إنهم يستعدون لاستعمار القمر .. ! فعلاً سعد شعبان

إنهم يستعدون لاستعمار القمر .. ! فعلاً

لم يعد التطلع إلى القمر وقفا على العشاق والشعراء فهناك من يتطلع إليه طامحا إلى امتلاكه ، أو امتلاك أجزاء منه ، سواء للإقامة ، أو لاستغلال إمكانات يخبئها وجهه البعيد وحتى نتيقن من حقيقة ذلك ، علينا أن نتحرى الأمر الذي لم يعد حلما . ولا قولاً

"نيل ارمسترونج " كان أول رائد فضاء وأول إنسان وطىء بقدميه سطح القمر في 19يوليو 1969 ، وفى هذه اللحظة التاريخية، نطق جملة بليغة نصها: "هذه خطوة صغيرة يخطوها إنسان، ولكنها قفزة كبيرة للإنسانية".

هذا الإنجاز هو الذي قفز بالبشرية منذ نحو ربع قرن؟ إلى أول جرم سماوي باعتباره أول باب للولوج إلى الفضاء، وكان ذلك حلما خطط له الرئيس، الأمريكي الأسبق "جون كيندي" ثم أصبح حقيقة.

غير أننا لو تأملنا في الأقوال البليغة التي نطق بها الرواد، والتي حفرت على المركبة القمرية، سنجد أن لها خلفية علمية، تعكس طبيعة القمر وخصائصه.

تفاصيل سطح القمر

عرفت تفاصيل سطح القمر منذ بدأ "جاليليو" النظر إليه بمنظاره المقرب عام 1610، وأولى الخرائط التي رسمت لهذا السطح كانت عام 1674، ولكن بعد أن استقر العزم على الهبوط على سطح القمر، في فجر عصر الفضاء ، توالي اطلاق الأقمار الصناعية لتدور حوله لتصوير هذه التفاصيل عن قرب، أملا في أن تفصح الصور القضائية عن دقائق هذه التفاصيل.

ولقد تسابقت الدولتان الكبريان الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا في اطلاق الأقمار التي كانت ملايين الصور لهذا السطح. ثم عمدتا إلى اطلاق سفن فضاء، حط بعضها برفق فوقه للكشف عن طبيعة هذا السطح، وقياس مدى صلابة صخوره .

ولعـل النظرة إلى المعالم الطوبوغرافية القمرية ، ترسم لنا الصعوبات التي سيلقاها العلماء عند التخطيط لإقامة المدن القمرية . ذلك أن هذه المعالم تتنوع بين

شقوق وأخاديد، يمتد بعضها عدة مئات من الكيلو مترات، لم يتبين العلماء بعد عمقها أو غورها.

فوهات مستديرة، وتجاويف تشبه تلك التى تتوزع في قرص الجبن ، يعزوه العلماء وجودها إلى أنها نتجا عن اصطدام النيازك والأحجار الكونية بسطح القمر وتتراوح أقطار هذه الفوهات بين بضعة أمتار وبضعة كليو مترات ، وتتميز بحوافها البارزة . وقدر العلماء العدد التقريبي هذه الفوهات بما يقارب ثلاثين ألف فوهة بين صغيرة وكبيرة، فوق النصف المرئي من  القمر وحده. وهناك أحدى وثلاثون سلسلة جبلية فوق الوجه المرئي للقمر، وقد اطلق عليها أسماء تشابه جبال الأرض ويبلغ علو أكثرها ارتفاعا 7600 متر.

وتوجد كذلك وديان ومنخفضات وقد أطلق العلماء عليها مجازا اسم البحار والمحيطات، نظرا لاستواء سطوحها وكبر مساحاتها وأهمها "بحر الهدوء، الذى تحقق عليه هبوط المركبة القمرية في الرحلة التاريخية " ابوللو- 11" يوم 19 يوليو 1969.

تربة القمر

كانت هناك شكوك قديمة قبل بدء عصر الفضاء، عن كون تربة القمر رخوة، أو كالرمال المفككة، يمكن أن تغوص فيهـا الأقدام. وبالتالي فهناك استحالة في أن يدب الرواد عليهـا بخطوات عادية، لأن قلة الجاذبية القمرية ستجعل الخطوات كقفزات الكنجارو.

ولم يحسم هذه المزاعم إلا ما حققته سفن الفضاء بمسيرة تحقفت أولى خطواتها بواسطة السفينة السوفييتية "لونا - 9" التي كانت كروية الشكل، وبعد الرسو انفردت منها أربع زعانف مثلثة تم التحكم فيها بعد الهبوط، فانفردت بكاملها للتحقق من أنها لم تغص ولم تختف في التربة القمرية.

وقد نقلت معلومة قيمة عن صلابة سطح القمر فبددت الظنون الخاطئة عن كونه ترابيا ورخوا.

ولقد كرر الاتحاد السوفييتي نفس التجارب بإطلاق قمرين أحدهما من طراز "لونيك" والآخر من طراز "لونا" وكان كل منهما يحمل علما للاتحاد السوفييتي نجح في غرسه فى التربة القمرية بعد أن استقر فوقها. ومن انجح التجارب الأمريكية المماثلة تلك التي قامت بها سلسلة السفن الأمريكية "سيرفيور"، التي كانت مزودة بثلاث أرجل مثلثة ومرتفعة، وتنتهي كل  منها بوسادة دائرية لتقوم بعمل يماثل "خف الجمل". وكان كل منها مزودا بمثقاب ميكانيكي يمكنه أن يغوص بعمق يصل إلى متر ونصف المتر تحت السطح، ويمكنه جمع الصخور الناتجة عن الحفر وتحليلهـا كيماويا وإرسال نتائج التحليل إلى الأرض. كما كان على بعضها أجهزة سيزموجرافية لقياس الاهتزاز عند اصطدام النيازك بالقمر، وأجهزة مغناطيسية لقياس المجال المغناطيسى حوله، فضلا عن الكاميرات التلفزيونية التي كانت تصور السطح حول السفينة. ومن أدق التجارب ، تلك التي قامت بها السفينة "سيرفيور- 6" فى نوفمبر 1967 عندما تم التحكم فيهـا من الأرض، فقفزت السفينة إلى أعلى بمقدار ثلاثة أمتار، وحطت على بعد مترين ونصف المتر من مكانها الأصلى. وبعد ذلك تم التقاط صور " ستريو- تلفزيونية" للمكان الأصلي، أظهرت مدى غوص الوسائد التي ترتكز عليها الأرجل.

وقد استقر رأي أغلب العلماء قبل الهبوط على القمر ، على استحالة وجود ماء على سطحه لعجزه عن الاحتفاظ بجو خاص به ولكن بعد تحليل الصور التي التقطتها السفينة "ابوللو- 8 " في ديسمبر 1968، قوي احتمال وجود بعض الماء في المناطق العميقة من السطح والمعروفة باسم "بحار القمر". وكان الباعث على ذلك هو رؤية مناطق فى قاع هذه البحار تشبه الشواطئ التي انحسر عنها الماء، ووجود بعض فوهات لها حواف غير تامة الاستدارة أي على شكل حدوة الحصان. وقد علل بعض العلماء ذلك، بأنه حدث نتيجة لتدفق تيار من الماء عبرها. وقد دعم هذا الاحتمال وجود بعض الوديان بين جبال القمر الصخرية، وهذه لا يمكن أن تأخذ أشكالها المتعرجة إلا بتدفق الماء الذي كان موجودا في يوم من الأيام.

وقد ذهب بعض العلماء إلى احتمالى وجود بللورات ثلجية متجمدة تحت سطح القمر. وفسروا ذلك بوجود مصدر حراري ذاتي بين صخور القمر، يعمل بصفة مستمرة عل طرد الغازات التي في جوفه ومنهـا بخار الماء فى الخارخ ، فيتجمد بعضه ويتحول إلى صقيع نظرا لانخفاض درجة حرارة هذه المناطق. ولذلك فالرأي الأكثر ترجيحا هو وجود الماء تحت سطح القمر ولكن في صور متجمدة.

وقد اختار العلماء منطقة "بحر الهدوء، للهبوط الأول على القمر، نظرا لخلوها من الفوهات العميقة والمرتفعات الجبلية وانبساط مساحة كبيرة من سطحها، وكان مع الرواد اطلس يضم (92) خريطة قمرية تفصيلية بمقياس رسم كبير، توضع كل صخرة بل كل حجر تزيد أبعاده على متر، كما زود رواد القمر بجدول للألوان، نظرا لاختلافها عن الألوان المعروفة على الأرض، بسبب عدم وجود جو للقمر وسقوط أشعة الشمس مباشرة عليه. وبرغم أن الخطوات الأولى على القمر كانت محدودة ، لكنها قد بددت كل المخاوف التى ترددت من قبل عن رخاوة سطح القمر. وقد قام الرائدان "أرمسترونج وألدرين " بوضع خمسة أجهزة علمية على مسافات قريبة من مكان الهبوط.

ولكن أهم من ذلك انهما قاما بجمع عينات من تربة القمر داخل أكياس من النايلون بعد أن قاما بجمعها بواسطة جاروف وشوك خاصة، وقد بلغ وزن ما تم جمعه في هذه الرحلة القمرية الأولى 36 كيلو جراما، عادا بها إلى الأرض في السفينة الأم التي كانت تدور على مدار قريب من القمر. ولقد عكف نحو (130) عالماً من (50) معهدا ومركز بحوث على تحليل هذه العينات لمعرفة أسرارها.

ولا شك أن الهدف كان أبعد من قياس صلابة هذه الصخور، أو التوصل إلى تكوينها الكيماوي بل يمتد إلى الجانب البيولوجي، لمعرفة مدى تأثير الأشعة الكونية فيها وإلى أى مدى تؤثر هذه الإشعاعات في النبات والإنسان عندما يعيش على القمر؟، ولذلك حقنت كثير من حيوانات التجارب بعينات من التراب القمري، وكثير من العينات النباتية، وبقيت تحت الملاحظة والتسجيل لدراسة التغيرات التي طرأت عليها. وبعد رحلة "ابرللو- 11" توالى ارسال ست رحلات قمرية أخرى، وانتهى بها برنامج "ابوللو" في ديسمبر 1972.

ولقد تطورت العمليات في هذه الرحلات الثلاث التالية، حيث كان الرواد ينتقلون بسيارة قمرية صممت خصيصا لتحقق سهولة الانتقال من مكان الهبوط، إلى أماكن تبعد عنه عشرات الكيلومترات. ولذلك فقد تميزت السيارة القمرية بخقة الوزن وبسهولة الطي، لكي تحتويها المركبة القمرية. كما صممت عجلاتها الأربع بأسنان مشرشرة تسمح بسهولة الحركة فوق المناطق القمرية ذات التربة الناعمة. وكان هيكلها بسيطا ويلا غطاء وكان يمتطيها رائدان، وقد استطاع الرواد بفضل وجودها جمع مئات الكيلو جرامات من الصخور والأتربة القمرية من أماكن متفرقة ، كما استطاعوا صعود بعض المرتفعات ، والخوض بها في كثير من الوديان والفوهات.

ثم تطور تصميم السيارة فى الرحلات الثلاث الأخيرة من "ابوللو- 15 إلى 17 " حيث زودت بست عجلات، وكان يمكن طيها، وزودت باطارات خاصة. ولقد تجمع لدى العلماء أكثر من (400) كيلو جرام من صخور القمر، أهدي حوالي (25) كيلو جراما منها إلى بعض الدول للمشاركة في البحوث العلمية، منها إنجلترا وكندا واليابان والاتحاد السوفييتي. وعرضت قطعة صغيرة منها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

ما بعد ابوللو

في الوقت الذى توالت فيه رحلات ابوللو، كان السوفييت يوالون أيضا اطلاق سفن فضاء مأهولة في البرنامج الفضائل العملاق المعروف باسم "سويوز". وقد بدأ برنامج " سويوز" بسفن تحمل رائدا واحدا منذ أبريل 1967، ثم تطور بحمل رائدين ثم ثلاثة، وقد انتهى البرنامج بالرحلة "سويوز-17 " في يناير 1975، وخلال الفترة بين 1973 و1975 تركز برنامج الفضاء الأمريكي على الإعداد للخطوات التالية كان أولها الإعداد والتدريب على مهام للرحلة الفضائية المشتركة بين أمريكا وروسيا، والتي كانت باكورة التعاون الفضائي العالمي بالتحام سفينة أمريكية من طراز "أبوللو" بأخرى سوفييتية من طراز "سويوز"، تربط بينهما وحدة " مهيأة " لتحقق الربط بين السفينتين في الفضاء، وقد تحققت الرحلة بنجاح في يوليو 1975. وقد اثبتت قائمة التجارب التي اجريت خلالها أن أبحاث الفضاء لم تعد ترفا علميا بل تطورت إلى تطبيقات تدخل واقع الحياة. فقد شملت قياسات للإشعاعات في الغلاف الجوي، وظواهر جوية محيرة، وصنع سبائك معدنية بصهر ثلاثة معادن في الفضاء. وتصوير مصادر التلوث في بعض المناطق الأمريكية والسوفييتية، وتصوير مسارات المياه فوق جبال الهيمالايا. وإجراء تجارب طبية عن فعل البروتينات والفيروسات والخلايا الحية في دم الإنسان، ودراسة تأثير الأشعة الكونية في بعض المواد العضوية كالبيض وجذور نبات الفول وبعض الأحياء البحرية كالجمبري. وبعد هذه الرحلة انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية، فى تنفيذ مشروع "المكوك" الذى بدأ فى إبريل 1981، والذى مازالت رحلاته تتوالى في ابهار شديد حتى اليوم.

والحق أن رحلات المكوك الأمريكي، قد ازالت من الأذهان الرؤية التي كانت تحيط برحلات الفضاء، وأصبحت هذه الرحلات بتواليها على فترات قصيرة ومتلاحقة، وكأنها رحلات جوية، وساعد على ذلك أن هيكل المكوك هو هيكل طائرة ضخمة، ولا يختلف عنها إلا فى أنه يرتفع إلى الفضاء، في وضع رأسي ملتصقا إلى صاروخ ضخم، ولكنه يماثل الطائرة في إنه يهبط على الأرض في مطار به ممر طويل .

الجنس اللطيف يهوى القمر

الدكتورة " سالي رايد " كانت أولى رائدة فضاء أمريكية ، عندما اشتركت في رحلتين لمكوك الفضاء في عامي 1983، 1984. ولقد فتحت الباب على مصراعيه لرائدات أخريات بعدها، حيث لم يكن قد سبقها من الجنس اللطيف غير رائدة فضاء سوفييتية واحدة هي "فالينتينا تريشكوفا" عام 1963.

وكانت تتدرب للقيام برحلتهـا الثالثة، عندما انفجر المكوك تشالنجر عام 1986. وقد كلفت بالاشتراك في لجنة التحقيق التي تولت كشف أسباب الحادث ، ثم عينت لا منصب مساعد لمدير وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية " ناسا " للتخطيط الاستراتيجي.

ولقد امتلكت " سالي رايد" ناصية الشجاعة عندما أعلنت بحكم مسئوليتها عن هذا المنصب ، أن خطة الولايات المتحدة الأمريكية التى انصرفت عن غزو القمر، وركزت على انجازات أخرى في الفضاء بواسطة المكوك، خطة قد جانبها الصواب. ودقت جـرس الإنذار، بأن الإمكانات الفضائية السوفييتية لا يمكن الاستهانة بها، بل إنها قد تفوقت في كثير من المجالات على الإنجازات الأمريكية، وقدمت احصاءات تدعم رأيها.

كما اعطت تصورا لما يمكن أن يحدث من انتصارات فضائية سوفييتية واستندت في ذلك إلى أن الاتحاد السوفييتى قد أطلق " المحطة المدارية مير" ذات الإمكانات المتعددة والتى تدعو فى الانبهار- كما توصل إلى صنع صاروخ الدفع "انيرجيا" الذي يفوق في قدراته كل الصواريخ الأمريكية، كما توصل إلى تصميم المكوك "برران" واستعد لإطلاقه وأن أهم ملامح التفوق السوفييتى، تتجلى في طول مدد بقاء رواده في المحطات المدارية، حتى قاربت على عام كامل، بينما ما زال الرقم الأمريكي متجمدا عند (841 ) يوما.

ومن ثم فقد نادت "سالي رايد" بأن الاستراتيجية الفضائية الأمريكية يجب أن تتحول فى إعمار القمر قبل التفكير في غزو المريخ وبذلك تواصل ما انقطع من اكمال مشوار برنامج أبوللو ، حتى يمكن التميز عن البرنامج السوفييتى ، الذي توقف عن إرسال سفن فضاء إلى القمر لإحضار عينات من صخوره ، بعد أن فشلت السفينة "لونا- 15" في القيام بهذه المهمة عام 1969، في نفس الوقت الذي هبط فيه الرائدان الأمريكيان في رحلة "أبوللو- 11 ".

وقارنت الدكتورة "سالى رايد" بين تحقيق الإنجازات الفضائية على القمر، أو المريخ، وزكت الترجيح الأول. لأن الطريق إلى المريخ مازالت تعوزه كثير من الإمكانات التى لم يذللها العلماء بعد.

ولقد لقيت صيحة "سالي رايد"، صدى طيبا لدى الأوساط العلمية والسياسية الأمريكية.

ولعل المغزى المستتر لرأى " سالى رايد"، هو العدول عن الإنفاق الباهظ على مشروع خيالى يحتاج لعدة سنوات لتحقيق الوصول إلى كوكب المريخ والإسراع بإنفاق يقل كثيرا، على مشروع مضمون ومأمون، وسبق طرق أبوابه وهو إعمار القمر.

خرسانة فى الفضاء

لقد تأكدت نية التحول والعودة فى القمر، ووضع الخطط لإرساء قدم مستقرة على سطحه، بتجربة رائدة اجريت في أغسطس 1994. فقد حمل مكوك الفضاء "انديفور" خلاطا ضخما للخرسانة، لخلط كميات من الأسمنت مع الرمل، بهدف التعرف على مدى تماسكها تحت حافة قلة الجاذبية أو انعدام الوزن. وذلك كخطوة لإقامة مدن على القمر، حيث تتوافر العناصر الأخرى اللازمة للبناء من صخور وأحجار ورمال.

وقد تم خلط قدر من الأسمنت وزنه (1.5) كيلو جرام، مع مثيل له من الرمل، مع قدر من الماء والكيماويات اللازمة لضمان تجانس التوزيع والمزج، وذلك لصنع كتلة خرسانية في حجم رغيف الخبز المستطيل، وقد تم خلط هذه المواد على مدى عشر دقائق داخل خلاط يدور بالكهرباء في بسرعة متوسطة ، وقد تركت العينة الخرسانية لتجف خلال الرحلة التى استمرت عشرة أيام ، ثم أكملت عملية التجفيف على مدى الشهر التالي ، قبل أن تخضع لاختبارات الصلاحية.

وتهدف هذه الاختبارات لمعرفة مدى توزيع مسام المادة الجديدة، ومدى تماسكها ومقدار صلابتها عند تعرضها لقوى الضغط والشد والقص والثنى، ولا شك أن هذه التجربة، ستكون بمثابة الخطوة الأولى لإقامة المنشآت على القمر، بعد ضمان جودة التماسك بين جزئياتها. وهى تذكرنا بالتجارب التى أجريت قبل أكثر من عشر سنوات، على مزج المعادن في الفضاء ، لصنع سبائك صلبة، والتخوف من عدم تماسك جزئيات المعادن تحت حالة انعدام الوزن. ولقد اجريت التجارب بلحام هذه المعادن، في سفن فضاء سوفييتية وأمريكية، تحت ضغط شديد، ثم أخذت شرائح منها، ودرس مدى تخلل الغازات والفقاعات داخل السبائك.

وكانت هذه الخطوة بمثابة الركيزة الأولى، لتكوين الهياكل المعدنية في الفضاء، لمعرفة مدى تماسكها ومدى تأثير طبيعية الفضاء خاصة الأشعة الكونية فيها.

مدن على القمر

إن طموح إعمار القمر، وإقامة مدن على سطحه، تكتنفه كثير من المصاعب، التى تشطح خيالات الفنانين ووسائل المهندسين، ومعادلات العلماء لتصور حلول لها. وأولى هذه العقبات هى التفكير في النمط المعمارى المناسب الذي يمكن أن تكون عليه المدن القمرية حتى لا تتعرض للتدمير بالاصطدامات النيزكية.

ولذلك خرج بعضهم بتصورات قوامها القباب والسطوح نصف الكروية. وجنح الخيال إلى أنه يمكن استغلال تجاويف الفوهات القمرية المستديرة والعميقة استغلالا يخدم هذا الغرض. وامتدت الشطحات إلى جدل حول جدوى التوسع الأفقى أم الرأسى في هذه المدن، وجدوى استخدام البلاستيك أو الألومنيوم في إقامة الجدران والنوافذ.

وما زالت طي الدراسة أفكار عن مصادر الطاقة التى يمكن أن تزود المدن القمرية، وكيف يمكن تخزين المياه اللازمة بداخلها، ومصادر الأوكسجين اللازم لتنفس سكان هذه المدن. وهل يمكن استغلال التربة القمرية في زراعة بعض أنواع الغذاء، أو النباتات التى يمكن أن تزود سكان المدن بقدر من الغذاء والأوكسجين، أم يلزم جلب كل ذلك من الأرض؟

وتصور بعضهم أنه من السفسطة الاعتماد على الخامات القمرية الموجودة في تربته، كمواد للبناء. وأفتوا بجدوى نقل المبانى سابقة التجهيز من الأرض إلى القمر، في رحلات متتابعة بواسطة المكوك أو بالقفز بها إلى القمر عبر المحطة المدارية الأمريكية "الحرية" التى، من المقرر إقامتها في الفضاء هذا العام لتكون بمثابة (رصيف تخزين) تنقل إليه كل مستلزمات المدن القمرية، ثم تحول منها إليه في رحلات متتابعة وقصيرة.

ولقد شطح خيال العلماء، إلى ضرورة إقامة شبكة من الطرق تربط بين المدن القمرية، وما يمكن أن يكون عليه تطوير السيارات القمرية التى استخدمت في رحلات أبوللو الأخيرة، لتكون وسيلة تنقل سهـلة بين هذه المدن.

ولقد تشعبت البحوث عن المدن القمرية ، إلى التفكير في وسائل حماية سكان هذه المدن من الأشعة الكونية، والقذائف النيزكية. وكيف سيتغلب السكان القمريون على البرودة طوال الليل القمرى، الذى يمتد (14) يوما. وكيفية تبديد الظلام الذي سيحيط بهم طوال هذه المدة، وفي نفس الوقت يعمل علماء آخرون، في ابتكار الوسائل لتخلص سكان المدن من فضلاتهم  وقمامتهم، مع عدم تلويث البيئة القمرية، لكيلا تتحول إلى مثيلتها التى خربت على الأرض. ولا شك أن هناك مئات من القضايا اللازم حلهـا ، قبل أن ينقل الإنسان شروره من الأرض إلى القمر.

ولعل أغرب هذه القضايا، هي التفكير العكسى، في إمكان جلب بعض الصخور من القمر إلى الأرض، إذا ثبت أن فيها عناصر يندر وجودها لدينا.

 

سعد شعبان 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




التأهب لأول خطوة على القمر





أثر أول قدم وطئت سطح القمر





السير فوق القمر





جبل على القمر





السيارة القمرية