عزيزي القارئ

عزيزي القارىء

تحت خيمة واحدة

عزيزي القارىء..

تقول العرب : ثقف فلان. أي صار حاذقا فطنا. وثقّف الشيء، أي أقام المعوج منه وسوّاه. وهذا اللسان العربي القديم، المبين، لم تبتعد عنه آراء الفلاسفة المعاصرين في جوهر الأمر، رغم الجدال الفلسفي الضاري حول مفهوم الثقافة، ولعل أقرب وأوسع تصور للعملية الثقافية ما صاغه المفكر الإنجليزي "ميتيو أرنولد" معرفا الثقافة بأنها "عملية تراق نحو الكمال الإنساني، تتم بتمثل أفضل الأفكار التي عرفها العالم".

وهنا يتضح أكثر، مفهوم تبادل الثقافات كإثراء للتراقي، أو ما يمكن أن نصوغه في كلمة واحدة هي "التثاقف "، وهذا التثاقف ليس نفيا للذات، بل تأكيد لاستمرارها في الحياة، والحياة المعاصرة- كما هو واضح جدا- لم تعد حياة جماعات منفصلة على جزر ثقافية منفصلة، بل هي حياة جنس بشري تضمه قرية صغيرة .. هي الأرض، تحت خيمة واحدة زرقاء هي الغلاف الجوي.

التأكيد على حتم التثاقف وحيويته، قد يكون جوهر عددنا هذا، عزيزي القارىء .. فاستطلاع العدد "فنزويلا .. زهرة الأوركيد تواجه المتاعب " يذهب إلى ذلك البلد الأمريكي اللاتيني الذي يعتبر نموذجا لضرب الأمثلة عند الحديث عن العالم الثالث العجيب، بإمكاناته الثرية ومآزقه التي لا تبرير لها، ويطرح الاستطلاع تصورا للنجاة من المآزق عبر رؤية العملية الحية لعبور الأجناس في بلد تمتزج على أرضه دماء عديدة، وبالتالي تتمازج الثقافات. وهذا التثاقف اليومي الحي هو مثال جيد لقبول الآخر، وهذا القبول للآخر هو سبيل النجاة في عالم التناحرات العرقية والعشائرية والقبلية التي ما فتئت تشعل النار هنا وهناك في "العالم الثالث " تحت تلك الخيمة الزرقاء التي لا بديل لحياتنا عنها.

هذا التثاقف الحي لعله يكون تثاقفا أفقيا، ومن ثم، لا اكتمال له إلا بتثاقف آخر على سائر المحاور، ومنها محور الزمن، وإذا كانت مقالة "المتنبي ليس شاعرا" تثاقفا يحيي الماضي في الحاضر ويعيد تقليبه، فإن مقال "جادة المعلومات " هو تثاقف يستحضر المستقبل في الحاضر ويمعن في تفقده.

ولا تتوقف عملية الاحتفاء بالتثاقف، في عددنا هذا، عند حدود أشكاله، بل تعتني أيضا بأدواته المعاصرة: الجامعة، في استطلاع "جامعة الخليج في البحرين "، والحاسوب، في استطلاع "الكمبيوتر العربي.. انطلاقة نحو المستقبل ".

أما مقالات "العزلة الأمريكية" و"تغريب العالم " و"الهلع من اليابان "، فإنها جميعا تصب- وإن برؤية نقدية- في بحر التثاقف، هذا البحر الزاخر، الذي ينبغي- عزيزي القارىء- ألا نكتفي بالوقوف عند شاطئه، بل ينبغي أن نمخر عبابه، ولعلنا لا ننسى أن زرقة البحر، أي بحر، هي انعكاس للون تلك الخيمة الزرقاء التي تضمنا جميعا، فلا نجفل .. ولنتثاقف بحب البشر للبشر.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات