المفكرة الثقافية.. دراسات الحضارة الأندلسية بجامعة الخرطوم

المفكرة الثقافية.. دراسات الحضارة الأندلسية بجامعة الخرطوم

نظم قسم التاريخ بجامعة الخرطوم أخيرا ملتقى حول دراسات الحضارة الأندلسية بالتعاون مع الملحقية الثقافية بالسفارة الإسبانية بالخرطوم وعدد من الجامعات الإسبانية، برعاية بروفيسور إبراهيم أحمد عمر وزير العلوم والتكنولوجيا بحضور سفيرة المملكة الإسبانية ماريا تريزا ومدير جامعة الخرطوم بروفيسور مصطفى إدريس البشير ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بالجامعة د.الفاتح الزين وعدد من المهتمين. أعرب البروفيسور إبراهيم أحمد عمر عن سعادته بالمبادرة الإسبانية لإقامة السمنار بالتعاون مع قسم التاريخ بجامعة الخرطوم وقال: «قد أحسنوا صنعاً بإقامة هذا السمنار المهم الذي يعد حواراً حضارياً مع الآخر. وهذا يجعلنا نتحاور حضارياً، ونحتاج الى مثل هذا الحوار الذي يحمل في ثناياه الموضوعية والكلمة الطيبة»، وأضاف: «هذا عمل يحتاج إليه كل العالم من أجل الحوار والتلاقح المبني على قيم الحق والصدق والحوار الموضوعي والمنهج العلمي الصحيح».

من جانبه دعا بروفيسور مصطفى إدريس البشير مدير جامعة الخرطوم إلى استقاء عِبر التاريخ من عبور المسلمين مضيق جبل طارق حاملين نور الإسلام لتلك الأصقاع وهذه الحضارة التي كانت فتحاً غرفت من خلاله الحضارة الاوربية من معارف المسلمين. وقالت السفيرة ماريا تريزا: «مازلنا ننظر بغبطة لتلك الحقبة من تاريخ إسبانيا والتي قامت فيها حضارة الاندلس لتكون واحدة من أغنى وأرقى الدول في العالم في ذلك الزمان».

وأكدت السفيرة على الدور الذي لعبته مدن الأندلس مثل قرطبة وطليطلة في إبراز قيم التسامح والحوار مع الآخر وما عكسه السلم والحضارة من تناغم في حياة الناس، مثمنة رعاية جامعة الخرطوم لهذا الملتقى.

وعرّف د. الفاتح الزين، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بالجامعة، بحضارة الأندلس وما بلغته من رقي؛ سيما في مجالات العمران والأدب والفلسفة والفنون، داعيا إلى تسليط مزيد من الأضواء على الجانب المشرق من تلك الحضارة الزاهرة التي شيدها العرب المسلمون هناك.

وأعرب عن أمله أن يكون هذا الملتقى بداية لسلسلة من الدراسات التي تعنى بحضارة وتاريخ العرب في الأندلس، مشيراً إلى اهتمام قسم التاريخ بجامعة الخرطوم بتطوير المستوى الأكاديمي ومستوى البحث العلمي لطلاب التاريخ.

قدمت في الملتقى أوراق عديدة منها ورقة د.تاج السر أحمد حران التي جاءت تحت عنوان «الأندلس وانتقال العلوم العربية إلى الغرب الأوربي»، وتتجلى أهمية هذه الورقة في أنها حملت تحاور الحضارات بعضها بعضاً، إذ أن هذه العلوم كانت البذرة الأولى لنهضة أوربا الحديثة.

وذكر د. حران: إن الأندلس كانت الجسر الأهم في عملية انتقال تلك الحضارة، ذلك لأن الاحتكاك الأوربي بالعرب استمر مع المشرق وصقلية فترة ثلاثة قرون بينما استمر ثمانية قرون في الأندلس في الفترة من 29هـ/117م إلى 798هـ /941م.. وأشار د.حران إلى أن: هذا الوجود العربي لم ينته بسقوط مملكة غرناطة آخر معاقلهم في شبه الجزيرة، بل استمر بعد ذلك متمثلاً في «الموريسكيين» أي المسلمين الذين أرغموا على التنصر وهم الذين بقوا في الأندلس حتى القرن السابع عشر الميلادي، حين اضطروا تحت الضغط المسيحي الى الهجرة إلى شمال أفريقيا، لافتاً إلى جملة أسباب مهدت لان تكون إسبانيا (الأندلس) هي ذلك الممر المهم الذي عن طريقه انسابت العلوم العربية الإسلامية الى الغرب اللاتيني، محدثة فيه تطوراً ثقافياً هائلاً، لعله هو الأساس الذي أتت عليه نهضة أوربا الحديثة، وتقدمها الراهن.

احتوى الملتقى على أوراق عديدة كذلك منها ورقة د.حسن حاج علي حول العلاقات العربية - الإسبانية من منظور سوداني، وورقة د.عادل مصطفى حول صناع التاريخ - أنطونيو قودي نموذجا-، وورقة بروفيسور إبراهيم الحاردلو حول أثر الأندلس في الثقافة العربية وورقة د.ميخل أنجل من جامعة ميجل ثربانتس حول التنوع الثقافي، وورقة د.بدرو ريفاس من جامعة سلمنكا حول العلاقات العربية - الإسبانية، وقد تطرق في ورقته إلى أطروحة تحالف الحضارات كموضوع مفضل للسياسة الإسبانية خاصة مع العالم العربي والإسلامي، مشيرا إلى أن تحالف الحضارات نشأ كمشروع مؤسس رسميا بين الحكومتين الإسبانية والتركية في 2005م وبدعم من الأمم المتحدة وهدفه الأساس أن تنشأ علاقة وطيدة بين العالم الغربي والعالم الآخر.

وأضاف ريفاس أن رغبة هذا التحالف أن يكون حالة وسطية بين كل العناصر الحاضرة الآن في العالم، مشيرا إلى رغبة هذا التحالف في تفادي صدام الحضارات والحيلولة دون نشوء جدار عازل بين العالم العربي والعالم الغربي.

كما قدم خلال الملتقى فيلم وثائقي حول مؤسسة التراث الأندلسي وجهودها للتعريف بالحضارة الأندلسية قدمه البروفيسور خوان مانويل مدير مؤسسة التراث الأندلسي الذي أكد أن المؤسسة تنظم ما تسميه «مسالك الأندلس»، وهو مشروع في شكل مسارات ثقافية وسياحية يقوم بإلقاء الضوء على الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس، مشيراً إلى أن المعارض التي أقامتها المؤسسة زارها أكثر من 6 ملايين شخص في إسبانيا والخارج.

وقال إن أبرز فعاليات المؤسسة كان معرض قرطبة في 2001م ومعرض ابن خلدون عن ازدهار وسقوط الإمبراطوريات وعرض في إشبيلية في ذكرى وفاته، لافتاً إلى أن المؤسسة نشرت أكثر من 70 كتاباً عن الأندلس والعالم العربي.وقال بروفيسور خرونومي موبير إن مؤسسة التراث الأندلسي هي مؤسسة تابعة لحكومة الأندلس الإقليمية وتشارك فيها الحكومة الإسبانية ويتولى رئاستها الشرفية الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا، وتحظى بدعم اليونسكو، مشيرا إلى أن أبرز أهداف المؤسسة هو إبراز قيم الحضارة الإسبانية الإسلامية ونشرها من خلال تجلياتها الفنية والثقافية وعلاقاتها التاريخية مع العالم العربي ودول المتوسط والعالم. وقد صحب أعمال الملتقى معرض حول «الفن المعماري في الأندلس - وثائق للقرن الحادي والعشرين» أعدته مؤسسة تراث الأندلس تعينها بعض الجهات الأخرى وذلك بقاعة المكتبة الرئيسية بجامعة الخرطوم، وقد احتوى المعرض على نماذج من المعمار الأندلسي مثل قصر الحمراء في قرطبة ومعمار مساجد إشبيلية وطليطلة وغيرها.

الخرطوم: محمد خليفة صديق

  • الاحتفاء بالأديب عبدالله الطائي

أقامت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء احتفائية ثقافية بكتاب «تاريخ عمان السياسي» للأديب الراحل عبدالله بن محمد الطائي، الذي صدر أخيراً عن شركة الربيعان للنشر والتوزيع في الكويت في 343 صفحة من القطع المتوسط، ويستعرض الكاتب - عبر خمسة فصول مدعمة بالمخطوطات والوثائق - التاريخ السياسي العماني منذ مهده الأول وعلاقة عمان بدول الجوار، ومقاومة العمانيين للاستعمار البرتغالي، كما يبرز الدور العماني في التاريخ الإسلامي والاستقلال الذاتي لعُمان، والأثر العماني في شرق إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي والتوسع الحضاري للعمانيين في المناطق التي بسطوا عليها نفوذهم.

تضمنت الأمسية التي أدارها الباحث محمد بن سعيد الحجري أربع أوراق، الأولى لمازن بن عبدالله الطائي نجل الأديب الذي تحدث عن ظروف نشر الكتاب الذي وضعه مؤلفه في فترات مختلفة ولم يكتبه دفعة واحدة، والثانية، قدمها أحمد الفلاحي بعنوان «مع عبدالله الطائي»، واستعرض الشاعر سماء عيسى في الثالثة «الثقافة التاريخية عند الشاعر العماني.. عبدالله الطائي نموذجاً»، أما الرابعة فكانت بعنوان «أعمال الطائي والنشر الرقمي»، وقدمها صلاح الحجري.

ويقول أحمد الفلاحي في ورقته: إن الأستاذ عبدالله الطائي أديب كبير شاعر وناثر وناقد وصحفي وهو أيضاً معلم ومترجم وإذاعي. وقد أحرز شهرة واسعة في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه وله صلات وطيدة واتصالات مع الأدباء والكتاب العرب في شتى الأقطار العربية. واستطرد قائلاً: إن للطائي مؤلفات عديدة تزيد على اثني عشر كتاباً متنوعة الأغراض والاتجاهات من بينها كتاب «تاريخ عمان السياسي» الذي نجتمع اليوم هنا للاحتفاء بمناسبة صدوره عن دار الربيعان في الكويت. مضيفاً أن كتب الطائي الأخرى تندرج كلها تحت مظلة الأدب ابتداء من دواوينه الثلاثة «الفجر الزاحف» و«وداعاً أيها الليل الطويل» و«حادي القافلة» الذي مازال مخطوطاً لم يطبع حتى الآن، إضافة إلى روايتيه «ملائكة الجبل الأخضر» و«الشراع الكبير» ومجموعته القصصية «المغلغل» التي لم تنشر بعد وكتبه الأخرى التي يصح القول إنها نقدية تؤرخ للأدب العربي وبعض رموزه وأعلامه. وقال الفلاحي: إننا نستطيع القول باطمئنان إنه كان رائد الكتابة والأدب الحديث في عمان بل وفي الخليج العربي كله. وقد درس الطائي في بغداد ضمن أول بعثة دراسية ترسلها عمان للدراسة كان من بين رفاقه فيها السيد ثويني بن شهاب والسيد فهر بن تيمور والأستاذ حفيظ الغساني وغيرهم، وكان ذلك بداية الأربعينيات من القرن الماضي قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية. وقد تنقل في العمل من مسقط إلى باكستان إلى البحرين إلى الكويت إلى أبوظبي قبل أن يعود في بداية النهضة المباركة ليعين وزيراً للإعلام ووزيراً للعمل والشئون الاجتماعية بالوكالة.

ثم تحدث بعد ذلك عن العلاقة الحميمة بين عبدالله الطائي ووطنه عمان التي شكلت خيطاً أساسياً في كتاباته وأدبه وحاول رصد تلك العلاقة في قصائد الطائي وشعره من خلال نماذج تصور ذلك الحب الدافق للوطن والشوق إليه والتحسر للوضع المؤسف الذي كان عليه هذا الوطن وأبناؤه المغتربون المشتتون في بلاد العالم في حالة بائسة حيث يقول:

أحب عمان وأهفو إلى
نجوم بأجوائها تلمع
وكم لي معها أحاديث من
معين المنى خلتها تنبع

ويقول في مقام آخر:

أعمان قد جمع الزمان صروفه
لكننا في الحب لن نتغيرا
ولكل فرد من بنيك معزة
في القلب إن أوفى لنا أو قصرا
أعمان قد ظلم الزمان وأوشكت
نكباته أن تستفز فتظفرا

ولكنه مؤمن تمام الإيمان أن هذا الليل الحالك سينقشع, وأن هذه المحن المؤلمة لابد أن تزول وأن شعب عمان سينتصر في النهاية وسيفرح بخلاص وطنه مما هو فيه.

ويقول في عام 1966 متفائلاً:

يا أيها الأحرار قد
أقبل مجد سرمدي
انكشف الطوفان عن
شعب كريم المحّد
يشيد في حاضره
مجداً عظيماً لغد
ويجمع الأيدي
على حب عمان الأبدي

فكأنه يرى من وراء الغيب نهضة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الذي أعاد لعمان أمجادها وحقق لها طموحاتها في التقدم والتنمية وأعلى من مكانة أبنائها.

***

والجدير بالذكر أن رابطة الأدباء في الكويت كانت أقامت حفل توديع للأستاذ الطائي عند مغادرته إلى أبوظبي بعد أن أنهى فترة إقامته في الكويت ألقى فيها قصيدة شكر فيها الكويت وأهلها، وقال إن انتقاله منها ليس من ملل أو رغبة في المصلحة الخاصة ولكنه استجابة لدعوة وصلته من وطنه الذي يحتاج إليه وجاء هذا في قوله:

وما أنا للكويت اليوم ذو ملل
وكم شدوت بها في السر والعلن
وما هجرتكمو سعياً للمصلحةٍ
لكن نداء أتاني من حمى وطني

مسقط: عبدالله علي العليان

  • قيصر الشعر الفارسي

الشعر لغة عالمية إنسانية مشتركة بين البشر، تخترق الحدود مثلها مثل السحاب الممطر المحمول على «أجنحة فراشة زرقاء هي السماء» ولا يعيقها عن الوصول إلى أبناء آدم سوى اللغة. من أجل اجتياز هذا المعوق هناك طريق يتيح للينبوع الأكثر صفاء وعذوبة وهو الترجمة والتعريب فمن خلال ذلك يحصل التواصل الحضاري.

الشعر هو الإشراق الناتج من التقاء خطّي العاطفة والخيال، إشراق يمضي في ضوئه إلى جنان فرح الحب والعشق الذي من دونه يكون العالم «ضجيج طبل فارغ» كما يعبر جلال الدين الرومي.

يعد قيصر أمين بور أحد أشهر شعراء الجيل الأول للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأرفعهم مكانة فهو الشاعر والأستاذ الجامعي والباحث وكاتب الأدب الموجّه للناشئة. شغلته قضية العلاقة بين التراث والحداثة فتناولها في كتاب بالعنوان نفسه ودرسها على المستوى الإبداعي، نظم ثماني مجموعات شعرية تتنوع بين الشعر التقليدي والشعر الحر ليبرهن أن التفاعل بين التراث والحداثة يمكن أن يشق طريقاً متميزاً يستجيب لمتطلبات العصر.

ولد قيصر عام 1959 في مدينة دزفول جنوب غرب إيران ونال شهادة الدكتوراة في الأدب الفارسي من جامعة طهران.

وبدأ يعالج في قصائده الأغراض الفردية والمجتمعية بلغة مبسطة وصور خيالية محببة وإبداعية أضفت على شعره هالة جذابة وجمالا شائقاً.

ولعل أبرز أسباب شهرته نجاحه في عقد المصالحة بين القديم والجديد، فمن بين أنصار التراث والمنادين بالحداثة اختار أمين بور طريقاً ثالثاً ليشيّد منهما صرحاً جديداً لا يتطابق مع الأصول الشعرية فحسب بل ويتسق مع ضرورات العصر وحاجاته.

ما هو الشعر؟ يجيب قيصر أمين بور عن هذا السؤال بقوله: بمقدوركم العثور على آلاف التعاريف والأوصاف للشعر، لكن الشيء الوحيد الذي لا تعثرون عليه هو: ما هو الشعر؟ يصفه البعض بأنه النار الكامنة والشعلة الوهاجة الخالدة والبهلوانيات اللسانية، ويصفه لامارتين بالموسيقى الداخلية للإنسان، ويراه فولتير موسيقى الأرواح الكبيرة الحساسة ويدعي روبرت فروست أن الشعر هو أن تقول شيئا وتريد شيئا آخر.

الآدميون كلهم شعراء، كل الفلاسفة والأولياء والأئمة شعراء. إن كل الآدميين الأخيار شعراء، إن كل الشعراء أخيار، لذا حينما تشاهدون بعض الشعراء الأشرار فاعلموا أنهم إما ليسوا شعراء أو ليسوا آدميين.

يرى قيصر أمين بور أن الشعراء لو علموا في أي يوم نظموا أول أشعارهم لاحتفلوا بذلك اليوم من كل عام بعيد ميلادهم حيث إن بداية كل شعر ضائعة في غمامة كثيفة من الغموض والألغاز كما هي بداية البشرية حيث إن انطلاقة الشعر غارقة دوماً في ضباب كثيف.

وحينما سئل: هل يفكر الشاعر في لحظات نظم الشعر بقواعد اللغة أو المعاني أو البديع أو العروض أو القافية؟ أجاب: سؤالكم هذا يناظر تماماً من يسأل: الطفل الذي يبتسم لأمه وهو في المهد هل يفكر أثناء التبسم بالعضلات التي تتعاون لتسحب شفتيه إلى الأعلى والخارج كي تخلق البسمة؟ وإذا أردنا استخدام لغة القواعد النحوية في الإجابة عن سؤالكم قلنا: اللغة لا تتلقى الأوامر والقواعد إلا من نفسها وخصوصاً لغة الشعر التي لا تقبل الأوامر إلا من القلب وبكلمة واحدة لغة الشعر لا تصدر أوامر ولا تتلقى أوامر.

