«العربي» في عددها الحادي عشر.. لقاء مع عميد الأدب العربي طه حسين

«العربي» في عددها الحادي عشر.. لقاء مع عميد الأدب العربي طه حسين

«لا يا سيدتي.. لا توجد إلى اليوم طريقة مؤكدة يستطيع بها الطبيب أن يعرف نوع طفلك، قبل أن يولد، ذكر هو أو أنثى». بهذه الإجابة المحبطة، رد طبيب الأسرة في عدد أكتوبر 1959 من «العربي»، على الأم التي أرسلت إليه تسأله عن حقيقة ما يقال عن وجود طرق لمعرفة جنس الجنين آنذاك، قبل «عصر السونار»!
وأشار الطبيب إلى وصفة قال بها قدماء المصريين مشككاً!

وقد قالوا: «ضع خليطاً من بلح ورمل في وعائين، وأضف إلى أحدهما شعيراً، وأضف إلى الآخر قمحاً. ثم بللهما كليهما بشيء من بول المرأة الحامل، فإذا تنبّت الشعير أولاً، فالذي تحمله المرأة بنتا، وإذا تنبت القمح أولاً، فالذي تحمله المرأة ولدا».

وقد حاول الطب في العصور الحديثة أن يصل إلى طريقة يعرف بها أذَكر يوجد في الرحم أم أنثى. أضاف الطبيب: «وإلى اليوم لم يهتد أحد إلى شيء حاسم».

إلا أن «العربي» نشرت في العدد نفسه رأياً أو نبوءة عن طبيعة الثورة العلمية المقبلة، اقتبست من مجلة «العلوم» البيروتية، للدكتور إبراهيم حلمي عبدالرحمن:

«إن التطور العلمي الذي نمر به اليوم، سيجعل المجتمع الإنساني في السنوات العشرين المقبلة أكثر اختلافاً عنه اليوم، من اختلاف مجتمعنا الراهن عن مجتمع عشرين سنة مضت، والسبب الرئيسي هو الكشف عن الطاقة الذرية والتقدم العلمي العظيم في الآلات الإلكترونية وكيمياء المفرقعات الذي خلق الصواريخ والأقمار الصناعية.

إن آثار هذه الثورة العلمية لم تظهر بعد كلها، وعندما تظهر سيبين لكل ذي عينين أن خير ما نفعله اليوم لأولادنا، هو البدء فوراً في بناء جهاز علمي قوي نعتمد عليه».

فانظر كم كانت حادة ودقيقة، هذه الرؤية المستقبلية!

عالم شجاع

ومادمنا في مجال العلم والتنبؤ، فلابأس في أن نشير هنا إلى كتاب الشهر الذي قدمته «العربي» للقارئ، حيث يعيد الكاتب البريطاني المعروف «ألدوس هكسلي» Huxley النظر عام 1959، في كتابه المعروف «عالم جديد شجاع» Brave New World، الذي أحدث لدى صدوره عام 1932 ضجة كبرى، وكان ضمن ما قاله آنذاك، قبيل الحرب العالمية الثانية، إن عالم المستقبل لن يعرف كلمة أم، «لأن الناس فيه أبناء التلقيح في القوارير والبواتق»!

(جاء في المقال: «وقدّرته لجنة عالمية معروفة فمنحته جائزة نوبل للآداب». غير أنني لم أر اسمه ضمن قائمة الأدباء الذين نالوا الجائزة منذ عام 1901).

في كتابه الجديد الذي عرضه د.محمود السمرة، يشير «هكسلي» إلى المصير القاتم الذي ينتظرنا بسبب تفاقم مشكلة تزايد عدد سكان العالم، لأن «الطريق الذي يسير فيه العالم اليوم يؤدي بطبيعته إلى ذوبان الحكم الديمقراطي وحلول الحكم الديكتاتوري محله. فالكثرة البالغة في زيادة عدد السكان، في كوكب إمكاناته محدودة، تؤدي إلى قيام مشكلات لا يحلها - في رأيه - إلا اللجوء إلى الحكم الديكتاتوري الذي تذوب فيه إرادة الفرد. وهذه هي خاتمة المأساة. وهنا يسود المجتمعات قلق اقتصادي، وتحفزٌ لثورة كلما سنحت بارقة، وهذا بدوره سيساعد على تركيز السلطة في يد فئة قليلة تحكم بالعنف والبطش».

مساجلات غربية

وحمل العدد للقارئ نماذج من الانتقادات والمساجلات بين بريطانيا وألمانيا، والولايات المتحدة وفرنسا. فقد ذكرت صحيفة الـ«ديلي ميل» أنه «كلما اشتد ساعد ألمانيا قوي عزمها على الانتقام، ومطالبتها بأراضيها التي خسرتها في أوربا الشرقية». وقد ردت صحيفة ألمانية على الإنجليز قائلة: «إننا لا نريد أن نكون أمة غنية أو قوية، بل أمة حرة متحدة، صديقة صدوقة لجيراننا الطيبين».

وقد حققت ألمانيا اليوم كل هذه الأهداف!

وانتقدت مجلة نيوزويك رئيس فرنسا شارل ديجول قائلة: «لقد صرح ديجول بأنه لن يسمح بإقامة قواعد لصواريخنا في الأرض الفرنسية، ولكنه مع هذا يريد منا أن نعطيه قنبلة ذرية، ونجزل له المعونة كل إجزال ليستطيع الاستمرار في حرب الجزائر!! وفوق هذا تنكّر لأصدقائنا في حلف الأطلنطي لأنه مازال يحلم بأن فرنسا عظيمة وتستطيع أن تشق طريقها منفردة».

وانتقدت صحيفة أمريكية أخرى موقف فرنسا في الجزائر فقالت: «فرنسا تسفك دماء أبنائها في الجزائر لأنها مازالت تعيش بعقلية مضى زمانها. فهي ترى أن الاستعمار والبطش هما الدليل على عظمة الأمة».

الحرب الباردة

وهيمنت أجواء الحرب الباردة على حديث رئيس تحرير «العربي»، د.أحمد زكي، بمناسبة لقاء قمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وكان من بين عناوين المقال «الشيوعية والرأسمالية طوران عابران من أطوار الإنسان».

كان استطلاع العدد عن المملكة الليبية، وعرضت المجلة صوراً لاشك أنها اليوم تاريخية عن بنغازي، «المدينة التي تبني نفسها من جديد، وحيث يخلق الإقبال على التعليم أزمة في أبنية المدارس»! من بين هذه الصور شارع الكورنيش «أدريان بيلث»، ويُرى وسط الصورة مبنى الكاتدرائية. ومنها صور ميدان البلدية، ونخيل برقة، والبرلمان الليبي، حيث «المعارضة على اليمين، والمسئولون ورئيس الوزراء على اليسار». والمعروف أن بنغازي من المدن العربية التي عانت الدمار في الحرب العالمية الثانية أربع مرات. فقد دخلها الألمان سنة 1941 لدفع الهجوم البريطاني القادم من مصر. ثم احتلها البريطانيون، ثم استرجعها الألمان، واستقرت بها قيادة «رومل» في الجبل الأخضر، ثم عاد البريطانيون سنة 1942 واحتلوها، «وكانت النتيجة أن خرجت بنغازي من الحرب، وقد دُمّر أكثر من 60% من أبنيتها».

وجاء في الاستطلاع أن دستور الدولة الجديد قد نص على الملكية الوراثية وعلى التمثيل الفيدرالي للحكومة. وللدولة مجلس للشيوخ، ومجلس للنواب منتخب على أساس نائب واحد لكل 20 ألف مواطن.

وفيما حصر الدستور حق الانتخابات النيابية بحملة الجنسية الليبية، أعطى الجاليات الأجنبية حق الاشتراك في الانتخابات البلدية.

وفي مجال التعليم أشار الاستطلاع إلى المدارس الداخلية، وقال إنها «ليست خاصة بالأثرياء الذين يستطيع أهلهم مواجهة النفقات الباهظة، وإنما هي لتعليم الأيتام والبدو. فبعد دراسة مشكلة تعليم البدو تبين أن إنشاء المدارس الداخلية الخاصة بهم أفضل من محاولة تأمين نقلهم إلى المدارس عبر المساحات الشاسعة. وتعتبر هذه الطريقة من العناصر المهمة في محاولة تحضير البدو. فهي من ناحية تدفع الأب إلى النزوح للإقامة بالقرب من مدرسة ابنه، ومن ناحية أخرى تدفع الابن المثقف إلى البحث عن فرص الحياة الجديدة في المدن الكبرى».

المرأة في ليبيا والمغرب

ورصد الاستطلاع كذلك بوادر دخول المرأة الليبية المجال الإعلامي. وأشار إلى أن السيدة «زعيمة الباروني» تعتبر أول امرأة ليبية تجرأت فكتبت ووقعت باسمها الكامل. «غير أنها، فيما قالت لنا، تدعو إلى المحافظة على التقاليد القديمة وإلى السير على خطى الأجداد».

وأفسحت «العربي» في هذا العدد للكاتبة المغربية «ثريا بوطالب»، للحديث عن نساء بلدها، حيث «المرأة حائرة بين حياء العرب وبهارج الغرب!»، وحيث «انطلقت الفتاة المغربية، وبدأ اللثام يختفي شيئاً فشيئاً في طريقه إلى الزوال نهائياً».

وكانت مسيرة تعليم الفتاة المغربية صعبة، فقد وجّه المحافظون انتقادات قاسية إلى طلائع النساء مثل السيدة «مالكة الفاسي» واسمها الأدبي، بعكس «باحثة البادية» المصرية المعروفة، «باحثة الحاضرة»!

وجاء في المقال أنه «لما شعر جلالة الملك محمد الخامس بالخطر الذي يهدد المغرب لو استمر الآباء في هذا الإصرار، جمع أعيان المملكة في يوم عيد (1362 - 1943) وكاشفهم بأن الوقت قد حان لتعميم تعليم الفتاة بالمغرب. ومن طريف ما يذكر هنا أن أحد الشيوخ المحافظين توجه بالخطاب لجلالة الملك متسائلاً: أفعى وتسقيها سماً؟

وأجاب الملك: إن الفتاة ليست أفعى. وهبها كذلك، فإن العلم ما كان ولن يكون سماً، وإنما هو ترياق».

ومن طرائف ونكات هذا العدد، وبعضها مضحك حقاً، نكتة تربوية! ففي بعض البلدان، قالت «العربي»، يعتبر عدم إرسال الأطفال إلى المدرسة جريمة يعاقب عليها القانون. وفي أحد الأيام قرع الضابط المكلف بمراقبة حضور الطلاب أحد الأبواب ففتح له الباب طفل في سن الدراسة، ودار بينهما الحديث التالي:

الضابط: لماذا لم تذهب إلى المدرسة؟

الطفل: يجب أن أحافظ على البيت نيابة عن والدي.

الضابط: وأين والدك؟

الطفل: في السجن.. لأنه لم يرسلني إلى المدرسة!

ومن كاريكاتيرات العدد، موظف منهمك في العمل، وقد وضع صورة زوجته التي تبدو «متسلّطة» أمامه، يقول لزميله في العمل: «إنني أجد متعة عظيمة في العمل الإضافي حينما أضع صورة زوجتي أمامي».

ومن الطرائف الكثيرة التي تروى عن «بيكاسو» الرسام الشهير المعروف برسومه التي لا تُفهم، أنه انتقل إلى الحي الذي يسكن فيه ساعي بريد كان قد سمع وقرأ الكثير عنه. فتحت ابنة بيكاسو يوماً الباب للساعي الذي جاء ليسلم للفنان رزمة مسجلة. ووقف ينتظر ويتأمل الرسوم على الجدران فأعجبته، فاقترب من الطفلة الصغيرة مبتسماً وقال: جميل.. حتى الصغار في هذا البيت يرسمون.

لقاء مع طه حسين

نشرت «العربي» في هذا العدد مقابلة مع الأديب الكبير د.طه حسين ونشرت له صورة جميلة ملونة وهو جالس بين كتبه، تمنيت لو كان يستطيع أن يراها مثلنا وهو المحروم من نعمة البصر.

سألته «العربي»: هل ترون أن أدب الأدباء خدم الثورة التحررية العربية القائمة الآن؟

وأطرق طه حسين قليلاً ثم قال: «الأصل أن الأدب يهدأ أثناء الثورات، ولا ينشط إلا بعد أن تستقر الأمور وتجري على طبيعتها. وذلك لأن الأدب محتاج إلى الحرية. والثورة مضطرة أن تحافظ على نفسها حتى تحقق أغراضها، فقل - إن شئت - أن بين الأدب وبين الثورة شيئاً يشبه الهدنة حتى تبلغ الثورة غايتها.. انظر إلى الثورة الفرنسية مثلاً. فقد سكت أثناءها الأدب الفرنسي سكوتاً يوشك أن يكون تاماً، لم ينشط إلا بعد أن استقرت الأمور في فرنسا».

وربما شهد هذا العدد كذلك ميلاد كلمة أو مصطلح بات واسع التداول: «يقولون التلفزيون.. إنها لفظة ثقيلة على اللسان العربي، وليس لها الجرس العربي. وإن شئت أن تعرف هذا فحاول أن ينطق بها بعدك فلاح بسيط مثلاً.. والرأي أنه التلفاز، للجهاز Television Set، والتلفزة للظاهرة نفسها Television والفعل تَلفزَ يُتلفزُ».

ومن مقالات العدد المتميزة، مقال لأمين الخولي (1895 - 1966)، الأديب والباحث اللغوي، خريج مدرسة القضاء الشرعي، مؤلف كتاب «مالك بن أنس» وكتاب «المجددون في الإسلام» وغيرهما. تحدث الأستاذ الخولي عن «فهم الإسلام»، أمس.. واليوم.. وغداً. وقال إن «فهم الإسلام أمس فهم خاطئ يخالف سماته وأهدافه، وفهم الإسلام اليوم ليس فهماً ذا منهج، ولا قائماً على أصول». وناقش بجرأة ووضوح حجج الكُتاب المعاصرين في موقف الإسلام من الرق، واعتبر حججهم عرضاً خطابياً استهوائياً «لا يقنع مفكراً ولا يرضي مؤمناً». وطالب الخولي بالبحث عن فهم آخر للإسلام «يقوم أول ما يقوم على منهج راسخ الأصول، يقنع المفكر الحر، ويحقق خواص الدعوة». المؤسف، أن «فهم الإسلام» الذي حذر منه الخولي قد طغى اليوم مع انتشار التلفاز والصحافة والإنترنت، وصارت «الخطابية الاستهوائية» أعمق تأثيراً، والابتعاد عن المنهج العقلي والعلمي، أشد وضوحاً.

وكسائر الأعداد السابقة من المجلة، لم تخل «العربي» في هذا الشهر من مقال يشيد بالعروبة. فقد كتب الأستاذ فؤاد الرفاعي من حلب بسورية، مقالاً حول «القومية العربية» جاء فيه:

«إن العروبة - مهما يختلف تعريفها واعتبارها - قومية، موجودة، قائمة، راسخة الجذور، لا يستطيع أحد أن يماري في وجودها، وأنها كانت - ولاتزال، وسوف لا تنفك إلى آخر الزمان - محوراً ضخماً تدور عليه أحداث التاريخ، بدليل ما تركت وما تترك في التاريخ من آثار قوية، بدّلت ولاتزال تبدّل من مجراه، وغيّرت ولاتزال تغيّر الكثير من اتجاهاته.

وهذه القومية العربية، هي نفسها التي تقف الآن في عرض الطريق عنيدة مرفوعة الرأس، لتقوم بدورها الأساسي في مجال الأحداث التاريخية التي تنتظم قصة العالم اليوم من ألفها إلى يائها».

ونفى الرفاعي عن العروبة العنصرية التي يريد بعض الغلاة أن يصموها بها، وقال «إنها هذا الينبوع الثَّرُّ البعيد الغور، الذي يهدر في أعمال كل عربي نطق بالضاد، وتحلى بشمائل القوم التي هي شمائل الإنسان المدرك، وإلا لاندثر الشعب العربي نفسه، وغدا كغيره من الشعوب الأخرى المنقرضة، التي غبَرت في ضمير التاريخ».

غرائب العلوم

عُرف عن رئيس تحرير «العربي»، د. أحمد زكي (1894 - 1975)، والذي كان قد تولى عام 1946 رئاسة تحرير مجلة «الهلال» العريقة، وصنّف العديد من المؤلفات، أسلوبه المتميز الرفيع في الكتابة العلمية. ولاشك أن مقاله في هذا العدد «الثعابين: مخلوقات من أعجب الخلق»، من أجمل وأحفل مقالاته بالروعة اللغوية وغزارة المعلومات، وصور الثعابين المخيفة!

ويصف د.زكي روعة الثعبان وجماله فيقول: «وانظر في الثعبان مخلوقاً، فأجده قد خُلق على أسلوب غريب بديع. لا يدين ولا رجلين. وجسم طال، وانبرم، ودقّ، وينساب في الأرض كما ينساب الماء خفةً. وتسمع على الأرض صوت النعال من رجال، ولا تسمع لخطو الثعبان صوتاً. والحق إنه في حركته أشد الخلائق صمتاً. ثم الملاسة، إنك لاتكاد تجد شيئاً أملس من ثعبان». ولا أدري إن كان كلام رئيس التحرير في الثعابين قد «قربها» إلى القرّاء وقلل خوفهم منها.

ويستطرد فيقول، وما نعرض هنا جوانب من حديث له طويل، أن الناس تهرب من الثعابين، ولكن الثعابين كذلك، إلا في القليل، تهرب هي الأخرى من الناس. والكثير من صنوف الثعابين لا يضر بالإنسان، ومنها «الثعبان الثور» وقد يبلغ طوله 9 أقدام، وهو الذي نراه ملتفاً حول حواة السيرك. ومن الثعابين ما لا تقْتلُ بالسم بل بالضَمّ!

فصنوف الثعابين 2300 نوع، منها نحو 250 نوعاً شديدٌ سمُّها.

وفي الهند، والحديث قبل نصف قرن، قدّروا أن الذين يموتون من عضة ثعبان يبلغون 20000 في العام». وسبب هذه الكثرة أن الهنود أغلبهم يسير بغير نعل في الحقل والغاب.

وإذا دخلت الثعابين بيوتهم طلباً لطعام من فئران، رفض أصحاب البيوت بوازع من دينهم أن يقتلوها..»!

ومن العجيب أن فعل هذه السموم في الثعابين ليس واحداً. فالسم في نوع ثعبان ما، أفعل في نوع الضحية التي اختارتها له الطبيعة طعاماً. والثعابين محصنة، فلا يفعل سم ثعبان في جسم ثعبان آخر. وللثعبان عصارة هاضمة لها قوة غريبة، فهي تكاد تهضم كل شيء. تهضم قشر البيض وعظم الجدي وسن الأرنب. حتى الصوف. فقد جاع ثعبان من البيثون، وهو عظيم، فأطعموه في حديقة الحيوان فأراً، فأثار شهيته، فلم يجد أمامه إلا ملاءة من صوف، فابتلعها ابتلاعاً. وقبع هادئاً يهضم!

ولا تزيد سرعة الثعبان عن سبعة كيلومترات في الساعة، أي نحو مترين في الثانية. أما طوله فلا يزيد على تسعة أمتار، وقد عرضت جمعية الحيوان بنيويورك مبلغاً قدره خمسة آلاف دولار لمن يأتيها بثعبان طوله 5ر9 من الأمتار. «وللآن لم يأت بهذا الطول أحد».

ويفرق الثعبان، يقول د.زكي، بين البيضة الصالحة والبيضة الفاسدة، وأغلب الظن أنه يفعل ذلك بلسانه، وتوجد الثعابين بأنواع أقل في البحر. وهي قوية في السباحة وكل أنواعها سامة للغاية.

وتساءل الكاتب إبراهيم محمد الفحام، في مقال تاريخي مثير للخيال والفضول إلى حد كبير، «هل اكتشف العرب أمريكا قبل كولمبوس؟».

ومن أهم ما تناوله المقال «وجود كلمات عربية في لغة الهنود الحمر»، وقد رجح ذلك العلامة «ليو وينر»، الأستاذ بجامعة هارفرد في كتابه «إفريقيا واكتشاف أمريكا»، الذي يقع في ثلاثة مجلدات. وقد نشر عالم الأجناس الأمريكي «جيفيريز» سنة 1955 أبحاثاً عن أصل الشعوب الأمريكية القديمة، و«أكّد أن العرب كانوا على صلة بالشواطئ الأمريكية قبل مجيء كريستوفر كولمبس بأربعة قرون. وكان مما استدل به على صحة رأيه، أن «الأذرة»، وهو نبات أمريكي، قد انتشر في العالم القديم، منذ ذلك الزمن، على أيدي العرب».

وقد انكبّ عالم الأدب واللغة العربية البارز، الأب انستاس ماري الكرملي (1866 - 1947)، اللبناني مولداً والعراقي حياة وعطاء، على هذا الموضوع، فقام بمقارنة بعض مفردات لغات قدماء أهل المكسيك، وخاصة أسماء الحيوانات والنباتات، بما يقابلها في اللغة العربية، وأثبت الصلة بينهما، «وخلص من تلك الدراسة بما أكّده في محاضرته القيمة التي ألقاها في قاعة فيصل الثاني ببغداد في ديسمبر سنة 1944، من أن همم العرب قد قذفت ببعض ملاحيهم المغامرين إلى تلك البقاع، منذ أزمان قديمة، وأنهم كانوا يبحرون إليها من بعض جزر المانش».

ونقف أخيراً عند إشارة مبكّرة وردت في هذا العدد من «العربي» عن احتمالات انتشار القنبلة الذرية. فقد أشارت في صفحة من «أخبار العلم والعلماء» إلى وجود «أمم تستطيع صنع القنبلة الذرية». وهي 26 أمة، منها الهند وتشيكوسلوفاكيا والبرازيل وجنوب إفريقيا والمكسيك!.

 

 

خليل علي حيدر