من أجل استمرار جامعة الخليج العربي منارة تضيء وتهدي، ورمزا حضاريا لتآزر الإخوة، وتطلعنا نحو المستقبل الذي لا مشروعية للوجود فيه إلا بالمعرفة والعلم، وإنها لسانحة خير ينبغي ألا يتركها الخليجيون تفلت من بين أياديهم أو تنأى عن الأبصار والبصائر.

 

أنور الياسين 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات