يأتي الكتاب محاولة
لفهم الاتجاه الجديد والمثير المتمثل في تحول عالم الأعمال الياباني من مجرد تصدير
السلع اليابانية إلى شركات عابرة للحدود بالفعل تمتلك أصولا خارجية وتشغل عمالا
أجانب وتلعب دورا ولو جزئيا في سياسات الدول الأجنبية.
كما تكمن أهمية
الكتاب في أنه يأتي كرد فعل لتشكك الرأي العام الشديد لاسيما في الولايات المتحدة
في الاستثمارات اليابانية إجمالا وفي هذه الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المتقدمة
على نحو خاص.
ويؤكد المؤلف أن
معاملة المستثمرين اليابانيين باعتبارهم تهديدا ينبغي مواجهته هو افتقاد للنقطة
السليمة في التوجه، إذ ليس من صالح عالم الأعمال الأمريكي في المدى الطويل أن توضع
أية قيود أو حدود على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة. إذ كما
جادل جان جاك سرفان شرايبر في أوربا خلال الستينيات فإن حظر مثل هذه الاستثمارات لن
يؤدي إلى اختفاء التحدي لأن المستثمرين سوف يقومون بالمنافسة بكل بساطة انطلاقا من
قواعد مختلفة بينما ستظل عوامل الضعف المحلية على حالها.
ويشدد "بيل
إيموت" على أن حاضر ومستقبل الشركات اليابانية عابرة القومية مرتبط بأمرين هما:
مصير الاقتصاد الياباني ذاته، ومستقبل الأداء الاقتصادي العالمي. فليس هناك شركة
عابرة للقومية بدون دولة وراءها، ويصدق هذا على نحو أخص في حالة اليابان، كما أنه
لا يمكن تصميم استراتيجية لشركة بمعزل عن الاتجاهات العامة للاقتصاد العالمي. من
الواضح إذن أن التحولات في الاقتصاد الياباني من المحتمل أن تؤثر على شركات اليابان
الدولية، كما أن التغيرات التي سيشهدها الاقتصاد العالمي من المرجح أن تؤثر على نمط
استثمارات الشركات عابرة القومية المستقبلية بغض النظر عن الأصول القومية لهذه
الشركات. وتقدم أعداد الشركات العابرة القومية اليابانية دليلا على مدى تزايد
الارتباط والتداخل الدولي. ففي نهاية عام 1990 وطبقا لإحصاءات منظمة التجارة
الخارجية اليابانية كان هناك نحو 9500 شركة يابانية تابعة تعمل في الولايات المتحدة
وكندا. وفي أغسطس 1991 أجري تعداد مماثل في المجموعة الأوربية ووجد أن هناك نحو
2298 شركة يابانية تابعة في السوق الأوربية. بينما بيّن تعداد تم في نوفمبر 1989 أن
هناك نحو 3191 شركة مماثلة في أندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند.
وبالتالي فإن جملة عدد الشركات اليابانية في الخارج قد تصل إلى نحو 15000 شركة وهو
ما يؤكده المؤلف أنه تقدير متواضع مقارنة بالحقيقة.
ويذكر "إيموت"
أنه بافتراض أن كل شركة من هذه الشركات كانت توظف نحو 100 عامل فقط من مواطني
البلاد التي تعمل بها فإن ذلك يعني أن هناك نحو 1.5 مليون فرد في السوق الأوربية
والولايات المتحدة وكندا وجنوب شرق آسيا يعملون في مشروعات يابانية. وبينما يذكر
المؤلف أن الرقم الحقيقي غير معروف فإنه يبدو من المعقول تقدير أن هناك نحو مليوني
فرد يعملون في شركات يابانية تمارس نشاطها خارج اليابان، بل وربما يصل العدد
الحقيقي إلى أربعة أمثال هذا الرقم.
استثمارات
كبيرة
ومنذ عقد واحد
مضى فإن حفنة قليلة فقط من الشركات اليابانية هي التي كان لها وجود دولي وذلك خارج
شبكات الموزعين الذين يتعاملون مع الصادرات اليابانية. لكن بين يناير 1980 ويناير
1990 قدمت الشركات اليابانية استثمارات مباشرة في الخارج تصل في جملتها إلى 280
مليار دولار وهو ما يساوي شراء أو بناء اقتصاد دول كاملة مثل أستراليا أو الهند أو
البرازيل. ويبلغ هذا الرقم نحو عشرة أمثال الاستثمارات اليابانية المباشرة خلال
الفترة؟ الممتدة من عام 1951 إلى عام 1979 بالقيم الاسمية (أي غير معدلة وفقا
لمعدلات التضخم).
والأمر المهم في
شتى هذه الاستثمارات المباشرة هو أنها في أغلبها استثمارات جديدة. فقد تفجرت
الاستثمارات اليابانية المباشرة على نحو غير مسبوق في نهاية الثمانينيات، وقد تم
ذلك لأسباب مختلفة ولكنها مرتبطة.
ويعد السبب
المباشر الأول هو أوضاع الاقتصاد الكلي Macroeconomics فبعد عام 82/ 83 أصبحت اليابان فجأة مصدرة لرءوس الأموال
من شتى الأنواع، أي الاستثمارات المباشرة والاستثمارات في حافظة الأوراق المالية.
وبينما كانت اليابان مستوردة لرأس المال إذ كانت تسجل باستمرار عجزا في حسابها
الجاري بميزان المدفوعات، إلا أن هذا العجز انقلب إلى فائض في عام 82/ 83 واستمر
هذا الفائض في الزيادة حتى بلغ مقداره حوالي 87 مليار دولار في عام 1987 وذلك قبل
ان ينخفض إلى نصف هذا الرقم خلال الفترة الممتدة بين عامي 1988 و 1991 ثم عاد هذا الفائض ليسجل أكثر من الضعف في الفترة من 1991
إلى 1993. ومن المعروف أن البلدان التي تحقق فائضا في حسابها الجاري تصدر دائما رأس
المال بشكل أو بآخر، وذلك لأن هذه البلدان بحكم التعريف تمتلك فائضا فوق ما تقوم
بإنفاقه على واردات السلع والخدمات ومدفوعات فوائد الديون. ومع ذلك فإن هذا لا يعني
أن تقوم هذه البلدان بتصدير رأس المال في شكل استثمارات مباشرة. إذ يمكن أن يظهر
هذا الفائض في شكل زيادة في احتياطات البنك المركزي من العملات والسندات الأجنبية،
أو في شكل استثمارات في حوافظ الأوراق المالية في الخارج بواسطة مؤسسات الاستثمار
المحلية أو البنوك.
اليابانيون عابرو
القارات
وإلى جانب هذا
السبب المباشر الأول هناك ستة أسباب على المستوى الجزئي Microeconomics
وراء قيام الشركة اليابانية عابرة القومية
بالاستثمار المباشر في الخارج وهذه الأسباب هي:
1 - المزايا
الإدارية: فبعض الشركات اليابانية ترى أنه بإمكانها أن تحقق أرباحا في الخارج
بالمزج أن العمل الأجنبي الرخيص والتقنيات اليابانية. ورغم أن ذلك قد أصبح ممكنا
في الواقع عن طريق ارتفاع سعر الين، فإنه يمكن النظر إلى مثل هذا النمط من
الاستثمار باعتباره نوعا من الفرص التي تستغل بغرض الموازنة بين المزايا اليابانية
والمزايا التي تتوافر في الخارج.
فلو ان العمال
البريطانيين أو الأمريكيين كانوا مهرة ومدربين جيدا ولكنهم يعملون في مشروعات محلية
غير كفؤة، فإن أجر السوق سوف يتحدد طبقا للإنتاجية التي تحققها الإدارة والآلات
المستخدمة. ولو استطاع أي مشروع إدخال وسائل إدارية أكثر تفوقا من الخارج (في هذه
الحالة من اليابان) فإنه يصبح بمقدور هذا المشروع تحقيق إنتاجية أعلى بينما سيظل
أجر السوق محددا بمستويات الإنتاجية المحلية الأدنى وهو ما يمكن المشروع الياباني
من تحقيق أرباب أعلى.
2 - القيود
المفروضة أمام الأعمال: فالقيود التجارية أو التهديد بها تجبر المشروعات اليابانية
أحيانا على إقامة مشروعات داخل أسواقها الخارجية بدلا من أن تنتج في اليابان ثم
تقوم بشحن المنتجات لهذه الأسواق.
3 - اغتنام
الفرص: إذ بالنسبة لبعض المشروعات اليابانية تعد الأصول الأجنبية، شاملة الملكية
العقارية والشركات أو حتى القوة الخلاقة للبشر، أرخص من نظيرتها اليابانية وكل ما
يحتاجه الأمر هو قوة رأس المال ليصبح كل هذا ملكا لليابانيين.
4 - الأسواق
الناضجة أو كثافة المنافسة أو كلاهما: حيث يمكن للإنتاج في الأسواق الخارجية في بعض
الأحوال أن يوفر مزايا المرونة الكبيرة في الاستجابة لحاجات هذه الأسواق كما يوفر
وعيا أكبر بطبيعة هذه الاحتياجات والتغيرات التي تطرأ عليها.
5 - التكنولوجيا
المتوافرة في السوق الخارجي: من الممكن أن تمتلك المشروعات اليابانية مزايا في
إنتاج بعض المنتجات الصلبة Hardware ولكنها
من الممكن أن تكون في الوقت نفسه أقل جودة في مجال التكنولوجيا اللينة
Software وهذا أوضح ما يكون في مجال الكمبيوتر على
سبيل المثال. وفي هذه الحالة فإنه بدلا من إنفاق مليارات الدولارات لتنمية هذه
التكنولوجيا في اليابان فإن الأمر الأقل تكلفة والأكثر سهولة هو شراء الخبرات
الخارجية أو تنمية هذه التكنولوجيا في مراكز خارجية تمتاز في هذا المجال ثم جمع ذلك
مع منتجات التكنولوجيا الصلبة اليابانية.
6 - ملاحقة
العملاء اليابانيين في الخارج: لو أن مشروعا يابانيا كان له عملاء يابانيون قرروا
فجأة نقل أعمالهم للخارج، فإن ذلك قد يدفع هذا المشروع لملاحقة عملائه. ويصدق هذا
الأمر على الموردين المحليين للمشروعات الصناعية التي انتقلت للخارج، كما أنه يصدق
كذلك على الشركات التي تتعامل في مجال السياحة مثل سلاسل الفنادق اليابانية ووكالات
السفر التي تتوافر لها أسماء وشهرة قوية داخل اليابان حيث تحاول أن تستغل هذه
السمعة وسط الأعداد المتزايدة من السياح اليابانيين خارج البلاد. وهو الأمر الذي
سبق لسلاسل فنادق هيلتون وشيراتون عمله مع تزايد ميل الأمريكيين للسفر في
السبعينيات.
ولا تعد هذه
الأسباب الجزئية الستة وراء تزايد الاستثمارات المباشرة اليابانية الخارجية أسبابا
حصرية، كما أنها ليست أسبابا ينفصل كل منها عن الآخر فالعديد من الشركات اليابانية
اتخذت في الواقع قرارها بالاستثمار خارجيا نتيجة لمحصلة من كل هذه العوامل أو بعضها
على الأقل.
أسئلة
وأفكار
ويثير المؤلف في
كتابه ثلاثة أسئلة رئيسية هي:
هل تختلف
الاستثمارات اليابانية عن غيرها من الاستثمارات؟
هل مثلت الشركات
الأمريكية عابرة القومية تهديدا للدول المضيفة في عقد الستينيات؟
هل هناك ما يدعو
إلى اتخاذ موقف خاص تجاه الشركات اليابانية العابرة للقومية في مقارنتها ببقية
الشركات العاملة في الولايات المتحدة؟
والواقع أن
السؤالين الأول والثالث ينبعان من الأفكار التي شاعت في الولايات المتحدة عن أن
الاستثمارات اليابانية في الصناعات التكنولوجية ينبغي عدم السماح بها أو على الأقل
الحيلولة دون استمرارها بدون ان توضع أمامها قيود وحدود.
ويثير هذان
السؤالان بدورهما السؤال الثاني، فمنطقيا لو أن الاستثمارات اليابانية تمثل ضررا
لأمريكا فإن الاستثمار الأمريكي يمثل بدوره ضررا للبلدان الأخرى.
ويقدم المؤلف في
فصول كتابه إجابات واضحة عن الأسئلة التي أثارها. فيذكر أن العديد من التوقعات خلال
الستينيات والسبعينيات التي كانت تتحدث عن هيمنة عدد محدود من الشركات الأمريكية
عابرة القومية على الاقتصاد العالمي قد ثبت خطؤها إذ ظهرت للوجود العديد من الشركات
عابرة القومية الأخرى التي نافست الشركات الأمريكية، ليس فقط من اليابان وإنما من
أوربا الغربية وشمال شرق آسيا. وأصبح الاقتصاد الدولي الآن أكثر اندماجا من أي وقت
مضى، لكن المنافسة أصبحت أيضا أشرس وأكثر توزعا، وثبت أن تهديد وحش الشركات العابرة
القومية لم يكن أكثر من مجرد تهديد أسطوري. ويؤكد الكاتب أن جميع الدول أصبحت تؤمن
الآن بعدم أسطورية الشركات عابرة القومية. فبلدان أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا
وإفريقيا التي جاهدت لمدة عقدين لإبقاء هذه الشركات بعيدة عن شواطئها، أضحت الآن
تجاهد بكل ما وسعها الجهد لاجتذاب هذه الشركات. إذ تعلمت هذه الدول الدرس القاسي
وهو أن اقتراض مليارات الدولارات من البنوك وإبقاء أسواقها مغلقة لم يكن أمرا
ناجحا، وترى هذه البلدان الآن أنه من الأفضل لها إيقاف الاقتراض وفتح أسواقها
للتجارة والاستثمار. ولا يوجد سوى استثناء واحد لمثل هذا الاتجاه ألا وهو الولايات
المتحدة التي شهدت أعنف جدال حول الاستثمارات الأجنبية عموما واليابانية خصوصا.
وأمريكا فقط هي التي شهدت أناسا جادين يقترحون وضع معايير خاصة بالشركات اليابانية
عابرة القومية للحد من اختراق هذه الشركات للسوق الأمريكي.
هل نعزل الشركات
اليابانية؟
ويوضح الكاتب أنه
ليس هناك ما يدعو إلى عزل الشركات اليابانية، إذ إنها لا تشكل تهديدا مختلفا نوعيا
عن غيرها من الشركات، كما أنها لا تعد ظاهرة فريدة من نوعها. وتؤكد الاستقصاءات
التي أجراها الكاتب هذه الحقيقة. إذ لا تشكل الشركات اليابانية استثناء وفقا لأي
معيار حتى بناء على مستوى الربحية، فقد وجد الكاتب أن 75 شركة من هذه الشركات تحقق
أرباحا بينما 64 شركة لا تحقق أرباحا ولا تتوافر معلومات عن 12 شركة وذلك من بين
العينة التي أجرى الكاتب الاستقصاء عنها. وإذا أخذ في الاعتبار أداء الشركات
اليابانية داخل الولايات المتحدة وحدها سنجد أن 36 شركة تحقق أرباحا، بينما 50 شركة
لا تحقق ربحا و 6 شركات لم تتوافر عنها معلومات.
إضافة إلى ذلك
يوضح الكاتب سببا آخر وهو أنه حتى لو تم اتخاذ إجراءات بعينها ضد الشركات اليابانية
بشكل خاص فإن هذا لن يساعد على إنجاز الهدف المرغوب فيه، وهو إحياء الهيمنة
الصناعية الأمريكية مرة أخرى. حيث يرى الكاتب أن مثل هذه الإجراءات سيكون لها أثر
سلبي على قوة عالم الأعمال الأمريكي وعلى حيوية الاقتصاد الأمريكي
ككل.