عزيزي العربي.. الأندلس... سراييفو وقصة الحضور العربي

عزيزي العربي.. الأندلس... سراييفو وقصة الحضور العربي

في استطلاع مجلة العربي للعدد 610 (سبتمبر 2009), قرأت باهتمام ما احتوته المشاهدات الميدانية وما تضمنته ملاحظات موفد العربي إلى ذلك البلد الحالم على ضفاف الأدرياتيكي, عَلْيِِ أنال معرفةٍ بأحوال المسلمين في تلك البقاع البعيدة عن الحواضر العربية والإسلامية, وعن الهموم والقضايا التي يدور عليها فلك الأحداث هناك, ولا غلو إن قلت إن ما جال في خاطري بعد أن قرأت الاستطلاع يتباين مع ما فيه من قبل, فللبوسنة والهرسك ميزتها في المجتمع الأوربي وامتيازاتها كذلك, فالمسلمون هناك يمثلون القسم الأعظم من السكان, الأمر الذي يمكن من خلال الاهتمام بوسائل التواصل الخلاق في مجالات - الثقافة والفنون والآداب والتاريخ أن يترك انطباعا أوضح عن العرب والإسلام وقضاياهم في تلك المجتمعات التي لم يتمكن التطرف الديني من وأد نبض الحياة فيها وإخماد روح التعايش السلمي ومنتجاته الثقافية والاجتماعية والمعرفية, خاصة وان الشعب البوسني يتوق لمثل هذا الاتصال أو التواصل العربي وهو ما لمسته مباشرةٍ خلال زيارتي في عام ( 2008 ) لجمهورية سويسرا الاتحادية ولقائي بعدد من مواطني البوسنة هناك ممن يعملون في القطاعات الصناعية في ذلك البلد.

ولعل للعمل الجاد والمتواصل من قبل دول عربية معروفة بمواقفها الحضارية والإنسانية المشرفة خلال وبعد الحرب العرقية الأخيرة التي خاضها شعب هذا البلد دليلا على مثل هذا التواصل البناء، إلا أن الأمر يجب أن يتعدى مجرد فتح القنصليات والنصب التذكارية، ومجرد البقاء مراقبين لتطور الأحداث والأدوار التي تحددها سياسات الدول فيما يتعلق بمقدار وجود الهوية الإسلامية في هذا البلد الأوربي أو ذاك، والعودة إلى الذات الثقافية العربية التي لم تتمكن نتيجة الدكتاتوريات العسكرية التي أمسكت بزمام القيادة في اغلب الدول العربية - من تجاوز عقد الماضي وتبعاته التي لا تنتمي إلى عهود الاستعمار العثماني للأراضي العربية فقط, بل إلى مجموعة من عوامل القصور الذاتي في الثقافة العربية المعاصرة الموسومة بالفردانية، في الوقت الذي تسعى فيه الثقافات الحداثية إلى تخطي أطر التعصب الوطني والقومي، الذي أرهق حاضر الأمة وأضاع فرصا عديدة من الانفتاح على الأخر.

ولو أن العرب انتبهوا إلى هذا المجال لما وصل الأمر لهذه المديات من الجفوة والعزلة بيننا وبين الثقافات الأخرى والأوربية منها على وجه الخصوص, وعلى الرغم من خروج البوسنيين حديثا من طوق المعسكر الاشتراكي ودخولهم في حرب عرقية وخروجهم منها مثخني الجراح, تلك الأحداث التي أعادت للذاكرة العربية مأساة محاكم التفتيش وما جرى على العرب وغيرهم من المسلمين في الأندلس, الفارق الوحيد بين الحالتين هو انسحاب العرب إلى الضفة الأخرى من المتوسط وسقوط غرناطة, وصمود البوسنيين واحتفاظهم بمرتكزات هويتهم في وسط أوربا، إن قوة الثقافات اليوم تتحدد بمقدار انفلاتها من حلقة العزلة والحدود المحلية وتأثيرها في حركة ميادين ومحاور ثقافية أخرى قد لا تنتمي إلى نفس الأسس والمناهج المكونة للحالة الثقافية فيها، فما بالك ونحن نمتلك في البوسنة والهرسك أكثر مما نتوقعه نحن اليوم من بعض الدول العربية من جهة الانفتاح وإمكان تأسيس البرامج والمحطات ونقاط التلاقي والتواصل حتى وان لم تكن تلك الجمهورية تنتمي إلى الخارطة الجغرافية لبلاد العرب.

وذلك أنسب وأليق لحاضر الثقافة العربية ومستقبلها وبديل حضاري يتناسب مع دور العرب كأمة، أمكنها لعب هذا الدور من التواصل بين الثقافات والحضارات في وقت مبكر جدا من تاريخ الإنسانية ولعل الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية والإسلامية في هذا المجال والذي يتناسب مع حجم النضج السياسي الذي تتوفر عليه القيادات في البلدان العربية، يكون أثره الاقتصادي والسياسي اكبر إذا ما شاركت في إعادة البناء الذي يسعى البوسنيون إلى استمالة رؤوس الأموال للاستثمار في بلدهم وإيجاد فرص اكبر للنمو الاقتصادي، ولتكن خطة مارشال التي أعادت الحياة لأوربا بعد الحرب العالمية الثانية وأثرها على القرار السياسي والاقتصادي في هذه القارة دليلا يلتمس العرب من خلاله طبيعة العناصر المكونة للمعادلة الجديدة في العلاقات الدولية، خاصة ونحن في مسيس الحاجة إلى مركز تأثير داخل الاتحاد الأوربي القوة الاقتصادية الناشئة والأكثر تفهما للقضية المحورية العربية، والأقل انسياقا مع طموحات الكيان الصهيوني الغاصب، وللعرب اليوم أن يختاروا بين البقاء في حيز السكون وبين التأثير في مصادر القرار الأوربي خاصة في السياسات التي ستتبناها تلك الدول بعد انتهاء الأزمة المالية العالمية وظهور علاقات إنتاج جديدة تتوافق مع المصالح العامة لجميع للدول ، ولـ «العربي» دوام الموفقية والتسديد خدمة لقضايانا العربية.

حسين جويد الكندي- العراق

  • ووجهة نظر أخرى

اطلعت في مجلة العربي العدد 610 (سبتمبر 2009م) على الاستطلاع الوارد عن البوسنة والهرسك بقلم إبراهيم فرغلي.

وقد كنا نأمل أن نجد في هذا الاستطلاع فكرة واضحة عن تاريخ هذا البلد ولغاته وأديانه وكوادره الثقافية والعلمية وعن جامعاته وما سبب تلك الحرب ولو إشارة.

لم يشر الكاتب إلى شيء من ذلك إلا لماما.

كان الأولى به أن يلتقي ببعض العلماء وأساتذة الجامعات ليتحدثوا عن الواقع الاجتماعي والعلمي بدلا من الإشارة لبعض الفنانين وعارضات الأزياء والتحدث عن أسبوع الموضة في البوسنة والسينما كما لم يشر إلى دعائم التكنولوجيا كالصناعات والشركات والقنوات التجارية مع العالم الخارجي وخاصة أوربا وبدلا من ذلك أسهب في الحديث عن المقاهي والفتيات الرشيقات والكهول المتقاعدين ومما ذكره (وعبر مشروعات تديرها عارضات محترفات...) لم يقل لنا فرغلي عن حقيقة تلك المشاريع التي يتحدث عنها باهتمام وكان بودنا أن يتحدث عن مشاريع تنموية وحيوية علمية أو اقتصادية لهذا البلد الصاعد، ومن المعروف أن البوسنة توفد الطلاب إلى الدول العربية كمصر وسورية ودول الخليج لدراسة علوم العربية.

أما الحرب التي لم يتجاوز الإشارة إليها فقد كانت تحت مرأى ومسمع العالم وبوجود قوات الأمم المتحدة التي لم تفعل شيئا ولم تتدخل إلا بعد قرابة ثلاث سنوات حيث وضعت - أي الحرب - حسب تعليق رئيس البوسنة علي عزت بيغوفيتش «ديمقراطية العالم على المحك ومنظمتها الحاضرة الغائبة» من كتاب علي عزت بيغوفيتش سيرة ذاتية للدكتور عبد الله بشناق ورامي جرادات نشر دار الفكر بدمشق 2004م.

وجدير بنا أن نستمع إلى تقرير شخصية قريبة من هذه الأحداث وهو المفكر الألماني مراد هوفمان الذي كان عضوا عن بلاده في حلف الأطلنطي في كتابه : الإسلام في الألفية الثالثة صفحة 86 الطبعة الثالثة لدار الشروق قائلا: «هل يمكن أن يتخيل المرء أن الغرب ما كان ليتدخل منذ عام 1992م في البوسنة - ويتدخل بقبضة حديدية لو كان الصرب هم المسلمون وأذاقوا البوسنيين الكاثوليك ما أصاب البوسنيين المسلمين فعلا؟

وهل كان من الممكن أن يسمح الغرب بمجازر كالتي وقعت في سربرينتشا وجيبا؟ وهل كان الغرب سينتظر في هذه الحالة حتى يتم قتل 200 ألف بوسني وطرد 3ملايين منهم؟ وهل كان الغرب سيسكت على اغتصاب عشرات الآلاف وهدم 100 ألف مبنى بينها معظم الإرث المعماري للبلد المسلم».

ويتابع: «هل كان من المعقول أن يستمر الصراع 3 سنوات في هذا البلد المسلم وهو يعاني الفظائع وجرائم الصرب من قتل واغتصاب وأعمال سلب ونهب ولا يتدخل الاتحاد الأوربي إلا بعد مضي هذه السنوات أي في 30 أغسطس 1995م أي تاريخ بدء هجمات حلف الأطلنطي.. ويصف هوفمان التدخل بأنه «كان سياسيا لا إنسانيا».

أردت الإضافة والتنبيه ولكم الشكر الجزيل بنشر تعقيبي.

عبد الباقي أحمد خلف
الحسكة - سورية

  • تعليق ورد العربي:

القارئ العزيز.. بداية نشكر لك تعليقك على موضوع الاستطلاع المشار إليه والملاحظات التي أوردتها، لكننا نود لفت انتباهك إلى عدد من الملاحظات المهمة حول الموضوع:

أولا: هذا هو الاستطلاع المصور الثالث الذي تجريه «العربي» في منطقة البوسنة والهرسك، فقد نشرت «العربي» استطلاعا في العدد 466 (سبتمبر 1997) بعنوان «سراييفو استنفار الذاكرة» كتبه الدكتور محمد المخزنجي، وفي العدد 563 (أكتوبر 2005)، نشرت «العربي» تحقيقا بعنوان «البوسنة والهرسك نار تحت الرماد» كتبه إبراهيم المليفي في الذكرى العاشرة لانتهاء الحرب.

وقد تضمن الاستطلاع الأول كل التفاصيل المتعلقة بالحرب والمذابح التي تعرض لها مسلمو البوسنة على أيدي الصرب، والتقطت عدسات «العربي» مظاهر الدمار والخراب، ووثقت آثاره، في المباني والأسواق وغيرها، أما الاستطلاع الثاني فقد استهدف تأمل أحوال البوسنة بعد عشر سنوات من الحرب، وتسليط الضوء على العديد من الجوانب الثقافية الخاصة بترجمة القرآن الكريم من البوسنة، ومحاورة رئيس هيئة العلماء حول التسامح لدى أهل البوسنة ودور المشيخة البوسنية في نشر التسامح الديني الإسلامي في أوربا إضافة إلى إلقاء الضوء على اتفاقية دايتون، التي تم بموجبها وقف إطلاق النار ومدى تحيزها للصرب وإعاقتها للتقدم السياسي والاقتصادي في البوسنة عبر لقاء الدكتور حارث سيلادزيتش، كرئيس حكومة سابق آنذاك، وهو الآن رئيس مجلس الرئاسة البوسني.

بالتالي فإن الاستطلاع الذي أجري أخيراً راعى كل ذلك، وكان علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، تجنبا للتكرار، وأيضا لإظهار الحياة اليومية الجديدة في البوسنة اليوم حيث اختفت آثار الحرب، وكيفية محاولات الأجيال الجديدة (مسلمين وصربا وكروات) في التعايش وتجاوز مآسي آبائهم التي لا ينكر أحد مدى بشاعة ما اقترف خلالها الطرف الصربي ضد المسلمين.

وبالتالي فكل ما أشرت إليه عن تاريخ الحرب والمذابح قد تم تناوله بالتفصيل مسبقا، كما أنه، ووفقا للاستشهادات التي أشار إليها محرر «العربي» في الاستطلاع المذكور، تمتلئ به كتب التاريخ، لكن هدف هذا الاستطلاع كان يتركز على الحياة اليومية للبوسنيين اليوم، والدور الذي تلعبه البوسنة اليوم كمركز إسلامي أوربي، ودورها كنموذج يقدم دولة أوربية إسلامية عقلانية تعلي من شأن قيم التسامح، ثم استكشاف الاستعدادات المبذولة للتأهل للانضمام لعضوية الاتحاد الأوربي.

لذلك أُجريت حوارات مع نائب رئيس هيئة العلماء في مشيخة البوسنة، وعميد كلية الدراسات الإسلامية، وأساتذة في القانون وفي الشريعة والفقه إضافة إلى مفتي وسط البوسنة، والمفتي السابق للمنطقة نفسها، في حضور راهب الكنيسة التي تضم أهم وثيقة تسامح وهي وثيقة العهد التي تكشف الجانب الإسلامي السمح العريق في تلك المنطقة، كما التقت العربي بعض طلبة الجامعة، ومستشار رئيس الخارجية أدهم باشيتش الذي أوضح تعقيدات اتفاقية دايتون، ووزير الثقافة والرياضة جابرييل جراهوفاتس، إضافة إلى وزير الخارجية السيد سفين الكلعي الذي أفاض حول راهن الاقتصاد والسياسة البوسنية اليوم استعداداً للاتحاد الأوربي. كما زرنا عددا من المدن وبعض المشروعات العلاجية كما أشرنا الى مشروعات توليد الكهرباء كمصدر أساسي الآن في أوربا، ومشروعات التعدين باعتبار البوسنة أحد أبرز دول جنوب شرق أوربا امتلاكا للثروات المعدنية، ثم السياحة والثقافة، والفنون عبر تسليط الضوء على مهرجان شتاء سراييفو والنهضة السينمائية والموسيقية في سراييفو وصولا لعروض الأزياء، وهذا هو وجه البوسنة الآن وهنا، أما التاريخ فموجود في الكتب.

  • الهرم الرابع

تحية واحتراما, وبعد..

قرأت مقال الأستاذ د. سليمان إبراهيم العسكري الجزيل الاحترام وما كتبه عن معرض «الهرم الرابع» العدد 610 (سبتمبر 2009) احتفاء بكوكب الشرق السيدة أم كلثوم. ويسعدني أن أشارك بحضور هذا المعرض المميز بمقطع من قصيدة عنوانها «أم كلثوم» طالباً نشرها في مجلتكم الغراء. ودمتم ولكم الشكر كله والامتنان.

أم كلثوم

كوكبَ الشرقِ اطمئني
في سماوات الخلودِ
لم يزل صوتُكِ نوراً
عابراً كلّ الحدود
رائعاً في كلّ قلب
خالداً مثلَ الشهيدِ
عنفوانٌ واعتزازٌ
ورسالاتُ كرامةْ
وأداء عبقريّ
فيه سحرٌ ورخامةْ
وحده يبقى ويحيا
صادِحاً يومَ القيامة

وديع سمعان
اللاذقية - سورية

  • إبداعات «العربي»

يشرفني أن أضع بين يديكم هذه السطور لأعبّر عن صدق مشاعري وخالص حبي وتقديري لمجلتنا «العربي» التي رافقتني على مدار عشرين سنة، عايشت معها أحداثاً كثيرة واستمتعت بجولاتها في ربوع العالم وعرفت من خلالها كتّابا مرموقين وأدباء وشعراء ومبدعين، وتذوقت مع «العربي» فنوناً عديدة من الإبداع، واستفدت من خبرات وتجارب الكثير ممن ساهموا في جعل «العربي» الرائدة دائماً وجمعت رؤى وطموحات وآمال الكثير من أبناء الوطن العربي والعالم الإسلامي، ورصدت كل ما يحدث من حولنا في هذا العالم. نعتبر «العربي» إحدى الوثائق المهمة التي نرجع إليها بين الفينة والأخرى، ونصفها ككتاب وليست مجلة، ونراجع من خلالها أحداثا تمت في الماضي. إلى الأمام دائما يا مجلتنا الحبيبة مع إبداعات جديدة نكتشف من خلالها ما هو مفيد يدعم مسيرة الثقافة والفكر والمعرفة في وطننا العربي الكبير.

أعطت «العربي» انتعاشة دائمة للمفكرين العرب ودعمتهم من خلال إبراز نتاجاتهم الثرية في صفحاتها ودونت كل ما يستحق النشر وستطل تحتضن كتاباتهم الخلاّقة. وبما أنني قارئ نهم فإن «العربي» هي إحدى وجباتي الشهرية الدسمة التي تحوي شتى صنوف الفكر والمعرفة بمذاقات مختلفة تضفي على «العربي» طابع الإمتاع. كلما كانت المواضيع المطروحة ممتعة وشائقة زاد إمتاع «العربي» لقرائها. بعد سنوات طويلة من القراءة والاطلاع والمراجعة في صفحات «العربي» وددت أن أعبر عن هذا الشعور المليء بالمحبة الذي هو دلالة على مدى الاستفادة التي حصلت عليها وكبرهان على تواصلي الدائم طوال هذه السنين من إبداعات «العربي».

ماجد الوهيبي
مسقط - سلطنة عمان

  • عيد الميلاد (قصة)

كلما ودعنا عاماً مسافراً واستقبلنا عاماً جديداً يزور الحزن بيتنا ونفتح الجرح أبوابنا ويسكن الألم في قلوبنا كطائر أليف ويجري الدمع في مآقينا كنهر يروي أرضنا.

كلما خطا عام جديد من بوابة الزمن يحاصرنا الخوف ويطاردنا شبح المجهول ويطل الماضي علينا من نوافذ الذكرى.. أيامنا طواها الماضي.. أحلامنا ضاعت.. أمانينا انهارت تحت الأنقاض.. طعنتنا الحياة.. أدمت قلوبنا الجريحة.. اغتالت فينا البراءة..أجهضت جنين الفرح فينا.. أحبطت آمالنا..قتلت كل المعاني الجميلة. قيدت خطانا.. تعثرنا في دروبها.. تهنا عند مفارق الطرق وأنا وأنت كطائر جريح حائر بين البحر وبين الشطآن.. مازلنا يا صديقي نقف منذ أعوام بلا حراك كتمثال في قلب الميدان..مازلنا نقف والحياة تسرع الخطى وقطار العمر يمضي بنا في سرعة جنونية.. عندما تدق أجراس الزمن وتسقط الورقة الأخيرة من أوراق العام.. عندما ينتصف الليل لن نطفئ الأنوار.. لن نلقي بالزجاجات الفارغة من الشرفات.. لن نلتف حول شجرة الميلاد.. لن نردد معاً أغنية الميلاد ونتبادل التهاني ونفرض أشرعة الأماني.. لن نصفق ونهلل.. لن نراقص الحسناوات على أنغام موسيقى الديسكو.

عندما يغرق العام المسافر في بحر الماضي ويطلق العام الجديد صراخه كطفل وليد لن نشارك هذا العالم فرحته بلحظة الميلاد.. لن نرتكب معه هذه الجريمة النكراء.. نرفض هذا العالم الأحمق الذي خلع رداء الحضارة ووأد الإنسانية وعاد لعصر الوثنية.. نرفض هذا العالم الماكر الذي يشعل فتيل الحرب في الصباح وعند منتصف الليل يضيء شموع الميلاد ويحتفل بقدوم العام الجديد.. الضحايا تئن وتبكي والعالم يرقص ويغني! نرفض هذا العام الذي ينثر بذور الشر ويرتدي أقنعة السلام.. نرفض هذا العالم الزائف الذي يرفع السلاح بيد ويمسك غصن الزيتون بيد.. عالم بلا قلب وبلا ضمير.. نرفض هذا العالم الوحشي الذي شغله الاحتفال بالعام أكثر مما شغلته إبادة المسلمين في فلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها من البلدان الجريحة.. نرفض هذا العالم الحاقد الذي دخل من بوابة القرن الجديد ساخطا على الأمان.. ناقماً على السلام.. نرفض هذا العالم المعتوه الذي يتجول في الشوارع عارياً تكشفه عوراته.. وتفضحه وحشيته.. نرفض الانتساب إلى هذا العالم الكئيب.. نرفض أن نكون جزءاً من تكوينه.. نرفض قبحه وزيفه وخداعه.

صلاح الدين حسن موسى
الإسكندرية - مصر