سمكة القرش: رعب البحار والمحيطات محسن حافظ

سمكة القرش: رعب البحار والمحيطات

في شهر يوليو الماضي تحول ميناء الأحمدي في الكويت إلى سجن مؤقت لنوع نادر من أنواع القرش السيئة السمعة، إنه قرش طيب هذه المرة، لا يؤذي، لذلك التبس عليه الأمر حين دخل إلى تلافيف الميناء، ولم يستطع الخروج إلا بعد فترة طويلة.

كانت هذه السمكة العملاقة من نوع "القرش الحوت " وهو من أكبر أنواع الأسماك في العالم وهو مسالم جدا، يبلغ طوله 9 أمتار ويميل لونه إلى الرمادي مع وجود نقاط بيضاء أو صفراء، وعلى الرغم من ضخامته فإن أسنانه صغيرة جدا، ويعيش فقط على الطحالب والأسماك الصغيرة، ولعل هذا هو مصدر التعاطف الذي لقيه من جمعيات المحافظة على البيئة، وهو وجود قرش بهذه الضخامة وهذه الوداعة أيضا.

ومنذ قرون عديدة والقرش هو مصدر للرعب، ولم يمكن دراسة حياته وأسلوب معيشته إلا بعد أن تطورت أدوات الغوص بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح في الإمكان تصوير أول فيلم عن حياة هذا الحوت في عام 1950، وبدأت النظرة العلمية تأخذ مجالها لتنقية سمعة هذه السمكة.

لقد سكنت أسماك القرش بحار الأرض منذ أكثر من 30 مليون سنة بصورة تكاد تكون ثابتة.

وتعيش أسماك القرش وتتغذى غالبا على الأسماك والقشريات والرخويات، ويقوم القرش في البحار بوظيفة جامع القمامة، حيث إنه يخلص البحر من الجيف الضخمة.

ولا تتغذى أسماك القرش على الإنسان، وإذا هاجم قرش إنسانا فإنه يكتفي بعضّه أو نهشه، فيما عدا القرش الأبيض الضخم، فهو الوحيد بين سمك القرش الذي له القدرة على التهام كائن بحجم الإنسان.

ولقد أسفرت الدراسات المتعددة التي جرت خلال السنوات الثلاثين الماضية في مختلف أنحاء العالم عن وجود حوالي 350 نوعا معترفا به من سمك القرش.

وقد وجد بالدراسات أن أسماك القرش كائنات شديدة التعقيد والحساسية للمجالات الكهربائية، وأنها توجه حركتها ومسارها مسترشدة بالمجال المغناطيسي للأرض، وأن لها قدرة مذهلة في التعلم والتذكر، مما ينفي الاعتقاد السائد من أنها كائنات بدائية عديمة الإحساس.

وتقول الباحثة الأمريكية "يوجيني كلارك " إنها أثناء عملها في مختبر كيب هيز البحري في بلايسيدا بولاية فلوريدا أجرت الكثير من التجارب على سلوك القرش وقدرته على التعلم، ولقد كلفتها الجمعية الجغرافية القومية بإعداد تقرير عن آخر الاكتشافات العلمية في عالم القرش، وأنها خلال ذلك قامت بجولتين، جولة في منطقة باجا كاليفورنيا ومنطقة البحر الأحمر وبالتحديد في شبه جزيرة سيناء. وقد قامت بالغوص في منطقة رأس محمد لمشاهدة موسم التزاوج عند القرش الرمادي، واكتشفت بالمصادفة نوعا غريبا يسمى "السمك المضاد للقرش " وهو نوع من الأسماك يفرز سوائل سامة تجعل القرش لا يأكلها. وأثناء المتابعة وجدت أعداد كبيرة من الإناث مليئة بالعضات من الذكور التي تلاحقها، ويبدأ موسم التزاوج بما يسمى بالهجمات التزاوجية وهي هجمات سريعة خاطفة حيث تنفصل إحدى الإناث عن قطيع القروش الذي تسبح معه وسرعان ما يستجيب لها ذكر ويندفع للهجوم عليها وعضها بقسوة ثم يعود. وقد كان من المعروف أن أسماك القرش تتزاوج بالتصاق بطن الذكر ببطن الأنثى، ولكن عالماً مختصاً في علم وظائف الأعضاء في مختبر كيب هيز لاحظ في أحواض المختبر زوجا من أسماك القرش ذكرا وأنثى كانا متمددين بطول الجسد وقد التحم الجسدان والذيلان، ويتحركان حركة ثابتة متناغمة. وقد اكتشف بعض العلماء أن إناث القرش الأزرق وأنواعا أخرى من إناث القرش لها القدرة على تخزين السائل المنوي لعدة شهور بعد التلقيح، وتكون جاهزة لإخصاب البويضات بعد اكتمال نموها.

وثلث إناث أنواع القرش تضع بيضاً، أما باقي الأنواع فالإناث تلد صغارا، وأن جميع إناث القرش لها أرحام مزدوجة تحفظ فيها الأجنة لفترة ما.

وأسماك القرش التي تلد تحمل ما بين 6 - 12 مولودا، وبعض الأنواع مثل القرش المنقط والقرش ذي المطرقة يلد حوالي 45 صغيرا مرة واحدة. وتحمل أنثى قرش النمر 82 جنينا في بطنها، وإذا حدث ونفق أحد هذه الأجنة فإنها لا تجهضه، بل تظل تحمل الجنين الميت في بطنها، وعندما تحين ساعة الولادة يولد ميتا مع المواليد الحية الأخرى، وعند خروج أجنة القرش من أرحام أمهاتها تبدأ في تناول الطعام.

أشهر أنواع القرش

وأشهر أنواع القرش المأكولة في اليابان هو قرش البوربيجل، وهو من أنواع القرش الصغيرة، ولا يستخدم القرش كغذاء فقط، ولكن يستخدم أيضا الهيكل العظمي كسماد، ويستخرج من الكبد أنواع عديدة من الزيوت، كما يستخرج من كبد قرش البحار العميقة مادة السكوالين، وهي مادة تتميز بنسبة تخثر منخفضة، وقد استخدم اليابانيون هذه المادة خلال الحرب العالمية الثانية كزيت لتشحيم طائراتهم التي كانت تطير على ارتفاع عال في درجات حرارة منخفضة.

ويستخدم السكوالين الآن في اليابان في معالجة الحروق، وصناعة أدوات التجميل، ويقال إنه علاج فعال لكثير من الأمراض، من الإمساك إلى السرطان.

وقد وجد الباحثون الطبيون الأمريكيون مادة في كبد القرش تعرف باسم مساعد الإنزيم كيو 10، لها فعالية ضد السرطان ولكن لا يزال لهم بعض التحفظات عليها، وعلى الرغم من أهمية التجارب اليابانية في مجال زراعة الكائنات البحرية وحمايتها، إلا أن اليابانيين غير مدركين لأهمية حماية سمكة القرش، وبجانب صيد القرش بالحراب، فإن اليابانيين يصطادون القرش باستخدام ثمرة جوز هند جافة، وبداخلها بعض أصداف البحر، وتهز لتحدث صوتا يجذب القرش فتطفو بمحاذاة القوارب فيقبضون عليها بأيديهم.

وفي قرية فيا توجي باليابان يقوم الأطفال بغناء بعض الأغاني الشعبية لاستدعاء القرش أمام السائحين. وقد كان هناك اعتقاد سائد عن أن أسماك القرش حيوانات غبية تأكل بنهم ولا تتميز بشيء سوى حاسة شم جيدة، ولكن التجارب التي أجريت على القرش الليموني اللون والقرش النمر والقرش الثور أمكن تدريبها على رفع جسم ما، وإنها خلال فترة صغيرة أمكن تعليمها التمييز بين الهدف الصحيح والهدف الخاطئ وهي مهارة اكتسبتها بعد فترة تدريب قصيرة.

وقد وجد أن سمكة القرش المسماة سمكة الكلب تحس بمجال كهربي صغير جدا، يساعدها في العثور على فرائسها المدفونة تحت الرمال.

كما أن هذه الحاسة تساعدها في حركتها اليومية، وفي رحلات الهجرة الطويلة، وعندما تخرج في البحار المفتوحة فإنها تساعدها في توجيه نفسها كهرومغناطيسيا، وذلك باتخاذ مسار محدد مع المجال المغناطيسي الأرضي.

وسمك قرش الدراس يستبدل بأسنانه أخرى جديدة طوال حياته.

وأسماك القرش الليموني الصغيرة السن تحتاج من 7 - 12 يوما وذلك لنمو مجموعة جديدة كاملة من الأسنان.

والقرش المسمى القرش المشمس يمرر ما يقرب من 1500 طن من المياه في الساعة خلال خياشيمه التي تعمل كمصفاة تستخلص أصغر العوالق النباتية والحيوانية التي يتغذى عليها، والقرش الحوت على الرغم من ضخامته إلا أن أسنانه صغيرة جدا، لأنه يتغذى على القشريات والرخويات والعوالق البحرية في أغلب الأحوال، ولكنه يتغذى أيضا على اللحوم بطريقة شديدة الغرابة وذلك نظرا لصغر أسنانه حيث إنه يدخل وسط سرب السمك، ويقف عموديا في الماء ويفتح فمه ويغطس ويظهر على السطح عموديا في حركة منتظمة دافعا بهذه الحركة بكميات كبيرة من الأسماك في فمه. والقرش الأبيض الضخم هو نوع القرش الذي أكسب القرش الكثير من السمعة السيئة والغموض، وقد أعدّت عن هذا النوع الكثير جدا من الكتب، مثل موبي ديك لملفيل، والعجوز والبحر لآرنست همنجواي، وأفلام كثيرة مثل سلسلة أفلام الفك المفترس، وتوجد أسراب من القرش الأبيض الضخم في جنوب أستراليا بين الصخور الخطرة، وهذا النوع هو الوحيد من بين سمك القرش الذي يستطيع التهام جسم بحجم الإنسان، كما أنه على الرغم من شراسته يظل هادئا مادام لم يزعجه أحد، بل ويمكن الغوص بجواره، ولكن اصطباغ الماء بدم السمك شيء لا يستطيع احتماله فيبدأ بالهجوم في كل الاتجاهات.

ويحاول السكان في جنوب أستراليا قتل القرش الأبيض الضخم للحصول على قلبه وفكيه بأسنانه، حيث يبلغ ثمن فكي هذا القرش الذي يمكن لشخصين الانزلاق معا فيها بسهولة حوالي ألف دولار.

ويقول رودني فوكس من جنوب أستراليا وهو أحد خبراء الغوص: إن الغطس تحت الماء لمشاهدة الحيوانات والنباتات والطبيعة البحرية يعتبر اليوم من المشاريع التجارية المنتشرة في أماكن كثيرة من العالم، إلا أنها تعتبر أمرا غير مكتمل إذا لم تتم مشاهدة سمكة قرش واحدة أثناء الغوص، فسمكة القرش ذات المطرقة كائن رائع الجمال في بيئته الطبيعية تحت الماء، وينقلب هذا الجمال إلى شيء غريب وشديد البشاعة إذا ما طُعن وسُحب إلى ظهر المركب ميتا.

 

محسن حافظ

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




سمكة القرش رعب البحار والمحيطات





سمكة القرش رعب البحار والمحيطات





حتى لوحوش البحار توجد توابع تتطفل على بقاياه





صيد أسماك القرش نوع من مواجهة الإنسان لمخاوفه