المجموعة العربية والطريق السريع للمعلومات مصطفى المصمودي

المجموعة العربية والطريق السريع للمعلومات

لم يبق اليوم مجال للشك بأن الإعلام بنظمه المتعددة والمتنوعة سيكون العامل الأول في بناء عالم الغد وهو الأمر الذي حدا بالرئيس كلينتون المناداة بإنشاء "الطريق السريع للمعلومات" وقد اعتمد الرئيس الأمريكي هذا الشعار للانطلاق في إنجاز برنامج تكنولوجي تم وضعه بكل دقة ، تحت عنوان " البنية الأساسية الوطنية للإعلام".

في نفس هذا الاتجاه شرع الكنديون والأوربيون في التشاور، وما زالوا يواصلون مشاوراتهم منذ سنتين للاتفاق على أرضية لوضع برامجهم وإقامة أعمالهم في هذا الميدان. أما البلدان النامية فإنها لم تتحرك، ولعل ذلك يعود لشعورها بالإحباط بعد إخفاق جهودها خلال السبعينيات إذ كانت تسعى بكل حماس إلى إقرار نظام اقتصادي دولي جديد وما كان ينبغي أن يترتب عليه من اختيارات حاسمة في مجالات الإعلام والاتصال. ومن حسن الحظ فإن بعض البلدان العربية لم تبال بالصعوبات ، وأقدمت على خوض غمار معركة التنمية على الرغم من قلة إمكاناتها ، فجمعت كل ما لديها وجعلت من ضعفها قوة حيث نراها اليوم تحقق نتائج إيجابية تجاوزت مخلفات الأزمات الحادة والتوقعات المتفائلة. فهذه البلدان هي المدعوة اليوم إلى متابعة المداولات الجارية حول مفهوم " الطريق السريع للمعلومات " وما قد يكون لهذا المشروع من انعكاسات اقتصادية واجتماعية وثقافية. ففي هذا السياق تأتي هذه الدراسة لتحليل مفهوم " الطريق السريع للمعلومات " واستطلاع ما يمكن للمجموعة العربية انتظاره من نتائج واعدة وكذلك ما ينبغي تفاديه من عواقب وتبعات سلبية.

إن المتابعين لتطور المدلولات الجارية على الساحة الدولية يسجلون بانتباه التباين الملحوظ في وجهات النظر بخصوص تسمية هذه الطرق السريعة وتحديد أهدافها.

ومما يلاحظ حول التسميات المتصلة بهذا المفهوم هو تعددها، فمنها:

- " الطريق السريع الرفيع الأمريكي للأعلام " وهي التي تنادي بتخلي الدولة عن قطاع الاتصالات لفائدة المؤسسات الخاصة حتى وإن كانت أجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص.

- " الطرق السريعة الأوربية للاتصال* وهي تدعو إلى مراجعة الأحكام القانونية للتخفيف من وقعهـا وإقرار اللا مركزية وإشراك المجموعات المحلية في المجهود العام.

- " الطريق السريع الإلكتروني الياباني " التي تقر بضرورة التخفيف من الاحتكار العمومي لقطاع الاتصالات.

وهناك من اقتصر على ذكر المحطة النهائية التي ينتهي إليها الطريق السريع فاعتمد مصطلح " مجتمع المعلومات ".

ويستفاد من كل ما كتب حول هذا الموضوع، أن الطرق السريعة للإعلام هي سبيل لا محيد عنها مستقبلا لإرساء تنمية مستديمة لمختلف المجتمعات وفي كل القارات.

والطريق السريع كما يعرف المختصون هو نتيجة التقاء المعلوماتية والتليفون والتلفزيون، وتتمثل في مزج الحور- المتحركة مع الصوت والنص المكتوب والمعطيات، وهي على أهبة الدخول إلى كل البيوت بواسطة شبكات تلماتية واسعة وحوارية، ذات رقعة عريضة وخلال جهاز "الملتيميديا" (أي المطراف الشامل لمختلف الوظائف الإعلامية).

ويقتضي بناء هذه الشبكة وجود إمكانات كبيرة وتقنية أموال لإنشاء البنى التحتية ولصناعة وسائل الاتصال وإنتاج البرامج والمضامين التي ستنقلها تلك الوسائل. ويطرح التصور الأمريكي إمكان الاستفادة القصوى من شبكة انتارنيت internet وذلك النفاذ إلى المعلومات يسيرا جدا ومؤمنا إذ يمكن الحصول عليها في كل مكان بأقل التكاليف وبالعديد من الوسائل ومن خلال مختلف الشبكات الوطنية والمحلية.

وكل هذا من شأنه إعطاء مزيد من الدفع للإنتاجية وتنشيط الابتكار والإبداع وتنمية الخدمات وتطوير التشغيل علاوة على تحسين البرامج الترفيهية التي ستزداد رفعة بصور الواقعة الافتراضي Image virtuelle.

وسيمكن ذلك من تعميم التعليم عن بعد والتكوين عن بعد والطب عن بعد والبحث العلمي والإبداع الفني لفائدة البشرية قاطبة.

ولتجسيم هذه النظرة، يقترح المشروع الأمريكي إعادة توزيع الأدوار بين مختلف الأطراف الاجتماعيين وفي نطاق التوزيع الجديد، تضطلع المصالح الحكومية بالمهـمات التالية:

- التشجيع على الاستثمار الخاص من خلال التراتيب التشريعية والإعفاءات الجمركية.

- استحثاث المبادرة في مستوى المجموعات المحلية، والجامعات و الأكاديميات، والغرف التجارية...

- ضمان سلامة المعلومات وشبكات التوزيع.

- حماية حقوق الملكية الفكرية.

- السهر على تماسك العمل بين القطاعات الكبرى - التحاور مع الدول الأخرى لتنسيق المبادرة والإشراف على وضع الاتفاقيات الدولية.

دور القطاع الخاص

أما القطاع الخاص فيتعين عليه، وعلى العناصر الأخرى التي يتكون منها المجتمع المدني، أن يضطلع بالأدوار المتبقية وهي، إنشاء البنى التحتية؟ تنمية البحث لاكتشاف أنواع جديدة من الخدمات عن بعد.، إنتاج وتوزيع البرامج ، القيام بتطوير الخدمات الحوارية.

ويعتبر الأمريكيون أن إقامة هذا " الطريق السريع الرفيع " تشكل ضرورة مطلقة ومستعجلة لكل بلد متطور يرغب في الحفاظ على منزلة متقدمة في مطلع الألف الثالث للميلاد. على أن المجهود ينبغي أن يأتي أساسا من القطاع الخاص، وهو ما يقتضي إلغاء اختصاص الدولة بالنسبة إلى كامل قطاع الاتصالات

أما بلدان أوربا فإنها تقترح تصورات أخرى مثل اعتماد اللا مركزية أو تدعيم دور المجموعات المحلية إلا أن الآراء مازالت متباينة إذ لم تجتمع الكلمة على رأي موحد عندما التأمت في بروكسل يومي 25 و26 فبراير 1995، القمة المصغرة للبلدان السبعة الأكثر تصنيعا.

فبعد مرور سنتين على النداء الذي أصدره الرئيس بيل كلينتون، واستجابة للرغبة التي عبر عنها، استضافت اللجنة الأوربية، مؤتمرا لهذه البلدان السبعة حضره بالإضافة في الوزراء المعنيين نائب الرئيس الأمريكي ورؤساء البعض من المجتمعات الصناعية الكبرى .

وقد صدر عقب هذا الاجتماع بيان مشترك يكرس مبدأ تحرير الاتصالات وينادي في الوقت ذاته باحترام التعددية الثقافية.والجدير بالملاحظة أنه لئن لم تكن التسمية موضوع اتفاق صريح فإن عبارة "الطريق السريع للإعلام" قد غلبت في نص القرار كممر وجربي لبلوغ مجتمع الإعلام .

ولتجسيم مفهوم هذا المجتمع صادق المؤتمرون على ثمانية مبادئ أساسية وعلى أحد عشر مشروعا نموذجيا.

المبادئ الأساسية هي: المنافسة النشيطة المتنامية، التشجيع على الاستثمار الخاص، إيجاد إطار قانوني متماش مع نسق التطور، ضمان انفتا شبكات الاتصال إمام كل رغبة ، التعهد بوضع العروض والخدمات جميع دون تمييز، توفير المساواة والفرص للاستفادة لعامة من شبكات الاتصال، تنمية تنوع المضامين بما في ذلك التنوع الثقافي واللغوي، الاعتراف بضرورة التعاون العالمي مع عناية خاصة بالبلدان النامية.

المشاريع النموذجية هي:

- تقييم شامل لانعكاسات مجتمع الإعلام على مختلف القطاعات.

- تيسير مد الشبكات السريعة وذات الرقعة العريضة والربط بينها على أوسع نطاق عالمي.

- تصور برامج تربوية وتعليمية مستمدة من ثقافات متعددة ولفائدة الجامعات والمؤسسات الصناعية الصغرى والمتوسطة.

- تكثيف المكتبات الإلكترونية والربط بينها.

- توظيف التقنيات الحديثة في إثراء المتاحف وقاعات عرض الفنون.

- إحكام تبادل المعلومات حول المحيط والموارد الطبيعية للمزيد من الإفادة العلمية للتلاميذ والطلبة.

- المساعدة على إيجاد شبكة عالمية لمجابهة المخاطر ومعالجة الحالات الاستعجالية.

- التعميم على مستوى عالمي للتطبيقات الجديدة في النظام الصحي والاستشفاء عن بعد.

- تكثيف الإعلام الحكومي والاجتماعي لتيسير التعامل بين الإدارة والمؤسسة الاقتصادية والمواطن.

- إيجاد فضاء مشترك بين المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتبادل المعلومات والتعاون.

- تنمية المنافسة الصناعية وحماية المحيط من خلال نظام للإعلام البحري وتبادل المعلومات والاستفادة منهـا على أوسع نطاق عالمي.

هذه هي الرؤية العامة لمشروع الطريق السريع للإعلام.

ماذا ننتظر كعرب؟

فما موقف بلدان الجنوب من هذا المشروع العالمي وهل البلدان العربية مستعدة اليوم للإسهام في بنائه؟.

مما لا شك فيه أن التنمية قد دخلت في بلداننا، وإلى مناطقها النائية بالخصوص، بفضل إنشاء الطرق الريفية وتركيز الخطوط الهاتفية، وقد أقدمنا على بناء الطرق السريعة والمطارات الحديثة دون أن ننتظر انقراض وسائل النقل البدائية وزوال العربات التي تجرها الدواب والمهم بالنسبة إلينا هو أن تمر هذه الطرق السريعة للإعلام ببلداننا وإن تؤتي النظم الحوارية نتائجها كاملة.

وعلى هذا الأساس، فإنه بإمكاننا أن ننتظر بتفاؤل عصر الإعلام إلا أنه يتعين علينا في الآن ذاته، أن نحذر خطر الانحراف في صورة ما إذا كان امتدادا هذه الطرق السريعة في غير اتجاهـنا أو إذا كانت هندستها لا تتلاءم مع محيطنا ومع واقعنا الخاص.

ولا يمكن لأحد أن يجزم الآن بوجود موقف عربي موحد تجاه مسألة الطرق السريعة للإعلام، على أن ندوة الاستراتيجية العربية التي أقيمت في نهاية شهر إبريل / نيسان 1995 بتونس بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء جامعة الدول العربية قد عبرت عن إدراك الإخصائيين العرب لأهمية الرهان في مجال التكامل بين الإعلام والتنمية حين أصدر هؤلاء نداء في المجموعة العربية - قيادة سياسية وأوساطا اقتصادية ومؤسسات أكاديمية من أجل وضع استراتيجيات متكاملة والانصهار في المشروع الكوني الهادف إلى بناء مجتمع جديد قوامه الإعلام بوسائله المختلفة ومضامينه المتعددة.

وقد جاء هذا النداء مؤكدا المواقف التي كانت الدول العربية قد اتخذتها منذ عقدين بخصوص القضايا الدولية للاتصال، ومقيما الدليل على تحدد اهتمام العرب بهذا الموضوع.

وبالفعل فقد نشرت المنظمات القومية المختصة (اليكسو، اتحاد الإذاعات العربية ...) الكثير من التقارير، وكتب الكثير حول حاجات البلدان العربية في مجال تنمية أجهزة الاتصال ومضامينها.

واليوم فإنه يمكن تأكيد أن أهدف الطرق السريعة للإعلام لا تتنافى في غالب الأحيان مع المطالب التي كانت تنادي بها بلدان الجنوب عامة إذ يكفي الرجوع إلى اللوائح التي صادق عليها عام 1980 المؤتمر العام لليونسكو وتبنتهـا الجمعية العامة للأمم المتحدة للمس العديد من أوجه التشابه بينها وبين بيان مجموعة السبع ولاعتبار أن شبكات الاتصال العريضة مثل انتارنيت Internet يمكن أن تساعد عند مرورها بالبلدان العربية على بلوغ مجموعة من الأهداف الأساسية مثل " القضاء على العقبات الداخلية والخارجية التي تحول دون التنقل الحر المتوازن للمعلومات و الأفكار وانتشارها على نطاق أوسع أو دعم قدرات البلدان النامية لتصبح وسائل الاتصال لديها قادرة على الاستجابة لحاجاتها ولتطلعاتها .

وعليه فإن البلدان العربية بإمكانها - على غرار البلدان المتقدمة - أن تؤمل من انخفاض تكاليف الارتباط بهذه الشبكات، حصول تقدم ملموس في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهداف كثيرة في ميادين التربية والبحث العلمي والتدريب المهني.

1- التطور المؤمل في الحياة السياسية:

لقد أثبت التجربة أن التلفزيون الفضائي وفر للإنسان في بلدان الجنوب إعلاما عالميا أكثر ثراء وأتاح له اكتساب المزيد من القدرة على التحليل والنقد العلمي. كما مكن التلفزيون المواطن من المساهمة بصفة أفضل في الحياة الاجتماعية ومن تغيير سلوكه بطريقة إرادية للتجاوب مع الاختيارات الوطنية المتطورة.

والمؤمل أن يتوافر للمواطن العربي بفضل الأجهزة الحوارية الجديدة وسائل إضافية للتعبير عن الرأي وللاندماج بصورة أفضل في السير الهادف إلى النمو والرقي. أما رجل السياسة فقد يجد في هذه الوسائل طريقا جديدا لإدراك مشاغل المجتمع بالتحاور مع الجماهير والاستجابة إلى مطامحها المعقولة.

وبذلك كله يكتسب الرأي العام مزيدا من الوعي من خلال التعرف على الشئون العامة والإسهام في اتخاذ القرار على المستوى المحلي.

2 - التطور المؤمل في الحياة الاقتصادية:

النشاط الاقتصادي في البلدان المصنعة أصبح مرتبطا أكثر فأكثر بخدمات الاتصال ولم يعد خافيا على أحد أن منزلة قطاع الإعلام والاتصال في الحياة الاقتصادية قد تضاعفت عشرين مرة منذ بداية هذا القرن.

واليوم قد آن الأوان للاستخدام التجاري لشبكات الكابل التي أصبحت بمنزلة جهاز إنتاج حقيقي في الدورة الاقتصادية. وقد أثبتت التجارب أن المجموعات المالية التي توظف الأموال أكثر من سواها في مختلف قطاعات الاتصال، هي التي تحتل المراكز الأولى من حيث المردودية والأرباح في بلاد مثل الولايات المتحدة.

ومع تطور وسائل الأعلام الحوارية ، فإن آليات الإعلام الاقتصادي ستقيم الدليل مرة وأخرى على أهمية مداها وتأثيرها، فهذه الأجهـزة التي لا تقتصر على الإعلام في اتجاه واحد، ستمكن من تغيير الحاجات والسلوك لدى المستهلكين والمنتجين على حد سواء.

ومن ناحية أخرى فإن رغبة المؤسسات في التصدير وفي تأكيد حضورها في الأسواق الدولية، سوف يضفي علي وسائل الاتصال، إبعادا لم تكن معروفة حتى الآن وأن النتائج المرموقة التي سجلتها بعض البلدان الأسوية في مجال تصدير الخدمات عن بعد لأحسن مثال لتوضيح أثر هذه الوسائل الحوارية في تبليغ المعطيات والمعلومات .

وتدل بعض الدراسات المقارنة على أن البلدان الآسيوية يمكن لها بفضل توافر العوامل اللغوية والثقافية الملائمة كسب فوائد كبيرة من العمل عن بعد ومن تصدير خدمات رفيعة الجودة بأسعار لا تقبل المنافسة في باريس أو في تايوان.

3 - التطور المؤمل في مجالات التربية والتكوين:

إن الاحتلال في التوازن يتزايد يوما بعد يوم في كل البلدان النامية بين الحاجات والإمكانات المتوافرة في مجالات التعليم والتدريب المهني وأصبحت نسبة 6% من الناتج الداخلي الإجمالي التي تخصصها بعض البلدان للتربية غير كافية بالمرة، وتقتضي تلبية الحاجات مضاعفة هذا الجهد أي تخصيص 12% لإدخال وسائل تربوية جديدة والاستجابة لرغبات العدد المتزايد من المتعلمين .

ومثلمـا هو معلوم، فإن الأنظمة التقليدية للتعليم والتربية تقتضي وحدة في المكان ووحدة في الزمان ووحدة في التنشيط ووحدة في النسق وينبغي على كل دارس أن يخضع لها جميعا . وهو ما يترتب عنه تصلب في أجهزة التعليم وتكاليف إجمالية وفردية باهظة، وذلك ما يبرر الحاجة إلى تطوير أنظمة التعليم في كل المستويات بالإقبال على التلفزيون التربوي والإكثار من وحدات التدريب عن بعد.

والطلبة العرب الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى اجتياز حدود بلدانهم بحثا عن مقعد في إحدى المؤسسات الجامعية، سيسعدهم التمتع بالمحاضرات التي تبثها الجامعات مباشرة بواسطة الأقمار الصناعية والتحاور مع بلدانهم عبر الشاشة مع كفاءات علمية ذائعة الصيت.

واعتبارا لتصاعد عدد الدارسين، فإن تكاليف التعليم عن بعد ستكون أقل بكثير من التي نعرفها اليوم، في مستوى المدرسة النظامية، وقد لا تتجاوز نسبة 50 % في بعض البلدان المصنعة، وذلك إضافة إلى الاقتصاد الذى يحصل من عدم إنشاء المبيتات والمطاعم الجامعية وتوفير وسائل النقل العمومية.

ومع ذلك فإنه ينبغي التساؤل عن تكلفة نظام التعليم عن بعد في البلدان العربية وهل هذا النظام قابل للمنافسة بالدرجة التي هو عليها في البلدان المصنعة؟ والجواب عن ذلك هو: نعم ، إذا ما توافرت الشروط التالية:

- أن يتحمل التعاون العربي أو الدولي تمويل نفقات الاتصال عن بعد (نقل مباشر للدروس الجامعية) بالصوت والصورة، الخ.

- أن تشرف المنظمات العربية مثل اليكسو، والدولية مثل اليونسكو على إنشاء الشبكات الملائمة لتكثيف التبادل بين الجامعات.

