"جادة المعلومات" خيار مستقبلي أم شر قادم؟ أنطوان بطرس

"جادة المعلومات" خيار مستقبلي أم شر قادم؟

يكثر الحديث في هذه الآونة عن "جادة المعلومات "، وهو مصطلح جديد أخذ يغزو أدبياتنا المعلوماتية بكثرة من بين مئات المصطلحات التي تتوالد وتتكاثر في تكنولوجيا الكمبيوتر بصورة منتظمة، وهذا المصطلح ليس اسما لأداة أو اختراع بل لنمط جديد من الخدمة وشكل مقبل جديد من أشكال ممارسة الحياة.

المقصود بـ "جادة المعلومات" وضع جميع والتقنيات المتوافرة على صعيدي الاتصالات والمعلومات، من الهاتف والتلفزيون والكمبيوتر الشخصى والأقمار الاصطناعية والأطباق اللاقطة والكابلات والموجات الميكروية في منظومة مدمجة ووضعها بتصرف أفراد المجتمع للإفادة منها في حياتهم العملية والاجتماعية. و" هذه التسمية الطريقة التي ستوضع فيها هذه الشبكة الواسعة من التقنيات والخدمات بتصرف الناس. وبصورة عامة فهي تتألف من خطوط اتصالية أشبه بالعمود الفقري تتفرع منه نقاط ولوج وخروج على مدى الخطوط، مما يجعلها أشبه بجادة عامة مفتوحة للجميع تماما كمفارق الطرق في المدن العصرية الكبرى التي تشقها جادة كبرى بما عليها من مداخل ومخارج من أولها لآخرها. ومما يميز هذه المنظومة أنها تربط جميع جوانب الحياة المنزلية والعملية والاجتماعية والترفيهية. كما ستتيح لكل من يريد الاتصال بالآخرين إلكترونيا أن يجري مداولاته مع السوق والزبائن والمؤسسات التي يتعامل معها، أو أن يلهو بألعاب الفيديو أو يشاهد البرامج التلفزيونية من أي نقطة يوجد فيها مسكنه أو مكتبه بل وأينما كان بمجرد أن يكون مزودا بهاتف أو كمبيوتر من النوع المحمول أو المفكرة نظرا لما توفره هذه المنظومة من علاقة شبكية واسعة من كل نقطة وبواسطة أي أداة وعبر أي اتجاه.

اندماجات في السوق والوسائل

ولا يقتصر الحديث عن "جادة المعلومات " على المجلات المتخصصة فحسب بل وفي معظم وسائل الإعلام بصفتها الشكل المقبل للحياة العصرية في القرن المقبل، والتى من شأنها أن تحدث تأثيرا لا سابق له على أنماط الحياة والعمل والعادات. ورغم أن جوهر هذا المفهوم ليس جديدا برمته إذ إن ملامحه ظاهرة في مصطلح آخر تعاملنا معه على الأقل طوال العامين الأخيرين وهو "الوسائط المتعددة" أي دمج الصوت والصورة في أدوات التواصل والعمل والترفيه " الكمبيوتر والهاتف والتلفزيون ". وعلى سبيل المثال فإن خدمة "مينيتيل " في فرنسا تتيح للمشترك في الهاتف الدخول إلى بنك معلومات لطلب شتى أنواع المعلومات من حالة الطقس إلى مواعيد إقلاع الطائرات وحجز المقاعد والتعارف. ولكن من الواضح أن ما يقصده الداعون إلى "جادة المعلومات " شيء أكثر من ذلك. والذي أوحى بهذا التفكير الجديد سلسلة من التطورات التي شهدها قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة وأوربا واليابان على صعيدي الصناعة وتطورات السوق، فإن ظهور تقنية الألياف البصرية زادت من قدرات بث المعلومات زيادة خيالية. فقد حلت هذه الألياف والمصنوعة من الزجاج بسماكة 125 ميكرومترا "والميكرومتر يساوي جزءا من مليون من المتر" محل النحاس على صعيد الاتصالات، وهي تستطيع أن تنقل 1.7 مليون نبضة في الثانية، أي ما يعادل 24 ألف مخابرة هاتفية، مما أدى بالتالي إلى بروز تقنية تتيح بث ونقل وتوزيع كميات ضخمة من البيانات والمعلومات ووضعها بمتناول المعنيين بصورة مكثفة واقتصادية بل وتفاعلية، وهذا ما سنشرحه فيما بعد.

أما على صعيد السوق فإن سلسلة اندماجات حصلت أو هي متوقعة بين بعض الشركات وفرت أساسا عمليا للتفكير بتقديم خدمات متكاملة للمستهلكين. وعلى سبيل المثال طرح على بساط البحث شراء شركة "بل أتلانتيك " للهاتف العاملة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة وشركة "تليه كوميونيكاشنز" وهى واحدة من أكبر شركات الكابلات الأمريكية، وكان ذلك يعني، في حال نجاح الصفقة "التي تعثرت لأسباب تجارية لا قانونية"، ولادة شركة عملاقة تقدم نوعين من الخدمات تدمج بين الهاتف والكابل لما يتراوح بين 45 - 50 % من المنازل في الولايات المتحدة. كما أن شركة "باسيفيك تليسيس " رصدت 16 بليون دولار لمد شبكة اتصالات جديدة تربط الساحل الغربي كله للولايات المتحدة بالألياف البصرية مما يولد شبكة اتصالات عملاقة. ويكفي مشروع مماثل يشمل ما تبقى من الولايات المتحدة لترتبط كلها بشبكة واحدة تجعل "جادة المعلومات " حقيقة واقعة، وتجعل الحصول على أي نوع من الخدمات فوريا وتحت الطلب. ومن أبرز ميزات الجادة عرض نطاقها BANDWIDTH . حاليا فإن الأسلاك النحاسية المزدوجة التي تشكل أساس الاتصالات تؤمن اتصالا هاتفيا واحدا في كل مرة نستخدمها. أما طاقتها فهي نقل عدة آلاف البتات من البيانات في الثانية مسافة بضعة كيلومترات. ولكن الألياف البصرية تستطيع، بالمقابل، نقل آلاف الأضعاف من البيانات مما يسمح باستخدام التلفزيون وفيديو الكمبيوتر وإقامة صلة ببنك معلومات وإجراء مكالمة هاتفية في وقت واحد. وعلى سبيل المثال يستطيع المرء الذي يشاهد برنامجا تلفزيونيا أن يتصل في الوقت نفسه وعلى الخط نفسه بمحطة التلفزيون ليعلق على البرنامج، نظرا إلى أن الخط ليس أحادي الاتجاه بل ذا اتجاهين أي أنه قادر على البث والالتقاط في آن.

نائب الرئيس يطلق الصيحة

ورد تعبير "جادة المعلومات " للمرة الأولى على لسان نائب الرئيس الأمريكي آل غور ليعبر بواسطته عن معنى هذه التطورات والاتجاه الذي ينبغي توجيهها إليه. وكان نائب الرئيس الأمريكي قد كشف عن اهتمامات مسبقة في هذا الاتجاه مذ كان عضوا في مجلس الشيوخ، وكان يرى أن التكنولوجيا الرفيعة تعني أكثر من صنع طائرات تستطيع تحاشي الرادار "كالطائرة الشبح" أو صواريخ "ذكية". وقد طالب آنئذ باعتماد 500 مليون دولار لتوسيع شبكة "إنترنت"، وهي واحدة من أكبر شبكات المعلومات في الولايات المتحدة ويبلغ تعداد مشتركيها بالملايين، وتتيح خدمات معلوماتية متنوعة ومتطورة، بحيث تشمل المستشفيات والمدارس والمكتبات العامة وغيرها من المصالح ذات النفع العام. وحينما أصبح نائبا للرئيس أخذ على عاتقه العمل لتحقيق هذا المشروع المثير للخيال، والذي من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة الاحتفاظ بزعامة التكنولوجيا. وبحسب تقديرات غور، فبحلول عام 2000 سيصبح قطاع الاتصالات البعدية أكبر سلعة تصدير أمريكية وأكبر ميدان للنشاط الاقتصادي في العالم، علما بأن هذا القطاع يشكل حاليا 15% من الناتج القومي الإجمالى للولايات المتحدة.

عمليا تقضي خطة غور تخفيف القيود والأنظمة الأمريكية التي تتحكم بقطاع الاتصالات والتي تعتبر مسئولة عن إبقاء مختلف شركات هذا القطاع منفصلة بدقة عن الأخرى. فهناك شركة خاصة للاتصالات الهاتفية المحلية وأخرى للاتصالات الدولية. ومثلما أن شركات الهاتف لا تملك حق بث البرامج التلفزيونية فإن شركات الخدمات الكابلية أي التي تؤمن برامج للمشتركين، لا تستطيع أن تقدم خدمات هاتفية، وكلتاهما لا تستطيعان إنتاج الأجهزة والمعدات. وفي حين يمكن لشركات التلفزيون أن تمتلك برامج كابلية إضافة إلى البث العام فهي لا تملك حق بث وتوزيع هذه البرامج وتعتمد في ذلك على شركات أخرى لتسويقها. ويقضي مشروع نائب الرئيس الأمريكي بإزالة الحواجز بين هذه الشركات بحيث يكون لكل سلعة أكثر من شركة تسوقها، وبحيث تتمكن كل شركة من اقتناء شركات بث وتوزيع وما إلى ذلك، الأمر الذي سيؤدي إلى تداخل هذه الخدمات وسهولة انتشارها وإتاحة الفرصة للإفادة منها مجتمعة من المصدر الأرخص عملا باقتصاديات السوق. هذا مع توقع مزيد من الاندماج بين الشركات وبالتالي تتوافر للمشترك في شركة ما خدمات لم تكن بمتناوله قبلا. كما يتوقع غور أن ينتهي الأمر في النهاية بأن يصبح الولوج إلى هذه الشبكة مجانا للمستشفيات والمدارس والمكتبات، الأمر الذي يوفر للمستعملين علاقة تفاعلية من خلال النظام، علما بأن مجمل تكاليفه ستتعدى 200 بليون دولار.

إن المقصود بالعلاقة التفاعلية هو علاقة التواصل والتجاذب من خلال أجهزة الجادة.

فالأطباء يستطيعون أن يتبادلوا المشورة عبر آلاف الكيلومترات حول صورة أشعة معروضة على شاشاتهم، كما أنه بإمكان الطلاب الولوج إلى بنوك المعلومات وتقليب محتوياتها بحثا عن معلومات محددة. إن في ذلك حقا، ثورة لا سابق لها على صعيد العلم والمعرفة والخدمات. ومن شأن توسيع هذه الشبكة أيضا تنمية الاتجاه الجديد بالعمل داخل المنازل. والمعروف أن في الولايات المتحدة ما لا يقل عن 31% من الطبقة العاملة تعمل من بيوتها في مؤسسات صغيرة لا تملك مقرا ويتفاعل العاملون فيها بين بعضهم بعضا بواسطة الكمبيوتر ويؤدي كل منهم جانبا معينا متفقا عليه من العمل، ومن المقدر أن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 55% حتى من دون مشروع "جادة المعلومات ".

كان من الطبيعى أن تتلقف الشركات والحكومات على كلا طرفي الأطلسي هذا المشروع باهتمام كبير بصفته تطورا ذا مضاعفات تجارية وصناعية كبرى. فدوائر الأعمال رحبت بفكرة قيام خدمات سريعة وأوسع نطاقا مما هو متداول حاليا تستوعب جميع أشكال البيانات المبثوثة على اختلافها: نصوص وأصوات وصور وفيديو وقدرة على تخطى حواجز الحدود المكلفة عادة بسبب أنظمة وقوانين الحماية. ويذكر متتبعو " جولة أوروغواي " والتى أسفرت بعد 7 سنوات من المفاوضات الشاقة عن "منظمة التجارة العالمية" أن خلافات كبرى قد شهدتها هذه الجولات ومن أهم نقاط الخلاف بين أوربا وفرنسا خاصة من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى الإنتاج السمعي البصري. وكان من الطبيعي بالنسبة للحكومات أن تدرك بدورها فوائد هذه التطورات.

لقد بدت الأمور كما لو أن "جادة المعلومات " ستبصر النور في غضون سنوات قليلة. ولكن الواقع ليس بمثل هذه البساطة. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن وصول هذه الخدمات إلى المنازل لن يكون ممكنا قبل عقد من السنين على الأقل. صحيح أن جادة المعلومات ستغير الاقتصاد في المجتمعات المعلوماتية ولكنها ستتطلب قبل ذلك استثمارات مالية باهظة في كل شىء ابتداء بالألياف البصرية والبدالات ومفككات الرموز "التي تسمح لأجهزة التلفزيون بتحويل الصور الرقمية والصوت إلى صور وأصوات قياسية طبيعية". وبالطبع فسوف يتم تعميم ذلك بدءا بالمدن الكبرى فالمتوسطة وأخيرا الصغرى مع ما يتطلبه ذلك من وقت. والواقع أن ذلك ليس بمستغرب إذا عدنا قليلا إلى الوراء. فقد تطلب انتشار التلفزيون في نصف الولايات المتحدة حوالي 39 عاما والراديو 11 عاما والتلفزيون الملون 20 عاما وليس من المستغرب إذن القول بأن تعميم "جادة المعلومات" لن يكون أسرع بكثير.

ثمة أمر اخر يؤثر على الانتشار السريع لجادة المعلومات وهو أن المعنيين به على المدى الطويل أي المواطنين العاديين ليسوا متحمسين إليه بمقدار ما يظن. وقد أجرت إحدى المؤسسات الأمريكية مسحا ميدانيا تبين فيه أن عدد الذين سينضمون إلى هذا النظام من المستهلكين، خلال السنوات الخمس القادمة، لن يتعدى واحدا من عشرة. ومن المعوقات المهمة الأخرى، ولكن الأساسية، كيفية خلق "جادة معلومات " مفتوحة مرنة تنسجم مع أشد البيروقراطيات تحجرا في العالم وهي السلطات البريدية في مختلف البلدان وخاصة عبر الأطلسي أي بين أوربا والولايات المتحدة. فهذه المؤسسات ليست معادية لمشروع الجادة ولكنها بالمقابل مؤسسات ذات مصالح حساسة وهي تدرك أن هناك آثارا سلبية ستتمخض عن هذا المشروع. فهي تدرك أنها من الوجهة التكنولوجية تمثل مصالح متعارضة مع التكنولوجيا الجديدة التي تنطوي عليها جادة المعلومات والتي من شأنها أن تخفف الكثير من الأيدي العاملة، الأمر الذي سيترجم مشكلات اجتماعية وعمالية للحكومات. وبحسب بعض المصادر فإن شركة "سيمنز" الألمانية توصلت إلى واحد من أرقى النظم الاتصالية تطورا في العالم ولكنها لا تستخدمه لمضاعفاته الاجتماعية والسياسية. وهناك وجه سلبي آخر لجادة المعلومات وهو أن قسما كبيرا من الخدمات التي ستؤمن بواسطة هذه الجادة سوف يعتمد شبكات تتخطى سلطات البريد والبرق والهاتف الوطنية إذ تعمل عبر الفضاء. ومن الأمثلة على ذلك خدمة "ورد بلاس للاتصالات " التي أعلن عنها منذ فترة قصيرة والتي تتيح لمشتركيها الاتصال بمن يريدون من أي مكان وإلى أي مكان على الكرة الأرضية وإجراء اجتماعات بعدية ثلاثية عبر الهاتف "أي أن يتحدث المشترك هاتفيا مع شخصين آخرين في وقت واحد". كما توفر هذه الخدمة ترجمة فورية عبر الهاتف أيضا من الإنجليزية إلى 140 لغة وحفظ ما يصله من رسائل على المثالة "الفاكس" إلى حين يصل إلى مكان تتوافر فيه مثالة فتحول له. ويرى العديد من الخبراء أن مستقبل الجادة يكمن في التخصيص "أو الخصخصة" أي تحويل المؤسسات الرسمية العامة للبريد والبرق والهاتف إلى القطاع الخاص لتتبع اقتصاد السوق وتصبح ذات قدرة تنافسية ذاتية قابلة للتطوير بحسب مقتضيات المنافسة.

لم يقتصر الاهتمام بجادة المعلومات على العالم الصناعي فحسب كالولايات المتحدة وأوربا وكندا واليابان، بل تعداه إلى العالم الثالث. وكالعادة فإن سنغافورة تشكل نموذج الدولة الثالثة التي تسرع باللحاق بركب التكنولوجيا ذات الطابع المستقبلي. وبصورة عامة فإن هذه الجزيرة الصغيرة التى لا يتجاوز عدد سكانها 2.8 مليون نسمة والتي إلى جانب تايوان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ "التي يطلق عليها النمور الأربعة" تحقق اليوم ارفع مستويات النمو في العالم "معدل يتراوح بين 7- 10% مقابل 3% للولايات المتحدة" والسبب في ذلك أنها أحسنت انتقاء خياراتها واعتمدت التكنولوجيا الرفيعة، بابا تلج بواسطته إلى القرن الحادي والعشرين. ويعتبر الخبراء أن نظام الاتصالات الهاتفية الحالي في الجزيرة هو من أفضل النظم في العالم. لذلك فإن تجربة سنغافورة في هذا المجال سوف توفر أكثر من عبرة ودرس للعالم النامي.

التسوق عن بعد

لقد أدركت سنغافورة أهمية "جادة المعلومات " كخيار مستقبلي والذي سيجعلها تحافظ على مركزها القيادي على صعيد الخدمات المعلوماتية. وبحسب خطة الحكومة ففي غضون أربع سنوات سيتم ربط القسم الأكبر من مساكن الجزيرة البالغ عددها 752000 بالكابل التفاعلي، وسيوضع بتصرف المواطنين خدمات فيديوية تتيح لهم التبضع عن بعد أي وهم في المنازل سواء كانت المشتريات أطعمة أو ألبسة أو برامج. وبحسب "فيل أوفرماير" المدير الإداري لشركة "إي تي أند تي- سنغافورة" فإن "جادة المعلومات " سوف تدخل كل غرفة في البلاد، كما سيمكن الولوج إلى هذه الجادة من أية نقطة فيها. وبالإضافة إلى التبضع والعمل من البيوت فإن من بين مشاريع الحكومة مشروعات مستقبلية مثيرة للخيال. أحد هذه المشاريع يطلق عليه "مكتبة عام 2000 " والذي يهدف إلى ترقيم " DIGITZATION " أي تحويل البيانات- صورا كانت أم نصوصا أم أصواتا- من النظام القياسى الطبيعى إلى النظام الرقمى الثنائي الذي يتوافق مع اللغة الثنائية التي تعمل الآلة بموجبها، لما لا يقل عن عشرة آلاف فيلم وثائقي ودرس لغوي توضع بمتناول الراغبين تحت الطلب وفورا في وقت واحد، وبالتالي إفساح المجال أمام المواطنين للتزود بالتعليم بكبسة زر. ومن المشروعات الأخرى الأكثر طموحا تخصيص أقنية مزودة بكاتالوجات مؤنسنة تسمح للمستهلك أو المستهلكة بتصميم الثياب، وتخصيص بنك معلومات آخر للتصاميم الهندسية تتيح لشركة البناء مراجعة ألوف التصاميم ونقلها إلى الواقع بواسطة الرسوم التصويرية الكمبيوترية. وسوف تتولى تنفيذ هذا المشروع الطموح "سنغابور تلكوم " المدعومة حكوميا والتي ستجهز كل منزل بالألياف البصرية بكلفة 2000 دولار للمنزل، كما سوف يتم ربط المساكن الشعبية حيث يقطن 87% من السكان بالشبكة بواسطة الحكومة. وتتسابق كل من "ديجيتال " و"إي تي اند تي " و"آي بي إم " و"الكاتيل " على تسويق الأجهزة والمعدات التي يتطلبها هذا المشروع.

قليل من التشاؤم

ولا يستقيم الحديث عن "جادة المعلومات " دون التطرق إلى حسناتها ومحاذيرها.

فالحسنات المؤكدة هي الانفتاح والولوج الفوري السريع إلى العلوم والمعارف وتبدل أنماط العلم نحو مزيد من الاسترخاء لدرجة أن الماضي بأشكاله سيبدو نائيا جدا أمام أدوات العصر الجديدة. وسوف يقترب العالم أكثر من أي وقت مضى نحو مفهوم "القرية الإلكترونية" الذي تحدث عنه مارش ماكلوهان كوصف مقبل للكرة الأرضية في عصر إعجاز الاتصالات والتواصل.

أما السيئات والمحاذير فكثيرة إذ سيصبح من الصعب جدا التحكم بالتدفق الكبير للمعلومات وما تحمله من قيم مختلفة وأطروحات متعارضة. ذلك أن هذا المشروع هو وليد بيئة الغرب المتماثلة الثقافة المهيأة للانفتاح، ذات القيم المادية والروحية متعارضة في كثير من النواحى عن قيمنا المادية والروحية في الشرق العربي. وتكمن المعضلة في عدم جواز انغلاقنا على مثل هذا التطور الحضاري، وفي الوقت نفسه في عدم قبولنا للكثير مما سيغرقنا فيه هذا الطوفان المعلوماتي من قيم وأفكار وتصورات وعادات. ويخطىء من يظن أن في هذا الكلام مبالغة، فإن التلفزيون الحالي بقنواته التي تحصى بأصابع اليد يكاد بمفرده أن يبدل ثقافات الشعوب فكيف بتلفزيون ذي 500 قناة وقدرة ولوج على مكتبات وثائقية وسينمائية بكاملها وتوافر الأقراص الصغيرة المضغوطة التي تتضمن برامج تتراوح بين ميدان العمل ومشاهدات بيوت اللهو، ناهيك عن غرائب لعبة جديدة اسمها "الواقع الظاهري" التي تسمح للمشاهد الذي يرتدي قناعا معينا أن يشاهد عروضا مغرية على الشاشة المقعرة وأن ينخرط في اللعبة شعور وهمي إنما واقعي التأثير ويمارس لقاءات وهمية يعيشها كحقيقة ظاهرية.

مسحة تشاؤمية؟ ربما. ولكن معظمنا في هذا العالم لا يدرك تماما إلى أين نحن سائرون وما هو الثمن الذي ستدفعه الحضارة الإنسانية وهي تلهث وراء ألتكنولوجيا؟

 

أنطوان بطرس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




كمبيوتر من النوع الذي يمسح بنقل الصوت والصورة والنصوص





قناع الواقع الظاهري الذي يتيح للمتفرج توهم الإحساس بحصول اندماج كلي بينه وبين ما يشاهده





يشكل التليفزيون العالي التحديد عماد جادة المعلومات