مساحة ود.. خواطر في العيد

مساحة ود.. خواطر في العيد

بعد العيد.. ماذا علينا لو استلّلنا لحظاتٍ من زحمةِ الحياة تأملنا فيها أنفسنا من الداخل وكشفنا عن دواخل القلوب وبواطن النفوس التي بتنا ماهرين في إخفائها وتمويهها عن الآخرين؟!

لحظةُ تأمُّل صغيرة ووقفة مراجعة ذاتية صادقة نبدأها بالسؤال: ماذا فعلنا العيد الماضي؟ هل تعمّقنا في معناه ومفهومه الروحي الشامل والرسالة التي يحملها؟ هل أمدّنا بطاقة إيجابية قادرة على التغيير الذاتي والقدرة الصادقة على العطاء غير المشروط بواجب اجتماعي وعلى الإحساس بالتعاطف مع الآخر المحروم ؟

هل نترك له مثلاً أن يؤثر إيجابيا في العقليةِ الاستهلاكية المتأصلة لدى الكثيرين منا تلك التي تدعونا لإثقال كواهلنا وإرهاق ميزانيتنا بتكاليف يمكن دائماً تقليصها وتنظيمها، بدلاً من استنزافها في شراء الحلويات والمبالغة بالعيديات إذ أن الأغلبية لا تفعل ذلك من قبيل الرحمة والتعاطف الموسمي بل من قبيل الاستعراض والتفاخر؟! بعض النساء لا يرين الأشقاء مبتسمين مجاملين في بيوتهن إلا في موسم العيد، ثم يغادرون على عجل بحجة تأدية الواجبات العديدة، المرأة بحاجة إلى الدّعم والمؤازرة والمحبة الصادقة والعطاء الحنون ليس في موسم الأعياد بل في كل المواسم.

هل نترك للعيد أن يؤثر في العقلية التجارية التي تقيس الحياة بمسطرة المادة الربح والخسارة حين نترك لهذه العقلية الجامدة أن تنسحبَ على علاقتنا حتى بأقرب المقربين منا, فنسقطُ من حسابنا من لا نتوقع منهم فائدة تُرجى على المدى القريب?!

هل يؤثر في العقلية المحايدة واللامبالاة التي يتحصّن خلفها الكثيرون منا.. فلا يتعاطف مع الآخر ولا يحسُّ بالقريب ولا يتأثر بما آلَ إليه حال أخيه من منطلق أنّ لكلّ همّه ومشاغله في الحياة فلا تكون لقاءات العيد إلا مجاملات أبعد ما تكون عن الصدق والحرارة والإحساس؟!

لو راجعنا سلوكياتنا في العيد الماضي وتساءلنا سؤالاً ينتظر إجابة صادقة: هل ضميرنا صافٍ وراضٍ عن أنفسنا وعمّا نقترفه خلال العام تجاه كل من حولنا؟ هل العيد فرصة موسمية للتواصل والتلاقي أم بات مجرد روتين وتقليد ومواسم مفرغة من معناها الإنساني ومدلولها ومضامينها المنطوية على قيم الرحمة والتواصل والمحبة الأخوية، وهل مراجعتنا الدورية للعيد هي مجرد كشف حساب لما تكبّدناه من مصاريف ساهمنا في المبالغة فيها؟ فهل بات العيد اليوم عبئا ثقيلا أم مجرد مظاهر فرح زائفة؟ّ

لماذا نصرّ على التنافس والتباهي بتقديم أصناف من الحلويات تفوقُ قيمتها ودرجة تنوُّعها قدرتنا الاقتصادية وطاقتنا الشرائية ونظلم الآخرين ونجرّهم لاقتراف هذا الأمر في حق ميزانية عائلاتهم للدخول في حلبة سباق غير عادل وما يعقب ذلك من مشكلات وضيق؟ أليس العيد فرصة للاحتفاء بالحياة والتواصل وإبلاغ رسالة محبة وعنوان تصالح مع الحياة والناس ودوام مودة وصلة قرابة؟.. فهل نحسن استغلال أيام العيد لإرساء دعائم المحبة وتأصيل روح الأخوة بين المقرَّبين والتغلب على المشكلات والخلافات العائلية التي مهما كبرتْ تظل صغيرة وتافهة في خضم حياة صعبة وشاقة على الجميع.. ألا يستحق الأمر أن نحاول استلال سويعات أخرى من سلة الوقت الفائض لدينا خلال العام في زرع بذور محبة وتصالح وأخوة وإحساس بيننا وبين الآخرين؟

خواطر تحوم في أفق نفسي.. أن نجعل من العيد فرصة حقيقية لتصفية القلوب والضمائر ومحاسبة النفس!.

 

 

 

حنان بيروتي