- أن تمول مؤسسات الدولة بالتعاون مع الجمعيات الخيرية، ورجال البر والإحسان التجارب الأولى التي يقوم بها القطاع الخاص في مجال التدريب عن بعد.وأبعد من ذلك فالمسجل في مستوى الأبحاث هو الدعوة إلى إعادة النظر في النظام الحالي للتعليم في كل المجتمعات وتعريضه بنظام آخر يكون أكثر تلاؤما مع مقتضيات القرن القادم، وهو نظام " شجرات المعرفة.

ففي هذا النموذج، يصبح التعليم مكيفا بحسب الطلب، وبإمكان الدارس أن يتعلم ما يشاء ومتى يشاء وحيث يشاء وذلك بتقسيم الشهادات في وحدات مستقلة. أما الدارسون فلا يتم انتقاؤهم مبدئيا، بل إنهم يقيمون ذاتهم قبل تحديد المشروع الذي يرغبون فيه حسب المناهج التي يختارونها.

وفيما يخص التكوين المهني ، فإن نظام شجرات المعرفة يمكن من إدارة شاملة للرأسمال المعرفي فهو يساعد على تعبئة أفضل للكفاءات، وعلى إيجاد نظرة استراتيجية أوسع لتطور حاجات التنظيم، وعلى تقييم اشمل لمختلف أنواع التكوين، وعلى إقامة اتصال امتن بين المؤسسة والمحيط. إلا أن هذا النظام الجديد لا يعطي مفعوله الكامل إلا بمنهجية التعليم عن بعد والتكوين الحواري إذ أنه يقتل اللجوء إلى أشكال متعددة من وسائل الإعلام، وإلى شبكة عريضة للاتصالات بين العدد الوافر من المراكز الفرعية.

ومن هذا المنظار، فإن " الطرق السريعة للأعلام " تحتوي على قدرات كبيرة لتبادل المعرفة من وراء الحدود وبالتعاون مع شركاء عرب وعالميين.

4 - التطور المؤمل للثقافة والإبداع الفني:

ومن جهة أخرى، فبإمكان المواطن الذي يشاهد التلفزيون، أن يحصل على العديد من المعلومات في مجالات العلوم والجغرافيا والتاريخ وغير ذلك، كما بإمكان المشاهد، أن يسافر حول الأرض عن طريق الشاشة، وأن ينمي ما لديه من تصورات حول هوية الأمم الأخرى، وأن يحصل على معلومات دقيقة بشأن العصور القديمة أو استشراف المستقبل.

كما أنه لا يمكن لأحد أن ينكر اليوم تأثير الصورة ، فبإمكانها أن ترسخ في نفسية الفرد دونما حاجة إلى دعمها بالكلمات أو بالحركات وهي بذلك تمثل سندا قويا للبحث العلمي، فقد أكد العالم " اينشتاين " أن عمله الإبداعي في الرياضيات كان فكرة تصورية لا دخل فيهـا للكلمات أما " موزار" فقد كان قادرا حسب قول جيلو غور فلاس على تصور قطعة موسيقية كاملة خارجة عن ضغط الزمان، وهذان المثلان يعطيان فكرة عن الآفاق العجيبة التي يمكن أن تتيحها الصورة الخيالية المتكيفة للعلم والإبداع الفني.

فبواسطة الشبكات الحوارية، يمكن للبحث العلمي أن يجد مجالا ملائما في البلدان العربية التي بدأت تسهم بحق في تطويره عالميا عن طريق هجره الأدمغة في المجالات المتعددة.

إن مختلف هذه التطبيقات الحوارية يمكن أن تتسع وتتطور لتشمل قطاعات أخرى من الخدمات مثل الطب عن بعد، والتصرف الإداري عن بعد، والترفيه عن بعد.. الخ. وفي ذلك امتيازات واستفادات كبرى لا تحصى ولا تعد.

وبصفة منطقية، فإن البلدان العربية بإمكانها الحصول على منافع ملموسة من الطرق السريعة لم للإعلام ولكن من حقها كذلك أن تتساءل، وبطريقة مشروعة، عن مدى ملاءمة بعض المبادرات بشأن ؟ العديد من القضايا الحساسة.

 

مصطفى المصمودي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات