عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

صورة موزاييك.. لكنها مفتتة!

حين يتأمل زائر أي أثر إسلامي لوحات الموزاييك على الجدران الناطقة يتعجب كيف اتحدت هذه القطع الصغيرة غير المتساوية، والمختلفة ألوانها، لتقدم لوحة ذات تجانس فني تخاطب البصر والبصيرة معاً؟!

عالمنا بإمبراطورياته الضخمة، التي سادت وبادت، وتلك التي ستسود وتبيد، بكياناته الصغيرة، ودوله المتعددة، بقومياتها المتباينة، وألسنتها العربية والأعجمية، وبشراتها التي تشبه باليتة الرسام، هذا العالم الكبير، هو لوحة موزاييك. وبيدنا نحن سكان الكرة الأرضية أن نخلق تجانسها، وألا نعزز تفتتها وتشظيها وتنافرها.

لكن الحقيقة غير ذلك، خاصة في عالمنا العربي وأمتنا الإسلامية، إذ يقول رئيس التحرير في حديثه الشهري إنه بالرغم من كل الصراعات التي شهدها العالم على مدى العقدين الماضيين فقد أثبتت العولمة أن الهويات القومية لن تندثر، بل بإمكانها أن تتناغم في إطار حياة مشتركة يتعايش فيها العالم بحيث تصبح العولمة دعوة للتعايش، وأن هذه التعدديات الثقافية هي التي تشكل المجتمع العالمي الذي يجب ان يسوده السلام. فأين نحن من هذه الصورة؟ في عراق يشهد فتنا طائفية أشعلته تحت مظلة ديمقراطية مزعومة، وفلسطين منكوبة تتصارع فيها حماس مع منظمة فتح، ويمن أشعل الحوثيون نيران الصراع المذهبي فيه بين ليلة وضحاها، وأفغانستان تتصارع فيها قوتان مدنية ودينية متشددة، وباكستان تتمزق وصومال يتشظى بفتنة العصابات والقراصنة، بل أدت مباراة في كرة القدم بين مصر والجزائر قبل شهرين إلى إشعال شرارة نزاعات قبلية وشوفينية انتقلت من جمهور عنيف في سلوكه إلى أزمة سياسية بين البلدين.

في موزاييك هذا العدد من «العربي» الذي نريده متجانسًا نحاول أن نضع الصورة كاملة، من المحيط إلى الخليج، إبداعًا وفكرًا، دون أن نغفل حقنا في قراءة العالم، الأدبي والفني والاقتصادي والاجتماعي. فحوارنا مع المفكر المغربي كمال عبداللطيف يستدعي أسباب الوهن العربي، واستطلاع العدد في قبرص يبحث في تلك الهوية المنشقة داخل قبرص جزيرة الألم والأمل، وملفنا لمطلع العام يقرأ أدب هيرتا مولر الفائزة بنوبل هذا العام، تلك التي عانت النفي اللغوي والبدني، وصفحات العدد تستحضر صوراً ـ من الشرق والغرب ـ وأحداثا ـ من التاريخ والواقع ـ وآمالا في المستقبل لكي تكون هناك صورة ناطقة.

تقول هيرتا مولر : «لقد كان لدي دائما ما يكفي من المشاعر لأحمي الآخرين، ولكن ليس لدي ما أحمي به نفسي من سوء المصير»، والحقيقة أن حماية الذات - من المخاطر المحيقة والمشكلات المحيطة - هي أولى درجات سلم حماية الآخر.

 

 

المحرر