إن اللغة سكرتيرة القلب في وزارة الشعر، حيث يقول الشاعر كل ما يأمره قلبه، إن قرية الشعر ألغت منذ زمن طويل نظام السيد والعبد.

ويضيف قيصر أمين بور: الإنشاد فعل مجهول لا من حيث إن فاعله غير معروف بل لأن فاعله الحقيقي غير معروف، وربما لهذا شبهه القدماء بالسحر والإعجاز، معلول غير معروف العلة، هذا على الرغم من أن الإنشاد ذاته علة، علة أو مرض أو وجع. حكاية من يعتبر الشاعر فاعل الإنشاد، حكاية تلك النملة التي مشت على الورقة فشاهدت القلم يكتب فطفقت تثني عليه وتمدحه. الكتابة كما قالوا فعل لازم وليس متعدياً. الإنشاد فعل لا يستطيع حتى أكبر الشعراء أن يصرفه في صيغة المستقبل فيقول سأكتب غداً أو بعد غد شعراً، كلما كان الشاعر قديراً كان عاجزاً عن التفوه بهذه العبارة، فهذا كقول القائل: إنني في العاشرة والنصف من صباح الثامن من سبتمبر بعد خمسة أعوام سأكون صوفياً.

يؤمن قيصر بأن الشعر هو الشعور وهو التلقي، إنه الشعور بالشعور، والشعر هو الحضور وهو الغياب، الحضور في الذات والغياب عن الذات.

آلامي

ليست ثياباً لأخلعها
ليست قصائد وأناشيد
كي أعيد صياغتها
ليست صراخاً
كي أطلقها من أعماق روحي
آلامي لا تقال
آلامي صعبة المنال
آلامي
لا تشبه آلام أناس زماني
لكنها ألم أناس الزمان
أناس تؤلمهم طيات جلود معاطفهم
أناس تؤلمهم ألوان أكمامهم الباهتة
تؤلمهم أسماؤهم
وتؤلمهم أغلفة هوياتهم القديمة
ولكنني
كل عظام كينونتي تؤلمني
وكل لحظات إنشادي البسيط
حلم الطفولة
في أحلام طفولتي
كلَ ليلةٍ
يعبر صدى صفير قطارٍ من المحطة
وكأن مؤخرة القطار
لا تنتهي أبداً
وكأن للقطار ألف نافذة
وفي كل نافذةٍ
أنتِ الوحيدة التي تُلوِّح بالوداع
وآنذاك
يلتهب الليل
في أطُر النوافذ
مع دخان شعرِكِ المنثور في الرياح
على امتداد الطريق المُفعم بالضباب
في الصفير والدخان والدخان والدخان.

طهران: سمير أرشدي

  • التواصل التراثي في مكتبة الإسكندرية

من الآن تستعد مكتبة الإسكندرية لعقد المؤتمر السابع لمركز المخطوطات في شهر مايو المقبل حول «التواصل التراثي.. أصول ومقدمات التراث العربي الإسلامي». وعنه يقول الدكتور يوسف زيدان، مدير مركز المخطوطات: لا شيء يظهر فجأةً من العدم، هذه الحقيقةُ التى دلَّتْ عليها تجاربُ الأمم وحقائقُ التاريخ، ترتبطُ بحقائق أخرى بديهية لكنها مهملة؛ منها أن الظواهر التاريخية الكبرى والصغرى، ترتبط على نحوٍ خفي أو مُعلن، بالأصول والمقدمات التى تفاعلت فيما بينها، فأنتجت هذه الظاهرة التاريخية أو تلك، ومنها أن الظاهرة قد تبدو للوهلة الأولى شديدةَ الخصوصية ومتفرِّدة، مع أنها مشتملةٌ على بقايا من الأصول والمقدمات التى انطلقت منها، كما أن لكل ظاهرة تاريخية كبرى تأثُّراً بما سبقها، وتأثيراً فى اللاحق بها؛ وهو ما نسميه بالتواصل التراثي.

ويؤكد زيدان أن التراث الذى تركته الحضارة العربية الإسلامية، عبر عمل امتدَّ قرابة الألف عام من العطاء الإنساني المتنوع لمشاهير العرب والمسلمين، فى مجالات العلم واللغة والدين والفن والأدب، هو ظاهرةٌ تاريخية كبرى. ويضيف: لكن العرب والمسلمين المعاصرين شغوفون دوماً بالنظر فى الأثر الذى خلَّفته حضارتنا فى حضارة الإنسانية، وتأكيد التأثير التراثي العربى الإسلامي فى زمن النهضة الأوربية الحديثة. وهو مسلكٌ محمود سعياً لتبيان حضورنا فى تاريخ الإنسانية، وفى واقعها المعاصر، لكنه لا يدل إلا على نصف الحقيقة فقط! إذ أن النظر فى لواحق الأثر التراثي، من دون التمعن فى سوابق ذاك الأثر؛ هو أمرٌ من شأنه تكوين صورة خيالية، ذهنية لكن غير واقعية، لتراثنا العربى الإسلامي، وهى الصورة التى تشكلت فعلاً فى الأذهان ببطءٍ راسخٍ، وأعطت يقيناً كاذباً بأن هذه الحضارة وما أعطته من تراث إنساني، هى لمعةٌ مفاجئةٌ بدأت مع انتشار الإسلام وسيادة العرب للعالم، فتألَّقت حيناً ثم انطوت، فكأن تراثنا انطلق من دون أصول سابقة ومقدمات، وهذا بالطبع وَهمٌ كبيرٌ.

ويسعى هذا المؤتمر إلى النظر فى الأصول التى انطلق منها التراث العربى الإسلامي، والمقدمات التى سبقته فى المجالات المختلفة: العلمية، والفكرية، والأدبية، والفنية، بهدف تأسيس وعىٍ حقيقي بهذا التراث الذى غلبتْ عليه التوهماتُ، واندثرتْ صحائفُه فى خزانات المخطوطات، مؤكدا أنه لا خلاف على أن التراث العربى الإسلامي كان مؤثراً فى الحضارة الأوربية الحديثة؛ ولكن فى المقابل يسعى المؤتمر إلى إيجاد إجابة واضحة عن العديد من التساؤلات منها: ما هى التراثيات التى أثرت فى صياغة التراث العربى الإسلامي؟ وكيف امتدت عملية التواصل بين تراث الإنسانية فشملت العرب والمسلمين حيناً من الدهر؟ وهل أتى عليهم حينٌ من الدهر ما كانوا شيئاً معلوما؟ أم أن وعينا المنقوص بتراثنا هو الذى أدى بنا إلى إهمال الأصول العربية قبل الإسلامية؟ وبأي قَدْرٍ أسهم الحضور العربى قبل الإسلام فى صياغة المنظومة الحضارية العربية الإسلامية؟ وما الذى أخذه العرب المسلمون من علوم السابقين؟ وكيف أخذوه؟ وهل طوَّروه، أم حفظوه فحسب؟ وما هو أصلاً مفهوم الحفظ؟ وماذا عن اللغة العربية، وتفاعلها شفاهةً وكتابةً مع غيرها من اللغات؟

هذه بلا شكٍّ أسئلة كثيرة، قد لا تؤرِّق مَنْ يهنأ بالأوهام التراثية، لكنها لابد أن تشغل الرامي إلى تأسيس وعىٍ حقيقي بالتراث العربى الإسلامي، المخطوط منه والمطبوع، وهو تراثٌ مليء بلمعات تضيء الطريق إلى غاية المؤتمر. لمعات من نوع إشارة ابن حزم إلى حضور السريانية فى العربية، وتسجيل حنين بن إسحاق لما تُرجم من كتب جالينوس (وما لم يُترجم منها، حسب علمه) وتأكيد بن موسى بن شاكر أن مقدمات العلم اليوناني والعربي من بعد، إنما جاءت من الهند. ولذلك تعددت محاور المؤتمر لتضم: الفلسفة والعلوم والمعارف السابقةِ لظهور الإسلام، وينظر فى حضورها المعلن والمخفي فى المنظومة الفكرية والعلمية عند العرب والمسلمين بعيداً عن تكرار المشهور منها. ويناقش المحور الثالث قضايا اللغة والتصورات الدينية موضحا علاقة اللغة العربية باللغات التى جاورتها وشابهتها على مستوى بنية اللغة ودلالة المفردات، وعلى مستوى الكتابة والتدوين العربى المبكر.

أما المحور الرابع فينظر فى الأدب العربى في زمن الجاهلية قبل الإسلام، وفيما هو بعده من المدارس والاتجاهات الأدبية، لنعرف هل اكتفى المسلمون الأوائل بآدابهم، أم دعت الحاجة إلى استدعاء آداب التراث السابق: كليلة ودمنة، خسرو وشيرين، ألف ليلة وليلة.. وفى الفنون أيضاً، أخذ الأوائل أشياء عن السابقين، وأضافوا إليها أشياء. أخذوا القبة من العمارة البيزنطية، فهل أخذوا المئذنة أيضاً؟ وما دلالة المئذنة فى العمارة الإسلامية المبكرة، أهي تلبية لمقتضيات رفع الآذان فحسب، أم هى إشارة لجوهر الدين الإسلامي.. التوحيد؟ وهل حُرِّمت الفنون حقاً لأسباب دينية، فأهمل العرب المسلمون التراث الفني الذى سبقهم، وإن كان ذلك حقا؛ فما بال هذه الفنون العربية الإسلامية المبكرة، ومن أين أتت فتطوَّرت على أيديهم؟.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • رحلة ألمانية إلى مكة

كريستيانا بيكر هي مذيعة ألمانية شهيرة تحولت إلى الإسلام في عام 1995 وقد صدر أخيراً كتابها الاول «من MTV إلى مكة». اهتمت وسائل الإعلام الألمانية بالكتاب وأجرت مقابلات مع الكاتبة التي سردت تفاصيل إسلامها والضغوط التي تعرضت لها ومن ثم أيضا النجاحات التي حققتها.

تعيش كريستيانا بيكر في لندن الآن، وتقدم بعض برامج التلفزة المتفرقة وفي ميونيخ جاءت لإلقاء محاضرة.. التقيتها على هامش الندوة وأجريت معها هذا الحوار

  • بعد النجاح الأول لكتابك «من MTV إلى مكة» هل هناك نية لمشروع كتاب جديد؟

- أفكر في الوقت الحالي في اتجاهات متعددة خاصة تلك التي تسير في اتجاه التقريب بين الثقافات وقد شجني كثيراً نجاح كتابي الأول على تبني هذه الفكرة وأفكر في كتاب جديد عن النساء بين الثقافات المختلفة.. لكن متى أبدأ تحديدا؟ لم أحسم هذا الأمر بشكل نهائي ربما لانشغالي الكامل الآن في الإشراف على ترجمة كتابي من اللغة الألمانية إلى اللغتين التركية والعربية ولا أستطيع أن أجد وقتا كافيا بالنظر إلى الجلوس لفترات طويلة مع المترجمين لأنني أريد أن يكون الكتاب مترجماً بشكل دقيق حتى يستوعب الناس كل ما كتبته. كما أنه منذ صدور الكتاب والدعوات لا تتوقف لإلقاء المحاضرات، إضافة إلى المقابلات مع وسائل الإعلام المختلفة، كل هذا أتاح لي فرصة كبيرة وذهبية للتعريف بالثقافة الإسلامية أمام جمهور غربي لا يعرف الكثير عنها، والحقيقة أن هذا يشغل كل وقتي الآن.

  • كان للكتاب رد فعل إيجابي في العالم الإسلامي والعربي فكيف تصفين رد الفعل الألماني خاصة وان الكتاب صدر باللغة الألمانية؟

- الحقيقة أنني تسلمت ردود أفعال إيجابية للغاية تكاد تصل إلى نسبة 99% وأشكر الله على ذلك، إن كل وسائل الإعلام التي تناولت الكتاب أو المقابلات التي أجريت معي كانت كلها محترمة ومحايدة واحترمت وجهة نظري في اعتناق الدين الإسلامي ويمكنك الرجوع إليها مثل «دير شبيجل» و«دي فيلت» و«فرانكفورتر الجماينا» و«دي تسايت» والمقابلات العديدة في محطات التلفزة الألمانية وحتى العربية.. لحسن الحظ كانت تعليقات القراء إيجابية، غير أن الشيء الذي أربكني هو بعض التعليقات التي تم بثها في منتديات بعض المتطرفين على الإنترنت إذ تعرضت في بعض الأحيان لهجوم منهم والتشكيك في معتقداتي..ولكن في العالم العربي تلقيت ردود أفعال إيجابية جداً شجعتني كثيراً للتفاعل أكثر مع الحياة والثقافة العربية.

  • برأيك ما هو الشيء الحقيقي الذي قد يضر بصورة المسلمين في الغرب؟

- إن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية هو الذي يعطي تلك الصور السلبية عن الإسلام في المجتمعات الغربية مع أن العنف محرم في الإسلام شأنه شأن الديانات الأخرى والقرآن الكريم ينبه إلى أن من يقتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، وهذا في حد ذاته ينفي أي تهمة يمكن أن يوصف بها الإسلام كالإرهاب مثلاً، وللأسف تفتقد المجتمعات الغربية الأصوات التي تدعو لسماحة الدين الإسلامي الذي هو في الأصل رسالة سلام، لقد أوقع هذا الفهم الخاطئ المسلمين في ألمانيا وفي أوربا في دائرة الشك وأصبحت تلك الشكوك تزيد من معاناتهم وتقوقعهم.. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعتني بقوة إلى مشروع هذا الكتاب, وبعد نجاحه أشعر بأن دوري تزايد خاصة وأنا أتلقى الكثير من الدعوات لإلقاء المحاضرات وأجدها فرصة لطمأنة المستمعين والتخفيف من ظاهرة الإسلام فوبيا التي تجتاح أوربا.

  • ما هو الدور الذي يجب أن يساهم به الناس في إنجاح التقارب بين الثقافات والحضارات المختلفة؟

- كل الذين يعيشون في الغرب من الثقافة الإسلامية على سبيل المثال هم بمنزلة رسل للإسلام في هذه الدول يجب ألا ينغلقوا على أنفسهم إطلاقاً، يجب أن يكونوا منفتحين ولا ينتظروا الآخرين ان يأتوا إليهم، عليهم المبادرة بالتقرب إلى الآخرين، يجب بصفة خاصة أن يهتموا بالتعليم والتثقيف وإجادة اللغتين الإنجليزية والألمانية لأنهما ستكونان مفتاحا للحصول على وظائف جيدة تشجعهم على الانخراط في المجتمع، والإسلام يحث المسلمين على التعليم والتفوق، اللاعب الفرنسي زيدان ذو الأصل الجزائري على سبيل المثال تفوقه الرياضي جعله مثالا لما يجب أن يكون عليه أهل الثقافات الأخرى في بلاد المهجر التفوق يجعل من السهل إرسال الرسائل الإيجابية للآخرين، وأود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الناس في بلاد المهجر يحتاجون إلى تدعيم كبير حتى يتفوقوا في كل المجالات ويقتحموا عالم الإعلام والنشر والتأليف بل ويتفوقوا أيضا في التجارة وحتى عليهم الدخول في عوالم الحياة العصرية كالموضة ولايقفوا على هامش الحياة.

  • هل يمكن للإعلام أن يؤثر في عقلية المواطن الأوربي بحيث يجعه أكثر انفتاحاً تجاه العالم الإسلامي؟

- نعم وأود بصفة خاصة أن أنبه إلى نقطة مهمة هنا وهي أنهم في الغرب في حاجة إلى بث تلفزيوني بلغات أجنبية والأهم هي اللغة الإنجليزية بالنظر إلى أنها لغة عالمية، إن هناك مالا وفيرا في منطقة الخليج لذلك أرى من السهل إنشاء قنوات توجه للخارج، إن العالم العربي سيكسب نقاطاً لمصلحته ثقافياً ودينياً وحتى اقتصادياً أنا أعرف أصحاب بعض المحطات التي تعمل في لندن بشكل حر ولا تتلقى دعما لذلك فهي ليست فعالة بالشكل الكافي لابد أن يكون هناك دعم قوي وأن تكون فائقة الجودة وألا تبخل على صحفييها بالدعم.

  • هل تأثرت بالثقافة الإسلامية بشكل عام؟

- أحب الفنون الإسلامية بشكل كبير وأقتني بعض الرسومات والآيات القرآنية المكتوبة بخط جميل أحب الزخارف الإسلامية كثيراً، كذلك أحب زيارة الدول العربية كالمغرب ومصر وسورية والسعودية التي أديت فيها فريضة الحج مرتين وأود أن أزور الأردن ولبنان ودول الخليج، بل أرغب بشدة في تقديم وإنتاج برنامج في إحدى القنوات الناطقة باللغة الإنجليزية في منطقة الخليج خاصة أن هناك نهضة ثقافية كبيرة تشهدها دول الخليج في مجال الإعلام المرئي والمكتوب. كذلك فأنا أحب الموسيقى الصوفية بشكل كبير وهذا النوع من الموسيقى والغناء يجعلني أبكي.. حتى الأكلات الشرقية فأنا أصبحت أتقنها منذ زمن بعيد لقد فزت في هامبورج قبل وقت قصير بالجائزة الأولى وقدرها 5000 يورو في برنامج تلفزيوني عن طهي الطعام وكنت قد طهيت أصنافاً من الطعام الباكستاني بالكاري كذلك أجيد طهي الأصناف العربية.

ميونيخ: صلاح سليمان

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الدكتور خرونومي موبير





ملصق التظاهرة





العمارة العُمانية وآثارها تكشف دورها التاريخي بالمنطقة









الشاعر الإيراني قيصر أمين بور





د. يوسف زيدان





من المخطوطات الإسلامية





الرحالة الألمانية كريستيانا بيكر